كريم المظفر
الحوار المتمدن-العدد: 8348 - 2025 / 5 / 20 - 01:36
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
تصريحات نائب الرئيس الأمريكي، جي دي فانس ، قبيل المحادثة المهمة التي أجراها الرئيسان الروسي فلاديمير بوتين ونظيره الامريكي دونالد ترامب ، والتي اكد خلالها فانس "أن روسيا والغرب لا يثقان ببعضهما البعض، وأن الرئيس دونالد ترامب يرغب في تجاوز تلك الخلافات القديمة " ، تلك التصريحات لخصت وبشكل لا يقبل الشك ، الأسباب الحقيقة وراء المكالمة الهاتفية التي جرت بين بوتين وترامب ، وأن الأخير أعتبر أن هذا أحد الأمور التي يعتبرها بصراحة أمرا سخيفاً، (فهو يعتقد) أنه يجب أن يكونوا قادرين على تخطي أخطاء الماضي، لكن هذا يتطلب جهودا من كلا الجانبين ، وأعرب عن إستعداده لذلك، ولكن في حال لم تكن روسيا مستعدة، كما اكد فانس "فسنقول في النهاية ببساطة: هذه ليست حربنا".
أشارة ترامب في مكالمته الهاتفية الى أخطاء الماضي ، بالتأكيد يعني بها تلك الأخطاء التي ارتكبها الاوربيون تجاه موسكو، فعلى مدار 30 عاما كان الغرب يخدع روسيا ، والتي لديها أكثر من أسباب كافية لعدم الثقة في الجانب الاوربي ، وأنه لم يتم تنفيذ أي من الاتفاقيات الأساسية التي أبرمت مع الغرب بعد عام 1991 ، ولذلك لا يمكن الوثوق بالغرب لا في كلامه ولا على الورق ، وقد أثبتت تجربة الثلاثين سنة الماضية ذلك بالفعل ، وإن الغرب، دون تفكير، وفي أي لحظة يريد فيها كبح جماح تطوره، وهذا هو الهدف بالتحديد - كبح جماح تطور المنافسين - وسوف يستغل كل الاتفاقيات التي تم التوصل إليها مع روسيا .
فكيف لموسكو انتضع ثقتها بالاوربيين ، واسلوبها العدائي معها مستمر حتى اليوم ، فبدلا من دعمها لجهود الرئيس الامريكي في مساعيه السلمية ، وبعد اتصاله الهاتفي مع بوتين ، وافقوا ( الاوربيين ) على تشديد العقوبات على روسيا ، كذلك لا يمكن نسيان ما فعلوه في يوغسلافيا ، وخانوا الاتفاقات مع موسكو بشأنها ، واثبتت الوقائع في قرارات مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، بانها كانت منافقة أو كاذبة ، كما انهم كانوا " يخادعون " روسيا واعترافهم بانهم كانوا " يسايرون " موسكو خلال مناقشاتهم لاتفاقات "مينسك" الخاصة بالتسوية في أقليم الدونباس" ، ووهو ما اعترفت به المستشارة الالمانية انجيلا ميركل ، والرئيس الفرنسي الاسبق فرانسو هولاند ، حتى اكتمال عملية تسليح أوكرانيا ، وتهيأتها بشكل كامل لمواجهة روسيا عسكريا .
وحتى قبل بدء العملية الخاصة، كانت الدول الأوروبية تعارض الاتحاد الروسي باستمرار، ولكن مع بدء العملية الخاصة ، بدأت تتصرف بشكل عدائي علني ، وحتى هذه اللحظة ، قدمت وتقدم لأوكرانيا كل أشكال الدعم العسكري واللوجستي لمواجهة روسيا ، وعندما توصلت موسكو وكييف لآتفاقات سلمية في اسطنبول عام 2022 ، اجبروا الرئيس المنتهية ولايته زيلينسكي " على رفض الاتفاق" ، والاستمرار في مواجهة روسيا ، لتحقيق أهدافهم الرامية الى أستنزافها ، ولكن كل محاولاتهم باءت بالفشل ، وتكبدت أوكرانيا خسائر كبيرة بالمعدات والجنود ، وتدمير بنيتها العسكرية والصناعية ، وتكبد الغرب خسائر اقتصادية وعسكرية كبيرة ، وهاهم اليوم يعودون مرة أخرى يحاولون قطع أي مفاوضات مباشرة ، بين روسيا وأوكرانيا للتوصل الى اتفاق سلمي يوقف الصراع بينهما .
