أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الإستعمار وتجارب التحرّر الوطني - علي لهروشي - قرار مجلس الأمن حول الصحراء الغربية: توصية سياسية منزوعة الإجماع ومجردة من الإلزام















المزيد.....

قرار مجلس الأمن حول الصحراء الغربية: توصية سياسية منزوعة الإجماع ومجردة من الإلزام


علي لهروشي
كاتب

(Ali Lahrouchi)


الحوار المتمدن-العدد: 8513 - 2025 / 11 / 1 - 21:13
المحور: الإستعمار وتجارب التحرّر الوطني
    


لم يحظَ القرار الأخير الصادر عن مجلس الأمن الدولي بشأن الصحراء الغربية بالإجماع، إذ صوّتت لصالحه إحدى عشرة دولة فقط من أصل خمس عشرة، في حين امتنعت كلٌّ من روسيا والصين وباكستان عن التصويت، ولم تشارك الجزائر في العملية. ويعكس هذا الانقسام داخل المجلس بوضوح الطابع السياسي للقرار أكثر من كونه قرارًا واقعيًا أو قانونيًا منصفًا، كما يؤكد أن التوافق الدولي حول هذه القضية لا يزال بعيد المنال، وأن ما صدر لا يعدو أن يكون محاولة جديدة لإرضاء أطراف معينة على حساب حق أصيل للشعب الصحراوي في تنظيم استفتاء شعبي لتقرير مصيره.
يُصنَّف هذا القرار ضمن القرارات التوصوية الصادرة بموجب الفصل السادس من ميثاق الأمم المتحدة، وهي توصيات غير ملزمة قانونًا، بخلاف القرارات الصادرة تحت الفصل السابع التي تفرض التزامات واضحة على الدول. وبناءً على ذلك، فإن القرار لا يُلزم أي طرف بتنفيذه، إذ يقتصر على الدعوة إلى “مواصلة المفاوضات” في إطار مبادرة الحكم الذاتي التي تقدم بها المغرب سنة 2007. ويُظهر ذلك أن القرار يحمل طابعًا سياسيًا أكثر من كونه قانونيًا، وأنه لا يتجاوز صيغة التوصية التي لا تُلزم أحدًا باتخاذ موقف أو إجراء محدد.
ولعل من المفيد التذكير بأن معظم قرارات مجلس الأمن الصادرة ضد إسرائيل لم تُنفَّذ ولم تُحترم رغم وضوحها وصراحتها، وهو ما يدل على أن المجلس فقد الكثير من مصداقيته وقوته التنفيذية. لقد باتت بعض الدول تتعامل مع قراراته بانتقائية مصلحية، فتلتزم بها حين توافق مصالحها وتتجاهلها حين تتعارض مع أهدافها، مما جعل المجلس اليوم أضعف بكثير مما كان عليه عند تأسيسه، حين كانت قراراته تُتخذ بجدية أكبر وتلقى احترامًا أوسع.
ومن الواضح أن القرار الأخير بشأن الصحراء الغربية انحاز للموقف المغربي من خلال إشارته إلى أن الحكم الذاتي “قد يكون الحل الأنجع”، دون أن يذكر بوضوح حق الشعب الصحراوي في إجراء استفتاء شعبي لتقرير مصيره، وهو الحق الذي تكفله المواثيق الدولية وقرارات الأمم المتحدة ذات الصلة. ويُعزى هذا الانحياز إلى التحالفات السياسية والمصالح الاقتصادية التي تربط المغرب بعدد من القوى الكبرى، خاصة الولايات المتحدة وفرنسا، اللتين تعدان من أبرز الداعمين للسياسة المغربية في المنطقة. وقد عبّر الملك المفترس حاكم المغرب في خطابه الأخير عن امتنانه لهاتين الدولتين ولدول عربية وإفريقية أخرى على دعمها لما أسماه “السيادة المغربية” على الصحراء، وهو ما يعزز الطابع السياسي المنحاز للقرار ويكشف خلفيته الحقيقية.
إن جوهر النزاع في الصحراء الغربية يتمثل في حق الشعب الصحراوي في تقرير مصيره عبر استفتاء شعبي حر ونزيه تشرف عليه الأمم المتحدة من بدايته إلى نهايته، وتعلن نتائجه للعالم بشفافية تامة. وليس من المنطقي أو المقبول أن يُمنح المغرب سلطة تنظيم ذلك الاستفتاء، وهو البلد المعروف بتزوير الانتخابات منذ نشأة برلمانه إلى اليوم. بل إن منح الاستقلال الذاتي تحت سلطة المغرب يعني عمليًا إعدامًا سياسيًا للشعب الصحراوي، لأن النظام المغربي يمتلك خبرة طويلة في شراء الذمم، وتصفية الأصوات المعارضة، وخلق التفرقة والبلبلة داخل المجتمع. لذلك، فإن أي حل لا يقوم على استفتاء حرٍّ وديمقراطيٍّ شفاف بإشراف أممي كامل سيظل فاقدًا للمصداقية ومجرد محاولة لفرض أمر واقع على حساب إرادة الشعب الصحراوي.
