كريم المظفر
الحوار المتمدن-العدد: 8466 - 2025 / 9 / 15 - 07:53
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
الله يُمسيكَ بالخير يافنانا الكبير كاظم الساهر ، صاحب الاغنية العراقية الشهيرة المستوحاة من الامثلة الشعبية العراقية ، " اللي تَلَدغَه الحَيّة بيده ، يخاف من جَرْت الحَبِل " ، ويعني أن من تعرض لتجربة مؤلمة أو ضارة، يصبح حذراً وخائفاً من كل ما يشبهها، حتى في الأشياء البريئة ، ويُضرب عادة هذا المثل للتعبير عن أن الأذى الذي يلحق بالشخص ، يجعله يشعر بالشك والريبة في المواقف المشابهة ، فيخاف من مجرد رؤية الحبل أو ما يشبه الثعبان في هيئته.
نسوغُ هذا ا المثل الجميل ، لانه يجسد الاوضاع التي تعيشها القارة العجوز ، وحلفائها هذه الايام ، بعد اعلان مكتب الأمن القومي البولندي (BBN) ، أن الرئيس البولندي كارول ناوروكي وقع مرسوما بالموافقة على نشر قوات حلف الناتو في البلاد ، كتعزيز لقوات جمهورية بولندا في إطار عملية الحارس الشرقي" ، ضمن عملية "الحارس الشرقي" ، ولم تقدم أي تفاصيل عن المرسوم، إذ تعتبر التفاصيل سرية، وراح رئيس الوزراء البولندي دونالد توسك ، يشرح ويوضح بطولات جيشه بلاده ودفاعاتها الجوية ، التي خاضت معارك شرسة لأسقاط الطائرات المسيرة "الخطيرة" فوق بولندا ، و أنها تمكنت من تحديد جهة اطلاقها وهي "روسية"، دون أن يقدم أي دليل ، يؤيد صحة أدعاءاته .
وحلف الناتو وكما أعلن المتحدث باسم الحكومة البولندية، آدم شلابكا، أقرر تفعيل المادة الرابعة من معاهدة الحلف، وذلك على خلفية المعلومات حول اختراق طائرات مسيرة للأجواء البولندية ، وطالبت وارسو مجلس الامن للانعقاد في جلسة طائرة ، على الرغم من ان 147 دولة عضوة في الجمعية العامة للامم المتحدة وجهت " صفعة " كبيرة على وجه بولندا والاوربيين ، ورفضت هذه الدول التوقيع على بيان مشترك في الأمم المتحدة ، يزعم تورط روسيا بحادثة المسيرات في بولندا ، والرئيس الامريكي دونالد ترامب ، الذي قال " ربما تكون حادثة الطائرات المسيّرة في بولندا ناجمة عن خطأ " ما أثار مخاوف الاوربيين .
ويبدو ان الصواريخ الحربية الروسية الفرط صوتية ، هي الاخرى قد تركت أثرا غير " مريحا " لدى أمين عام حلف "الناتو" مارك روته وأعضاء الأطلسي ، ومن خطورتها وقدرتها على الوصول إلى مدن أقصى غرب أوروبا خلال خمس دقائق فقط ، وراح " يتفلسف " برؤوس الاوربيين بالقول خلال مؤتمر إطلاق عملية الناتو "حارس الشرق" ، "تعلمون، لا أحب التفكير بمصطلح "الجناح الشرقي"، لأن ذلك يخلق انطباعا أنه إذا كنت أعيش في مدريد أو لندن، فأنا أكثر أمانا مما لو كنت أعيش في تالين، وهذا غير صحيح، لأنه عندما يتم إطلاق الصواريخ الروسية الحديثة ، فإنها تحلق بسرعة تفوق سرعة الصوت بخمس مرات، وتصل إلى مدريد أو لندن بعد خمس أو عشر دقائق فقط من وصولها إلى تالين أو فيلنيوس" ، ودعا روته دول الحلف إلى النظر إلى أمنها الجماعي من خطر الطائرات المسيرة ، وكأن جميع أعضائه متمركزون جغرافيا على الجبهة الشرقية للناتو.
