أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - المجتمع المدني - رحيم حمادي غضبان - جيل Z العربي بين النهوض وضياع الهوية














المزيد.....

جيل Z العربي بين النهوض وضياع الهوية


رحيم حمادي غضبان
(Raheem Hamadey Ghadban)


الحوار المتمدن-العدد: 8489 - 2025 / 10 / 8 - 16:08
المحور: المجتمع المدني
    


في خضم التحولات الرقمية المتسارعة التي يعيشها العالم، يبرز جيل جديد يتصدر المشهد العربي اليوم، هو جيل Z، أو كما يُسمّى في الأدبيات الغربية "Generation Z"، وهو الجيل الذي وُلد تقريبًا بين عامي 1995 و2010، ليكون أول جيل عربي ينشأ في ظل الثورة التقنية الكاملة، حيث الهاتف الذكي في يده منذ الطفولة، والإنترنت نافذته الأولى إلى العالم. هذا الجيل الذي يُفترض أن يكون الأكثر وعيًا والأوسع اطلاعًا، هو ذاته الذي يراه كثيرون جيلاً فاقدًا للبوصلة، غارقًا في عالم الموضة والفوضى، متأثرًا بالتفاهات أكثر من الفكر، ومتفاعلًا مع السطحي من المحتوى أكثر من العميق منه، حتى صار السؤال الذي يفرض نفسه: هل نحن أمام جيل ضائع فعلاً أم أن الصورة أعقد مما تبدو عليه؟

لقد نشأ جيل Z في بيئة رقمية جعلت التواصل سهلاً، لكنها في المقابل عززت الانعزال الاجتماعي، فالعلاقات الافتراضية صارت بديلاً عن اللقاءات الواقعية، والمحتوى السريع حلّ محلّ القراءة والتفكير، حتى أصبحت المنصات الإلكترونية تحدد ما يُعجب الناس وما يرفضونه، فانقلب الانتماء من العائلة والمجتمع إلى شاشة صغيرة تحكمها خوارزميات لا تعرف القيم ولا المبادئ. ولم تعد الأسرة وحدها هي المربي الأول، ولم تعد المدرسة مركزًا لبناء الشخصية كما كانت في الماضي، إذ بات الشباب يتلقون قيمهم من الإنترنت قبل الوالدين، ومن مقاطع الفيديو قبل المعلمين، ومن شخصيات مجهولة أكثر من العلماء والمثقفين. وهكذا وجدنا أنفسنا أمام جيل يملك المعلومة ولا يملك الحكمة، يعرف كيف يفعل الأشياء لكنه لا يعرف لماذا يفعلها.

وفي العالم العربي والإسلامي، اتخذت ظاهرة جيل Z منحى أكثر خطورة، فبين تأثير العولمة الثقافية وضعف الخطاب الديني المعاصر، بات كثير من شباب هذا الجيل يعيش صراع الهوية بين ما تربى عليه في بيته وما يراه في فضاء الإنترنت. رفض العادات صار يُعتبر تطورًا، ومخالفة القيم يُنظر إليها على أنها حرية شخصية، والتقليد الأعمى للغرب أصبح انفتاحًا، حتى صار كثير منهم يعرف كل شيء، لكنه لا يؤمن بشيء. ومع ذلك، لا يمكن تحميل هذا الجيل كامل المسؤولية، فالأزمة أعمق من مجرد انحراف سلوكي، إنها نتيجة فراغ تربوي وفكري وإعلامي تراكب عبر عقود، حين انشغل الآباء بالعمل وضعف التعليم وغابت القدوة، وتركنا أبناءنا يتلقّون العالم دون توجيه أو تمحيص. كما أن الإعلام العربي لم يقدم بدائل راقية، بل ساهم في تسليع الإنسان وتسطيح الوعي، حتى أصبحت الشهرة هدفًا بحد ذاتها لا وسيلة لرسالة.

ورغم كل ذلك، لا يمكن إنكار أن هذا الجيل يحمل طاقات هائلة، فهو الأقدر على التعامل مع التكنولوجيا، والأسرع في التعلم، والأكثر انفتاحًا على القضايا العالمية. كثير من شبابه يستخدم الإنترنت لنشر الخير والمعرفة، والدفاع عن فلسطين، وتصحيح صورة الإسلام، وابتكار حلول رقمية تخدم مجتمعه. إن المشكلة ليست في الجيل ذاته، بل في الفراغ الذي نتركه حوله، فإذا لم نملأه بالقيم والمعنى، ملأته المنصات بالضجيج والتفاهة. إن إنقاذ هذا الجيل لا يكون باللوم والانتقاد، بل بالفهم والتوجيه، وبأن نقدم الدين والقيم بلغة يفهمها، ونزرع المبادئ عبر المحتوى الذي يتابعه لا عبر النصائح الجافة. نحن بحاجة إلى قدوات حقيقية تمثل الأصالة والمعاصرة معًا، وتُظهر أن الالتزام لا يتعارض مع النجاح ولا مع الانفتاح، فجيل Z العربي يمكن أن يكون جيل النهضة الرقمية إذا وُجه بوعي وغُذي بالإيمان والفكر لا بالتوبيخ والخوف.

