كريم المظفر
(Karim Al- Modhafar)
الحوار المتمدن-العدد: 8509 - 2025 / 10 / 28 - 10:03
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
تصريحات سكرتير مجلس الأمن الروسي سيرغي شويغو قبل يومين ، بأن الغرب يسعى لتقسيم روسيا إلى عشرات الكيانات الصغيرة ثم إخضاعها واستغلالها ، وتعرض روسيا ومجتمعها بأكمله اليوم لضغوط خارجية عدوانية ، و شنّ دعاية قوية معادية لها ، واستمرار الهجمات على تاريخها وثقافتها وقيمها الروحية بلا هوادة، وكذلك محاولات دق إسفين بين الأخوة، بين شعوبها ودول رابطة الدول المستقلة ، هي قناعة باتت راسخة ليس فقط لدى القيادة السياسية الروسية ، بل أيضا لدى الشعوب الروسية أيضا ، والتي التحمت خلف قيادتها ، بشكل أذهل الغرب الذي كان يرسم مخططاته على معلومات مفبركة ، بأن هذا الشعب مفكك ، ويحتاج الى أي خطوة من الغرب للإنقلاب على قيادته .
أن أعداء روسيا يعتقدون أن طبيعة روسيا المتعددة القوميات تمثل نقطة ضعفها، لذلك أيضا يسعون إلى تقسيم البلاد ، إلى عشرات الكيانات والدويلات، ثم إخضاعها واستغلالها واستخدامها لمصالحهم الأنانية ، وبهدف نزع السيادة عن هذا البلد العظيم ، لكن الغرب الجماعي على مايبدو ، لم يفهم طبيعة العلاقات بين القوميات الروسية، والقوة الروحية والأخلاقية لديها، ووحدة الشعب الروسي المتعدد القوميات، مما يسمح للبلاد بمقاومة الاستراتيجيات الجيوسياسية المدمرة بثقة ، وإن وحدته هي التي تُتيح فرصة التنمية الوطنية الحرة والشاملة في البلاد.
وتصريحات شويغو لم تكن الوحيدة في هذا الإطار ، فقد كانت للرئيس الروسي فلاديمير بوتين ، أحاديث عديدة كشف فيها ، أن لدى موسكو وثائق تؤكد وجود خطط غربية تهدف إلى تقسيم روسيا، والاشارة إلى أن تفكيك الاتحاد السوفيتي ثم روسيا ، كان ولا يزال هدفا استراتيجيا للغرب ، وأن بلاده اضطرت إلى الرد على المحاولات الغربية ، لإعادة تشكيل النظام العالمي بعد انهيار الاتحاد السوفيتي، مما أدى إلى تصاعد التوترات الدولية ، والهوس العسكري للغرب قائم على فرضية "عدوانية" روسيا ، ويسعون جاهدين الى قلب الحقائق رأسا على عقب ، بينما الحقيقة هي العكس تماما.
وطوال السنوات الماضية كشفت هي الأخرى ، أن الادعاء بعدوانية روسيا غير مبرر على الإطلاق ، وأن الغرب الجماعي هو العدواني، وهوسه العسكري قائم على اختلاق فرضية "عدوانية روسيا" ، على الرغم من ان روسيا حتى اليوم ليست معتدية على أحد ، بل إن مايسمى بالغرب الجماعي هو "العدواني" ، وإن لروسيا كامل الحق في تحديد مستوى الأمن اللازم والمخاطر المحتملة التي تهددها ، والتي قد تقترب منها من جهة أو أخرى ، وهذا أبسط حقوقها ، وأن الوثائق الدولية "التي وافق عليها الجميع" ، تنص على أنه لا يمكن ضمان أمن دولة أو مجموعة دول على حساب أمن دول أخرى.
