كريم المظفر
الحوار المتمدن-العدد: 8404 - 2025 / 7 / 15 - 08:37
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
تناولت وسائل الاعلام الغربية وبالاخص منها في باريس ولندن وبرلين وكييف ، بشكل صاخب وغير مسبوق ، للتهديدات التي أطلقها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب يوم الخميس الماضي ، ووعوده بإطلاق تصريحات يوم " الإثنين " مهمة بخصوص روسيا ، ما أعطى فسحة من الامل للاعلام الغربي ، بتضخيم التصريحات المرتقبة حتى قبل ان تقال ، وزرع حالة من الترقب المصطنع ، ليشد انتباه العالم وترقبه لها ، حتى قبل ان تقال ، في حملة دعائية فاقت الاعلان عن المباراة النهائية التي جمعت ناديي باريس اند جيرمان وتشيلسي ، في ختام بطولة العالم للاندية التي جرت يوم الاحد ، وتبادل رؤساء هذه الدول " التهاني " بينهم ، وارتفعت عندهم نشوة " النصر المزيف " ، لأنهم تمكنوا من أعادة ترامب الى سكة " اعداء روسيا " ، وراحوا يتراقصون على انغام كلمات الرئيس الامريكي ، "أنا غير راض عن المكالمة الهاتفية مع بوتين ، ومنزعج للغاية" .
وجاء يوم " الأثنين " الموعود ، وأطلق الرئيس الامريكي خلال لقاءه مع الأمين العام لحلف شمال الاطلسي مارك روته في البيت الأبيض ، تصريحاته تلاقفت منها وسائل الإعلام الغربية وركزت فيها على معلومة " مهلة " الخمسين يوما ، كفترة للتوصل فيها الى اتفاق لوقف أطلاق النار ، واعادة تجهيز الولايات المتحدة الامريكية لأوكرانيا بالاسلحة " ، واخفوا بقية التصريح الذي يقول " ان حلف الناتو هو من سيدفع اسعار هذه الاسلحة بالكامل " ، وهو فخ نصبه ترامب للاوربين ، ونجح في ايقاعهم فيه وبامتياز .
كما اتخذ الاعلام الغربي جانب الصمت والتجاهل " المتعمد " لبقية التصريحات التي اطلقها ترامب خلال اللقاء ، فالرئيس الامريكي أمتدح الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ، ووصفه بالرجل القوي وأن "هذا الأمر ثبت على مدى سنوات عديدة"، كما ان الرئيس الروسي عاصر الرؤساء السابقين ،كلينتون وبوش الابن واوباما وبايدن ، وترامب نفسه ( الذي تعامل معه ولم يخدعه بوتين ) ، وأنه ( أي ترامب ) يتواصل وبشكل متكرر مع من أسماه بالقائد الروسي فلاديمير بوتين، وقال "ان محادثاتي معه تجري دائما بشكل ودي للغاية" ، وهنا جاءت الصدمة ، لأن مثل هذا الحديث قد نفى وجود أي توتر بالعلاقات الشخصية للرئيسين ، وبالتالي باءت بالفشل كل المحاولات الغربية لتحقيق هذا الهدف .
