أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - قضايا ثقافية - رحيم حمادي غضبان - بين الغريزة والعقل هل يضبط الأنسان سلوكه














المزيد.....

بين الغريزة والعقل هل يضبط الأنسان سلوكه


رحيم حمادي غضبان
(Raheem Hamadey Ghadban)


الحوار المتمدن-العدد: 8495 - 2025 / 10 / 14 - 19:43
المحور: قضايا ثقافية
    


الغريزة والعقل يمثلان ثنائية عميقة في تكوين الإنسان، فهما وجهان متكاملان لهبة الخالق التي منحت الإنسان خصوصيته وسموّه على سائر المخلوقات. فالقرآن الكريم أشار إلى الغريزة تحت مسمى "الشهوات" في مواضع عدة، مثل قوله تعالى: "زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ..."، وهي القوة الدافعة التي تُمكّن الإنسان من الاستمرار في الحياة، وتضمن بقاء النوع واستمراره، لكنها حين تنفلت من ضوابطها تتحول إلى قوة مدمّرة تقود صاحبها إلى الانحراف والفساد. لذلك جاءت الشريعة الإلهية لتنظيم الغرائز لا لقمعها، فحددت للغريزة الجنسية سبيلها المشروع في الزواج، ولغريزة التملك ضوابطها في الكسب الحلال، ولغريزة حب الذات توازناً يحول دون الأنانية والعدوان. وفي المقابل، جعل الله تعالى في الإنسان عقلاً هو أداة التمييز والإدراك، وبه يكون الإنسان مكلّفاً، فهو الذي يزن الأمور ويقود السلوك نحو الصواب. وقد أشار القرآن إلى العقل بلفظ "الألباب"، كما في قوله تعالى: "إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَذِكْرَىٰ لِأُولِي الْأَلْبَابِ"، في دلالة على عمق التفكير والتبصّر الذي يميز الإنسان عن غيره من المخلوقات.

من المنظور العلمي، الغريزة تُعد مجموعة من الدوافع الفطرية الموروثة، تتجلى في سلوك الإنسان منذ ولادته، وهي نتاج لتفاعل الجهاز العصبي والغدد الهرمونية مع الظروف المحيطة، بينما يُعتبر العقل ثمرةً عليا للنشاط الدماغي المعقّد، يمثل مركز التخطيط والاختيار والتفكير النقدي. وتؤكد علوم الأعصاب أن التوازن بين الجهاز الحوفي المسؤول عن الانفعالات والغريزة، والقشرة الجبهية المسؤولة عن التفكير واتخاذ القرار، هو ما يحدد مدى نضج الإنسان وسلوكه المتزن. فإذا طغى الجانب الغريزي على العقلي، اندفع الإنسان وراء لذاته دون وعي أو ضمير، أما إذا تغلّب العقل تماماً على الغريزة، فقد يفقد الإنسان حيويته ومشاعره ويتحول إلى آلة باردة التفكير.

ومن زاوية فلسفية، يمثل العقل في الفكر الإنساني مرآة للحرية والاختيار، فهو الذي يمنح الفعل الإنساني بعده الأخلاقي ويخرجه من دائرة الحتمية الغريزية التي تخضع لها الكائنات الأخرى. فالإنسان وحده يملك القدرة على أن يقول "لا" لرغباته، وأن يؤجل إشباعها من أجل غاية أسمى أو مبدأ أعلى. وهذا ما جعله محلاً للتكليف الإلهي، فالحيوان يسير وفق غريزته دون حساب، بينما الإنسان يُسأل عن فعله لأنه يعلم ويعي ويختار. ولذا فإن التكامل بين الغريزة والعقل هو جوهر إنسانية الإنسان؛ فالغريزة تمنحه الطاقة والحياة، والعقل يمنحه الاتزان والرشد. وحين يختل هذا التوازن، يختل المعنى الإنساني ذاته. فالحضارة الإنسانية لم تُبنَ إلا حينما وُظّفت الغرائز لخدمة العقل، وحينما وُجّهت الرغبات نحو الإبداع والعلم والبناء، لا نحو الفوضى والتهديم. وهكذا، يتجلّى الإعجاز الإلهي في هذا الكائن الذي جمع بين النار والطين، بين الشهوة والعقل، بين الميل إلى الأرض والحنين إلى السماء، ليكون خليفةً في الأرض بعقله، لا عبداً لشهواته، وليتحقق فيه قول الله تعالى: "وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ".