لقد كان الاعتقاد السائد لدى الكثيرين ، ومن بينهم الرئيس الروسي ، والتي اشار لها بوتين في حديثه للصحفي بافيل زاروبين ، بإن الجانب الجيوسياسي بالذات يشكل أساس التناقضات بين روسيا والغرب، رغم أنه كان يبدو سابقا أن العقيدة الشيوعية السوفيتية تعيق العلاقات الطبيعية ، لكن حتى بعد انهيار الاتحاد السوفيتي، بقي الغرب يمارس الموقف المتعالي تجاه المصالح الاستراتيجية للدولة الروسية ، وكان ذلك مرتبطا برغبة واضحة في تحقيق بعض المزايا الجيوسياسية ، واعترف الرئيس بوتين في حينه ، بأنه لم يدرك هذه الحقيقة فورا حتى عندما أصبح رئيسا للدولة.
ورغم كل المحاولات لتوضيح موقف روسيا، ظل الغرب غير مبال بمصالحها واهتماماتها ، وأبقت المصالح الجيوسياسية جوهر كل هذه التناقضات ، وأبقت على السلوك المتعالي من جانب بعض الغربيين تجاه الجانب الروسي ، وبالتالي افضى هذا الشعور لدى الروس ، بان الغرب الجماعي لن يتم يحترم مصالح روسيا وأخذها بالاعتبار، وخاصة من جانب الغرب، إلا إذا كانت قوية ذات سيادة وتحمي مستقبلها ، ووفقا للرئيس الروسي ، فإنه وبعد كل الإجراءات غير الودية التي اتخذها الغرب تجاه روسيا، أصبح واضحا مع انهيار الاتحاد السوفيتي ، "لن يأخذونا في الاعتبار، حتى نعلن أنفسنا كقوة مستقلة ذات سيادة، قادرة على الدفاع عن مستقبلها بحزم".
ولم تكن العملية العسكرية الروسية الخاصة في أوكرانيا ، وكما يظن الكثيرون ، هي السبب الرئيس في فرض الغرب الجماعي ما مجموعه 28595 عقوبة على روسيا ، وبالطبع هذا أكثر من مجموع العقوبات المفروضة ، على كل دول العالم الخاضعة للعقوبات ، ولن يتردد الغرب في التهديد بفرض عقوبات جديدة ، باعتبارها الأداة الوحيدة التي بقيت لديهم ، فبعد ثلاث سنوات من الجهود العسكرية والاقتصادية واللوجستية ، وتسخير كافة موارده ، ووضعها تحت تصرف " مهرج مهووس " زيلينسكي ، للضغط على روسيا بغض النظر عن تحسن العلاقات مع الغرب أو تدهورها ، وحتى لو تم تخفيف العقوبات ضد روسيا، فإن الغرب سيجد طريقة أخرى لمحاولة عرقلة عجلة الاقتصاد الروسي ، فالغرب يتبنى الحرية الكاملة للتجارة في العالم فقط عندما يخدم ذلك تجارته.
أن مناقشة إمكانية الإفراج عن الأصول الروسية المجمدة ، من وجهة نظر البنك المركزي الروسي ، أمر لا يزال مبكرا ، على الرغم من التقارير الإعلامية التي تتحدث عن احتمال تخفيف العقوبات الأمريكية ، وأثبت الاقتصاد الروسي فعاليته ومرونته أمام العقوبات الغربية، علما أن العديد من الخبراء اعتبروا القيود الغربية تحديا كبيرا لروسيا ، وسجل الاقتصاد الروسي في 2024 نموا بنسبة 4.1%، وبلغ جم الناتج المحلي الإجمالي الاسمي للبلاد مستوى قياسيا عند 200 تريليون روبل، بحسب تصريحات رئيس الحكومة ميخائيل ميشوستين.
