أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - علي لهروشي - المغرب: حين يلعب المثقفون دور رجال الإطفاء في خدمة الملكية وخيانة الشعب















المزيد.....

المغرب: حين يلعب المثقفون دور رجال الإطفاء في خدمة الملكية وخيانة الشعب


علي لهروشي
كاتب

(Ali Lahrouchi)


الحوار المتمدن-العدد: 8490 - 2025 / 10 / 9 - 09:36
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


منذ ما يسمى بالاستقلال، يعيش المغرب في دائرة مغلقة من التناقضات السياسية والاجتماعية. فالبلد الذي يتغنّى بالديمقراطية والدستور والمؤسسات لم يعرف يومًا توزيعًا حقيقيًا للسلطة. الملك هو الحاكم الفعلي، وهو من يملك القرار في السياسة والاقتصاد والمال والجيش والأمن والدين، مهما تغيّرت النصوص والعهود. أما الدستور، فليس إلا وثيقة وضعت لتجميل وجه نظامٍ موروث من قرون أمام الرأي الدولي، وثّبت في جوهره الحكم المطلق في يد واحدة، وترك للشعب مؤسسات صورية تمارس الأدوار الثانوية دون أثر حقيقي في القرار.
كل ما نراه من برلمانٍ وانتخاباتٍ وأحزابٍ ليس إلا واجهة لتزيين المشهد وإيهام الناس بأنهم يشاركون في صياغة مصيرهم. البرلمان في المغرب أشبه بمسرح تُوزع فيه الأدوار لا المقاعد، وتُصاغ فيه القوانين إما ترجمةً لتوجيهات تأتي من فوق، أو اقتباسًا من بقايا تشريعات الحماية الفرنسية، أو تنفيذًا لظهائر ملكية تتحول تلقائيًا إلى قوانين نافذة دون نقاش عام. الشعب المغربي لم يشارك يومًا في صياغة قانونه، بل فُرضت عليه نصوصٌ لا تعبّر عن إرادته ولا عن واقعه. لذلك فكل ما يُسمّى بالقانون المغربي يفتقر إلى المشروعية الشعبية، لأنه لم يصدر من إرادة أحرار، بل من سلطةٍ فوقية تحكم وتشرّع باسم الجميع.
منذ الاستقلال الشكلي، تعاقبت على البلاد قرابة ثلاثين حكومة، أي بمعدل حكومة كل سنتين تقريبًا. وهذا الرقم وحده كافٍ لفضح أسطورة “الاستقرار المغربي” التي تتغنى بها الدعاية الرسمية. فلو كان المغرب حقًا مستقراً، لما تغيّرت الحكومات بهذه السرعة، ولما عاشت كل حكومة تحت رحمة قرارات تأتيها من القصر. هذا التبدّل المتواصل ليس علامة على الحيوية السياسية كما يزعمون، بل دليل على هشاشة المؤسسات وعلى تعنّت النظام الذي يحتكر السلطة ويفرض إرادته على الجميع. لم تعرف البلاد حكومة واحدة امتلكت القرار الفعلي؛ كل الحكومات جاءت لتنفّذ التعليمات وتتحمل اللوم في النهاية. أما السلطة الحقيقية فظلت دائمًا محصورة في الدائرة الملكية التي لا تُحاسَب ولا تُسائلها أي جهة.
في هذا المناخ الخانق، برزت في الآونة الأخيرة حركة “جيل زد 212”، تعبيرًا عن وعيٍ شبابيٍ جديد، خرج إلى الشارع ليطالب بما هو أبسط من كل الخطابات: تعليمٍ كريم، صحةٍ محترمة، عدالةٍ حقيقية، ومحاسبةٍ فعلية لمن يديرون البلاد. هذه الحركة كانت علامة على أن الصمت انتهى وأن جيلًا جديدًا قرر أن يقول كلمته. لكن حين ارتفعت الأصوات واشتد الغضب، خرج من يسمّون أنفسهم “المثقفين” برسالةٍ إلى الملك الديكتاتور، يطلبون فيها “إجراءات عاجلة” و”حوارًا وطنيًا”.
