أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العمل المشترك بين القوى اليسارية والعلمانية والديمقرطية - سعيد مضيه - استغلال الاغتيال لفرض الفاشية ممارسة هتلر وموسوليني والآن ترامب















المزيد.....


استغلال الاغتيال لفرض الفاشية ممارسة هتلر وموسوليني والآن ترامب


سعيد مضيه

الحوار المتمدن-العدد: 8484 - 2025 / 10 / 3 - 11:44
المحور: العمل المشترك بين القوى اليسارية والعلمانية والديمقرطية
    


"المؤسسات الأكاديمية التي تُحيي ذكريات التاريخ والنضالات من أجل الحرية يجري ملاحقتها بتهديدات تحمل طابعا غوغائيا وابتزاز يتنكر في زي الوطنية، وترويع يُتظاهر بالولاء" يتهم الأكاديمي الأمريكي هنري غيرو
ينقل عن الكاتب هوارد زين: "تاريخيًا، لم تكن نتيجةً للعصيان أشدُّ فظاعات الحرب والإبادة الجماعية والعبودية هولا؛ إنما كانت نتيجة الطاعة "
[ تأكيدات للكاتب وردت بين نجمتين]
المفارقة لا تُطاق. لقد أغرق ترامب الحياة العامة بالأكاذيب، وحوّل المهاجرين والمواطنين السود أهدافا للازدراء، وجعل الفساد والعنف أساسًا للحكم. إنه يُعلن ولاءه للديكتاتوريين، ويحيط نفسه بالمتملقين والبلطجية، ويستخدم سلطة الدولة لاختطاف الطلاب الأجانب، واضطهاد المهاجرين، وإعلان الحرب على ما يُسمى باليسار، مُحمّلًا إياهم، بصورة مريبة، مسؤولية قتل تشارلي كيرك، حتى قبل إلقاء القبض على المشتبه به. *ما كان يتوجب أن يكون لحظة حزن على وفاة تشارلي كيرك، قد استخدم سلاحا من الاستعراضات ، حيث اندفع ترامب وحلفاؤه إلى تأطير الاغتيال برهانا على التطرف اليساري*.


تجريم المعارضة
كما لاحظ جيفري سانت كلير، "لم يُضِيع قادة اليمين الكثير من الوقت في نصح رفاقهم بالاقتصار على "الدعاء والصلاة،" لاغتيال تشارلي كيرك، حتى قبل تحديد هوية القاتل أو كشف دوافعه، ألقوا باللوم على "خطاب اليسار العنيف في مقتل كيرك". هذا ليس حدادًا، بل هي الحيلة الأقدم في سجل الأعيب الاستبداد: اتهِمْ أولًا، لا تنشغل بالتحقيقات سخر التراجيديا لتعزيز السلطة!
في هذه الرواية المسمومة، فإن "الأعداء الحقيقيين بالداخل" ليسوا هم العنصريون والمتمردون والشركات الفاسدة والمتطرفون اليمينيون الذين اقتحموا مبنى الكابيتول، بل منتقدو السلطة الاستبدادية، وكذلك الجماعات المصنفة ضمن "آخرين ". *ضدهم يشن ترامب وحلفاؤه حربًا على التعديل الأول للدستور، يحيلون حرية التعبير من أحد الأركان الأساسية للديمقراطية إلى هدف* . بتاطيرهم ، *تُعاد صياغة حرية التعبير ليس كحصن منيع للديمقراطية، بل عدوها * .
من الكوميديين والصحافيين إلى الطلاب والمحاضرين والجماعات المستقلة، كل صوت معارض يوصم بالتآمر في جرائم مُتخيلة - جريمتهم الحقيقية ليست أكثر من التحدث ضد القسوة حين يطلب الصمت، أو ارتكاب جريمة عدم الولاء الكافي لدونالد ترامب. وكما حذرت *حنة أرندت* ذات مرة، فإن التفكير في ظل النظام الشمولي يغدو امرا خطيرًا. السلطوية بأشكالها المتعددة تظهر جزئيا من عدم التفكير -تحذير بهيئة نبوءة في عصر *الجهل المصطنع*. إحالة الجهل أمرا معتادا، وكذلك الطيش والعمى الأخلاقي في عصر ترامب بات قضية، التحذير أكثر إلحاحًا هذه الأيام؛ حيث ينطوي ترامب على جهل رهيب يُطلق العنان لمشاعره الافتراسية ، *بدءًا من احتضانه لمجرمي الحرب وفقدان الذاكرة التاريخية وصولًا إلى الضربات القاتلة التي أمر بها ضد ثلاثة قوارب زعم أنها تُهريب مخدرات*. في نظر ترامب، مشروعية أفعاله ليست ذات صلة؛ فالعنف المقترن بتجريم المعارضة يتربع في مركز منطق الإبادة في صميم السياسة الفاشية.

