أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - رانية مرجية - 🕯️ ظلّ الممر الأبيض














المزيد.....

🕯️ ظلّ الممر الأبيض


رانية مرجية
كاتبة شاعرة ناقدة مجسرة صحفية وموجهة مجموعات

(Rania Marjieh)


الحوار المتمدن-العدد: 8504 - 2025 / 10 / 23 - 00:30
المحور: الادب والفن
    


في المدينة التي لا تعرف الفجر، حيث تتساوى الألوان وتذوب الأصوات، قامت مؤسسة تُدعى البيت الأبيض للعقل.

مبنى ضخم ككائنٍ يتنفس الصمت، نوافذه مغلقة دائمًا، وجدرانه مشبعة برائحة المطهرات والخوف.

كان الناس يهمسون عنه كأنه كابوسٌ مستتر تحت عباءة الرحمة.



كانت إيلارا ممرضة شابة، جاءت تحمل أحلامًا صغيرة وقلبًا مثقوبًا بالأسئلة.

أرادت أن تشفي الآخرين علّها تشفي نفسها، لكنها لم تكن تعرف أن الأماكن التي تكثر فيها الأقنعة تلتهم الأرواح أولًا.



في الأسبوع الأول، بكت أمام مريضٍ لا يتذكر اسمه.

في الشهر الأول، توقفت عن البكاء.

وفي العام الأول، صارت تعرف كم يساوي الألم حين يُباع في السوق السوداء.



كانت تسرق الأدوية التي تُهدئ العقول، وتبيعها للذين أرادوا أن ينسوا عقولهم تمامًا.

كانت تقول في نفسها:



“أنا لا أسرق، أنا أوازن الفوضى.”


لكنها كانت تعرف الحقيقة — لم تكن توازن شيئًا، كانت تسقط ببطء في هاويةٍ أنيقة.

💠 التحوّل


كانت تجيد الازدواجية كما تجيد تنفس الهواء.

وجهٌ طاهر في الصباح، وعقلٌ ملوث في الليل.

تواطأت مع الصمت، وتعلمت كيف تخدع الجميع بنبرة الرحمة.

تواعد الأطباء، وتغوي المرضى، وتستنزف جيوبهم كما تُفرغ القارورة الأخيرة من المهدّئ.



وحين اكتشف أحدهم حقيقتها، لم تخف، بل ابتسمت.

قال لها الطبيب المرتجف: “أنتِ مرضٌ في ثوب ممرضة.”

فأجابته بابتسامةٍ باردة:



“وأنتم دواءٌ بلا روح.”


في اليوم التالي، رحل الطبيب.

لم يسأل عنه أحد.

🪞 بيت الزجاج


حين طُردت من العمل، خرجت كما يخرج المذنب من معبدٍ لا يؤمن به.

ظن الجميع أنها انتهت، لكنها كانت في الحقيقة قد بدأت.

انتقلت إلى مؤسسةٍ جديدة، اسمها “بيت الزجاج” — المكان الذي يُرى فيه كل شيء إلا الحقيقة.



هناك، التقت المدير الجديد — رجلٌ لا يرفع صوته، ولا يرفع نظره، كأن قلبه قد أُطفئ منذ زمن.

قال لها في أول لقاء:



“في هذا المكان، لا نُشفي أحدًا، نحن فقط نُبقيهم صامتين.”


أحبّته كما يُحب الظلامُ من يخاف النور.

ومقابل أن تظلّ حرة، باعت جسدها وضميرها له.

صارت تتحكم في الجداول، في العلاجات، في مصائر المرضى.

كانت ترى في أعينهم رجاءً لم تعد تفهمه، كأن الرحمة أصبحت لغةً أجنبية لا تتقنها.



ومع كل سلطةٍ جديدة، كانت تخسر شيئًا من ملامحها.

صار وجهها في المرآة بلا لون، بلا حدود، كأنها تذوب في نفسها.

🕯️ الطيف الأخير


في ليلةٍ بلا قمر، انقطع التيار الكهربائي عن بيت الزجاج.

غرق المكان في ظلامٍ خانق إلا من ضوءٍ خافتٍ في آخر الممر الأبيض — الممر ذاته الذي كان يربط أقسام المرضى، والذي كانت تتجنبه دومًا.



مشَت نحوه، يسمع الحراس بعد ذلك أنين كعبَيها على الأرض الباردة، كأن الزمن نفسه يتراجع.

كانت الجدران تنبض بأصواتٍ كثيرة، أصوات أولئك الذين سلبتهم دواءهم، وكرامتهم، وثقتهم.



