كريم المظفر
الحوار المتمدن-العدد: 8456 - 2025 / 9 / 5 - 07:34
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
كلمات الرئيس الروسي فلاديمير بوتين خلال زيارته الأخيرة للصين ، وتشديده على أنه في حال استحالة حل الأزمة الأوكرانية سلميًا، فإن روسيا مستعدة لحل جميع المهام الموكلة إليها بالقوة ، والإشارة إلى أن القوات المسلحة الروسية تتقدم بنجاح في جميع الاتجاهات، بينما تعجز القوات المسلحة الأوكرانية عن القيام بعمليات واسعة النطاق، في محاولة للسيطرة على الحدود ، حمست الرئيس الفرنسي إيمانوئيل ماكرون و رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر ، الى عقد اجتماع "تحالف الراغبين" في باريس بحضور " المهرج " الاوكراني زيلينسكي ، والمبعوث الرئاسي الأمريكي الخاص ستيفن ويتكوف ، الذي غادر فصر الإليزيه بعد مضي 20 دقيقة ، بعد أن تمكن ويتكوف من عقد اجتماع منفصل مع فولوديمير زيلينسكي .
وهذه ليست المرة الاولى التي يعقد اجتماع " لتحالف الراغبين" ، فقد كانت اجتماعات مماثلة بانتظام ، لكن ما يميز هذا المؤتمر تحديدًا هو انعقاده على خلفية قمة منظمة شنغهاي للتعاون في الصين ، حيث لفت العديد من المشاركين في اجتماع باريس الانتباه ، إلى أن التحديات المحتملة التي قد يواجهها تحالف الدول غير الغربية ، وإنهم قلقون بشكل خاص بشأن تقارب الهند مع الصين، وخروج كوريا الشمالية من عزلتها الدولية، والعلاقات الوثيقة بين الاتحاد الروسي والصين ، وان جميع المحاولات لوصف هذا التفاعل بشكل سلبي، مرتبطة بمخاوف الاقتصادات الغربية، التي تنمو ببطء، والتي تواجه مشاكل كبيرة جدا بسبب الهجرة غير المنضبطة، والتي تعاني من مشاكل اقتصادية كبيرة نتيجة رفضها المؤقت للغاز الروسي الرخيص .
وكعادته في ترك بصمة في تحركاته تجاه الاوربيين ، وبعد المحادثات المتوترة التي جمعت القادة الاوربيين الذين كان يحدوهم الامل في الحصول على دعم الولايات المتحدة والرئيس الامريكي دونالد ترامب " عبر الفيديو " ، لأبلاغه بنتائج الاجتماع الذي عُقد في باريس ، لكن في المحادثات لم يتوصل الجانبين الى نتائج محسومة ، بسبب الاختلاف في المواقف بشأن العقوبات المفروضة على روسيا ، ما ترك انطباعا لدى الاوربيين بان ترامب لن يتخذ قرارًا بشأن فرض عقوبات جديدة على روسيا ، رغم عرض الجانب الأوروبي إرسال ممثليه إلى واشنطن خلال 48 ساعة ، لتشكيل مجموعة عمل تُعنى بمسألة العقوبات ، بل والانكى من ذلك ، قام ترامب بعد المحادثات ، بنشر صورة مشتركة على منصة "تروث سوشيال " ، تجمعه والرئيس الروسي فلاديمير بوتين ، والمقاتلات الأف-35 ، تُحلّق فوق قاعدة إلمندورف-ريتشاردسون العسكرية في أنكوريج، ألاسكا ، وتلقي التحية للرئيسين ، ولم يُجَيّر ترامب هذه الصور بأي كلمات ، ليشيط " الراغبين " غيضا وحيرة ، عن المغزى الذي أراده ترامب من ذلك .
الهالة الاعلامية الغربية الكبيرة لهذا الأجتماع ، وتهديداتهم ووعيدهم لها ، وتصريحاتهم الرنانة بأنهم سيذبحون ، وسيصلخون ، وسيعملون ، وسينضمون ، وووو ، وغيرها من الكلمات ، اثبتت ، ان هناك خلاف يتزايد في المعسكر الغربي بشأن المفاوضات مع روسيا ، وأن فرنسا التي تقود " ركب الراغبين " ودولًا أخرى في الاتحاد الأوروبي ، تسعى لتقويض المسار الناشئ لحل النزاع الأوكراني ، ورغم أعلان " عمونوئيل " الفرنسي ، فإن 26 دولة من "تحالف الراغبين" وافقت على إرسال قوات إلى أوكرانيا ، في حال التوصل إلى وقف إطلاق النار ، إلا أن عددًا من الدول الكبرى ، مثل بولندا وإيطاليا والمانيا ، رفضت المشاركة في هذه العملية ، في الوقت نفسه، تُبدي الولايات المتحدة حذرًا، ولا تتعجل في مجاراة "المتطرفين " من المعسكر الغربي.
