أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الإستعمار وتجارب التحرّر الوطني - علي لهروشي - جمهورية الريف بين الأمس و اليوم















المزيد.....

جمهورية الريف بين الأمس و اليوم


علي لهروشي
كاتب

(Ali Lahrouchi)


الحوار المتمدن-العدد: 8500 - 2025 / 10 / 19 - 10:35
المحور: الإستعمار وتجارب التحرّر الوطني
    


في يوم 21 يوليو 1921، وسط جبال الريف الوعرة، حدثت واقعة غيرت مسار التاريخ في شمال إفريقيا إلى الأبد. في قرية أنوال، تم سحق الجيش الاستعماري الإسباني القوي على يد جيش من سكان الجبال المصممين، بقيادة الزعيم البصير محمد بن عبد الكريم الخطابي. ما بدأ كصراع من أجل الحرية والكرامة تحول إلى ثورة سياسية أدى ولادة جمهورية مستقلة في قلب جبال الريف في شمال إفريقيا. لم تكن هزيمة إسبانيا في أنوال مجرد كارثة عسكرية، بل كانت أيضًا رمزًا للانفصال بين الهيمنة الاستعمارية وحق الشعوب الأصلية في تقرير مصيرها. في أعقاب هذا النصر، أعلن الخطابي في 18 سبتمبر 1921 عن تأسيس مشروع سياسي جديد الذي هو جمهورية الريف. كان هدفه ليس مجرد طرد الجيوش الأجنبية، بل بناء دولة عادلة ومنظمة وذات سيادة تعتمد على أسسها الخاصة. كانت هذه الجمهورية، المتجذرة بعمق في هوية وثقافة الريف، محاولة لدمج الإدارة الحديثة، المسؤولية الجماعية والعدالة الاجتماعية مع القيم التقليدية للشعب الأمازيغي. كانت عاصمة هذه الجمهورية الناشئة في أجدير، قرب مدينة الحسيمة الحالية. هناك أسس الخطابي حكومة ذات هيكل إداري منظم بشكل جيد — وهو ما كان فريدًا في تلك الفترة في شمال إفريقيا. كان رئيس الدولة والقائد الأعلى للجيش، لكن إدارته لم تكن استبدادية؛ فقد تعاون مع مجلس من الوزراء وممثلين عن القبائل المختلفة، الذين وضعوا معًا الاستراتيجية السياسية والعسكرية للجمهورية.
تكونت حكومة جمهورية الريف من رجال المعرفة والاعتقاد. كان عبد السلام الخطابي، شقيق الزعيم، مسؤولًا عن الشؤون الداخلية ونظم الإدارة المحلية في المناطق المحررة. وكان الحاج حسن تمسماني مسؤولًا عن الشؤون الخارجية وحاول إقامة علاقات دبلوماسية مع القوى الكبرى مثل بريطانيا والولايات المتحدة، على أمل الحصول على الاعتراف الدولي. قاد محمد أزركان الجيش وكان على رأس وزارة الحرب، في حين قام القاضي محمد بن عبد الكريم بإصلاح القضاء بناءً على الشريعة الإسلامية وعُرف الريف و القيم الأمازيغية هناك. وكان عبد الكريم بن عمار مسؤولًا عن المالية والضرائب، وقاد محمد إزياني وزارة التعليم، حيث بدأ محاولات تنظيم التعليم في منطقة طالما أهملها النظام الاستعماري.