لكن من هم هؤلاء؟ هل هم فعلًا مثقفون؟ هل هم سياسيون؟ الحقيقة أنهم ليسوا سوى رجال إطفاء، مهمتهم تهدئة النيران حين تقترب من أسوار السلطة وعلى رأسها القصر الملكي حيث تقبع رؤوس العصابة الحاكمة. هم لا يقفون إلى جانب الشعب، بل بينه وبين من يقمعه، ليخففوا الضغط ويشتروا الوقت. إن من يكتب رسالة إلى من يحتكر القرار، يطلب منه أن "يُصلح نفسه"، لا يمارس الفعل السياسي بل الخضوع. المثقف الحقيقي لا يطلب من الحاكم شيئًا، بل يواجهه بكلمة الحق، ويساهم في توعية الشعب لانتزاع حقه بيده، لأنه كما قيل: "الحق لا يُعطى بل يُنتزع". أما هؤلاء المفقفون بين قوسين فقد اختاروا دور الوسيط المطيع، فحوّلوا الثقافة من ضميرٍ حيّ إلى أداةٍ لتجميل الواقع الفاسد.
أي مثقف هذا الذي يتوسل لمن يعيش بعقلية وممارسات القرون الوسطى؟ أي وعي هذا الذي يطلب من السلطة المطلقة أن تتنازل عن امتيازاتها طوعًا؟ من يعيد أرواح الشباب الذين سقطوا في الشوارع برصاص القمع؟ من يكشف مصير المختفين والمعتقلين من المتظاهرين السلميين؟ من يحاسب الأجهزة التي دهست وضربت واعتقلت؟ ومن أعطاها الأوامر؟ من يجيب أمهات المكلومين حين يسألن عن أبنائهن؟
العالم كله يعيش اليوم زمن الحرية وحق التظاهر والتعبير والديمقراطية والعدالة وحقوق الإنسان، حتى في أدغال إفريقيا التي قيل عنها قديمًا أنها متوحشة، إلا في المغرب حيث لا تزال السلطة تُمارس كما في القرون الغابرة: إرادة فردٍ تتحكم في مصير الملايين، ودولة تُدار بالأوامر الفوقية الستالينية وبالعصا لمن عصى، لا بالقانون. كيف يمكن لمثقفٍ صادق أن يقبل بهذا؟ كيف يمكن لمن يدّعي الوعي أن يلوذ بالصمت أو يرسل التماسات التوسل؟
إن ما يسمّى بالنخبة المثقفة في المغرب تحوّل جزء كبير منها إلى طبقةٍ رمادية تحرس النظام الملكي الذي أهلك المغرب والمغاربة من خلال الكلام الناعم. بعضهم يختبئ خلف الشعارات الغامضة، وبعضهم يطلب “إصلاحًا من الداخل”، وكأن الداخل لم يلتهم كل من حاول تغييره. المثقف الذي لا ينزل إلى الشارع مع الشعب، ولا يدفع ثمن كلمته، لا يستحق هذا الاسم. الثقافة ليست مهنة ولا لقبًا أكاديميًا، بل موقف أخلاقي وشجاعة في وجه السلطة حين تظلم.
المغرب اليوم يعيش مفارقة مريرة: دستورٌ يُعلن فصل السلطات وسلطةٌ تمسك بكل شيء، حكوماتٌ تتبدل ولا تحكم، برلمانات تُنتخب مزورة على شكل تعيينات في الخفاء ولا تمثل، قوانين تُصاغ دون مشاركة الشعب، ومثقفون يدّعون الوعي وهم أول من يهرب من المواجهة. في ظل هذا المشهد، يصبح كل حديث عن الاستقرار مجرد وهم، لأن الاستقرار الحقيقي لا يقوم على الخوف بل على العدالة والحرية والأمن والأمان والثقة في الحاضر والمستقبل، ورفاهية الشعب، وتمتعه بالسكن والشغل والتأمين والتطبيب والعلاج والتعويض عن البطالة أو المرض كما هو الحال بالدول الأوروبية، بينما خيرات المغرب الطبيعية تفوق خيرات بعض الدول الأوروبية التي ضمنت كل شروط الحياة لمواطنيها.
