كريم المظفر
الحوار المتمدن-العدد: 8340 - 2025 / 5 / 12 - 04:56
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
تظهر موسكو من جديد نهجاً منهجياً لحل الأزمة الأوكرانية ، وكما كان الحال قبل ثلاث سنوات فهي مستعدة لمناقشة السلام مع مراعاة التغييرات التي تشهدها الجبهة العسكرية ، مع ذلك ، وتؤكد روسا إن الحوار الدبلوماسي بشأن أوكرانيا ليس الخيار الوحيد للسلطات الروسية ، ورفضها لمن يحاولون مخاطبة روسيا وشعبها كما قال الرئيس فلاديمير بوتين ، بأسلوب فظّ، مستخدمين لغة الإنذارات ، جاعلاً تهديداتهم بلا معنى ، وبمعنى آخر، أصبحت أوروبا قوةً مدمرة.
ومنذ أن بدأت العملية العسكرية الروسية الخاصة ، وفي اليوم الثاني من بدايتها ، بادر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الى طرح مبادرة سلام ، تحقن دماء الشعبين الشقيقين الروسي والأوكراني ، وبالفعل بدأت المفاوضات بين موسكو وكييف ، وعقدت أجتماعات أسفرت عن التوصل الى أـتفاق يوقف الحرب بين البلدين ، ولكن مثل هذا " الوفاق " ، لايصب في مصلحة الرئيس الأمريكي الاسبق جو بايدن ، وحلفاءه الغربيين ، لأنهم أشعلوا الحرب ، لا حتى يتم إيقافها بعد ذلك ، فالاهداف الغربية كانت واضحة ومكشوفة .
الاهداف تسعى الى تدمير أوكرانيا وقتل شعبها حتى آخر رجل ( هذا ما صرح به الغرب ) ، والهدف الثاني هو تدمير روسيا استراتيجيا ، وجعلها تغوص في مستنقع حرب أستنزاف طويلة ، ومدوا ويمدون أوكرانيا بالاسلحة والأموال لحثها على الاستمرار الحرب ، مهما كلفهم الأمر ، فهم من وضعوا العراقيل أمام اتفاق " اسطنبول " بين موسكو وكييف ، ونجحوا في " خداع " زيلينسكي لرفض الاتفاق ، من خلال تقديم وعود لنظام كييف أثبتت إنها " جوفاء " ، وأجبروه بعد ذلك على التخلي عن المفاوضات والذهاب إلى الحرب ضد روسيا ، على الرغم من أن الأوروبيين يدركون جيدًا أن أوكرانيا لا يمكنها الانتصار .
وعلى مدار السنوات الثلاثة بذل الرئيس الروسي ، كل ما في وسعه لحل المشكلة والوصول إلى تسوية بالطرق السلمية والدبلوماسية ، لكن عندما لا تكون لدى روسيا خيارات دبلوماسية، يتوجب عليها مواصلة العملية العسكرية ، وأثبتت الوقائع أن التسوية الأوكرانية أعقد من مجرد توقيع على ورقة، وأن عملية تحقيق التسوية مليئة بالتفاصيل الدقيقة، كل منها بالغ الأهمية لمستقبل روسيا وأوكرانيا ، وأن روسيا سبق وان أعلنت عن هدنات متعددة تم انتهاكها بشكل متكرر من قبل نظام كييف، بما في ذلك آخر هدنة لمدة ثلاثة أيام ، تم فرضها خلال احتفالات الذكرى الثمانين للنصر في الحرب الوطنية العظمى.