توقفت أمام المرآة الكبيرة في نهاية الممر.

رأت وجهها، لكن لم يكن وجهها — كان وجوه المرضى جميعًا، تنظر إليها بعينٍ واحدة، كأنها عين العدالة.



صرخت.

المرآة لم تنكسر.

بل ابتلعتها.

🌙 النهاية (التي لا تنتهي)


في الصباح، وُجدت زجاجة دواءٍ فارغة على الأرض، مكتوب عليها بخطٍ باهت:



“الرحمة لا تُباع.”


منذ ذلك اليوم، يقول العاملون الجدد إنهم يسمعون عند منتصف الليل صوت خطواتٍ ناعمة في الممر الأبيض،

وصوت امرأةٍ تهمس بلطفٍ غامض:



“خذوا الدواء… لكن لا تتركوا الرحمة تموت.”


ويؤكد الحراس أن المكان كله يبرد حين تمرّ تلك الخطوات،

كأن ظلّ إيلارا ما زال يبحث عن خلاصٍ لم يعد له طريق.



#رانية_مرجية (هاشتاغ)       Rania_Marjieh#          


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- رئتان تتنفّسان الندم
- حين توقّف الطريق، بدأوا بالوصول
- قصيدة: أقرأ الأرض كي أنجو
- .حين نغادر كي نعود أنقى
- النقد كوعيٍ حيّ: قراءة الإنسان في مرايا الكلمة
- 🔹 قراءة في كتاب (الفينيق من الرماد) للكاتبة رانية مر ...
- الطيبة لا تموت
- حين تنصت اللغة إلى الله قراءة رانية مرجية في رواية إكسير الأ ...
- قراءة أدبية : في قصيدة (( لا يعرفونني)) للشاعرة رانية مرجية ...
- ثلاث مدن تمشي إلى الغياب (نصّ روائي شعري عن نكبة 1948) v ...
- نساءُ الضوء – رانية مرجيّة
- قراءة ادبية في قصيدة -أن تكون مثقفًا- للشاعرة الفلسطينية ران ...
- قراءة في قصيدة ما بين أوتار المكابرة … ، للمحامية عائشة يونس ...
- أنشودة مريم والنور
- الذين يبيعون الظل
- رواية- الخاصرة الرخوة- أنوثةٌ تُجلد باسم الطهارة ووطنٌ يُستب ...
- “أنشودة الإنجيل الأخير”
- وجهُ الذاكرةِ… حين تكتب حياة قالوش بمداد الحنين
- ‏قراءة ادبية في : ‏كتاب بعنوان -الرملة ٤٠٠ ...
- قراءة وجدانية فلسفية في ديوان «صبا الروح» للشاعرة سلمى جبران


المزيد.....




- فيديو.. مريضة تعزف الموسيقى أثناء خضوعها لجراحة في الدماغ
- بيت المدى يستذكر الشاعر القتيل محمود البريكان
- -سرقتُ منهم كل أسرارهم-.. كتاب يكشف خفايا 20 مخرجاً عالمياً ...
- الرئيس يستقبل رئيس مكتب الممثلية الكندية لدى فلسطين
- كتاب -عربية القرآن-: منهج جديد لتعليم اللغة العربية عبر النص ...
- حين تثور السينما.. السياسة العربية بعدسة 4 مخرجين
- إبراهيم نصر الله يفوز بجائزة نيستاد العالمية للأدب
- وفاة الممثل المغربي عبد القادر مطاع عن سن ناهزت 85 سنة
- الرئيس الإسرائيلي لنائب ترامب: يجب أن نقدم الأمل للمنطقة ولإ ...
- إسبانيا تصدر طابعًا بريديًا تكريمًا لأول مصارع ثيران عربي في ...


المزيد.....

- المرجان في سلة خوص كتاب كامل / كاظم حسن سعيد
- بيبي أمّ الجواريب الطويلة / استريد ليندجرين- ترجمة حميد كشكولي
- قصائد الشاعرة السويدية كارين بوي / كارين بوي
- ترجعين نرجسة تخسرين أندلسا / د. خالد زغريت
- الممالك السبع / محمد عبد المرضي منصور
- الذين لا يحتفلون كتاب كامل / كاظم حسن سعيد
- شهريار / كمال التاغوتي
- مختارات عالمية من القصة القصيرة جدا / حسين جداونه
- شهريار / كمال التاغوتي
- فرس تتعثر بظلال الغيوم / د. خالد زغريت


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - رانية مرجية - 🕯️ ظلّ الممر الأبيض