ومع استمرار الهجوم الإعلامي المكثف، الذي تضمن "تسريبات" لخطط "الصقور" في البيت الأبيض، لأيام عديدة ، لم يكن "التصريح الرئيسي" الذي أدلى به دونالد ترامب بشأن أوكرانيا جذريا كما كان متوقعا ، ومع ذلك، في النهاية، اختار فريق ترامب خيارًا وسطًا ، فبدلًا من فرض رسوم جمركية بنسبة 500%، ( كما جاء به مشروع القانون الذي تقدم به السيناتور ليندسي غراهام ) ، حيث يعتقد ترامب أن مشروع غراهام بفرض هذه الرسوم على الدول التي تشتري موارد الطاقة الروسية لن يكون له أي معنى عملي ، واليوم الحديث عن رسوم جمركية بنسبة 100% ، والتي لن تُفرض بشكل فوري ، بل بمهلة نهائية مدتها 50 يومًا، قابلة للتمديد ، والادهى من ذلك وكما أفادت صحيفة "بوليتيكو" ، فأن مجلس الشيوخ الأمريكي أوقف الترويج لمشروع قانون، قدمه السيناتور الجمهوري ليندسي غراهام ، وقال زعيم الأغلبية في مجلس الشيوخ جون ثون إنه سيمتنع عن الدفع بحزمة العقوبات ، في أعقاب تصريحات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب التي قد ترتد تبعاتها على الأمريكيين ، وتأكيد وزير الخارجية ماركو روبيو خلال اتصال هاتفي مع وزراء خارجية بريطانيا وألمانيا وفرنسا ، " أن أولوية الرئيس (الأمريكي دونالد) ترامب تظل إنهاء الحرب من خلال تسوية موثوقة عبر المفاوضات".
ويشير الخبراء إلى أن فرض قيود على الواردات من روسيا "ليس منطقيًا" ، لأن حجم التبادل التجاري بين البلدين ما بين ثلاثة وأربعة مليارات دولار سنويًا فقط ، وستُستثنى السلع الأساسية لأمريكا، مثل اليورانيوم، مجددًا، كما حدث مرارًا وتكرارًا خلال عهد بايدن ، في الوقت نفسه، ستؤدي الرسوم الجمركية الثانوية المفروضة على شركاء روسيا إلى خنق تجارة الولايات المتحدة مع الصين والهند، اللتين يحاول فريق ترامب التفاوض معهما الآن ، أي أنه في نهاية المطاف، ستُمنح لهما استثناءات عديدة، مما يُحيّد أثر الرسوم الجمركية.
وبشأن الاسلحة والتي على الغالب لن تكون فقط أنظمة باتريوت ، بل وايضا قد تبيع الولايات المتحدة صواريخ قصيرة المدى، وصواريخ جو-جو، وذخائر مدفعية إلى دول حلف شمال الأطلسي لتسليمها لاحقًا إلى أوكرانيا ، فقد كتب الخبير لأمريكي مالك دوداكوف يقول " إن الواقع كان يختلف " ، لأن البيع للناتو ، يجعل منها صعبة الترتيب ، فجهاز التحالف نفسه لا يملك ميزانيات كافية ، ولن يطلب صندوق الدفاع ، الذي تبلغ قيمته 100 مليار يورو ، والذي يجري إنشاؤه حاليًا في أوروبا، وأي شيء من الولايات المتحدة ، يبقى الاعتماد على ما يدفعه أعضاء التحالف كلٌ على حدة ، ووسط اعلان أولي لبعض دول الناتو ، رفضها دفع مبالغ لشراء الاسلحة مثل هنغاريا واسبانياوايطاليا وبلجيكا وسلوفاكيا والبقية تأتي تباعا ، سيضطرون إلى الانتظار شهورًا وسنوات ( وباعتراف روته نفسه ) للحصول على شحنات الأسلحة ، التي اشتروها من الولايات المتحدة، بما في ذلك بطاريات باتريوت الموعودة ، ونتيجةً لذلك، بدلًا من "خطة النصر"، كان هناك تدنيس كامل، مما سيُسبب هستيريا أخرى بين جماعات الضغط المؤيدة لكييف.