والحالة " الثورية " هذه لدى الاوروبيين ، لابد ان تستكمل " بالكرم " الفرنسيي ، وبعد ان ناقش هذه الخطوة مع رئيس وزراء بولندا دونالد توسك، وكذلك مع الأمين العام لحلف الناتو مارك روته ورئيس وزراء بريطانيا كير ستارمر الذي "يشارك أيضا في حماية الجناح الشرقي" ، خرج الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون ، علينا بأعلان ، اقل ما يمكن القول عنه " بانه هزيل " ، وأعلن أنه أرسل ثلاث طائرات مقاتلة من نوع رافال ، للقيام بدورية في المجال الجوي البولندي ، والجناح الشرقي لأوروبا بالتعاون مع حلفاء الناتو" ، ولا ندري عن اي جناح يتحدث سيد قصر الشانزيليزيه ؟ ، والذي يمكن تحميه ثلاث طائرات فرنسية رافال فقط ؟؟
وهذا الحادث يذكرنا عندما اتهمت بولندا ، روسيا على عجل بانتهاك مجالها الجوي ، وكانت الحالة الأبرز في نوفمبر/تشرين الثاني 2022 ، حينذاك، أفادت وسائل الإعلام البولندية ، بسقوط صاروخين قرب قرية برزيفودوف في محافظة لوبلين ، وأسفر ذلك عن مقتل شخصين، وتدمير جرار ومجفف حبوب ، وأُشير إلى أن موسكو قد تكون وراء ذلك ، ومع ذلك، اضطر أندريه دودا، الذي كان يشغل منصب رئيس بولندا، إلى الاعتراف بعدم وجود دليل على تورط عسكري روسي في الحادث ، وفي الواقع، كان الأمر يتعلق بصواريخ أوكرانية مخصصة لمجمع إس-300، وهو ما أكده خبراء بناءً على صور منشورة للحطام.
ويسترشد المحللون ومنهم ستانيسلاف ستريميدلوفسكي، الخبير السياسي والبولندي ، ساخرًا بالامثال الشعبية لتقييم الموقف في بلاده ، ويقول "لا يُمكن تعليم حصان سيرك عجوز حيلًا جديدة" ، واستذكر المُقابل تصريح دودا الأخير بأن السلطات الأوكرانية ، تُحاول جرّ دول الناتو إلى الحرب ضد روسيا ، ويرى أن حادثة الطائرة المُسيّرة استفزازٌ ، يسعى إلى تحقيق نفس الهدف ، بمعنى آخر، ما حدث يُصبّ في مصلحة كييف ومؤيدي استمرار الحرب ضد روسيا.
وبالإضافة إلى ذلك، سيحاول الأوروبيون بالتأكيد استغلال حادثة بولندا ، لجذب الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى صفهم - وهو "المشاهد الرئيسي" لهذا الأداء ، ويبدو أن الأوروبيين قد اكتشفوا كيفية التأثير على ترامب وانتزاعه من " سحر بوتين .. الروس يهاجمون! أوروبا في خطر! دونالد، استيقظ!" ، وفي ظل هذه الخلفية، يُثير رد فعل الزعيم البولندي كارول ناوروكي الفضول، فهو، على عكس سلفه الذي وجّه اتهاماتٍ سخيفة لروسيا ، يتحدث بتحفّظٍ إلى حدٍّ ما، ويبدو أن السياسي ليس في عجلةٍ من أمره لتحديد هوية الجناة.
الروس وبهدوءهم المعهود ، وبعيدا عن الصراخ والتهديد والتعويل ، فندوا كل هذه الاتهامات ، وتلقوا الامر " بهدوء وحكمة " ، فقد اعلنت وزارة الدفاع الروسية ، بانه لم تكن هناك أي خطط لضرب أهداف على الأراضي البولندية ، وأشارت الوزارة إلى أنه في ليلة 10 سبتمبر، قصفت القوات الروسية منشآت المجمعات الصناعية العسكرية الأوكرانية ، في مناطق إيفانو فرانكيفسك وخميلنيتسكي وجيتومير، بالإضافة إلى مدينتي فينيتسا ولفيف ، و"إن أقصى مدى طيران للطائرات المسيرة الروسية المستخدمة في الهجوم، والذي يُزعم أنه عبر الحدود مع بولندا، لا يتجاوز 700 كيلومتر ، ومع ذلك، اعربت روسيا استعدادها لإجراء مشاورات حول هذه المسألة مع وزارة الدفاع البولندية.