إن جيل Z العربي ليس جيلاً ضائعًا، بل جيلاً أُهمل فاضطرب، وأُطلق في بحرٍ بلا بوصلة، لكن البوصلة ما زالت ممكنة إذا تحركت الأسرة والمدرسة والمسجد والإعلام في اتجاه واحد، نحو إعادة بناء الإنسان العربي المسلم في عصر الشاشة، إنسان يؤمن أن القيم لا تبلى مهما تغيّر الزمان، وأن الهوية ليست قيدًا بل أساسٌ للكرامة والوجود.



#رحيم_حمادي_غضبان_العمري (هاشتاغ)       Raheem_Hamadey_Ghadban#          


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- كرم الصمت
- مكارم الأخلاق والقيم عند الشعوب في عصر العولمة الحديثة
- البيروقراطية الأدارية
- التصعيد الأوربي ضد روسيا هل هو اشارة لحرب على الأبواب؟
- من بلفور إلى بلير .دولة أسرائيل الكبرى
- أعمار غزة بين العدوان والأبتزاز السياسي
- التأمر الخارجي والداخلي في مسار الدولة الأسلامية والأمة العر ...
- الأمن الوقائي ودور المواطن
- رمزية الخوف في النفس البشرية
- المملكة العربية السعودية وأنتزاع الأعتراف الدولي بدولة فلسطي ...
- التسويق السياسي في السياسة الأمريكية والغربية
- التبني وأثاره على المتبنى بين الأيجابية والسلبية
- غسيل الدماغ بين الواقع العلمي والخيال
- هل ستحصل الدوحة على حق الرد على أسرائيل؟
- أدارة الوقت بين ظاهرة التسويف وضغط اللحظات الأخيرة
- أمريكا ببن الجدار الأخضر والتخبط السياسي
- الأنسان بين الانتماء الطبيعي والمكتسب
- العدو الصغير والقائد الثائر
- القصف الأسرائلي على الدوحة بين الأستهتار الأسرائلي والخنوع ا ...
- أحتمالات المواجهة الفينزوالية الأمريكية وتأثيرها على الساحة ...


المزيد.....




- تحذير من تفشي المجاعة في محافظة غزة نتيجة الحصار الإسرائيلي ...
- كم بلغ عدد المعتقلين في الضفة الغربية منذ طوفان الاقصى؟
- وفود جديدة وتبادل لكشوف الأسرى بثالث أيام التفاوض بشرم الشيخ ...
- مركز حقوقي: مهاجمة إسرائيل أسطول الحرية انتهاك جسيم للقانون ...
- حركة -جيل زد 212- يتظاهرون في المغرب لليوم العاشر تواليا
- إقلاع الطائرة الـ18 من الحرس الجوي الكويتي الثاني بـ10 أطنان ...
- السفير الأسعد: بحثنا مع مديرة الأونروا في لبنان سبل دعم المخ ...
- حركة الجهاد الإسلامي: التفاوض على بند تبادل الأسرى وإنجازه ي ...
- الكويت تؤكد أمام الأمم المتحدة موقفها الراسخ في مكافحة الإره ...
- حماس تعلن عن تبادل قوائم الأسرى في شرم الشيخ


المزيد.....

- أسئلة خيارات متعددة في الاستراتيجية / محمد عبد الكريم يوسف
- أية رسالة للتنشيط السوسيوثقافي في تكوين شخصية المرء -الأطفال ... / موافق محمد
- بيداغوجيا البُرْهانِ فِي فَضاءِ الثَوْرَةِ الرَقْمِيَّةِ / علي أسعد وطفة
- مأزق الحريات الأكاديمية في الجامعات العربية: مقاربة نقدية / علي أسعد وطفة
- العدوانية الإنسانية في سيكولوجيا فرويد / علي أسعد وطفة
- الاتصالات الخاصة بالراديو البحري باللغتين العربية والانكليزي ... / محمد عبد الكريم يوسف
- التونسيات واستفتاء 25 جويلية :2022 إلى المقاطعة لا مصلحة للن ... / حمه الهمامي
- تحليل الاستغلال بين العمل الشاق والتطفل الضار / زهير الخويلدي
- منظمات المجتمع المدني في سوريا بعد العام 2011 .. سياسة اللاس ... / رامي نصرالله
- من أجل السلام الدائم، عمونيال كانط / زهير الخويلدي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - المجتمع المدني - رحيم حمادي غضبان - جيل Z العربي بين النهوض وضياع الهوية