أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - قضايا ثقافية - رحيم حمادي غضبان - البيروقراطية الأدارية














المزيد.....

البيروقراطية الأدارية


رحيم حمادي غضبان
(Raheem Hamadey Ghadban)


الحوار المتمدن-العدد: 8486 - 2025 / 10 / 5 - 21:43
المحور: قضايا ثقافية
    


تُعدّ البيروقراطية واحدة من أكثر الظواهر الإدارية تعقيدًا وتأثيرًا في حياة الشعوب، فهي في أصلها نظام تنظيمي يقوم على التراتبية والانضباط وتوزيع المهام وفق قواعد محددة، وُضع لضمان سير العمل واستقرار مؤسسات الدولة، لكنها في الممارسة العملية، وخصوصًا في المجتمعات العربية، تحولت من وسيلة لتنظيم الإدارة إلى عقبة تعرقل الكفاءة والعدالة وتُثقِل كاهل المواطن بالروتين والانتظار. والبيروقراطية ليست بالضرورة سلبية، فهي إذا حُكمت بالقانون ورافقتها الشفافية والانفتاح، تصبح ضمانًا ضد الفوضى وضمانة لعدالة توزيع السلطة داخل الجهاز الإداري، أما إذا استبدت بنفسها وتحولت إلى شبكة مصالح مغلقة، فإنها تخلق نظامًا خانقًا يقتل الإبداع ويزرع الإحباط ويُرسّخ الفساد. في الدول المتقدمة كألمانيا والسويد واليابان، تعمل البيروقراطية بوصفها أداة فعالة لتنظيم العمل العام، فكل موظف يعرف بدقة ما له وما عليه، وكل معاملة تسير وفق جدول زمني محدد، مما يحقق الانضباط والسرعة والدقة في الأداء، أما في كثير من الدول العربية فقد تحولت البيروقراطية إلى نظام مترهل تحكمه الواسطة وتغيب عنه المحاسبة، حيث تتشابك الاختصاصات وتُكرّر الوظائف وتُستهلك الجهود في الإجراءات بدلاً من النتائج، فتتراجع الكفاءة وتتعطل الخدمات ويضعف ثقة المواطن في مؤسسات الدولة. إن إصلاح هذا الواقع لا يكون بمجرد تغيير القوانين أو إطلاق الشعارات، بل بإعادة بناء الثقافة الإدارية على أسس حديثة تجمع بين الكفاءة والأمانة، فالتوظيف يجب أن يكون على أساس الجدارة لا الولاء، والترقية على أساس الأداء لا العلاقات، والرقابة على أساس القانون لا المجاملة، والموظف العام يجب أن يُدرَّب على أن وظيفته ليست سلطة على الناس بل خدمة لهم، وأنه مسؤول أمام الله قبل أن يكون مسؤولاً أمام مديره. ومن أهم أدوات الإصلاح اليوم التحول الرقمي الذي قلّل في بعض الدول من الفساد والروتين، كما في التجربة السعودية من خلال منصة أبشر، والتجربة المغربية في دمج المؤسسات وتبسيط الإجراءات، وكذلك التجربة الإماراتية في تقييم الموظفين عبر مؤشرات الأداء لا الأقدمية، فهذه النماذج تؤكد أن الإصلاح ممكن متى ما توفرت الإرادة والنية الصادقة. كما أن اللامركزية الإدارية تعد خطوة جوهرية في تحرير القرار المحلي من سلطة المركز، مما يمنح البلديات والمحافظات مرونة في تقديم الخدمات ومتابعة شؤون الناس بسرعة وكفاءة، وهو ما بدأت بعض الدول العربية تطبيقه جزئيًا بنجاح. إن الإصلاح الإداري لا يكتمل من دون إصلاح أخلاقي وثقافي، فالقوانين مهما بلغت دقتها تظل عاجزة إن لم تحكمها الضمائر، إذ يقول الله تعالى في محكم كتابه: “إن خير من استأجرت القوي الأمين”، فالقوة هنا تعني الكفاءة، والأمانة تعني النزاهة، وهما ركيزتا الإدارة الرشيدة التي تبني الثقة بين المواطن والدولة. إن معركة إصلاح البيروقراطية هي في جوهرها معركة وعي وسلوك قبل أن تكون معركة أنظمة، تبدأ من إعادة تعريف الوظيفة العامة باعتبارها تكليفًا لا تشريفًا، وحقًّا للمجتمع لا غنيمة للأفراد، وتنتهي ببناء جهاز إداري حديث لا يخاف من الرقابة، ولا يحتكر القرار، ولا يستهلك الوقت في الختم والتوقيع، بل يعمل من أجل الناس وبأسمهم. تلك هي البيروقراطية التي نحتاجها: منضبطة في الشكل، إنسانية في المضمون، شفافة في القرار، وكفوءة في الأداء، لتكون أداة بناء لا وسيلة هدم، وجسرًا نحو دولة العدالة والفاعلية لا متاهة من الأوراق والأختام.



