أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - حقوق الانسان - علي لهروشي - المغرب : قتل الطفل الراعي وتعليقه، كيف يغتال الفساد الأبرياء مرتين؟















المزيد.....

المغرب : قتل الطفل الراعي وتعليقه، كيف يغتال الفساد الأبرياء مرتين؟


علي لهروشي
كاتب

(Ali Lahrouchi)


الحوار المتمدن-العدد: 8494 - 2025 / 10 / 13 - 17:12
المحور: حقوق الانسان
    


في أقصى المغرب المنسي، في أعالي جبال ميدلت بالمنطقة الجنوبية الوسطى من مغربٍ غريبٍ منهك، حيث يسكن الهامش الصامت، حدث ما يشبه الجريمة المثالية، حيث عُثر في صباح يوم 16 يونيو 2025 على جثة محمد بويسلخن، طفل فقير راعٍ للغنم لا يتجاوز عمره خمس عشرة سنة. يُقتل، ثم يُتهم بالانتحار، وتُغلق القضية سريعًا كما لو أن حياته لم تكن تستحق أكثر من سطر في محضر بارد. لكن ما حدث للطفل محمد بويسلخن، الراعي القاصر، لم يكن مجرد جريمة قتل، لقد كان مرآة عاكسة لانهيار القيم داخل بلد أراد أن يسمي نفسه "دولة"، رغم أن مفاهيم الدولة الحقيقية لا تمت بصلة للمواصفات التي يتصف بها المغرب الحالي تحت الحكم الملكي الديكتاتوري، الذي، بسبب ممارساته الاستعبادية التي لا تعير أي اهتمام للقانون، صار الفساد يتسلل إلى القضاء، والإدارة، والأمن، والإعلام المحلي، بتواطؤٍ صامت أو مدفوع الأجر. فساد في كل مكان وبمختلف الأشكال. وقضية الطفل الراعي في مواجهة سلطات بلا ضمير خير دليل على ذلك.
كان محمد بويسلخن، ابن 15 سنة، يرعى الغنم لمساعدة عائلته الفقيرة، حين دخل قطيع أغنامه أرض رجل نافذ، معروف بنفوذه السياسي وعلاقاته داخل أجهزة السلطة في جماعة أغبالو ن سردان. بدل أن يتقدم هذا الأخير مثلًا بشكوى قانونية ضد أغنام الطفل، استعمل "حقه" وكأنه سلطة فوق الدولة، وانهال على الطفل ضربًا، حسب شهادات حقوقية، حتى لفظ أنفاسه الأخيرة. ثم، كما في أبشع السيناريوهات، عُلّقت جثته على أغصان شجرة تم تركيبها على شكل الأعمدة التي تحمل الخيمة التي يبنيها الأطفال في إحدى ألعابهم، لا يتعدى ارتفاعها مترًا ونصفًا، جاثيًا على ركبتيه، في وضعية مستحيلة للانتحار. لكن سلطات المنطقة التي أشرفت على البحث في النازلة حرّرت المحاضر الرسمية التي قالت فيها إن الطفل قد انتحر، بالرغم من أن الحالة التي كانت فيها الجثة، حيث الرأس معلق والركبتان على الأرض، لن يصدقها حتى وعي الأطفال والصبيان، فما بالك برجال السلطة ممن يدّعون أنهم تم تكوينهم وتدريبهم وتعليمهم وتخرجهم ليسهروا على سلامة المواطنين ويدققوا ويحللوا كل المعطيات لإنصاف المظلوم ومعاقبة الظالم؟ لكن هيهات، فالمال هو من يحرر المحاضر في المغرب، وليس الضمير والمسؤولية المهنية المنعدمة أصلًا.
لم تكن هذه مجرد جريمة قتل، بل كانت جريمة تزوير وتعليق غسيل العدالة الوسخ أمام العامة وفضحها بأكملها. لما دخلت الرشوة على الخط، وبدأت الزبونية والمحسوبية تشتغل في صمت رهيب، حيث بدأ السيناريو بتسريب متعمد لرواية الانتحار من طرف مسؤول بالعمالة إلى صفحات محلية مأجورة، تلاه عجز غير مبرر من الدرك الملكي عن القيام بعملية التدقيق في النازلة، وصارت بذلك المحاضر تُعد على المقاس. فجأة، صار المجرم ضحية، وصار الطفل الفقير القتيل مذنبًا، وكأن الجريمة لا تستحق حتى فتح تحقيق جدي. هنا بالضبط، نرى كيف يتحول القانون إلى أداة في يد المال، وكيف تنحني مافيا الدولة حين يُضغط عليها من فوق. إنها خيانة مزدوجة للعدالة: أولًا حين لم يُحمَ الطفل محمد في حياته كطفل يُفترض أن يكون في المدرسة وليس راعيًا، وثانيًا حين قُبر حقه في محضر كاذب، وهو الطفل الذي يحتاج للمساعدة والدعم ليتواجد بالمدرسة لمتابعة دراسته وبناء مستقبله، لا العكس، حيث إنه يرعى الغنم كطفل عامل لدى مشغّله لمساعدة أهله وأسرته. ومتى كان القانون الدولي يسمح للأطفال بولوج مجال العمل لمساعدة أسرهم؟ أليست الدولة هي المسؤولة الوحيدة عن دعم ومساعدة الأسر المحتاجة ومساعدة الأطفال لمواصلة دراستهم؟ وعملاً بتحذير مفاده أن أي هدم للتعليم يعني هدمًا للمستقبل، لكن حين يُلبس الفساد جبة القضاء فلا رحمة لا للطفل ولا للمحتاج ولا للمظلوم ولا حتى اهتمام أو تفكير في المستقبل.