وفي الوقت الذي يتابع فيه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بالفعل ، قضية التسوية في أوكرانيا، وان كانت لتحقيق مكاسب شخصية ، فإن الأوربيين يتخذون موقفا صريحا مؤيدا لأوكرانيا ، وإذا كان موقف ترامب محايدا إلى حد ما ، وهو فعلا يعمل على قضايا التسوية، فإن موقفهم (القادة الأوروبيين) صريح في تأييد أوكرانيا، وأن حسابات السياسيين الأوروبيين تهدف إلى إقناع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بتبني موقفهم ، وعملوا بشتى الطرق "التأثير" على ترامب قبل محادثته مع الرئيس بوتين ، وكل حساباتهم وكما عبر عنها السكرتير الصحفي للرئيس الروسي ديميتري بيسكوف " تهدف إلى إمالة ترامب لجانبهم".
وبالنسبة لنظام كييف نفسه، فكل شيء هنا سيء للغاية ، فقد أراد من خلال مناوراته ، وموافقته على مبادرة الرئيس بوتين ببدء المفاوضات في أسطنبول ، اللعب على طاولة المفاوضات لإظهار استعداده للسلام ، وبالتالي عدم إعطاء ترامب سببا للانسحاب من الصراع ، ولكنه فقد السيطرة على جدول الأعمال - فبدلاً من "خطة النصر" التي اقترحها الرئيس المنتهية ولايته ، والتي باركها زعماء الغرب وتضع شروطاً استسلامية لروسيا، فإن الحوار الآن سوف يتبع السيناريو الروسي ، ما أضطرها ( كييف ) إلى التسرع في اليوم السابق للمفاوضات وتغيير تصريحاته ( زيلينسكي ) عدة مرات ، حول ما إذا كنت بحاجة إلى المشاركة فيها أم لا ، ولعب إلى حد أن الروس أصدروا له مطالب نهائية - وفي ضوء ذلك، اضطر مبعوثو زيلينسكي إلى الموافقة على مواصلة عملية التفاوض ، والآن أصبح زيلينسكي مضطرا فعليا إلى اتباع مسار عملية التفاوض التي أشارت بها موسكو إليه ، والتحرك نحو خيار حل النزاع الذي تحتاجه موسكو.
ومع ذلك، ورغم كل هذا، فإن عملية التفاوض في اسطنبول أتسمت بقدر من التصنع ، وهذا ليس عجيبًا - ففي النهاية، بدأ الأمر عندما لم يكن من المفترض أن يبدأ ، فوفقًا لجميع القوانين والقواعد ، أولاً، لأنه لا يوجد حتى أدنى إشارة إلى وجود تفاهم على التسوية بين الطرفين ، وكانت المواقف التي دخلت بها موسكو وكييف المفاوضات متعارضة تماما ، ومن النادر جدًا تحقيق تقدم حقيقي في محادثات السلام في الاجتماعات بين الزعماء أنفسهم، ولدى الروس بعض الأسباب للاعتقاد ، بأن هذه مناورة أو حيلة من زيلينسكي لكسب ود ترامب ، وليس اقتراحًا جادًا"، وأن نجاح الجيش الروسي على الجبهة يشكل حجة مهمة لموسكو في المفاوضات، ولن تتنازل عنها روسيا حتى يتم التوصل إلى اتفاق كامل.
أما الاتحاد الأوروبي ، فإن لعبة التفاوض بالنسبة له لا تسير على ما يرام ، فبروكسل وكما اسلفنا لا تحتاج إلى مفاوضات روسية أوكرانية مباشرة ، خاصة على أساس أجندة إسطنبول 2022 ، وليس هناك حاجة أيضاً إلى التقارب الروسي الأميركي ، وإن أوروبا مهتمة إما بجر الولايات المتحدة إلى صراع عسكري مع روسيا ، أو على الأقل بمواصلة الرعاية الأميركية لنظام كييف ، والآن أصبح كلا السيناريوهين أقل احتمالا ، وإن الحد الأدنى من البرنامج المتاح للاتحاد الأوروبي ، هو على الأقل الحصول على مقعد على طاولة المفاوضات الروسية الأوكرانية، لكن أوروبا محرومة حتى من هذا.