#رحيم_حمادي_غضبان_العمري (هاشتاغ)       Raheem_Hamadey_Ghadban#          


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- التصعيد الأوربي ضد روسيا هل هو اشارة لحرب على الأبواب؟
- من بلفور إلى بلير .دولة أسرائيل الكبرى
- أعمار غزة بين العدوان والأبتزاز السياسي
- التأمر الخارجي والداخلي في مسار الدولة الأسلامية والأمة العر ...
- الأمن الوقائي ودور المواطن
- رمزية الخوف في النفس البشرية
- المملكة العربية السعودية وأنتزاع الأعتراف الدولي بدولة فلسطي ...
- التسويق السياسي في السياسة الأمريكية والغربية
- التبني وأثاره على المتبنى بين الأيجابية والسلبية
- غسيل الدماغ بين الواقع العلمي والخيال
- هل ستحصل الدوحة على حق الرد على أسرائيل؟
- أدارة الوقت بين ظاهرة التسويف وضغط اللحظات الأخيرة
- أمريكا ببن الجدار الأخضر والتخبط السياسي
- الأنسان بين الانتماء الطبيعي والمكتسب
- العدو الصغير والقائد الثائر
- القصف الأسرائلي على الدوحة بين الأستهتار الأسرائلي والخنوع ا ...
- أحتمالات المواجهة الفينزوالية الأمريكية وتأثيرها على الساحة ...
- الدور العراقي كوسيط في الملف الأيراني النووي هل يجدي بنفع؟
- تحالفات الكبار بين أحلال السلام والهيمنة (مجموعة شنغهاي)
- الفجور والتقوى لدى النفس البشرية


المزيد.....




- الدولة الفلسطينية: خبراء القانون الدولي يحددون الشرط الوحيد ...
- من باريس إلى أمستردام: أوروبا تتظاهر من أجل غزة والرهائن
- محادثات غير مباشرة بين إسرائيل وحماس في القاهرة لإنهاء الحرب ...
- إيران تعلن أن التعاون مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية -لم ي ...
- السائل أم البودرة أم الكبسولات؟ دليلك لاختيار المنظف الأفضل ...
- انتهاء الاقتراع وتواصل فرز الأصوات بانتخابات مجلس الشعب السو ...
- إسرائيل تعلن اعتراض مسيرة يمنية في سماء إيلات
- شاهد.. من يتحمل خسارة برشلونة أمام إشبيلية؟
- هل يعيد تعميم حكومي جديد لفلسطينيي سوريا حقوقا حرموا منها لع ...
- ظهور خليل الحية كبير مفاوضي حماس في فيديو لأول مرة منذ محاول ...


المزيد.....

- الحفر على أمواج العاصي / د. خالد زغريت
- التجربة الجمالية / د. خالد زغريت
- الكتابة بالياسمين الشامي دراسات في شعر غادة السمان / د. خالد زغريت
- أسئلة الديمقراطية في الوطن العربي في عصر العولمة(الفصل الساد ... / منذر خدام
- أسئلة الديمقراطية في الوطن العربي في عصر العولمة(الفصل الثال ... / منذر خدام
- أسئلة الديمقراطية في الوطن العربي في عصر العولمة(الفصل الأول ... / منذر خدام
- ازمة البحث العلمي بين الثقافة و البيئة / مضر خليل عمر
- العرب والعولمة( الفصل الرابع) / منذر خدام
- العرب والعولمة( الفصل الثالث) / منذر خدام
- العرب والعولمة( الفصل الأول) / منذر خدام


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - قضايا ثقافية - رحيم حمادي غضبان - البيروقراطية الأدارية