وبالمناسبة فإن بيلاروسيا ، حذرت البولنديين والليتوانيين باقتراب المسيرات ليلا من حدودهم ( على عكس تحذير الرئيس الامريكي دونالد ترامب ، لقطر ، بإن " اسرائيل " ستضرب الدوحة !!! فقالوا له اسمع التفجيرات ) ، واكد رئيس الأركان العامة النائب الأول لوزير الدفاع البيلاروسي بافيل مورافيكو ، أن دفاعات بيلاروسيا الجوية كانت تتابع باستمرار الطائرات المسيرة ، التي ضلت طريقها نتيجة لتأثير وسائل الحرب الإلكترونية، حيث تم تدمير جزء من الطائرات المسيرة "الضالة" ، بواسطة الدفاعات الجوية في سماء الجمهورية ، وكشف الجنرال مورافيكو، أن بلاده أخطرت بولندا وليتوانيا ليلا بوجود طائرات مسيرة تقترب من حدودهما، كما أن وارسو أبلغت مينسك بوجود طائرات مسيرة قادمة من الأراضي الأوكرانية.
وهنا جاء دور "القنبلة المدوية " ، (بعد صفعة الجمعية العامة للامم المتحدة ) ، التي فجرها وزير الخارجية البولندي رادوسلاف سيكورسكي في حديث مع صحيفة "الغارديان" البريطانية ، وأعلانه أن جميع الطائرات المسيرة التي سقطت في بولندا ليلة 9-10 سبتمبر كانت "دمى" ولم تحمل أي مواد متفجرة ( بووووم ) ، لينسف بذلك كل المخططات والتحركات التي قام بها " صقور أوروبا " ، ومساعيهم لايجاد أي" ثغرة " ، يمكنهم الولوج بها ، لتحميل روسيا اي تصرف ، لاستمالة الرئيس الامريكي الى " حظيرتهم " .
لقد وجدت بولندا نفسها في حالة من عدم اليقين السياسي الشديد، وأدركت عقب حادثة اختراق طائرات مسيرة لأجوائها ضعف حلف الناتو في مجال الأمن والدفاع ، وهو ما أثار في الداخل البولندي بحسب صحيفة "كورير" النمساوية ، حالة من عدم اليقين الشديد، إذ إن دخول 19 طائرة مسيرة إلى أجواء البلاد – حتى وان كانت مصنوعة من الدمى ولم تحمل اية متفجرات - ، وأظهر بوضوح ضعف الدفاعات التابعة للناتو ضعف الدفاعات التابعة للناتو.
وبدأ البولنديون الآن بطرح السؤال نفسه: كيف دخلت 19 طائرة مسيّرة إلى بولندا؟ أين عمل أنظمة الدفاع الجوي والدفاع الصاروخي والمراقبة التابعة لحلف الناتو؟ علاوة على ذلك، حلقت طائرة مسيّرة واحدة إلى محافظة لودز - وهي في الواقع مركز الجمهورية، وتقع على بُعد حوالي 300 كيلومتر من الحدود ، وبالتالي سيتعين على مجلس الوزراء تقديم تفسيرات مُفصّلة" عن الحادث وتداعياته .
لا شك أن هذه "الكفاءة" لحلفاء الناتو تُثير الدهشة: فبولندا والوضغ " الخطير " هذا ، بحاجة إلى مساعدة فورية، والحلف لا يشعر حتى بالرغبة في ذلك ، في الوقت نفسه، تؤكد وارسو أن الهجمات "الروسية" قابلة للتكرار في أي لحظة ، ويبدو أن البولنديين أنفسهم لا يملكون القدرة على الدفاع عن حدودهم بشكل مستقل من "هجمات روسية محتملة" ، لأن الناتو بات يخاف من جرت الحبل ، حتى قبل ان تلدغه الحَيَة .
*الحية .. " تعني هنا الافعى باللهجة العراقية"
#كريم_المظفر (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