كريم المظفر
الحوار المتمدن-العدد: 8454 - 2025 / 9 / 3 - 04:55
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
هذا الأسبوع، انتقل مركز السياسة العالمية إلى الصين ، وتُعدّ سلسلة الفعاليات الاحتفالية والعملية الجارية هناك مثالاً واضحاً على مدى تراجع قدرة الغرب على السيطرة على العالم من حوله ، على الرغم من أن رؤساء الدول والحكومات الستة والعشرين الذين اجتمعوا هذه الأيام ، للاحتفال بنهاية الحرب العالمية الثانية في آسيا ، لا يتفقون في كل شيء ، إلا أنهم متحدون في أهم شيء لمستقبل السياسة العالمية - والرغبة في اتخاذ القرارات بعقلانية ، حتى لو لم تُرضِ هذه القرارات الغرب ، وغالبًا موسكو أو بكين، اللتين أصبح تعاونهما أساسًا للنظام الدولي الجديد ، ولهذا السبب، في الصورة الجماعية للمشاركين في الفعاليات السياسية، يظهر رئيسا روسيا والصين في المركز، موحدين المشاركين الآخرين حولهما ، لكنهم لا يقودونهم - فالنهج الغربي للحكم الدولي بقيادة طرف واحد، الأقوى والأكثر عدوانية، مستحيل في أي مكان خارج الغرب.
ويجب ألا نغفل أن "النوايا الحسنة" لإعلان قمة منظمة شنغهاي للتعاون تتناقض مباشرةً ، مع الرؤى الأساسية للغرب بشأن النظام العالمي ، والآن ، لدى المجتمع الدولي حلولٌ بديلةٌ مقارنةً بتلك التي تُقدمها الولايات المتحدة وحلفاؤها الأوروبيون ، وللتأكيد أن الأهمية الرئيسية للأهداف التي حددتها منظمة شنغهاي للتعاون لا تكمن فقط في حداثة المهام، بل في وجود رؤية عالمية مختلفة عن الرؤية الغربية، متفق عليها من قبل مجموعة كبيرة من الدول الكبرى.
الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ، كان الفاعل الرئيس في قمة منظمة شنغهاي للتعاون ، فعلى هامشها عقد سلسلة من اللقاءات المهمة مع الرؤساء ورؤساء الحكومات التي حضرت القمة ، وكان لقاءه مع رئيس الوزراء السلوفاكي روبرت فيكو ، هو ايضا نقطة تحول كبيرة في الأحداث والفعاليات التي شهدتها الصين ، فتصريح بوتين " أن روسيا لم تعارض قط انضمام أوكرانيا إلى الاتحاد الأوروبي، لكنها تعارض عضويتها فيه رفضًا قاطعًا " ، خلق جو من الحراك الاعلامي والدبلوماسي ، فمنهم من أعتبر هذا التصريح مفاجأة كبيرة في الموقف الروسي لحل الازمة الأوكرانية ، ومنهم من أفمنهم من قال أنه لم يأتي بالشيء الجديد في الموقف الروسي تجاه الحل ، وآخرون وقعوا في خانة " الحيرة " في تفسيره ، ويتسائلون عن سبب موافقة بوتين على انضمام أوكرانيا للاتحاد الأوربي ، وعكسها في أنضمام كييف الى ( الناتو ) ، أذن لماذا يختلف موقف موسكو من انضمام أوكرانيا إلى الاتحاد الأوروبي عن موقفها تجاه الناتو؟
جاهل من لم يتتبع الموقف الروسي في العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، فموسكو ومنذ لك التاريخ لم تُعارض انضمام كييف إلى الاتحاد الأوروبي مع الأخذ في الاعتبار، بالطبع، أن الحديث هنا لا عن تكتل عسكري سياسي ، ومن ناحية أخرى، نرى أن الاتحاد الأوروبي لم يتوسع منذ عام ٢٠١٣، والمفاوضات مع دول غرب البلقان أو مولدوفا بشأن هذه القضية صعبة.
