أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - قضايا ثقافية - رحيم حمادي غضبان - السيطرة والقيادة بين الأرادة والقيم














المزيد.....

السيطرة والقيادة بين الأرادة والقيم


رحيم حمادي غضبان
(Raheem Hamadey Ghadban)


الحوار المتمدن-العدد: 8491 - 2025 / 10 / 10 - 19:39
المحور: قضايا ثقافية
    


منذ فجر التاريخ والإنسان يعيش صراعًا داخليًا بين حاجته إلى القيادة ورغبته في التحرر، بين ميله الفطري إلى السيطرة على محيطه وخوفه من أن يُستَعبد من سلطةٍ أقوى، وهذا الصراع لم يكن يومًا سياسيًا فحسب بل هو في جوهره فلسفي وإنساني، لأن السيطرة والقيادة تمثلان في النهاية صورة من صور الإرادة الإنسانية في أرقى تجلياتها أو أسوأ انحرافاتها. فالقيادة كما تراها الفلسفة ليست مجرد سلطة أو نفوذ بل قدرة عقلية وأخلاقية على توجيه الآخرين نحو هدف مشترك، بينما التسلط هو انحراف في استخدام هذه القدرة، إذ يتحول القائد من رمزٍ للإلهام إلى أداةٍ للقهر، ومن ناصحٍ للحكمة إلى مستبدٍ بالعقول والأنفس. وقد أدرك فلاسفة الشرق القدماء هذه المفارقة حين جعل كونفوشيوس القيادة مرآةً للأخلاق لا للبطش، فلا يحق لمن لم يضبط نفسه أن يضبط الآخرين، فيما دعا لاوتسه إلى حكمٍ يقوم على اللين لا على القهر لأن التحكم الصارم يفسد الانسجام الكوني. أما أفلاطون فقد رأى أن الحكم ينبغي أن يكون بيد الفيلسوف العارف بالخير، لأن القوة بلا حكمة فساد، والحكمة بلا سلطة ضعف، بينما أرسطو ميّز بين قيادةٍ طبيعية تنبع من المصلحة العامة وتسلطٍ جائرٍ يخدم رغبة الفرد. ومع مرور القرون تحولت الفكرة إلى ساحة جدل بين الواقعية والأخلاق، فمكيافيللي برّر التسلط بوصفه مهارة سياسية ضرورية لبقاء الدولة، في حين جعل هوبز من السلطة القوية ضمانةً ضد الفوضى، أما نيتشه فقد ذهب أبعد من ذلك حين اعتبر السيطرة تعبيرًا عن إرادة الحياة نفسها، فالإنسان الأعلى هو من يفرض قيمه على العالم دون خوفٍ أو خضوع، في مقابل فوكو الذي كشف الوجه الخفي للسلطة باعتبارها شبكةً تتغلغل في كل البنى الاجتماعية والمعرفية حتى دون أن يشعر بها الإنسان، فهي لا تَضرب بل تُقنع، ولا تُكره بل تُوجّه. ومن هنا تبرز المعضلة الكبرى: هل القيادة فعل أخلاقي أم ممارسة قوة؟ هل الإنسان يولد قائدًا بطبعه أم يتعلم القيادة بالخبرة؟ علم النفس يقدّم وجهة نظر مختلفة، ففرويد يرى أن حب السيطرة قد يكون تعويضًا عن نقصٍ داخلي، بينما يراه أدلر سعيًا مشروعًا نحو التفوق إن لم يتحول إلى تسلطٍ مَرَضي، أما علم الاجتماع فيكشف من خلال ماكس فيبر أن السلطة تتخذ أشكالًا متعددة: تقليدية، وكاريزمية، وقانونية، ولكلٍ منها شرعيته وحدوده. غير أن الرؤية الإسلامية تُعيد التوازن لهذا الجدل حين تضع القيادة في مقام الأمانة لا الغنيمة، وتؤكد أن القائد الحق هو من يقود بالعدل والرحمة، استلهامًا لقوله تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَىٰ أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُم بَيْنَ النَّاسِ أَن تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ﴾، ولقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: "كلكم راعٍ وكلكم مسؤول عن رعيته"، فالقائد لا يُكرِه الناس على الطاعة بل يزرع فيهم الإيمان والثقة. وهكذا يتضح أن القيادة الحقيقية لا تُقاس بعدد الأتباع بل بقدرة القائد على إيقاظ الإرادة الحرة فيهم، فالتسلط يقتل الإبداع بينما القيادة تلهمه، والتاريخ لا يخلّد من قهر الناس بل من حررهم، لأن من يقود بالعقل يزرع الحضارة، ومن يحكم بالخوف يحصد الرماد، ففلسفة القيادة في جوهرها هي فن تحريك إرادة الإنسان نحو الخير لا التحكم في مصيره.