تحت قيادة بن عبد الكريم، شهدت الجمهورية مستوى ملحوظًا من النظام والانضباط. أنشأ نظامًا للضرائب، وأسس إدارة بدائية، وبدأ تداول عملة خاصة — العملة الريفية — في قرى الريف. كما أنشأ جيشًا حديثًا، منظمًا في أفواج مع تسلسل هرمي صارم، مع تدريب عسكري مستوحى من النماذج الأوروبية ، ولكن متكيف مع ظروف التضاريس الجبلية. هذه التنظيمات منحت الجمهورية قوة قتالية غير مسبوقة، مما مكنها من الدفاع عن نفسها لسنوات ضد تفوق قوتين أوروبيتين.
ومع ذلك، كان حلم الاستقلال مثيرًا للجدل منذ البداية. اعتبرت إسبانيا وفرنسا الجمهورية الجديدة سابقة خطيرة: فإقليم حر ومستقل يمكن أن يلهم الشعوب الأخرى المستعمرة للتمرد. لكن الخطر لم يأت فقط من الخارج. فقد خشي سلطان المغرب، محمد الخامس، أن وجود دولة مستقلة في الشمال يهدد سلطته. وعلى الرغم من أنه كان رسميًا حسب بعض الأحزاب السياسية و أتباعه رمزًا للوحدة المغربية، إلا أنه كان تحت تأثير الحماية الفرنسية التي أقنعته أن استقلال الريف يمثل تهديدًا للبلاد بأسرها.
في عام 1925، تشكل تحالف ثلاثي بين إسبانيا وفرنسا وسلطان المغرب بهدف وحيد: القضاء على جمهورية الريف. تحركت الجيوش المشتركة بمئات الآلاف من الجنود، مدعومة بالطائرات والدبابات والسفن. خلال الهجوم، استخدموا أسلحة كيماوية — بما في ذلك غاز الخردل — تم رشها بشكل واسع فوق قرى الريف. قتل الآلاف من المدنيين الأبرياء، وحتى يومنا هذا، تحمل جبال الريف آثار هذا التسمم. على الرغم من شجاعة مقاتليه، أدرك محمد بن عبد الكريم الخطابي أن استمرار الحرب سيؤدي إلى الدمار التام لشعبه. في 27 مايو 1926، قرر الاستسلام للقوات الفرنسية، ليس ضعفًا أو منهزما، بل لإنهاء إراقة الدماء. ونُفي إلى جزيرة ريونيون في المحيط الهندي، حيث عاش في المنفى لعدة سنوات قبل الانتقال إلى القاهرة، حيث ظل رمزًا للنضال المناهض للاستعمار والكرامة الوطنية حتى وفاته.
وعلى الرغم من أن الحكومة المركزية للجمهورية توقفت عن العمل في 1926،فقد استمرت مؤسساتها ونفوذها في المناطق الجبلية النائية حتى حوالي 1929. ومع ذلك، استمر روح الجمهورية لفترة أطول بكثير — في ذاكرة الريفيين، في قصصهم، أغانيهم وفخرهم. بالنسبة لهم، لم تكن جمهورية الريف مجرد فصل ضائع من التاريخ، بل دليل دائم على أن الحرية ممكنة، حتى وسط القمع. بعد سقوط الجمهورية، بدأت للريف فترة طويلة من القمع، العنصرية، التمييز والتهميش. سواء أثناء الاحتلال أو بعد الاستقلال الشكلي للمغرب عام 1956، ظلت المنطقة متخلفة وغالبًا مستهدفة بالعنف من الدولة. تم استبعاد الريف بشكل منهجي من التنمية الاقتصادية، وتم قمع محاولات الانتفاضات التي عرفها الريف — مثل 1958، 1984 و2017 — بالقوة. هذا التاريخ من التهميش والإذلال دفع العديد من الريفيين لمغادرة وطنهم إلى أوروبا، خاصة إلى هولندا، بلجيكا، فرنسا وإسبانيا، بحثًا عن الكرامة والأمان ومستقبل كانوا و لازالوا محرومًين منهم في وطنهم.