تاريخيًا، كانت منطقة الصحراء الغربية خاضعة للاستعمار الإسباني منذ عام 1884 حتى عام 1976، وبعد انسحاب إسبانيا منها نشب نزاع السيادة بين المغرب وجبهة البوليساريو المدعومة من الدول التي تؤمن بحق الشعوب في تقرير مصيرها، ومن بينها الجزائر. وعلى مدى خمسة عقود، لم تفلح الجهود الأممية في إيجاد حل عادل ودائم للنزاع، رغم أن الأمم المتحدة ما زالت تعتبر الصحراء الغربية إقليمًا غير متمتع بالحكم الذاتي، أي منطقة لم يُستكمل فيها بعدُ مسار تصفية الاستعمار. وتبلغ مساحة الصحراء الغربية نحو مئتين وستة وستين ألف كيلومتر مربع، ويدير المغرب حوالي ثمانين في المئة من أراضيها، بينما تسيطر جبهة البوليساريو على النسبة المتبقية، ويبلغ عدد سكانها حوالي أربعمئة ألف نسمة من خليط القبائل العربية والأفريقية والأمازيغية.
ومنذ عقود طويلة، شكّلت هذه المنطقة مسرحًا لصراع تاريخي طويل بين قوى محلية وإقليمية ودولية، وهي من مخلفات ما كان يُسمى بمرحلة الحرب الباردة، أو مرحلة التجاذب والاستقطاب بين القوى الإمبريالية الرأسمالية الاستعمارية من جهة، والقوى التحررية الاشتراكية الشيوعية من جهة أخرى. فقد برزا معسكران رئيسيان متقابلان في النظام الدولي: المعسكر الغربي الرأسمالي بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية، المعتمد في نظامه السياسي على الديمقراطية الليبرالية، وفي نظامه الاقتصادي على الرأسمالية القائمة على حرية السوق والمبادرة الفردية، وفي تحالفه العسكري على حلف شمال الأطلسي (الناتو) الذي تأسس سنة 1949. وكان الحلفاء الأساسيون لهذا المعسكر دول أوروبا الغربية (فرنسا، بريطانيا، ألمانيا الغربية، إيطاليا...)، إضافة إلى كندا، أستراليا، واليابان لاحقًا، وكان الهدف المعلن هو “احتواء الشيوعية” ونشر القيم الديمقراطية الليبرالية.
في المقابل، وُجد المعسكر الشرقي (الاشتراكي أو الشيوعي) بقيادة الاتحاد السوفياتي، الذي اعتمد نظامًا سياسيًا اشتراكيًا ذا حزب واحد قائم على الماركسية – اللينينية، ونظامًا اقتصاديًا موجهًا ومخططًا تسيطر فيه الدولة على وسائل الإنتاج. وكان تحالفه العسكري الرئيسي هو حلف وارسو الذي تأسس سنة 1955، أما حلفاؤه الأساسيون فكانوا دول أوروبا الشرقية (بولندا، تشيكوسلوفاكيا، المجر، ألمانيا الشرقية، رومانيا، بلغاريا...)، إلى جانب الصين في البداية، ثم كوبا وكوريا الشمالية وغيرها من الدول الاشتراكية. وكان الهدف المعلن لهذا المعسكر دعم الحركات الثورية ونشر الشيوعية في العالم، وهو ما ترك أثره على النظام الدولي إلى اليوم وإن تغيّرت بعض الإيديولوجيات.
وبالتالي، فإن الصحراء الغربية لم تتحرر بعد من هذا التجاذب والصراع بين القوتين العالميتين، كما أنها منطقة تناوبت عليها موجات من السيطرة والنفوذ، من قبائل صنهاجة الأمازيغية إلى العرب بني هلال وبني معقل، والهجرات القادمة من مختلف الدول الأفريقية، إلى دولة المرابطين التي انطلقت من الصحراء نفسها لحكم المغرب والأندلس. وقد خضعت المنطقة للحماية الإسبانية عام 1884 بعد قرون من التواجد التجاري الإسباني على الشواطئ الأطلسية المقابلة لجزر الكناري، وأقرت الدول الأوروبية بسيادة إسبانيا عليها في مؤتمر برلين (1884-1885). ومع ذلك، بقيت القبائل الصحراوية تحتفظ بقدر واسع من الاستقلال الذاتي، وكانت تنسق مقاومتها للاحتلالين الإسباني والفرنسي في آن واحد، خصوصًا في السمارة.
لقد فقد مجلس الأمن اليوم قدرًا كبيرًا من مصداقيته وحضوره الفعلي في إدارة الأزمات الدولية، إذ تحوّل من هيئة لحفظ السلم والأمن الدوليين إلى ساحة لتصفية الحسابات بين القوى الكبرى الممثلة للمعسكرين السابقين. ولم تعد قراراته تحظى بالاحترام نفسه الذي كانت تتمتع به في الماضي، إذ باتت تُتخذ وفق موازين القوى لا وفق مبادئ العدالة الدولية. ومع استمرار تجاهل قراراته في قضايا كبرى كالقضية الفلسطينية أو قضية الصحراء الغربية، يتأكد أن المجلس لم يعد الأداة الفاعلة التي كان يُفترض أن تكون ضامنًا للشرعية الدولية.
وفي ضوء كل ما سبق، يمكن القول إن القرار الأخير لمجلس الأمن بشأن الصحراء الغربية لا يرقى إلى مستوى القرارات الملزمة، بل هو مجرد توصية سياسية تهدف إلى تكريس النفوذ المغربي وإرضاء القوى الإمبريالية الداعمة له. إن الحل العادل والدائم الوحيد يكمن في تمكين الشعب الصحراوي من ممارسة حقه المشروع في تقرير المصير عبر إجراء استفتاء حر ومستقل تشرف عليه الأمم المتحدة وحدها، بعيدًا عن أي تدخل مغربي أو ضغط خارجي. وحده هذا المسار كفيل بإغلاق أحد أقدم ملفات الصراع في القارة الأفريقية، وتحقيق العدالة لشعب ظل لعقود ضحية التجاذبات والمصالح السياسية الدولية.
أمستردام