المطالب التي يطالب بها الشعب المغربي، ومع ذلك يُعاقب عليها، هي مطالب لم يعد يطالب بها أي شعب، فقد أصبحت مطالب متجاوزة لأنها ضرورية مثل الأكسجين الذي يتنفسه الإنسان، وبدونها لا معنى للحياة. هنا ترى أن المغرب يعيش تخلفًا لا مثيل له، حتى في أبسط الضروريات من المؤسسات الصحية والتعليمية والطرق والبنية التحتية التي تركتها الحماية الفرنسية بعد مغادرتها، والتي تم تدميرها من قبل الحكم الملكي عبر الإهمال واللامبالاة.
إن مسؤولية المثقفين الحقيقية ليست في كتابة الرسائل والاجتهاد في صياغة أسلوبها ولا في طلب العفو، بل في كشف زيف الشرعية التي يتغذى منها النظام الملكي المطلق، وفي توعية الناس بأنهم لم يكونوا طرفًا في أي عقد اجتماعي حقيقي. عليهم أن يقولوا بوضوح إن ما يحكم المغرب اليوم ليس دستورًا ولا قانونًا ولا برلمانًا، بل إرادة شخصٍ واحدٍ يُمسك بكل الخيوط. هذه هي الحقيقة التي يجب أن تُقال دون تردّد.
المطلوب اليوم ليس إصلاحًا جزئيًا ولا تغييرات تجميلية، بل تحررًا حقيقيًا للعقل المغربي من الخوف والخضوع. فالشعب لا يمكن أن يكون حرًا ما دام يؤمن بأن خلاصه بيد من يقهره. والتحول لن يبدأ إلا حين يدرك الجميع أن الدولة لا يمكن أن تكون ملكًا لأحد، بل هي ملك للجميع. المثقفون الذين يصمتون اليوم سيتحملون غدًا وزر هذا الانهيار الأخلاقي والسياسي، لأنهم تركوا الشعب يواجه مصيره وحده.
إن المغرب بحاجة إلى وعيٍ جديد، إلى مثقفين أحرارٍ لا يخافون، إلى أصواتٍ تصرخ باسم الناس لا باسم القصر، إلى فكرٍ يزرع في النفوس الإيمان بأن الكرامة ليست منحة بل حق. أما من اختاروا أن يكونوا رجال إطفاءٍ في خدمة النظام، فالتاريخ سيذكرهم لا كمثقفين بل كمن ساهموا في إطالة عمر الاستبداد وهم يظنون أنهم ينقذون الوطن، بل هم يهدمونه عندما يعجزون عن الجهر بالحق في وجه الحاكم الطاغي. هل تحدث أحدهم عن الثروة التي كدسها الملك وحاشيته، وجعل أبنه أغنى طفل في العالم بشهادة الجرائد والمجلات الأمريكية التي تضع ترتيب الأغنياء؟ هل تجرأ أي مثقف مغربي ليقول للملك وأفراد عائلته والمقربين منهم: "أين لكم هذا؟ من أين أتيتم بكل هذه الثروات؟" بينما الشعب يموت جوعًا وألمًا وحزنًا وأسر، حيث يعيش حوالي عشرة ملايين مغربي تحت عتبة الفقر؟ ولا أحد من أبناء الشعب يثق في حاضره ولا في مستقبله، فلو فُتحت الحدود لفرت حتى القطط والكلاب من المغرب، فما بالك بالشعب، كما حدث مؤخرًا على الحدود مع مدينة سبتة التي يحكمها الإسبان. كل هذه الجراح هي التي جعلت الشعب، رغم ما يتعرض له من قمع وقتل واختطاف، يخرج إلى الشارع ويكسر الحواجز ويعبر عن غضبه بالاحتجاج، ومع ذلك يخونه المثقفون ويلقون بأنفسهم في أحضان الديكتاتورية بثمن بخس.