ما كشفته لجنة الحقيقة والمساءلة، المكوّنة من فروع الجمعية المغربية لحقوق الإنسان بالمنطقة، هو أخطر من القتل نفسه، حيث إن هناك منظومة قضائية حاولت أن تُغلق الملف على فرضية انتحار، رغم غياب أدنى الأدلة، بل رغم وجود دلائل عكسية صارخة. هذا يُشير إلى تواطؤ مؤسساتي عميق، حيث يتحول بعض رجال الدرك والأمن، وبعض ممثلي النيابة العامة، وحتى بعض "المهنيين"، إلى أدوات طيّعة في يد الفساد والرشوة والنفوذ. تتغير صفة القاتل إلى "شاهد"، وتُمارس الضغوط على الأسرة المفجوعة، وتُخيف الأم حتى عن جلب الماء من خارج البيت. هل هذه عدالة؟ هل هذه دولة قانون؟ وهل يمكن اعتبار المغرب دولة أصلًا؟ أم أننا أمام مشهد تتعرى فيه الدولة أمام المال، وتنحني فيه الكرامة الإنسانية أمام الرشوة؟ وتبقى النتيجة أن العدالة في المغرب لا ولن تتحقق بالطلبات، والمسيرات السلمية، بل يمكن فرضها بالنضال عبر أشكال أخرى مختلفة كالعصيان المدني والثورة الشعبية ورفع الضغط على المؤسسات الدولية كالاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة وكل الجهات الدولية المساعدة للحكم بالمغرب على مختلف الأصعدة، لإجبارها على سحب دعمها المفرط للديكتاتورية بالمغرب.
وبالتالي، يتحول تحرك ونضال الأسرة، ومساندة الشعب والحقوقيين والإعلاميين من المخلصين لقضية الوطن والمواطن، من خلال احتجاجات الشارع، لفضح المسؤولين عن تزوير تلك المحاضر وإجبارهم على إعادة فتح الملف من جديد، وهو ما تسبب مؤخرًا في أن يمثل ستة مشتبه فيهم أمام قاضي التحقيق، بعد أكثر من شهرين من الجريمة. لقد كان الضغط الشعبي، وفضح تناقض الرواية الرسمية، هو ما جعل النيابة العامة تتراجع عن رواية الانتحار، وتفتح تحقيقًا جديدًا بتهمة القتل العمد، وفق الفصل 392 من القانون الجنائي. وهنا، تتجلى المفارقة المغربية المؤلمة: الحقيقة لا تُكشف إلا بالاحتجاج، والعدالة لا تتحرك إلا بالصراخ. هذا ما يؤكد أن المؤسسات لا تُدار بالضمير، بل بالخوف من الفضيحة. وتعرية جرائم المسؤولين المرتشين، حيث إنه عندما تُشترى المؤسسات... يُقتل الضحايا مرتين. ففي قضية محمد بويسلخن، لم يُقتل هذا الطفل فقط، بل قُتل القانون، والضمير، والعدالة. كما قُتلت فكرة أن جميع المواطنين سواسية أمام القضاء والقانون. وقُتلت كذلك صورة الدولة التي يُفترض أن تحمي الضعفاء. ما حدث كان تتويجًا لثقافة تتغذى على الزبونية، وتعيش على المحسوبية، وتتنفس الفساد.
لقد خُلق القانون ليحمي الناس من بعضهم، لكن حين يتحول إلى أداة في يد الفاسدين الأقوياء، يصبح مجرد ديكور فوق فوضى منظمة، ويُحتقر فيه الضعفاء والفقراء، ويُعرض كل شيء للبيع، بما في ذلك شرف المسؤولين وضمائرهم. لكنهم مع ذلك يتناسون أن دم الفقراء لا يُشترى. وبذلك، فدم الطفل محمد بويسلخن لن يُهدر سُدى ما دام هناك صوت واحد ينادي بإنصافه. وبفضل ذلك، فهو ليس فقط طفلًا قُتل، بل هو رمز لكل من قُتل مرتين في هذا الوطن: مرة باليد، ومرة بتزوير الحقائق والأفعال والمحاضر. وهو عار لا عار مثله. ولهذا يصرّ الحقوقيون، والمحامون، والشارع، على أن المعركة في قضية مقتل الطفل محمد لم تنتهِ ولن تنتهي، وأن الحقيقة لا ولن تُشترى بالمال. كما أن القضاء في المغرب لن يستطيع، مهما فعل، أن يتستر على هذه الجريمة البشعة، خاصة بعدما سيتم وضع هذه القضية، إذا اقتضى الأمر، أمام المحاكم الدولية، وعلى مكتب الرئيس الأمريكي في البيت الأبيض، لوضع الجميع أمام حكم ضميره: فهل سينتصر هذا التحرك لقضية راعٍ صغير وطفل فقير، أم سيظل خاضعًا لنفوذ الكبار في مملكة الديكتاتور؟
هل سيُحاكَم المجرم القاتل الفعلي، أم سيُكتفى بشاهد يُنسى، وضحية تُطوى في الأرشيف؟ فما يُسمى بالعدالة المغربية، إن لم تُنصف محمد، فإنها ستدين نفسها. كما أن الجهات الدولية التي ستتوصل بهذه القضية، إن لم تتدخل للوي أذن الديكتاتورية في المغرب، فإنها بدورها تُعلن رسميًا أنها بلا وزن... وبلا ضمير.



