أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - بهجت العبيدي البيبة - العقل العربي بين الرغبة في الصواب وفقدان البوصلة














المزيد.....

العقل العربي بين الرغبة في الصواب وفقدان البوصلة


بهجت العبيدي البيبة

الحوار المتمدن-العدد: 8491 - 2025 / 10 / 10 - 14:34
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


يتعين على كل فرد، أو بالأحرى مجموعة عبر التاريخ، صياغة سردية ذاتية يعيش من أجلها. وكلما اتسمت هذه السردية بالاتساق والانسجام، زادت قدرة الفرد على التماهي معها، وتمكنت الجماعات من تحقيق طموحاتها وأهدافها.
ألاحظ أنه بعد قيام الدولة الوطنية الحديثة في منطقتنا العربية، ظهرت سرديتان رئيسيتان: السردية الدينية ذات الجذور التاريخية العميقة، والسردية الوطنية الأحدث عهدا. قد يرى البعض عدم وجود تقاطع بين هاتين السرديتين، وربما كان التوفيق بينهما ممكنا بعد إجراء بعض التعديلات. إلا أن الواقع يشير إلى وجود اختلافات جوهرية بين التيارين اللذين يمثلان هاتين السرديتين، وهما في حالة صراع مستمر، يتجلى ليس فقط في الصراع المادي الواضح في العديد من الدول، بل أيضاً في صراع فكري يسبق ذلك الصراع المادي.

في كل مرحلة تحول في المنطقة العربية، يظهر التنافس بين هذين الاتجاهين الفكريين، مع تبدل مواقعهما، ولكنهما يشتركان في السلوك: كلاهما يركز على إثبات صحة وجهة نظره أكثر من تركيزه على تحقيق الصالح العام. ولتوضيح ذلك، يمكننا أن نأخذ مثالين بارزين في الوضع الراهن: المثال الأول هو النظام السوري الحالي الذي يرفضه بشدة تيار السردية الوطنية، والمثال الثاني هو اتفاق غزة الذي قوض تصوّرات، أو بالأحرى طموحات، تيار السردية الدينية.
في ظل التطورات الراهنة التي تشهدها الساحة السورية، يبرز تيار يتبنى سردية "وطنية" سريعة في إعلان فشل أي تجربة جديدة قبل أن تبدأ.

هذا التيار، الذي يعتمد على لغة اليقين المطلق، يستند في رؤيته إلى خبرات الماضي التي علمته الحذر من أي تجربة مماثلة للحكم السوري الجديد، وكأن الذاكرة العربية لا تستمد قوتها إلا من الإخفاقات. يقوم هذا التيار بتحليل أي هفوة محتملة لبناء حكم نهائي: التجربة محكوم عليها بالفشل، حتى قبل أن تبدأ.

في المقابل، نجد تيار السردية الإسلامية يعارض أي اتفاق محتمل بين الفصائل الفلسطينية وإسرائيل، رافضًا فكرة التفاهم من أساسها، ومتمسكا بمقولة ثابتة: "اليهود لا عهد لهم."
ومع ذلك، يشير الواقع الحالي إلى أن الالتزام بالعهود يمثل مسألة تتعلق بالدول التي تحكمها المصالح والمؤسسات، وليس بالضرورة مسألة دينية. فالأديان، على اختلافها، تضم أفرادًا ملتزمين بالعهود وآخرين يخالفونها. ومن الإنصاف القول إن التاريخ الحديث قدّم أمثلة عديدة على التزام الدول باتفاقياتها، حتى مع خصومها، للحفاظ على توازن المصالح والاستقرار، كما يتضح في التزام إسرائيل "وهم يهود" بمعاهدة السلام مع مصر الموقعة عام 1979.
بالنسبة لنا، تكمن المشكلة الأساسية في أن كلا الطرفين يسعيان إلى إثبات صحة وجهة نظرهما من خلال تمني فشل الطرف الآخر، وليس في مجرد اختلاف وجهات النظر.
حيث يتوقع مؤيدو الرواية الأولى أي تعثر ليقولوا: "ألم نكن على صواب؟"، بينما ينتظر مؤيدو الرواية الثانية انهيار أي اتفاق ليؤكدوا: "ها قد تحققت رؤيتنا!". في كلتا الحالتين، يتضرر الشعب، سواء كان سوريًا أو فلسطينيًا، بينما يتحول الخلاف الفكري إلى صراع لإثبات الذات بدلًا من العمل على تحسين الواقع.
تعتبر هذه الأزمة متعددة الأبعاد، ولا تقتصر على الجانب السياسي فحسب، بل تمتد لتشمل أزمة فكرية عميقة. إنها تمثل تحديًا لـ "العقل العربي" الذي لم يتمكن بعد من التحرر من قيود التعصب الفكري، والذي يرى في المراجعة الفكرية ضعفا، وفي الاعتراف بالخطأ خسارة.