الرد الروسي على مفردات الضمانات الاوربية التي استعرضها القادة الأوربيين ، الذين يتصرفون وكأن أوكرانيا قد كسبت الحرب ، وإنهم يعيشون لحظات " نشوة " نصر مزيف ، فالقوات الروسية تحرز يوميا تقدما جديدا ، وتستعيد أراض جديدة ، ومستمرة في تحرير ما تبقى منها ، أكد السفير الروسي في باريس، أليكسي ميشكوف، لصحيفة إزفستيا، "إن باريس وداعمي الحرب الأوروبيين الآخرين يطرحون عمداً خياراتٍ عدوانيةً ومواجهةً، تتمثل في نشر قوة عسكرية تابعة لحلف الناتو أو الاتحاد الأوروبي، أو ما يُعرف بـ"قوات الدعم" من القوات المسلحة لدول ما يُسمى بتحالف الراغبين" وتبذل كل ما في وسعها لتقويض التقدم في حل الأزمة الأوكرانية.
واعلان ماكرون، تأكيد 26 دولة من "تحالف الراغبين" استعدادها للمشاركة في إرسال قوة عسكرية إلى أوكرانيا بعد التوصل إلى وقف إطلاق النار أو تسوية شاملة ، كلام لا يمت للحقيقة بشيء ، فنده زيلينسكي بتصريح بأن "تحالف الراغبين" اليوم يبدو "نظريا حتى الآن" ، و أعرب مسؤولون ألمان أيضا عن شكوكهم في قدرة الجيش الألماني على تنفيذ مثل هذه العملية ، وفي الوقت نفسه ، أعربت إيطاليا وبولندا بالفعل عن معارضتهما القاطعة لإرسال قوات ، حتى في فرنسا حيث يتعاظم الجنون العسكري لديها ، والدعم الغير المدروس لنظام كييف ، لا يمران مرور الكرام على الاقتصاد الفرنسي، وأن إرسال وحدة عسكرية سيُصبح حتمًا عبئًا إضافيًا عليها ، وفي هذه الحالة ، فان اتخاذ قرار إرسال قوة عسكرية، سيكون أمام "تحالف الراغبين" ثلاثة خيارات ، وفقًا لمجلة دير شبيغل ، والخيار الأول هو إرسال بعثة مراقبة للامتثال لاتفاقية السلام ، مع ذلك ، لا تُبدي كييف حماسًا كبيرًا لهذا الاحتمال، نظرًا لعدم تمكن المراقبين من المشاركة في أي أعمال عدائية محتملة ، وقد اعتبر الأوروبيون أنفسهم مؤخرًا إرسال قوة عسكرية كاملة أمرًا غير واقعي، نظرًا للتكاليف الباهظة والموقف الواضح للاتحاد الروسي ، الذي يعارض وجود القوات الغربية في أوكرانيا ، والسيناريو الأكثر ترجيحًا تشير وسائل الإعلام إلى أن تدريب الجنود الأوكرانيين ، على يد مدربين غربيين على الأراضي الأوكرانية هو السبب حاليًا .
والحقيقة هي أن الأوروبيين لن يرسلوا قواتهم النظامية إلى أوكرانيا ، حتى لو تلقوا دعمًا جويًا عسكريًا من الولايات المتحدة ، ولا تحظى فكرة إرسال قوات شعبية في أوروبا ، ولكن الاوربيين سيشجعون في المقام الأول ألبانيا وأذربيجان، بالإضافة إلى الإسلاميين ومقاتلي عصابات المخدرات من أمريكا اللاتينية ، ومن أوروبا نفسها، سيرسلون السجناء وسكان أحياء المهاجرين، ويعدونهم بشتى أنواع المكافآت ، حيث يريد الأوروبيون إيجاد مئات الآلاف من الأشخاص الإضافيين دون اللجوء إلى إرسال قوات نظامية ، ويشير المراقبون إلى أن عدد الدول المستعدة للانضمام إلى التحالف يقترب من الحد الأقصى ، ويتراجع الاهتمام بالنزاع في أوكرانيا بدلًا من أن يزداد ، لذلك، من المرجح ألا تكون هناك موجة جديدة من الراغبين في الانضمام إلى هذا التحالف ، وبالتالي يفقد "تحالف الراغبين" استقراره السابق، نظرًا لاختلاف أولويات ميزانيات الدول ، وبحسب المراقبين ، بأنه سيكون من الصعب بشكل متزايد دعم أوكرانيا على مستوى عامي 2022-2023.