#علي_لهروشي (هاشتاغ)       Ali_Lahrouchi#          


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- المغرب والخطاب الملكي من البرج العاجي: حين يخاطب الديكتاتور ...
- المغرب: حين يلعب المثقفون دور رجال الإطفاء في خدمة الملكية و ...
- من وراء دعوات الحوار بين المغرب والجزائر؟
- مظاهرات جيل -زد - بالمغرب وديكتاتورية محمد السادس، حين يتحوّ ...
- هولندا تحقق في قضية تجسس المغاربة وتستدعي مدير الاستخبارات ا ...
- هل سيكسر - الأمير- هشام العلوي طاجين المخابرات المغربية بعدم ...
- المغرب : قضاء التعليمات في مملكة الديكتاتور، حين تُغتال العد ...
- المخابرات المغربية تختطف المناضلة و الحقوقية سعيدة العلمي
- على الجميع أن يستفيد من درس الهجوم الصهيوني الإسرائيلي–الأمر ...
- و فاة رئيس الأوروغواي السابق - خوسيه موخيكا و فقدان الإنساني ...
- العلاقات المغربية الإسرائيلية من السرية إلى التطبيع ، و ضياع ...
- الهدية القطرية الضخمة المسمومة للرئيس الأمريكي ترامب
- ترشيح المغرب لنيل جائزة نيلسون مانديلا: إهانة لمؤسسات الأمم ...
- الخلافات بين المغرب والجزائر: خلفيات وأفق الحل؟
- بيان بمناسبة اليوم العالمي للشغل
- أي مصير ينتظر الأبرياء في سجون المغرب؟
- تطاول - مالي- على الجزائر جزء من المؤامرة الكبرى
- المغرب و اسرائيل : انتهاكات حقوق الإنسان بذريعة فرض - هيبة ا ...
- المغرب في حاجة إلى مناضلين ثوريين وليس إلى إصلاحيين انتهازيي ...
- المغرب وإسرائيل : هدم المنازل و تشريد الأسر إلى أين؟


المزيد.....




- مكتب إعلام الأسرى بعد وصول قوافل المحررين: صفقة التبادل محطة ...
- ++ اتفاق غزةـ تسليم الرهائن والإفراج عن معتقلين فلسطينيين ++ ...
- -إعلام الأسرى-: نقل 154 أسيرا فلسطينيا مبعدا للخارج إلى مصر ...
- سرايا القدس بعد تسليم الأسرى: ملتزمون بوقف إطلاق النار طالما ...
- بعد 10 سنوات في الأسر.. الفلسطيني المحرر سامح حلبية: التجويع ...
- إسرائيل تفرج عن مئات الأسرى الفلسطينيين.. ولكن بشروط صارمة
- الاحتلال يفرج عن الدفعة الثانية من المعتقلين من
- وصول عشرات الأسرى إلى رام الله بعد إفراج إسرائيل عنهم
- الأمين العام للأمم المتحدة يعرب عن ارتياحه البالغ إزاء الإفر ...
- بعد عامين من المجاعة والدمار.. خطة أممية لتوسيع توزيع الغذاء ...


المزيد.....

- مبدأ حق تقرير المصير والقانون الدولي / عبد الحسين شعبان
- حضور الإعلان العالمي لحقوق الانسان في الدساتير.. انحياز للقي ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- فلسفة حقوق الانسان بين الأصول التاريخية والأهمية المعاصرة / زهير الخويلدي
- المراة في الدساتير .. ثقافات مختلفة وضعيات متنوعة لحالة انسا ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- نجل الراحل يسار يروي قصة والده الدكتور محمد سلمان حسن في صرا ... / يسار محمد سلمان حسن
- الإستعراض الدوري الشامل بين مطرقة السياسة وسندان الحقوق .. ع ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- نطاق الشامل لحقوق الانسان / أشرف المجدول
- تضمين مفاهيم حقوق الإنسان في المناهج الدراسية / نزيهة التركى
- الكمائن الرمادية / مركز اريج لحقوق الانسان
- على هامش الدورة 38 الاعتيادية لمجلس حقوق الانسان .. قراءة في ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - حقوق الانسان - علي لهروشي - المغرب : قتل الطفل الراعي وتعليقه، كيف يغتال الفساد الأبرياء مرتين؟