أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - كرم نعمة - زمن النسيان العام














المزيد.....

زمن النسيان العام


كرم نعمة
كاتب عراقي مقيم في لندن

(Karam Nama)


الحوار المتمدن-العدد: 8511 - 2025 / 10 / 30 - 14:02
المحور: الادب والفن
    


مازلت أتذكر كيف واجه الرئيس التنفيذي لشركة غوغل آنذاك أريك شميدت سؤالا جادا بمسحة طرافة عما إذا كان يشعر بالخوف من الكم الهائل من المعلومات التي يختزنها محرك البحث العملاق. زاد المتسائل من طرافته أثناء قمة أبوظبي للإعلام الأولى عام 2010، بالقول: بل أين تذهب هذه المعلومات؟ رد شميدت بتساؤل مواز: من قال لك أنا خائف من النسيان بوجود هذه الخوادم "السيرفرات"!
هذا يعني أن المعلومات لا تذهب إلى أي مكان ولا يمكن أن تنسى! فمنذ أن قررت شركة غوغل أن تعرف عنك أكثر مما تعرفه أمك، لم يعد النسيان فضيلة.
كل شيء باقٍ. وكل زلّة مؤرشفة. لا توجد ذاكرة تخجل، ولا ذاكرة تعتذر. فقط أرشيف يعرض سقوطك الأول بابتسامة خبيثة.
كنا نظن أن التقدّم سيمنحنا مساحة للنسيان. أن التقنية ستخفف عن الذاكرة عبء التفاصيل. لكن ما حدث كان العكس تمامًا. صارت الذاكرة عدوًا، لأنها لا تنسى شيئًا. وصارت الحقيقة مشروطة بسياقها الزمني، ثم يتم إخراجها من السياق عمدًا لتصبح أداة إدانة.
تغريدة ساذجة كتبتها قبل عشرة أعوام قد تقطع اليوم ما تبقى من جسر حياتك المهنية. لأن العالم الجديد لا يتسامح. ليس لأن الناس أصبحوا أكثر وعيًا، بل لأن التكنولوجيا لا تنام. لم يكن توقع إحدى الكاتبات مفيدا قبل أكثر من عقد، عندما دافعت عن تلك المنصة التي هي بمثابة جحيم يسرق الوقت، بقولها إن تويتر مجرد طفل سيكبر ويكف عن الصراخ! بيد أنه كبر وصار "أكس" لكنه زاد من حدة الابتذال وسحق لغة الفضيلة.

في الصحافة الورقية القديمة، كانت هناك نعمة النسيان. مقال الأمس يصبح لفّافة اليوم. تتبخر العناوين مع تبخّر الحبر. لم يكن هناك غوغل يذكّرك بما قلته وما لم تقله. واليوم، حتى التردد محفور في ذاكرة الإنترنت.
فيسبوك يعيد إليك صورك القديمة لا ليرقّ قلبك، بل ليذكّرك بأنك لم تعد تبتسم كما كنت. يطلب منك أن تحتفل بذكراك مع صديق لم تعد تعرف ما إذا كنت تكرهه أم نسيت اسمه.
الذاكرة الرقمية لا تسعفك في التنصل، بل تطاردك. أما الاعتذار، فلم يعد ذا معنى. لأن من يقرأك اليوم لا يريد أن يفهم، بل أن يحاكم. والمفارقة أن كل هذا يحدث في وقت تحوّل فيه البشر إلى كائنات لا تملك ذاكرة حقيقية، مجرد لحظات قصيرة المدى، تمرّ أمامهم كشريط "ريلز" في انستغرام لا يمكن إيقافه.
قرأت في صحيفة "نيويورك تايمز" في يوم ما بأن كل ما تفعله اليوم سيُستخدم ضدك غدًا، لا في المحكمة، بل في منصة أكس. والغريب أن ذلك لم يعد يُقلق أحدًا، لأن الجميع قرروا بصلافة لم تشهدها البشرية من قبل أن يعيشوا في العلن، مهما كانت العواقب. دع عنك هنا أولئك الجبناء بأسماء رقمية مستعارة.
نحن لا ننسى، بل نُنسى. نُطمر تحت تدفق الأخبار، وتحت فيضان الصور، حتى يبدو أن كل شيء مهم ولا شيء يستحق التوقف. سرعة النسيان جعلت من كل شيء قابلًا للاستبدال: الحقيقة، الصديق، الكتاب، وحتى الذات. وذلك ما تعلمه السياسيون ولصوص الدولة عندما اعتقدوا أن ذاكرة الشعوب هزيلة لأن سرقتهم الجديدة ستسرع في إزاحة السابقة، بعد أن أفلتوا من العقاب.
المفارقة أن هذا النسيان العام لم يحررنا، بل قيدنا أكثر. صرنا عبيدًا للذكرى المؤرشفة، ولرأي سابق، ولوجه قديم في صورة مشوشة.
في زمن مثل هذا، يصبح النسيان فعل مقاومة. أن تكتب دون أن تفكر في غوغل. أن تخطئ دون أن تخاف من أرشفة الغلط. أن تُنسى، دون أن تكون ضحية في أرشيف أحدهم.