#علي_لهروشي (هاشتاغ)       Ali_Lahrouchi#          


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- من وراء دعوات الحوار بين المغرب والجزائر؟
- مظاهرات جيل -زد - بالمغرب وديكتاتورية محمد السادس، حين يتحوّ ...
- هولندا تحقق في قضية تجسس المغاربة وتستدعي مدير الاستخبارات ا ...
- هل سيكسر - الأمير- هشام العلوي طاجين المخابرات المغربية بعدم ...
- المغرب : قضاء التعليمات في مملكة الديكتاتور، حين تُغتال العد ...
- المخابرات المغربية تختطف المناضلة و الحقوقية سعيدة العلمي
- على الجميع أن يستفيد من درس الهجوم الصهيوني الإسرائيلي–الأمر ...
- و فاة رئيس الأوروغواي السابق - خوسيه موخيكا و فقدان الإنساني ...
- العلاقات المغربية الإسرائيلية من السرية إلى التطبيع ، و ضياع ...
- الهدية القطرية الضخمة المسمومة للرئيس الأمريكي ترامب
- ترشيح المغرب لنيل جائزة نيلسون مانديلا: إهانة لمؤسسات الأمم ...
- الخلافات بين المغرب والجزائر: خلفيات وأفق الحل؟
- بيان بمناسبة اليوم العالمي للشغل
- أي مصير ينتظر الأبرياء في سجون المغرب؟
- تطاول - مالي- على الجزائر جزء من المؤامرة الكبرى
- المغرب و اسرائيل : انتهاكات حقوق الإنسان بذريعة فرض - هيبة ا ...
- المغرب في حاجة إلى مناضلين ثوريين وليس إلى إصلاحيين انتهازيي ...
- المغرب وإسرائيل : هدم المنازل و تشريد الأسر إلى أين؟
- المغرب: المرأة بين سندان القوانين المُجحفة ، و مطرقة طُغيان ...
- إخفاق التنظيمات اليسارية الثورية ، و انتصار التنظيمات السلفي ...


المزيد.....




- أشجار الأرز التي تتحدى الزمن.. كيف يحمي لبنان كنوزه الخضراء؟ ...
- هاديسي وإيريم ديريجي توضحان نتائج التحقيق معهما في إطار -عمل ...
- اتفاق غزة.. ماذا سيحدث الآن وما هو مجهول عن التفاصيل؟
- اتفاق تاريخي يفتح باب النهاية لحربٍ دامت سنتين في غزة
- +++غزة.. اتفاق بين حماس وإسرائيل لإنهاء الحرب+++
- ما الذي نعرفه عن المرحلة الأولى من اتفاق غزة؟
- أميركا ترفع العقوبات عن رئيس باراغواي السابق المتهم بالفساد ...
- الإليزيه: ماكرون سيختار رئيسا للوزراء خلال 48 ساعة
- ماكرون يواجه قرارات صعبة
- محلل إسرائيلي: هذه الصفقة استسلام للإرهاب وليست انتصارا كامل ...


المزيد.....

- حكمة الشاعر عندما يصير حوذي الريح دراسات في شعر محمود درويش / د. خالد زغريت
- التاريخ يكتبنا بسبابته / د. خالد زغريت
- التاريخ يكتبنا بسبابته / د. خالد زغريت
- جسد الطوائف / رانية مرجية
- الحجز الإلكتروني المسبق لموسم الحنطة المحلية للعام 2025 / كمال الموسوي
- الأرملة السوداء على شفا سوريا الجديدة / د. خالد زغريت
- المدخل الى موضوعة الحوكمة والحكم الرشيد / علي عبد الواحد محمد
- شعب الخيام، شهادات من واقع احتجاجات تشرين العراقية / علي الخطيب
- من الأرشيف الألماني -القتال في السودان – ينبغي أن يولي الأل ... / حامد فضل الله
- حيث ال تطير العقبان / عبدالاله السباهي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - علي لهروشي - المغرب: حين يلعب المثقفون دور رجال الإطفاء في خدمة الملكية وخيانة الشعب