هذا العقل يرفض الانفتاح على التعلم، لأن التعلم يتطلب التواضع أمام الحقائق، والتي - في نظر المتعصبين - لا يمكن إدراكها إلا من خلال وجهة نظرهم الخاصة.

لقد حان الوقت للانتقال من مرحلة التنافس حول الصواب والخطأ إلى مرحلة البحث عن الحلول وتحقيق المصلحة العامة. يجب التعامل مع السياسة كأداة لإدارة الممكن، وليس كصراع دائم لتصفية الحسابات.
كما ينبغي علينا إدراك أن النجاح المشترك يتجاوز الانتصار الفردي، وأن بناء الوطن يتطلب العمل الجاد وليس الجدل، والنهوض به يتطلب الإيمان بالإصلاح بغض النظر عن التحديات.

إن العقل الذي يسعى لأن يكون على صواب أكثر من سعيه لتحقيق الفائدة، هو عقل قد يربح النقاش ولكنه يخسر الحياة.



#بهجت_العبيدي_البيبة (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- السابع من أكتوبر في الميزان: من رصاصة الغضب إلى طاولة التفاو ...
- تناقض حفيظ دراجي الكاشف: وصف فتح بالاحتلال ووصف حماس ب -ضربة ...
- خطة ترامب وإفراغ القضية الفلسطينية من معناها
- حكاية الصراخ أمام سفارة مصر والصمت أمام سفارة إسرائيل
- مأجورون يتربصون بمصر ويصمتون عن ضرب الدوحة
- في عيد النيروز... ميلاد الإنسان من ربيع الكون
- -إسرائيل الكبرى-... حلم يواجه الواقع
- حين تُجرَح أيادي الخير: تحليل نقدي لمحاولات تشويه الدور المص ...
- الوطن بين الوعي وزيف الشعارات: درس التاريخ يتجدد
- المذنبات: من نذر الشؤم إلى رسل الكون
- قرار الوزير.. وخرافة الأرقام: هل يُقاس الإيمان بدرجات الغش؟
- البكالوريا المصرية: حلمٌ يولد في غير أوانه؟
- تباين التقارير الأمريكية حول المنشآت النووية الإيرانية: لعبة ...
- الخطاب المزدوج: سيمفونية السياسة ونبض الشارع
- بين مطرقة الانسحاب وسندان العزلة: إيران ومعاهدة حظر الانتشار ...
- الضربة التي هزّت الصمت: إعادة رسم موازين الردع في فجر يونيو
- -قافلة الصمود: مصر… بين عبء التاريخ وجسارة الموقف
- مصر وتركيا: من ترسيم خط أحمر إلى تدريبات عسكرية مشتركة
- حين يُصبح الدعاء سلاحًا للكراهية: تأملات في سقوط إنساني واغت ...
- العودة من العدم: حينما يعيد العلم المندثرين إلى الحياة


المزيد.....




- أمريكا تعلن السماح لقطر ببناء منشأة جوية تستضيف مقاتلات على ...
- الولايات المتحدة: انفجار يهز مصنعا عسكريا بولاية تنيسي يسفر ...
- مولدوفا وخسارة روسيا الفادحة في أوروبا
- السودان.. -تأسيس- مستعد للتعاون مع -الرباعية- لإنهاء الحرب
- ويتكوف وكوشنر على طاولة الحكومة الإسرائيلية.. دعم أم ضغط؟
- انفجار -مدمر- في مصنع متفجرات بأميركا يخلف قتلى ومفقودين
- حماس وفصائل فلسطينية ترفض أي -وصاية أجنبية- على غزة
- فرنسا.. تكليف لوكورنو بتشكيل حكومة جديدة بعد إعادة تعيينه
- كوشنر ينتقد طائرة الرئيس الفلسطيني -الفارهة-.. ماذا قال؟
- بعد فوزها بنوبل للسلام.. ماريا كورينا تهدي جائزتها لترامب


المزيد.....

- شيوعيون على مر الزمان ...الجزء الأول شيوعيون على مر الزمان ... / غيفارا معو
- حكمة الشاعر عندما يصير حوذي الريح دراسات في شعر محمود درويش / د. خالد زغريت
- التاريخ يكتبنا بسبابته / د. خالد زغريت
- التاريخ يكتبنا بسبابته / د. خالد زغريت
- جسد الطوائف / رانية مرجية
- الحجز الإلكتروني المسبق لموسم الحنطة المحلية للعام 2025 / كمال الموسوي
- الأرملة السوداء على شفا سوريا الجديدة / د. خالد زغريت
- المدخل الى موضوعة الحوكمة والحكم الرشيد / علي عبد الواحد محمد
- شعب الخيام، شهادات من واقع احتجاجات تشرين العراقية / علي الخطيب
- من الأرشيف الألماني -القتال في السودان – ينبغي أن يولي الأل ... / حامد فضل الله


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - بهجت العبيدي البيبة - العقل العربي بين الرغبة في الصواب وفقدان البوصلة