واليوم، بعد ما يقرب من قرن على سقوط جمهورية الريف، لا يزال إرثها حيًا. فهي ترمز إلى الرغبة في الحرية، الحكم الذاتي والعدالة ، وهي قيم متأصلة بعمق في هوية شعب الريف الأمازيغي. وكانت الجمهورية أول دولة مستقلة في شمال إفريقيا في القرن العشرين، ولدت من الشجاعة والمعرفة والإيمان. تذكرنا قصتها أن الشعب قادر على التحكم في مصيره، حتى في أحلك الظروف، ضد أقوى الإمبراطوريات. فتاريخ جمهورية الريف ليس هامشًا، بل فصل منسي يجب إعادة قراءته والاعتراف به — ليس فقط من قبل المغاربة أو الريفيين، بل من قبل كل من يؤمن بحق الحرية والكرامة وتقرير المصير.
لأن النظام العلوي الحاكم في المغرب اعتقد أنه أنهى حلم سكان الريف في إقامة جمهوريتهم المستقلة، فقد تبنى سياسات اتُّسمت بالتمييز والعنصرية تجاه الأمازيغ عامة وسكان الريف خاصة. تجلت هذه السياسات في مظاهر التهميش الاجتماعي والاقتصادي والثقافي التي عاشتها المنطقة لعقود طويلة، ما أشعر أمازيغ الريف على أنه عقاب جماعي مرتبط بتاريخ الريف ونزعته نحو الاستقلال. حيث لازال يواجه العديد من النشطاء العقاب الشديد عند التعبير عن مطالب اجتماعية أو إصلاحية بوسائل سلمية، حيث وصلت بعض الأحكام إلى عشرين سنة سجن، في حين لا تتجاوز في مناطق أخرى بالمغرب خمس سنوات في قضايا مماثلة. هذا يعكس بوضوح النهج الأمني الصارم في التعامل مع الاحتجاجات داخل الريف.
ومع ذلك، لم تفلح هذه المقاربة في محو الذاكرة الجماعية لسكان الريف أو إنهاء الحنين إلى جمهوريتهم السابقة. فعلى الرغم من مرور أكثر من تسعة عقود على سقوط جمهورية الريف وغياب الجيل الذي عاش أحداثها، ما يزال أحفادهم يتمسكون بفكرتها ويعملون على إحيائها من جديد. فقد ظهرت في السنوات الأخيرة تنظيمات سياسية وجمعوية في الخارج، خاصة في أوروبا، أبرزها الحزب الوطني الريفي، الذي ينظم مؤتمرات وندوات ومسيرات في مختلف المدن الأوروبية حاملين علم جمهورية الريف، الذي يختلف عن علم المغرب الذي فرضه الجنرال ليوطي إبان الحماية الفرنسية. تهدف كل هذه التحركات إلى إحياء أسس جمهورية الريف والتعريف بتاريخها. كما أن هذا التنظيم الحزبي قد يكون قد قدم مذكرات رسمية إلى الأمم المتحدة يطالب فيها بالاعتراف بجمهورية الريف وإعادة إحياء مؤسساتها ككيان تاريخي مستقل يمثل إرادة سكان المنطقة.
ويرى كثير من أبناء الريف أن الظروف الحالية تختلف جذريًا عن تلك التي واجهها زعيم الجمهورية السابقة محمد بن عبد الكريم الخطابي، الذي استطاع تأسيس كيانه السياسي المستقل رغم معركته ضد القوى الاستعمارية الثلاثية. أما اليوم، فالحراك المعاصر يعتمد على أدوات النضال القانونية والإعلامية والفكرية، مستندًا إلى العمل الجمعوي والحقوقي والسياسي، ومؤمنًا بأن إحياء روح جمهورية الريف المستقلة في شمال إفريقيا هو استمرار لمسار تاريخي في الدفاع عن الكرامة والعدالة والهوية الأمازيغية

