كريم المظفر
الحوار المتمدن-العدد: 8436 - 2025 / 8 / 16 - 15:37
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
تفاجأ العالم بالاستقبال التاريخي للرئيس الامريكي دونالد ترامب ، لنظيره الروسي فلاديمير بوتين ، في القاعدة العسكرية "إلمندورف-ريتشاردسون" في ألاسكا ، وأذهل القادة الاوربيين وجميع المراقبين والمحللين ، في أنه كان خارج نطاق التوقعات منذ اعلان ترامب عن موعد لقاءه ببوتين ، ففي سابقة تاريخية ، فقد حرص الرئيس الامريكي وخلافا للتقاليد الامريكية على استقبال ضيفه الروسي ، حيث لم يسبق ترامب ، اي رئيس امريكي سابق استقبال ضيفه بنفسه ، وعادة ما يكون في الاستقبال موظف بسيط كأن يكون من البيت الابيض او وزارة الخارجية .
كذلك تفاجأ الجميع بالروح الحميمية بين الرئيسين ، فقد سمح ترامب بفرش السجادة الحمراء لضيفه ، تلك " السجادة " التي اغاضت الغرب بأكمله ، لأنها وكما وصفوها تعبر " بالنصر لبوتين " وتكريما للضيف " المُكَرَم " لدى مضيافه ، ناهيك عن " تصفيق " ترامب لبوتين وبحرارة ، ولعدة مرات ، والتلهف الذي بدى في وجه ترامب ، للقاء نظيره الروسي ، جميعها صفات حددت ملامح اللقاء ونتائجه مسبقا ، وتركت انطباع كبير بأن ترامب مسحور بشخصية الرئيس بوتين ، وأجمعت وسائل الاعلام العالمية ، على أنها كانت تاريخية رغم أنه لم ترشح عنها أي تفاصيل حول مخرجاتها ومصير أوكرانيا.
ولم تقتصر المفاجآت عند هذا الحد ، فقد فاجأ الرئيسان العالم ، وفي تقليد غير معتاد عليه ، تخلّى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ، عن تقاليده في التنقل خارج بلاده بسيارته الخاصة ، وانتقل إلى السيارة الخاصة بنظيره الأمريكي دونالد ترامب بناء على طلب صاحب الدار ، والذهاب معا إلى مكان المحادثات في السيارة الرئاسية المصفحة "كاديلاك ون" ، والملقبة بـ"ذا بيست" (الوحش)، وذلك بعد جلسة التصوير المشتركة.
كما أن لهجة الحوار الحالية بين بوتين وترامب ، سجلت اختلافا نوعيًا عما كان عليه الحال في السنوات الأخيرة ، بين روسيا والولايات المتحدة ، وفي هذا السياق، يكفي استحضار لقاء فلاديمير بوتين مع جو بايدن في سويسرا ، حينها، أوضح الأمريكيون أن الخيار العسكري هو الأنسب لهم، ولم يكن هناك أي حديث عن حوار مع روسيا ، ولكن النقاش بين ترامب وبوتين ، استغرق وقتًا أطول بكثير مما خطط له ترامب في البداية ، والذي زعم ترامب سابقًا أن دقيقتين أو خمس أو عشر دقائق ، ستكون كافيةً له لفهم إمكانية التوصل إلى "اتفاق" بشأن تسوية النزاع في أوكرانيا ، وإن هذا يدل على جدية الزعيم الأمريكي واستعداده للحوار ، وان الرحلة المشتركة لبوتين وترامب في سيارة ليموزين، أتاح لهما إجراء محادثة منفصلة.
اللقاء الذي عقد بصيغة 3+3 ، حضره من الجانب الروسي ، وزير الخارجية سيرغي لافروف ، ومساعد الرئيس بوتين يوري اوشاكوف ، في حين حضره عن الجانب الامريكي ، وزير الخارجية ماركو روبيو ، والممثل الخاص للرئيس الأمريكي ستيفن ويتكوف ، كان " مثمرا " بحسب الرئيسين ، وكان واضح وشفاف وذو نتائج ترضي الجانبين ، دون الاعلان عن التفاصيل الدقيقة ، حتى ان البيت الأبيض نشر صورة للرئيسين الروسي فلاديمير بوتين والأمريكي دونالد ترامب ، وعلّق عليها عبارة "الهدف دائما هو السلام" ، وبالتالي تُرِكَ العالم في حيرة ، بعد هذه القمة التاريخية ، والتي لم تُسفر عن أي تفاصيل حول ما تمت مناقشته، وما تم الاتفاق عليه، وما تبقى من نقاط خلاف لإنهاء نزاع أوكرانيا .
والجانبان الروسي والامريكي وبحسب مساعد الرئيس الروسي يوري أوشاكوف ، لم يناقشا بعد عقد اجتماع ثلاثي بين الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ، ونظيره الأمريكي دونالد ترامب وفلاديمير زيلينسكي ، وبالتالي فإن قمة أنكوريج ، عكست تغييرا في السياسة الأمريكية تجاه أوكرانيا في عهد ترامب ، وأشار المدير السابق لشؤون روسيا وآسيا الوسطى في مجلس الأمن القومي الأمريكي إريك غرين ، إلى الضعف "المستمر" لموقف أوكرانيا ، وان الولايات المتحدة تفقد المزيد والمزيد من نفوذها ، مما ينهي عزلة بوتين ويثير أسئلة جوهرية ، حول رؤية ترامب للأمن الأوروبي ومواقف أوكرانيا وروسيا فيه.