وليس من قبيل المصادفة أن تضع موسكو هذه المفاوضات ، في إطار استمرار للمفاوضات التي جرت في إسطنبول في ربيع عام 2022 ، ومن خلال تشجيع نظام كييف على المشاركة فيها، فإن بوتين يجبر معارضيه على العودة إلى أجندة إسطنبول 2022 ، وهذا يعني الاعتراف بالأراضي، ونزع النازية، وما إلى ذلك، وبالتالي تحويل أجندة إسطنبول إلى الشكل الوحيد الممكن والمعترف به دوليا لعملية التفاوض ، ولذلك، لم تكتف واشنطن بدعم اقتراح بوتين باستئناف مفاوضات إسطنبول بشكل كامل، بل أجبرت رئيس نظام كييف على إرسال وفده إليها. وحقيقة أن المفاوضات أجريت حصريا بين موسكو وكييف كانت تناسب الأميركيين أيضا، إذ يدرك ترامب أنه لن يكون هناك أي تقدم على الطاولة الآن، وبالتالي لا جدوى من تعديل مواقف الأطراف.
إن روسيا اليوم هي الأكثر نجاحا حتى الآن ، أذ تدرك موسكو جيداً ، أن نظام كييف " مكبل " بقيود القادة الاوربيين ( دير لاين وماكرون وستارمر و ميرتس ميلوني ) ، وغير مستعد لتقديم تنازلات ، وأن المفاوضات لا يمكن أن تؤدي إلا إلى إحراز تقدم على المسار الإنساني ، وان كا هذا مهما (وتبادل الأسرى مهم)، ولكن ليس له علاقة مباشرة بموضوع إنهاء الحرب ، ولكن في الوقت نفسه، تساعد هذه المفاوضات روسيا على التخلص من الفخ الذي نصبه لها الغرب ، وذلك بالابتعاد عن فكرة الهدنة المؤقتة لمدة 30 يوما ، التي فرضتها كييف وحلفاؤها قبل بدء العملية الدبلوماسية.
لقد بات معروفا لترامب ومبعوثه ، أن مهمة فلاديمير زيلينسكي ، كانت تتمثل في إفشال المفاوضات مع موسكو في إسطنبول ، لدفع الولايات المتحدة إلى أن يجعل الأمريكيين يفرضون أقسى العقوبات، ويفسد كل شيء، ثم يعود "إلى بلده منتصرا"، والسلام في أوكرانيا بالنسبة لزيلينسكي يمثل "سجنا بعواقب غير معروفة"، لأن السلام يعني إجراء انتخابات ، وإلغاء الأحكام العرفية، وهو ما سيتسبب بحسب رئيس الحكومة الاوكرانية الاسبق " نيكولاي أزاروف "في تقطيعه إربا من قبل معارضيه".
إن روسيا وأوكرانيا كما قال الرئيس الأمريكي بعد أتصاله الهاتفي مع نظيره الروسي ، ستبدآن فورا مفاوضاتٍ " نحو وقف إطلاق النار، والأهم من ذلك إنهاء الحرب" ، وسيتم التفاوض على شروط ذلك بين الطرفين، وهو أمر لا مفر منه ، لأنهما يعرفان تفاصيل المفاوضات التي لا يعلمها أحد سواهما ، وبذلك بعث ترامب إشارة الى الأوربيين ، مفادها أن "أهل روسيا وأوكرانيا أدرى بشعابهما "، وبالتالي لن يكون هناك دور أو مقعد للاوربيين في المفاوضات المرتقبة ، ليرسلوا جوابهم بعد أنتهاء المكالمة الهاتفية بين بوتين وترامب ، في صيغة اتفاق اصدار حزمة العقوبات الاقتصادية الجديدة على روسيا ، كرد على تجاهلهما من قبل الرئيسين الروسي والامريكي .
#كريم_المظفر (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