وتصريحات وزير الدفاع الألماني بوريس بيستوريوسوإن في واشنطن ، بعد لقاءه نظيره الامريكي وبعد تصريحات ترامب مباشرة ، وقوله أن إرسال منظومات "باتريوت" إلى أوكرانيا ، سيستغرق عدة أشهر بعد التوصل لاتفاق مع واشنطن بشأن شرائها ، نسفت كل الامال والافراح ومنهم " المهرج " زيلينسكي ، الذي كان يتوقع ان هذه الانظمة ستصل اليه فجر اليوم الثاني ، كما ان 17 نظام باتريوت يُمثل عددًا كبيرًا ، بالطبع، لن يتمكنوا من إغلاق المجال الجوي الأوكراني بالكامل، لكنهم سيسمحون لهم بتغطية منشآت استراتيجية رئيسية ، على الأرجح، نحن نتحدث عن كييف، بالإضافة إلى مشاريع مشتركة مع حلف شمال الأطلسي ، لإنتاج الطائرات بدون طيار والأسلحة في غرب البلاد، كما يقول يوري كنوتوف، الخبير العسكري ومؤرخ قوات الدفاع الجو .
ويشير الخبراء الى أن السؤال الرئيسي لا يكمن في المجمعات نفسها، بل في حجم الصواريخ ، فالولايات المتحدة تنتج أكثر من نصف ألف صاروخ سنويًا ، وبعد اتفاقيات مع رومانيا وألمانيا، وكذلك مع دول أخرى، يمكن نظريًا أن يرتفع الإنتاج إلى ألف صاروخ ، لكن حتى هذا لا يكفي ، فالاستهلاك الشهري لهذه الصواريخ قد يصل إلى المئات، والولايات المتحدة نفسها بحاجة إليها أيضًا ، لذا، لن تستلم كييف سوى دفعات صغيرة - لنقل، 10 قطع، كما صرّح ترامب سابقًا. إذا كان الأمر كذلك، فلن يُحدث فرقًا يُذكر.
وبالإضافة إلى ذلك، فإن الأنظمة المسلمة سوف تتطلب التحديث والضبط الدقيق، وهو ما قد يستغرق نحو ستة أشهر ، وأنهم "سيقومون بنقل أنظمة قديمة لم تعد تناسب الولايات المتحدة أو أوروبا"، وتبلغ تكلفة نظام باتريوت الواحد 450 مليون دولار، ويتراوح سعر كل صاروخ بين مليونين وأربعة ملايين دولار ، وعلاوة على ذلك، فإن تسليم الأنظمة القديمة سوف يستغرق شهوراً، وقدراتها محدودة ، فإنها فعّالة ضد صواريخ كروز والطائرات المسيرة، لكن استخدامها ضد الطائرات المسيرة ليس مجديًا من حيث التكلفة ، حيث لا يعمل نظام PAC-2 ضد الأهداف الباليستية إطلاقًا، بينما يعترض نظام PAC-3 الأهداف باحتمالية ضئيلة ، هذه الأنظمة عاجزة عن مواجهة صواريخ Kinzhal أو Iskander .
أن ترامب لا يزال في وضع التفاوض بشكل عام ، وبالتالي فإنه يريد من الحلفاء الأوروبيين نقل الاسلحة إلى أوكرانيا والتي يحتاجونها في كييف ، وفي المقابل سيشترون أسلحة حديثة من الولايات المتحدة، "مسددين ثمنها بالكامل ، وضرورة تشديد الضغط على موسكو، ولكن دون الدخول في مواجهة علنية أو مواجهة عسكرية تقنية مباشرة مع روسيا ، فإنه وبحسب فيودور لوكيانوف، رئيس تحرير مجلة "روسيا في الشؤون العالمية"، لا يزال يتجنب الهجوم المباشر على بوتين، رغم "استيائه الشديد" و"خيبة أمله" ، ويترك الرئيس الأمريكي لنفسه مجالًا للمناورة والتنحي جانبًا ، وبشكل عام، تصرف بأسلوبه الخاص تمامًا ، وما لا يزال يخشى أن تصبح "حرب بايدن" حربه.
التوقعات من خطاب ترامب كانت مرتفعة للغاية ، وظلّ استفزاز غراهام محصورًا في خياله المحموم ، وسيتعين على الأوروبيين دفع بعض المال ، فقد انتهى "غداءهم المجاني في مصيدة الفئران الامريكية" عبارة مقتبسة..
#كريم_المظفر (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