وخلال القمة ، بدا بوتين واثقًا، بينما بدا دونالد ترامب ، على العكس من ذلك ، متعبًا ولم يُجب على أسئلة الصحفيين، وفقًا لما ذكره جون كافوليتش، المحلل السياسي الأمريكي وممثل منظمة الأبحاث "إيشو إنسايت" ، والذي أشار إلى أن "لغة جسد" ترامب لم تعكس ثقته وهدوئه المعهود ، وإلى أن الرئيس الأمريكي لم يكن لديه رغبة في الإجابة على أسئلة الصحافة، إذ لم يعتبر الاجتماع مع بوتين فاشلًا، ولكنه لم يعتبره نجاحًا كافيًا أيضًا.
واللقاء الذي استمر قرابة ثلاث ساعات ، وكما رآه اجماع الاعلام الغربي ، يُعدّ انتصارًا كبيرًا للرئيس فلاديمير بوتين، إذ أخرجه وكما كتبت صحيفة نيويورك تايمز "من حالة "الجمود الدبلوماسي العميق"، في إشارة واضحة إلى نظام المقاطعة الذي فرضته دول الغرب على الرئيس الروسي ، مقاطعةٌ قضى عليها ترامب علنًا بالاجتماع نفسه (وعلى الأراضي الأمريكية تحديدًا) ، حيث عقد زعيما روسيا والولايات المتحدة مؤتمرًا صحفيًا مشتركًا ، وهذا بحد ذاته مؤشر على مفاوضات مثمرة.
والنتيجة الرئيسية كانت ، أن زعيمي أكبر قوتين نوويتين ، اجتمعا أخيرًا لمناقشة أكثر خلافاتهما تعقيدًا وجهًا لوجه ، ورغم هذه الخلافات ، وصفت "بلومبرغ " هذه المحادثات، التي جرت في إطار دبلوماسي كامل ووفقًا للبروتوكول ذي الصلة، بأنها "ممارسة في الاستماع المتبادل" ، وأتيحت لترامب فرصة الاطلاع عن كثب على موقف القيادة الروسية العليا من الأزمة الأوكرانية، من خلال تواصل شخصي مباشر ، وإدراكه، والرد عليه بناءً عليه.
وبدورها أكدت موسكو، بدورها، بعد المفاوضات، أنها دافعت عن المبادئ الأساسية التي تعتبرها شرطًا لإنهاء الأزمة الأوكرانية بشكل عادل، وسجّلتها ، والمبدأ الرئيسي ، هو القضاء على الأسباب الجذرية للصراع في أوكرانيا ، فوفقًا للزعيم الروسي، "تتعلق الأحداث في أوكرانيا بقضايا أساسية تتعلق بأمننا القومي" ، ولا يمكن التوصل إلى حل مستدام للنزاع إلا بمراعاة جميع المخاوف المشروعة لروسيا ، وقال بوتين: "نلمس رغبة الإدارة الأمريكية والرئيس ترامب شخصيًا ، في تسهيل حل النزاع الأوكراني، ورغبتهما في التعمق في جوهره وفهم جذوره".
الوفد الروسي عبر عن أمله أن تُصبح اتفاقيات الجمعة ، مرجعًا ليس فقط لحل المشكلة الأوكرانية، بل تُمثل أيضًا بدايةً لاستعادة العلاقات التجارية البراغماتية بين روسيا والولايات المتحدة ، حيث تتمتع الشراكة التجارية والاستثمارية الروسية الأمريكية بإمكانيات هائلة ، لدى روسيا والولايات المتحدة ، بحسب الرئيس الروسي ، الكثير لتقدمه لبعضهما البعض في مجالات التجارة والطاقة والمجال الرقمي والتقنيات المتقدمة واستكشاف الفضاء، بالإضافة إلى القطب الشمالي.
القمة الامريكية الروسية ، وان لم تقضي على التناقضات الجوهرية التي لا تزال قائمة بين موسكو وواشنطن والصراع مستمر ، علاوة على ذلك ، لا يمكن حل هذا الصراع المعقد بهذه السهولة ، إذ يستحيل التوصل إلى اتفاق في اجتماع واحد ، لكن اثبت اللقاء ان الحوار يسير في الاتجاه الصحيح ، والمهم هو أنه بعد ذلك، ثمة احتمال كبير لعقد اجتماع ثانٍ بين زعيمي روسيا والولايات المتحدة، على الأقل عبّر ترامب علنًا عن أمله في ذلك ، كما ردّ الرئيس الروسي بالإنجليزية: "المرة القادمة في موسكو" ، وهذا يعني أن الاجتماع الأول لم يكن بلا جدوى.
#كريم_المظفر (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