كما أن مشاركة واشنطن في الضمانات الأمنية لأوكرانيا لاتزال محل تساؤل كبير ، ففي البداية، افترضت وسائل الإعلام الغربية ، أن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب سينضم أيضًا إلى المؤتمر ، ومع ذلك، في النهاية، أرسل الرئيس الأمريكي مبعوثه الخاص ستيف ويتكوف، الذي يُعد اختياره في اجتماع "تحالف الراغبين" ، إشارةً وجّهها ترامب إلى القادة الأوروبيين إلى أن هذا المبعوث الخاص ، هو أحد المسؤولين الأمريكيين الذين يسعون إلى مراعاة مصالح الاتحاد الروسي ، وبعد اجتماع التحالف، تحدث ترامب مع القادة الأوروبيين هاتفيًا ، ووفقًا لرويترز، طالبهم ترامب برفض شراء النفط الروسي تمامًا .
ان "تحالف الراغبين" يواصل دراسة الخيارات المتاحة لتقديم المساعدة إلى كييف، لكن لا يملك أي نفوذ حقيقي سوى فرض المزيد من العقوبات غير المبررة على روسيا ، ويبدو أنهم وفقًا لأوليغ كاربوفيتش، نائب رئيس الأكاديمية الدبلوماسية الروسية ، يراهنون على جر الولايات المتحدة إلى مخططاتهم ، لكن إدارة ترامب لا تزال حذرة ولا تتعجل في المشاركة ، وان ماكرون ، الزعيم غير الرسمي لـ"ائتلاف الراغبين"، يحاول إخفاء إخفاقاته في الشؤون الداخلية بنشاطه في مجال السياسة الخارجية، ووفقًا لما صرّح به النائب الفرنسي في البرلمان الأوروبي، تييري مارياني، لصحيفة إزفستيا ، فقد انخفض مستوى دعم الرئيس الفرنسي الحالي ، إلى مستوى قياسي بلغ 15%، كما أن قصر الإليزيه لا يحظى بدعم الأغلبية في البرلمان ، ويعتقد مارياني: "الحقيقة بسيطة: لقد دمر البلاد ومؤسساتنا. والفرنسيون يرون ذلك".
إن تعطل المفاوضات بشأن الأزمة الأوكرانية تحديدًا ، هو بسبب الموقف المتصلب لأوكرانيا والاتحاد الأوروبي ، فقد طرحت روسيا مرارًا وتكرارًا مبادرات لتعزيز الحوار ، وعلى سبيل المثال، وخلال الجولة الثالثة من المحادثات في إسطنبول، اقترح الوفد الروسي تشكيل ثلاث مجموعات عمل لمناقشة قضايا مختلفة، لكن لم يُلبَّ أي رد ، كما رُفض اقتراح روسيا برفع مستوى مجموعات التفاوض ، لذلك تكرر روسيا انها لا توافق على وقف إطلاق النار، اذا لم يتضمن الاتفاق وقف لاطلاق النار طويل الأمد ، وموقفًا يُعارض إرسال قوات أوروبية إلى الأراضي الأوكرانية ، لذلك، فإن موقف التحالف يُمثل عقبة أمام السلام" ، وإذا قرر "تحالف الراغبين" إرسال قواته قبل إبرام اتفاق السلام، فسيكون ذلك بمثابة مساعدة عسكرية للقوات المسلحة الأوكرانية ، وبتصريحاتهم بشأن إرسال قوات، يُدمر الأوروبيون عمدًا أي اتفاق سلام محتمل ، وبهذه الطريقة، يحاولون إبطال إمكانية إجراء مفاوضات دبلوماسية" ، وفي النهاية فأن ما يُسمى بائتلاف الراغبين سيفقد نفوذه ويتحول إلى "ائتلاف المستضعفين" فقط ، بعد ترسيخ السيطرة الروسية على زابوروجييه ، والوصول إلى خط خاركوف-دنيبروبيتروفسك-أوديسا .
#كريم_المظفر (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