*هذا التحايل هو بصمة الفاشية.* فعلها هتلر عام ١٩٣٣إثر حريق الرايخستاغ، *محملا الشيوعيين وزره، ولائذا بسلطات الطوارئ لتعليق الحريات المدنية*. فعلها موسوليني عام ١٩٢٥ بعد اغتيال جياكومو ماتيوتي، مُحوّلًا لحظة الأزمة إلى مُبرر لحظر المعارضة وإسكات الصحافة، *أكمل التكتيك(فيكتور) أوربان في المجر*، كان ضحيته "اليسار الذي يموله سوروس" لتفكيك الجامعات وتجريم الاحتجاج واستنزاف الصحافة.
وترامب ليس استثناءً. فهو يستغل وفاة كيرك ليس للحزن، بل لترسيخ سلطته. رسالته صريحة: المعارضة عنف، والنقد إرهاب، وعدم الولاء جريمة، وحرية التعبير بحد ذاتها تهديدٌ لأيديولوجيا البانوبتيكون التي تلهم ترامب [ تُشبه فكرة البانوبتيكون تصميم السجن الذي يجعل من الممكن لمراقب واحد رؤية جميع المساجين دون أن يتمكنوا هم من رؤية المراقب.] ويتجلى التضخيم الخبيث لهذا النهج من التفكير السام في إعلان إيلون ماسك أن "اليسار حزب الاغتيالات "، ومطالبة مستشارة ترامب، لورا لومر، الدولة بـ"إغلاق كل منظمة يسارية، وسحب تمويلها، واضطهادها...". "اليسار خطر يتهدد الأمن القومي." *يرتفع الأمر ليبلغ ذر وته الهيستيرية في كلام ستيفن ميللر*، نائب رئيس موظفي البيت الأبيض، الذي ربط اليسار بـ*"شبكة إرهابية محلية واسعة النطاق"*، تعهد باقتلاعها وتفكيكها. خطاب مُرعب ليس لقسوته فحسب، بل لتبنيه الصريح للقمع والتهديد بالعنف كسياسة.

الفاشية تبدأ هجمتها على التعليم
تتوهج عواقب هجوم ترامب على المعارضة كوميض نيون متوهجة في ميدان تايمز، يستحيل تجاهله. في ظل حكمه المنفلت من القانون، حتى الفن الساخر يُمسَخ خيانة، ويوصم ب "جريمة كراهية"، كما لو أن الضحك بالذات بات خيانة.
المؤسسات الأكاديمية التي تُحيي ذكريات التاريخ والنضالات من أجل الحرية تتعرض لتهديدات غوغائية، يجري ملاحقتها بتهديدات تحمل طابعا غوغائيا وابتزاز يتنكر في زي الوطنية، وترويع يُتظاهر بالولاء. *توجه التهديدات لمواطني كندا بإلغاء تأشيراتهم* ببساطة إذا ما أدلى الواحد بما عرفه ماركو روبيو ، ستيفن ميللر وبام بوندي(المدعي العام) وغيرهم تعليقات نقدية بصدد وفاة كيرك. هذا يبعث رسالة مُرعبة: نفوذ ترامب الاستبدادي يتجاوز الحدود، مُمتدًا نفوذه الكامن في إسكات الأصوات إلى ما وراء الأراضي الأمريكية. بهذا المنطق المُلتوي، يُوصف مُجرد إبداء تعليق نقدي عن كيرك بأنه "احتفال" - تشويه مُنحرف بعيدًا كل البعد عن الحقيقة. يجب الحزن على كيرك، والحزن غير التنديد ب*معتقداته الإيديلوجية اليمينة المتطرفة*.
هذه التصرفات من تكميم الأفواه ليست معزولة أبدًا. إنها أدوات سلطة تُشرعن أشكالًا أوسع من عنف الدولة. تحيل الرقابة والبروباغاندا وتمجيد القسوة الاضطهاد امرا عاديا باعتباره ضروريًا وحتميًا. تنحني الشركات والجامعات خوفًا وجشعًا، مُضحيةً بكل ذرة من مسؤوليتها العامة لتغذية جوع لا يشبع للسلطة ورأس المال. وما من مكان يُظهر هذا الاستسلام أكثر خزيًا من التعليم العالي، حيث الجامعات تسحق المعارضة *وتخون طلبتها* بتسليم أسماء المحتجين على الإبادة الجماعية لإدارة ترامبـ تكرر بذلك بشكل مأساوي جبن الجامعات في الحقبة الفاشية. والأسوأ من ذلك، أفاد *كين كليبنشتاين* أن "إدارة ترامب تستعد لتصنيف المتحولين جنسيًا على أنهم "متطرفون عنيفون" في أعقاب اغتيال تشارلي كيرك، وتدرس إعداد قائمة لهم موضع مراقبة.
إنه صدى مرعب لتواطؤات الحقبة الفاشية، وانهيار أخلاقي في زي الحياد المؤسسي، والأصداء مؤلم، أنعشت مكارثية جديدة للمخبرين داخل الحرم الجامعي، وهو تكرار للتواطؤات المشينة لجامعات الحقبة الفاشية. كما ساجل الصحفي ديفيد فرينش في معرض "All In with Chris Hayes" على قناة MSNBC، فإن الهجمات الحالية على حرية التعبير والمعارضة الناقدة لسياسات ترامب هي أسوأ من المكارثية، لأنها "أوسع نطاقًا وأضخم، وأشد عدوانية، تطال جميع جوانب المجتمع الأمريكي". ليست ببساطة فشل مؤسسات، بل انهيار أخلاقي، تسخيف للمعرفة والضمير والالتزامات الديمقراطية بالذات، تلك التي يتوجب ان تحدد هدف الأكاديميا. ما نشهده مكارثية تولد من جديد بقوة – مصحوبة بشهوة الاننقام والرقابة والمخبرين والقوائم السوداء. لطالما زعزع التعليم العالي استقرار اليمين، وخاصة منذ النضالات الديمقراطية في الستينيات. واليوم، تصلّب هذا الخوف ليغدو شيئا أشد قتامة: ليس مجرد جهود لإضعاف دوره النقدي، بل *فرض حالة طغيان اساليب التربية ووسائلها يحيل الجامعات مختبرات أدلجة*.