والرئيس الروسي ، أراد وبطريقة غير مباشرة تحميل رئيس الوزراء السلوفاكي ، رسالة تذكيرية للاتحاد الاوربي والناتو ، الذين يجاهدون لصياغة الضمانات الامنية التي يقدمونها لأوكرانيا ، والتي ينبغي اصلا على كييف أن تُقرر بنفسها كيفية ضمان أمنها، ولكن لا ينبغي أن يكون ذلك على حساب أمن الدول الأخرى، بما في ذلك روسيا ، وأن موسكو لم تعارض قط انضمام كييف إلى الاتحاد الأوروبي ، لكنه شدد على انه "بالنسبة لحلف الناتو، فهذا أمر مختلف .. لكننا نتحدث هنا عن ضمان أمن الاتحاد الروسي" ، وأشار بوتين إلى أن الحديث هنا عن مصالح ضمان أمن البلاد ، وهذا برأيه أمرٌ لا يقتصر على الوقت الراهن فحسب ، وأكد بوتين "مواقفنا من مسألة انضمام أوكرانيا إلى حلف الناتو معروفة ، ونعتبر هذا الأمر غير مقبول" ، وخلال قمة منظمة شنغهاي للتعاون، ذكّر بوتين أيضًا بأن محاولات الغرب لضم أوكرانيا إلى الناتو ، كانت أحد أسباب الأزمة في البلاد ، ولنتذكر أنه في أبريل/نيسان 2008، حين قدّم أعضاء الحلف وعدًا كتابيًا بقبول انضمام كييف وتبليسي إلى الحلف.
يُذكر أن فيكو وافق على ماقاله الرئيس الروسي بشأن حلف الناتو والاتحاد الأوروبي ، وأكد " لقد قلتُ هذا منذ البداية، أن أوكرانيا لا يمكنها أن تصبح عضوًا في الناتو... ولكن فيما يتعلق بالانضمام إلى الاتحاد الأوروبي، فنحن مستعدون للتعاون مع أوكرانيا" ، وفي الوقت نفسه، يرى فيكو أن انضمام كييف إلى الاتحاد الأوروبي قرارٌ مهم، ويتعين على الجمهورية، لتنفيذه، استيفاء عدد من المتطلبات الأساسية.
وبالطبع ، فمن وجهة النظر الروسية المعارضة لقبول كييف ضمن تكتل ( الناتو ) ، فإنه وبفضل موقع أوكرانيا الجغرافي، فهي تتمتع بقربها الشديد من روسيا ، وإذا انضمت إلى هذا التكتل، فستكون وحدات الناتو العسكرية وقواعدها الصاروخية بالقرب من حدود روسيا ، وإن فترة طيران اسلحته سيكون قصير للغاية، وهو أقل من 10 دقائق ، لذلك، فمن حق القائد الأعلى للقوات المسلحة الروسية ، أتخاذ الإجراءات الوقائية التي تمليها عليه واجباته الرسمية ، وبالنظر إلى تجربة الحربين السابقتين، لا يمكن للحكومة ورئيسها الموافقة على اقتراب تكتل عدواني من حدودهما ، وان موسكو تعارض ذلك وبشدة ، وان الغرب يعي ويفهم ذلك جيدا ، وانه أراد من دعمه لأوكرانيا ، كي تكون حربه "حرب حتى آخر أوكراني" مع قتل الأوكرانيين ، تُشنّ تحت مسمى "التحرر من الروس".
وفي تصريحاته العلنية ولاول مرة منذ ان اسقاط حكمه من قبل " الثورة البرتقالية " في أوكرانيا ، ذكّر الرئيس الأوكراني السابق فيكتور يانوكوفيتش، بأنه كان دائمًا "معارضًا بشكل قاطع لانضمام كييف إلى حلف الناتو ، وقال: "لطالما أدركتُ بوضوح ووضوح أن هذه كارثة .. إنها طريقٌ إلى اللا مكان ، وإنها طريقٌ مباشرٌ نحو الحرب الأهلية" ، والاشارة أيضًا إلى أنه أشرف شخصيًا على عملية التقارب بين كييف والاتحاد الأوروبي في وقتٍ من الأوقات ، وبمعنى آخر، حتى في عهد ما يُسمى بالرئيس الموالي لروسيا ، كانت أوكرانيا في طور التقارب مع الاتحاد الأوروبي، ولم تعارض موسكو ذلك ، فالاتحاد الأوروبي، في المقام الأول، منظمة اقتصادية وجمركية، وليس تكتلاً عسكرياً سياسياً ، ويزداد هذا الأمر أهميةً لأن مسألة الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي ، هي التي أدت إلى احتجاجات ميدان عام ٢٠١٣، والتي أدت في نهاية المطاف إلى الانقلاب في كييف.