أن بيان الرئيس فلاديمير بوتين ، هو تكرار للمبادرات السابقة التي طرحها بوتين طوال السنوات الماضية ، لكن هذه المبادرة تحمل في معانيها جميع الشروط اللازمة لبدء مفاوضات مباشرة مع أوكرانيا في إسطنبول، يوم الخميس 15 مايو الجاري ، ودون شروط مسبقة ، ولا يوجد فيها كما أكدت المتحدثة بأسم الخارجية الروسية ، "ما يمكن إضافته أو حذفه" ، وان دعوة بوتين لكييف لاستئناف المفاوضات المباشرة في إسطنبول بأنها "مدروسة" وتعكس إرادة سياسية واضحة لدى الكرملين لحل النزاع ، كما إن دعوة بوتين للعودة إلى طاولة المفاوضات في إسطنبول ، تظهر أن الكرملين قد أبدى إرادة سياسية قوية في هذا ، خصوصا على خلفية فشل جهود وقف إطلاق النار التي بدأت بعد تولي الرئيس الأمريكي دونالد ترامب منصبه.
ونتفق مع المحللين أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أعطى نظام كييف فرصة سانحة ، باقتراحه إستئناف المفاوضات المباشرة بين الطرفين ( والتي لم تقطعها روسيا ) ، ومنح الروس الأوكرانيين بموجبها فرصة سانحة كبيرة ، إذا لم يستغلوها، فستحل روسيا المسألة في ساحة المعركة ، ومبادرة بوتين هو تأكيد التزام بلاده بإجراء مفاوضات جادة مع أوكرانيا ، هدفها القضاء على الأسباب الجذرية للصراع وإرساء سلام طويل الأمد ودائم ، وإن مقترح الجانب الروسي بشأن المفاوضات مطروح على الطاولة، والقرار يعود إلى كييف ومسؤوليها.
القيادة الروسية أستقرأت التطورات خلال الأيام الماضية ، ووجدت أن هناك عدة عوامل دفعت روسيا إلى اتخاذ هذه الخطوة ، وأن أحد العوامل المهمة هو فشل مبادرة الولايات المتحدة ، لوقف إطلاق النار، وعادت واشنطن للتقارب مع أوكرانيا ، ووقّعت اتفاقاً بشأن المعادن الأرضية النادرة ، والعامل الثاني هو أن الدعم الأوروبي لزيلينسكي ، أرسل إشارات مهمة إلى الكرملين، على الرغم من تصريحات ترامب المؤيدة لروسيا ، بعد استقباله فلاديمير زيلينسكي في البيت الأبيض ، أن هذا الصراع سيستمر لفترة طويلة ، وأن الكرملين أخذ هذه المعطيات في الحسبان ، وقرر المضي في مسار التفاوض عبر إسطنبول ، كما أن موضوع المفاوضات مع أوكرانيا قد يُبحث أيضا ضمن المحادثات المتواصلة بين روسيا والولايات المتحدة في المملكة العربية السعودية.
ولعل الرئيس الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ، هو أكثر الشخصيات التي أيدت مبادرة الرئيس بوتين ، لأنه ( ترامب ) يريد تحقيق " إنجاز " ، يحسب له ، بعد 100 يوم من "اليأس " الذي تلبسه خلال الفترة الماضية ، وعجزه عن تحقيق أختراق دبلوماسي لحل الصراع الروسي الأوكراني ، بعد أن وعد بحله خلال 24 ساعة ، وطالب أوكرانيا بالموافقة الفورية فورا على دعوة الرئيس الروسي للقاء يوم الخميس في تركيا للتفاوض ، وتهديده لكييف "إذا لم توافق (أوكرانيا)، فسيعرف القادة الأوروبيون والولايات المتحدة المواقف التي يتخذها الجميع وسيتصرفون وفقا لذلك" ، وهو ما دعا فلاديمير زيلينسكي ، للاجابة على مبادرة الرئيس الروسي ، والتأكيد على أنه " سينتظر الرئيس الروسي في اسطنبول شخصيا ، وتوقعه وقف إطلاق نار شامل ودائم ابتداء من الاثنين ، ليكون الأساس اللازم للدبلوماسية" ، لأنه أخيرا أقتنع بأنه لا جدوى من تأجيل عمليات القتل.
