ضيا اسكندر
كاتب
الحوار المتمدن-العدد: 8484 - 2025 / 10 / 3 - 14:07
المحور:
الادب والفن
في زمنٍ كانت فيه السينما حدثاً أسبوعياً يشبه العيد، وكانت التذاكر تُشترى من مالٍ ادُّخِر من مصروفنا اليومي، كنا ننتظر الأفلام الهندية بلهفة كما ينتظر العاشق لقاء محبوبته. لم تكن الشاشة الكبيرة مجرد وسيلة عرض، بل كانت نافذةً نطلّ منها على عالمٍ يُشبه أحلامنا أكثر مما يُشبه واقعنا. كنا نُحدّق في الشاشة من المقاعد كمن يدخل طقساً مقدّساً، ينتظر حكايةً تُروى لأول مرة، نرتجف مع الموسيقى، ونبكي كما يُبكى الغائب الذي لن يعود.
لم نكن ساذجين حين أحببناها، بل كنا نبحث عن مرآةٍ تُعيد إلينا وجوهاً مزّقها العوز، وبطولةٍ تولد من رحم الألم، وحبٍّ لا يُقاس بالربح، بل بالصبر والصدق.
كنا نرى أنفسنا في بطلٍ لا يملك سوى كرامته، في أمٍّ تبيع عمرها من أجل ابنها، في صديقٍ يفنى ليبقى الآخر، وفي طفلٍ يلمّع الأحذية للآخرين ويُحادث لعبته بصوتٍ خافت، كأنما يعتذر لها لأنه نسي كيف يلعب.
كنا نعيش الفيلم، لا نشاهده. نذوب في اللحن، نرتجف مع دمعة البطل، ونشعر أن كل صفعةٍ على وجهه صفعةٌ على وجوهنا. في زمن الأبيض والأسود، كانت المشاعر ملونة، وفي زمن السينما الهندية القديمة، كانت الشاشة تبكي معنا.
أما اليوم، فننظر في مرايا العلاقات فلا نجد "راجندرا كومار" ولا "سايربانو" ولا "شامي كابور"، بل وجوهاً مثقلة بالندوب، شقوقاً صنعها الفقر، وخيباتٍ رسّختها أنظمة الاستبداد.
صار الوفاء نادراً، والتضحية تُهمة، والصدق سذاجة يُعاقب عليها صاحبها. لم يتشوّه حبّنا لأننا تغيّرنا، بل لأننا كُسرنا مراراً حتى لم يُترك لنا متسع للبكاء.
صرنا نُخفي دموعنا، ونقمع ضعفنا، ونرتدي أقنعةً تُشبه الصلابة، بينما نحن نتفتّت من الداخل.
ما نحتاجه اليوم ليس فيلماً جديداً، بل إعادة مونتاج لقلوبنا. نحتاج إلى وفاءٍ لا يرتجف أمام الفقر، وتضحيةٍ لا تنتظر ثمناً، وصدقٍ يواجه القهر دون خوف. نحتاج أن نُرمم ما تبقّى منّا، أن نُضيء ما انطفأ، أن نبكي من جديد، لا لأننا انهزمنا، بل لأننا ما زلنا نملك إنسانيتنا، على الرغم من كل هذا الخراب.
ففي داخل كلٍّ منّا شاشةٌ صغيرة، لا تُسلّي، بل تُدين، وتعرض وجوهنا كما هي: متعبة، صادقة، ومكسورة، وتُذكّرنا أن البكاء ليس ضعفاً، بل احتجاجٌ على القسوة.
#ضيا_اسكندر (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