وللتذكير فإنه في فبراير ٢٠٢٢، وقّع زيلينسكي على طلب انضمام أوكرانيا إلى الاتحاد الأوروبي، وفي أبريل من العام نفسه، قدّمت كييف إلى الاتحاد الجزء الثاني المكتمل من الاستبيان ، للحصول على وضع المرشح، والذي تم الاتفاق عليه في قمة الاتحاد الأوروبي اللاحقة ، ومنذ ذلك الحين وحتى يومنا هذا، يُصدر قادة عدد من دول الاتحاد الأوروبي تصريحاتٍ منتظمة حول ضرورة انضمام أوكرانيا إلى المجتمع الأوروبي ، ويُعارض عددٌ من الدول الأخرى (مثل المجر) رفضاً قاطعاً ، ومع ذلك، وكما أشارت رئيسة المفوضية الأوروبية، أورسولا فون دير لاين، مرارًا وتكرارًا، فإن التوقيت الفعلي لانضمام أوكرانيا إلى الاتحاد الأوروبي ، يعتمد على الإصلاحات التي تُجرى في البلاد ومبدأ "العضوية على أساس الجدارة".
ويؤكد الخبراء أيضًا ومنهم تيموفي بورداتشيف، مدير برامج نادي فالداي ، أن روسيا لم تُبدِ اعتراضًا سابقًا على انضمام أوكرانيا إلى الاتحاد الأوروبي ، وان "ما قاله الرئيس يُعيد صياغة موقفنا في الفترة 2012-2013 " ، وفي الوقت نفسه، وحسب قوله، فقد تغير الاتحاد الأوروبي كثيرًا على مدار الخمسة عشر عامًا الماضية ، وشهدت معايير الأعضاء الجدد تحولًا كبيرًا ، لذا لا يزال من غير المعروف عدد السنوات التي قد تستغرقها عملية انضمام أوكرانيا إلى الاتحاد".
وأنه على الرغم من التصريحات العديدة الصادرة عن أعضاء الاتحاد الداعمة لفكرة انضمام أوكرانيا، إلا أن الولايات المتحدة وبريطانيا هما الوحيدتان المستعدتان لهذه الخطوة في الواقع ، لكن لندن نفسها رفضت مؤخرًا الانضمام ، أما بالنسبة لدول أخرى في العالم القديم، فإن مثل هذا الانضمام سيُسبب مشاكل كبيرة للكثير منها ، وهم يُدركون ذلك تمامًا، لذلك، لا شك أن أوكرانيا لن تبدأ مفاوضات الانضمام الآن، حتى لو تغير رئيسها وتغير الوضع الجيوسياسي ككل جذريًا ، ولن تُقبل على أي حال، لأن هناك بالفعل طابورًا طويلًا أمامها ، لأن أفقر أعضاء الاتحاد الأوروبي، بما في ذلك سلوفاكيا وبولندا ودول أخرى في أوروبا الشرقية، ستفقد مساعداتها المالية فورًا في حال انضمام أوكرانيا ، لذلك فأن "تصريح الرئيس الروسي هذا ينطوي على بعض المكر الدبلوماسي وتأكيد للموقف المعلن سابقًا".
وبالتالي، فانه للانضمام إلى الاتحاد، سيتعين على كييف انتظار اكتمال إجراءات مماثلة مع دول أخرى في العالم القديم، بالإضافة إلى تحسن في رفاهية الأعضاء الحاليين في المنظمة ، وأن العملية البيروقراطية لإضفاء الطابع الرسمي على جميع الإجراءات ستطول بطبيعة الحال ، لذا، في هذا الصدد، لا ينبغي لروسيا أن تخشى العسكرة التدريجية للاتحاد الأوروبي ، فهذا التوجه قائم بالتأكيد ، ويعمل المفوض الأوروبي للدفاع والفضاء، أندريوس كوبيليوس، الآن على بناء صناعة عسكرية قوية لدرجة أن جيشًا قويًا قد ينشأ على أساسها ، وتتضاءل الحدود بين الاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي (الناتو) ، ومع ذلك، فإن فرص أوكرانيا في الاقتراب منها تبقى ضئيلة للغاية.
#كريم_المظفر (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