وهنا يبرز تساؤلا مشروعا عن تسمية مجموعة الدول "السبع" بالكبرى ( مجموعة G7 ليست منظمة دولية، بل منتدى غير رسمي نشأ عام 1975، ويضم الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وفرنسا وألمانيا وإيطاليا وكندا واليابان) في ظل أدائها الاقتصادي المتواضع، وصعوبة رؤيتها على خارطة العالم ، فمن غير الواضح ما هو الكبير في "السبعة الكبار"، وان نمو الناتج المحلي الإجمالي في دول مجموعة السبع 1.9%، وفي مجموعة "بريكس" 4.9%، وفي روسيا لمدة عامين متتاليين 4.1%" ، وكذلك تتفوق مجموعة "بريكس" على مجموعة G7 ، من حيث أبرز المؤشرات الاقتصادية، كالمساحة وتعداد السكان واحتياطيات الموارد الطبيعة وقوة الأسواق.
لقد اثبتت الوقائع والبيانات إن الغرب ينتهج عمدا سياسة "تبسيط الشر" ، ليمنع العالم من فهم ومعرفة الحقيقة التاريخية بنفسه ، واستبدال الأشياء، حيث تم استبدال المعرفة عن الحرب العالمية الثانية بالميمات، وتم غرس تاريخ مريح جدا ومريح للجميع ، ويلقي عمدا بما وصفته بـ"فخ التبسيط"، وهو استبدال وتعليب مفاهيم الشر في قوالب مبسطة، سعيا منه لتثبيت هذه المفاهيم المزيفة في الوعي الجمعي العالمي ، وان أدولف هتلر مثلا ، هو مجرد شخص سيئ، هذا كل شيء، لا حاجة لمعرفة المزيد ، وفي رأيينا، هذه سياسة واعية حتى لا يتعمق أحد ويغوص في الحقيقة التاريخية.
وأن التصريحات الغربية لا تقتصر على تزييف التاريخ، بل تمثل دعماً مباشراً لمن يسعى إلى تمجيد الجلادين ، ونفي دور الاتحاد السوفيتي في تحرير أوروبا من النازية ، ومثل هذه المواقف تعتبر "تخريب منهجي" يهدف إلى تبرير إعادة تأهيل الفاشية الجديدة في أوروبا، خصوصاً في أوكرانيا، حيث تُرفع الأعلام وتنظم المسيرات التي تمجد المتعاونين مع هتلر ، وأن القيادة الأوروبية الحالية، من خلال دعمها لهذه التيارات، تتجاهل جرائم ضد المدنيين، وتُسقط من الذاكرة دور الجيش الأحمر في القضاء على الطاعون النازي، بل وتغض النظر عن تدمير النصب التذكارية للضحايا والمحررين ، وترى المتحدثة بأسم الخارجية الروسية ماريا زاخاروفا ، أن ما يطرحه الامين العام للناتو مارك روته ، هو جزء من استراتيجية أوسع لتشكيل "حزام عدوائي" من الدول المعادية لروسيا على حدودها الغربية، مدعوم بأيديولوجيا معادية تستند إلى إنكار التاريخ وتكريس الكراهية.
لقد بات مفهوما لدى الجميع ، أن روسيا منفتحة دائمًا على الشراكات الصادقة ، والندّية مع الدول التي تسعى إلى تحقيق مصالحها الوطنية ، ويبني التعاون بين الدول على مبادئ ميثاق الأمم المتحدة في مجملها وتكاملها وترابطها ، لأنه لا توجد شعوب معادية لروسيا أو غير ودية تجاهه ، لا في الغرب ولا في الشرق ، ولذلك ستواصل روسيا تطورها كدولة حديثة ، حريصة على التعاون الدولي الواسع وغير المُسيّس ، في وقت يكتسب التبادل فيما بين الأفراد والتحاور فيما بين العلماء والشخصيات الثقافية والرياضية أهمية خاصة لجهة تحسين الوضع ، لإن "روسيا لديها العديد من الأصدقاء الطيبين الموثوق بهم والذين يشاركوننا قيمنا" بحسب تعبير الوزير لافروف.
#كريم_المظفر (هاشتاغ)
Karim_Al-_Modhafar#
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