#رحيم_حمادي_غضبان_العمري (هاشتاغ)       Raheem_Hamadey_Ghadban#          


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مستقبل الدولة الفلسطينية
- جيل Z العربي بين النهوض وضياع الهوية
- كرم الصمت
- مكارم الأخلاق والقيم عند الشعوب في عصر العولمة الحديثة
- البيروقراطية الأدارية
- التصعيد الأوربي ضد روسيا هل هو اشارة لحرب على الأبواب؟
- من بلفور إلى بلير .دولة أسرائيل الكبرى
- أعمار غزة بين العدوان والأبتزاز السياسي
- التأمر الخارجي والداخلي في مسار الدولة الأسلامية والأمة العر ...
- الأمن الوقائي ودور المواطن
- رمزية الخوف في النفس البشرية
- المملكة العربية السعودية وأنتزاع الأعتراف الدولي بدولة فلسطي ...
- التسويق السياسي في السياسة الأمريكية والغربية
- التبني وأثاره على المتبنى بين الأيجابية والسلبية
- غسيل الدماغ بين الواقع العلمي والخيال
- هل ستحصل الدوحة على حق الرد على أسرائيل؟
- أدارة الوقت بين ظاهرة التسويف وضغط اللحظات الأخيرة
- أمريكا ببن الجدار الأخضر والتخبط السياسي
- الأنسان بين الانتماء الطبيعي والمكتسب
- العدو الصغير والقائد الثائر


المزيد.....




- سائقة حافلة ركاب توقف رحلتها لتنقذ طفلًا صغيرًا تائهًا على ا ...
- مسؤولان لـCNN: ترامب يدعو قادة عرب ودوليين لقمة في مصر
- رافع الرفاعي.. لماذا أثارت عودة مفتي العراق السابق إلى البلا ...
- جائزة نوبل.. ترامب يفشل في حصدها واللجنة تمنحها للفنزويلية م ...
- ما الذي سيحدث في غزة بعد وقف إطلاق النار؟
- -طفل جريح بلا عائلة-.. مصطلح جديد يجسّد مأساة غزة الإنسانية ...
- بعد أكثر من عقدين على الغزو.. مجلس الشيوخ الأمريكي يصوت بالإ ...
- صدمة في البيت الأبيض من عدم منح ترامب جائزة نوبل للسلام 2025 ...
- رمز للتعددية الثقافية.. جولة داخل -شارع العرب- في لندن
- الهند تعيد فتح سفارتها بأفغانستان وعينها على جارتيها


المزيد.....

- في مدى نظريات علم الجمال دراسات تطبيقية في الأدب العربي / د. خالد زغريت
- الحفر على أمواج العاصي / د. خالد زغريت
- التجربة الجمالية / د. خالد زغريت
- الكتابة بالياسمين الشامي دراسات في شعر غادة السمان / د. خالد زغريت
- أسئلة الديمقراطية في الوطن العربي في عصر العولمة(الفصل الساد ... / منذر خدام
- أسئلة الديمقراطية في الوطن العربي في عصر العولمة(الفصل الثال ... / منذر خدام
- أسئلة الديمقراطية في الوطن العربي في عصر العولمة(الفصل الأول ... / منذر خدام
- ازمة البحث العلمي بين الثقافة و البيئة / مضر خليل عمر
- العرب والعولمة( الفصل الرابع) / منذر خدام
- العرب والعولمة( الفصل الثالث) / منذر خدام


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - قضايا ثقافية - رحيم حمادي غضبان - السيطرة والقيادة بين الأرادة والقيم