وتتزايد الانتقادات خلال هذه الفترة لسياسات المفوضية الأوروبية ، واتهمت بروكسل ، بمحاولة قمع السيادة الوطنية لدول الاتحاد الأوروبي ، من خلال فرض العسكرة عليها في أعقاب الأزمة الأوكرانية ، كما ان الغرب قلق بشأن فشلهم، ولا يريدون الاعتراف به ، وتحاول أوروبا أن تبدو قوية وحازمة ، وذات حق في إصدار الإنذارات والتهديدات بالعقوبات ، متخفية وراء ترامب ، ونصب الرئيس الفرنسي مانويل ماكرون نفسه ، في موقف "المحارب"، "نحن نرفض بشدة إمكانية تقديم أي تنازلات.. ولا شروط مسبقة: لا وقف لتوريد الأسلحة لغايات الدفاع ولا وقف للمقاومة، ولا حكم مسبقاً على نتائج أي مفاوضات" ، في حين ينبغي لفرنسا ، على العكس من ذلك، أن تسعى إلى اغتنام الفرص لتقديم خدمات الوساطة على طريق السلام .
وعلى مايبدو إن حالة عدم اليقين التي يعيشها الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في العلاقات الدولية، وخاصة فيما يتصل بالصراع في أوكرانيا ، تعيد إلى الأذهان الاستعداد للحرب ، وتشير زعيمة كتلة التجمع الوطني الفرنسي البرلمانية مارين لوبان، ، الى ان مواقف ماكرون هي نتيجة الغموض الذي يكتنف سلوكه ، حيث يزعم ماكرون مرات عديدة بوجود الحل لديه، ولكن حتى الآن لم يلمس أحد شيء من هذا القبيل ، فمن يريد السلام حقا، يجب عليه الترحيب بأي أصوات تُطالب بإنهاء هذه الحرب المروعة.
ومهما يكن من أمر، فإن الغرب، وفي كييف، يبحثون الآن بشغف عن رد على كلام بوتين ، ومن الواضح أن خصوم روسيا لم يكونوا مستعدين لمثل هذه المقترحات ، لإنهم يراهنون على الحرب ، حتى التصريحات حول وقف إطلاق النار لمدة 30 يومًا ، التي طرحها تحالف " الراغبين " ( فرنسا والمانيا وبريطانيا ) في كييف ، ما هي الا محاولة لمنح القوات المسلحة الأوكرانية استراحة ، ويحاول الغرب جذب الولايات المتحدة إلى صفهم، لكنهم في النهاية سيُجبرون على الموافقة ، لأن ترامب أيد استئناف عملية إسطنبول ، في الوقت نفسه، لا يكترث الرئيس الامريكي للأوروبيين ، فإنه ببساطة يريد أن يصبح صانع سلام عظيم - في أوكرانيا، وفي فلسطين، وفي الصراع الهندي – الباكستاني .
إن اقتراح الرئيس فلاديمير بوتين بإجراء مفاوضات مباشرة في إسطنبول قد يكون الفرصة الأخيرة للسلطات في كييف ، والتي يجب الاستفادة من هذا العرض المقدم من جانب بوتين، بغض النظر عن أي طموحات ومطالبات ، فقد يكون هذا العرض الأخير، على الأقل في ظل الوضع الراهن، وبالتالي، الفرصة الأخيرة للقيادة الحالية في أوكرانيا ، فالوضع العسكري في أوكرانيا يزداد سوءا، وإذا أخطأت كييف في حساباتها هذه المرة وعدم الموافقة على استغلال هذه الفرصة المعروضة عليها حاليا ، فعندها لن ينفع الندم ، فالاوضاع في الجبهة كلها تشير الى ان الغلبة إلى جانب الجيش الروسي، وهو ما يتجلى بشكل واضح في نتائج العمليات العسكرية ، وكلما استمرت المماطلة بخصوص إجراء المفاوضات، سيزداد الوضع تدهورا في أوكرانيا ، وعندها سيصبح الوضع بعد فترة وجيزة بالنسبة لزيلينسكي على الأغلب كارثيا"
#كريم_المظفر (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