#رحيم_حمادي_غضبان_العمري (هاشتاغ)       Raheem_Hamadey_Ghadban#          


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مفهوم الثقافة والحضارة
- السيطرة والقيادة بين الأرادة والقيم
- مستقبل الدولة الفلسطينية
- جيل Z العربي بين النهوض وضياع الهوية
- كرم الصمت
- مكارم الأخلاق والقيم عند الشعوب في عصر العولمة الحديثة
- البيروقراطية الأدارية
- التصعيد الأوربي ضد روسيا هل هو اشارة لحرب على الأبواب؟
- من بلفور إلى بلير .دولة أسرائيل الكبرى
- أعمار غزة بين العدوان والأبتزاز السياسي
- التأمر الخارجي والداخلي في مسار الدولة الأسلامية والأمة العر ...
- الأمن الوقائي ودور المواطن
- رمزية الخوف في النفس البشرية
- المملكة العربية السعودية وأنتزاع الأعتراف الدولي بدولة فلسطي ...
- التسويق السياسي في السياسة الأمريكية والغربية
- التبني وأثاره على المتبنى بين الأيجابية والسلبية
- غسيل الدماغ بين الواقع العلمي والخيال
- هل ستحصل الدوحة على حق الرد على أسرائيل؟
- أدارة الوقت بين ظاهرة التسويف وضغط اللحظات الأخيرة
- أمريكا ببن الجدار الأخضر والتخبط السياسي


المزيد.....




- غزة بعد الاتفاق مباشر.. ترامب يعلن بدء المرحلة الثانية والعش ...
- محللون: إسرائيل تضع 3 سيناريوهات لقضية نزع سلاح حماس
- -مسار الأحداث- يناقش سيناريوهات نزع سلاح حماس
- المستشار الإعلامي للأنروا: أولويتنا إعادة 140 ألف طالب للدرا ...
- تحالف دفاعي إثيوبي كيني يعيد تشكيل القوى بالقرن الأفريقي
- إسرائيل تعلن تسلم الصليب الأحمر رفات 4 رهائن من غزة
- الرئاسة الفلسطينية: الإعدامات الميدانية في غزة جرائم بشعة
- ترامب: إنفاق إسبانيا العسكري -مهين- للناتو
- مصدر إسرائيلي يوضح لـCNN آخر تطورات مفاوضات شرم الشيخ بشأن م ...
- إسرائيل تعلن تسلم رفات 4 رهائن .. ومكتب نتنياهو يصدر بيانا


المزيد.....

- المفاعلة الجزمية لتحرير العقل العربي المعاق / اسم المبادرتين ... / أمين أحمد ثابت
- في مدى نظريات علم الجمال دراسات تطبيقية في الأدب العربي / د. خالد زغريت
- الحفر على أمواج العاصي / د. خالد زغريت
- التجربة الجمالية / د. خالد زغريت
- الكتابة بالياسمين الشامي دراسات في شعر غادة السمان / د. خالد زغريت
- أسئلة الديمقراطية في الوطن العربي في عصر العولمة(الفصل الساد ... / منذر خدام
- أسئلة الديمقراطية في الوطن العربي في عصر العولمة(الفصل الثال ... / منذر خدام
- أسئلة الديمقراطية في الوطن العربي في عصر العولمة(الفصل الأول ... / منذر خدام
- ازمة البحث العلمي بين الثقافة و البيئة / مضر خليل عمر
- العرب والعولمة( الفصل الرابع) / منذر خدام


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - قضايا ثقافية - رحيم حمادي غضبان - بين الغريزة والعقل هل يضبط الأنسان سلوكه