أمستردام



#علي_لهروشي (هاشتاغ)       Ali_Lahrouchi#          


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- المغرب : قتل الطفل الراعي وتعليقه، كيف يغتال الفساد الأبرياء ...
- المغرب والخطاب الملكي من البرج العاجي: حين يخاطب الديكتاتور ...
- المغرب: حين يلعب المثقفون دور رجال الإطفاء في خدمة الملكية و ...
- من وراء دعوات الحوار بين المغرب والجزائر؟
- مظاهرات جيل -زد - بالمغرب وديكتاتورية محمد السادس، حين يتحوّ ...
- هولندا تحقق في قضية تجسس المغاربة وتستدعي مدير الاستخبارات ا ...
- هل سيكسر - الأمير- هشام العلوي طاجين المخابرات المغربية بعدم ...
- المغرب : قضاء التعليمات في مملكة الديكتاتور، حين تُغتال العد ...
- المخابرات المغربية تختطف المناضلة و الحقوقية سعيدة العلمي
- على الجميع أن يستفيد من درس الهجوم الصهيوني الإسرائيلي–الأمر ...
- و فاة رئيس الأوروغواي السابق - خوسيه موخيكا و فقدان الإنساني ...
- العلاقات المغربية الإسرائيلية من السرية إلى التطبيع ، و ضياع ...
- الهدية القطرية الضخمة المسمومة للرئيس الأمريكي ترامب
- ترشيح المغرب لنيل جائزة نيلسون مانديلا: إهانة لمؤسسات الأمم ...
- الخلافات بين المغرب والجزائر: خلفيات وأفق الحل؟
- بيان بمناسبة اليوم العالمي للشغل
- أي مصير ينتظر الأبرياء في سجون المغرب؟
- تطاول - مالي- على الجزائر جزء من المؤامرة الكبرى
- المغرب و اسرائيل : انتهاكات حقوق الإنسان بذريعة فرض - هيبة ا ...
- المغرب في حاجة إلى مناضلين ثوريين وليس إلى إصلاحيين انتهازيي ...


المزيد.....




- أهمية قطر وكواليس علاقة أميرها مع ترامب.. نظرة فاحصة وماذا ي ...
- تحذير أممي من خطر الألغام على سكان غزة وواشنطن تقول إن حماس ...
- ألهمت حياة الملايين ... رحيل -ماما إيراسموس- صوفيا كورادي
- الشِّجارُ الطُّلابيُّ في الجامعةِ الأردنيّةِ.
- نتانياهو يعلن عزمه الترشح مجددا لرئاسة الوزراء في الانتخابات ...
- المغرب: متظاهرون يطالبون بإطلاق سراح موقوفين من حركة -جيل زد ...
- سي إن إن: مباحثات سرية لترتيب لقاء بين ترامب وزعيم كوريا الش ...
- الشيباني ينوي زيارة الصين ويستعرض دبلوماسية سوريا الجديدة
- 5 أشياء ينبغي معرفتها عن حاكم مدغشقر الجديد
- تقاسم -الكعكة- مع روسيا.. لماذا تعزز واشنطن أسطولها من كاسحا ...


المزيد.....

- علاقة السيد - التابع مع الغرب / مازن كم الماز
- روايات ما بعد الاستعمار وشتات جزر الكاريبي/ جزر الهند الغربي ... / أشرف إبراهيم زيدان
- روايات المهاجرين من جنوب آسيا إلي انجلترا في زمن ما بعد الاس ... / أشرف إبراهيم زيدان
- انتفاضة أفريل 1938 في تونس ضدّ الاحتلال الفرنسي / فاروق الصيّاحي
- بين التحرر من الاستعمار والتحرر من الاستبداد. بحث في المصطلح / محمد علي مقلد
- حرب التحرير في البانيا / محمد شيخو
- التدخل الأوربي بإفريقيا جنوب الصحراء / خالد الكزولي
- عن حدتو واليسار والحركة الوطنية بمصر / أحمد القصير
- الأممية الثانية و المستعمرات .هنري لوزراي ترجمة معز الراجحي / معز الراجحي
- البلشفية وقضايا الثورة الصينية / ستالين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الإستعمار وتجارب التحرّر الوطني - علي لهروشي - جمهورية الريف بين الأمس و اليوم