#علي_لهروشي (هاشتاغ)       Ali_Lahrouchi#          


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- جمهورية الريف بين الأمس و اليوم
- المغرب : قتل الطفل الراعي وتعليقه، كيف يغتال الفساد الأبرياء ...
- المغرب والخطاب الملكي من البرج العاجي: حين يخاطب الديكتاتور ...
- المغرب: حين يلعب المثقفون دور رجال الإطفاء في خدمة الملكية و ...
- من وراء دعوات الحوار بين المغرب والجزائر؟
- مظاهرات جيل -زد - بالمغرب وديكتاتورية محمد السادس، حين يتحوّ ...
- هولندا تحقق في قضية تجسس المغاربة وتستدعي مدير الاستخبارات ا ...
- هل سيكسر - الأمير- هشام العلوي طاجين المخابرات المغربية بعدم ...
- المغرب : قضاء التعليمات في مملكة الديكتاتور، حين تُغتال العد ...
- المخابرات المغربية تختطف المناضلة و الحقوقية سعيدة العلمي
- على الجميع أن يستفيد من درس الهجوم الصهيوني الإسرائيلي–الأمر ...
- و فاة رئيس الأوروغواي السابق - خوسيه موخيكا و فقدان الإنساني ...
- العلاقات المغربية الإسرائيلية من السرية إلى التطبيع ، و ضياع ...
- الهدية القطرية الضخمة المسمومة للرئيس الأمريكي ترامب
- ترشيح المغرب لنيل جائزة نيلسون مانديلا: إهانة لمؤسسات الأمم ...
- الخلافات بين المغرب والجزائر: خلفيات وأفق الحل؟
- بيان بمناسبة اليوم العالمي للشغل
- أي مصير ينتظر الأبرياء في سجون المغرب؟
- تطاول - مالي- على الجزائر جزء من المؤامرة الكبرى
- المغرب و اسرائيل : انتهاكات حقوق الإنسان بذريعة فرض - هيبة ا ...


المزيد.....




- ألمانيا: توقيف شاب سوري في برلين للاشتباه بتحضيره هجوما
- غارات ونسف للمنازل في عدة مناطق بغزة
- كيف تنهض غزة بالمبادرات الذاتية؟
- رصد مسيرات فوق قاعدة جوية للناتو في بلجيكا
- ترامب: أيام مادورو كرئيس لفنزويلا -باتت معدودة-
- دراسة.. زيادة ملحوظة في مشكلات الذاكرة والتفكير لدى الشباب
- ترامب يتهم روسيا والصين بإجراء تجارب نووية غير معلنة
- دراغوني يقول لبي بي سي: -الناتو سيقف إلى جانب أوكرانيا حتى ي ...
- واشنطن لا تخطط لإجراء تفجيرات نووية حاليا
- برا أو جوا.. ترامب يعيد التهديد بالتدخل العسكري ضد نيجيريا


المزيد.....

- علاقة السيد - التابع مع الغرب / مازن كم الماز
- روايات ما بعد الاستعمار وشتات جزر الكاريبي/ جزر الهند الغربي ... / أشرف إبراهيم زيدان
- روايات المهاجرين من جنوب آسيا إلي انجلترا في زمن ما بعد الاس ... / أشرف إبراهيم زيدان
- انتفاضة أفريل 1938 في تونس ضدّ الاحتلال الفرنسي / فاروق الصيّاحي
- بين التحرر من الاستعمار والتحرر من الاستبداد. بحث في المصطلح / محمد علي مقلد
- حرب التحرير في البانيا / محمد شيخو
- التدخل الأوربي بإفريقيا جنوب الصحراء / خالد الكزولي
- عن حدتو واليسار والحركة الوطنية بمصر / أحمد القصير
- الأممية الثانية و المستعمرات .هنري لوزراي ترجمة معز الراجحي / معز الراجحي
- البلشفية وقضايا الثورة الصينية / ستالين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الإستعمار وتجارب التحرّر الوطني - علي لهروشي - قرار مجلس الأمن حول الصحراء الغربية: توصية سياسية منزوعة الإجماع ومجردة من الإلزام