لكننا، ويا للسخرية، لم نعد نملك هذا الترف.



#كرم_نعمة (هاشتاغ)       Karam_Nama#          


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- باب انتخابي دوّار لا يفضي إلى وطن
- المستقبلية في ألحان كاظم الساهر
- بغداد تتفوق على برافدا في الخيال السياسي
- تونس مختبر الذاكرة
- أينتصر القلم على محفظة النقود؟
- دوخي المفقود في تقاسيم الصبا
- فؤاد التكرلي بين حافظ والعناني
- موعد مع أخطبوط!
- ياسمين الخيام تبتهل بالمولد النبوي الشريف
- سليمة خضير تغلق شباك السنين
- الخوف وليس السأم من يطيح بهم
- عريبي والشيخ وبلخياط والجميري
- ترامب وبوتين يعيدان تعريف المسافة السياسية
- لاريجاني في بغداد غيره في بيروت
- في مديح الألفاظ البذيئة!
- مردوخ سلّعَ الصحافة وترامب شيطنها
- الفساد والفشل كشرف سياسي في العراق
- صراع دول على صالح الكويتي
- طريق الأعظمية ينتهي في تونس
- لماذا يخترع الأدباء سيرة مزيفة؟


المزيد.....




- الإعلام الغربي وحرب الرواية بغزة: كيف كسرت مشاهد الإبادة الس ...
- أطروحة دكتوراة عن أدب سناء الشعلان في جامعة الأزهر المصريّة
- يوروفيجن تحت الحصار.. حين تسهم الموسيقى في عزلة إسرائيل
- موجة أفلام عيد الميلاد الأميركية.. رحلة سينمائية عمرها 125 ع ...
- فلسطينية ضمن قائمة أفضل 50 معلمًا على مستوى العالم.. تعرف عل ...
- أفلام الرسوم المتحركة في 2025.. عندما لم تعد الحكايات للأطفا ...
- العرض المسرحي “قبل الشمس”
- اكتمال معجم الدوحة التاريخي للغة العربية.. احتفال باللغة وال ...
- المدير التنفيذي لمعجم الدوحة: رحلة بناء ذاكرة الأمة الفكرية ...
- يعيد للعربية ذاكرتها اللغوية.. إطلاق معجم الدوحة التاريخي


المزيد.....

- دراسة تفكيك العوالم الدرامية في ثلاثية نواف يونس / السيد حافظ
- مراجعات (الحياة الساكنة المحتضرة في أعمال لورانس داريل: تساؤ ... / عبدالرؤوف بطيخ
- ليلة الخميس. مسرحية. السيد حافظ / السيد حافظ
- زعموا أن / كمال التاغوتي
- خرائط العراقيين الغريبة / ملهم الملائكة
- مقال (حياة غويا وعصره ) بقلم آلان وودز.مجلةدفاعاعن الماركسية ... / عبدالرؤوف بطيخ
- يوميات رجل لا ينكسر رواية شعرية مكثفة. السيد حافظ- الجزء ال ... / السيد حافظ
- ركن هادئ للبنفسج / د. خالد زغريت
- حــوار السيد حافظ مع الذكاء الاصطناعي. الجزء الثاني / السيد حافظ
- رواية "سفر الأمهات الثلاث" / رانية مرجية


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - كرم نعمة - زمن النسيان العام