إشادة بمجرم الحرب وتجريم الديمقراطية

يُهدد الآن ترامب وروبيو وميللر وبوندي، وزمرتهم من كارهي الديمقراطية، *بسحب جوازات سفر الأمريكيين المعارضين،* وسحب جنسياتهم، وتجريم حرية التعبير. يصرخون غضبًا لمقارنتهم بالفاشيين، حتى وإن كانت أفعالهم تعكس نفس قواعد لعبة الفاشية: عسكرة المجتمع، سحق المعارضة، تركيز السلطة بأيدي زعيم موضع عبادة ، وإحياء إرث التفوق العرقي للبيض والتطهير العرقي.
يُشيد ترامب بنتنياهو، مجرم الحرب، ويصفه ببطل حرب. وبسخرية غريبة، يُدين اليسار باعتباره المرتكب الحقيقي للعنف. أما في الداخل، فلا يقل انتقامه ضراوةً: إذ يتباهى بالضغط على قناة ABC لطرد جيمي كيميل. هذا العمل الانتقامي التافه يُعادل اعتداءه على التعديل الأول للدستور الأمريكي، ويُذكرنا بشكل مُرعب بهشاشة حرية التعبير في ظل نزوة الاستبداد. ومع ذلك، لا يُدق ناقوس الخطر عندما يقترح مُقدم البرامج في قناة فوكس نيوز، برايان كيلميد، عمدًا إبادة المطرودين من سكنهم بواسطة " الإكره على تناول حقن مميتة " (يفقدون الوظيفة ويعجزون عن دفع أجرة المسكن أو سداد اقساط الأثاث فيقدم نظام الولايات المتحدة على طردهم من السكن ويهيمون بالشوارع ). ولا يتصاعد الغضب في إدارة ترامب، أو في كثير من وسائل الإعلام الرئيسية، بشأن تواطؤ الولايات المتحدة في حرب الإبادة الجماعية التي تشنها إسرائيل على غزة، حيث أفادت شبكة قدس الإخبارية أن "ما لا يقل عن 19424 طفلاً قُتلوا في هجمات إسرائيلية على مدى 700 يوم من الإبادة الجماعية في غزة، أي ما يعادل طفلاً كل 52 دقيقة. ومن بين الضحايا 1000 رضيع دون سن عام واحد". الصمت هنا ليس حيادًا؛ بل هو تواطؤ في الهمجية. وعندما يتم تجريم سلوك الكوميديين، فهذا ليس مجرد مسألة ذوق أو لياقة أو حتى غضب أخلاقي في غير محله، بل هو اعتداء مباشر على مبدأ حرية التعبير. لطالما كانت الكوميديا بمثابة مساحة يتم فيها كشف النفاق والسخرية من إساءة استخدام السلطة وكشف سخافة السياسات الاستبدادية.
في الواقع، عندما تولى فلاديمير بوتين السلطة لأول مرة عام 2000، كان أحد الأهداف المبكرة لحملته الثقافية هو البرنامج التلفزيوني الساخر "كوكلي" (Куклы، أي الدمى)، وهو عرض دمى أنتجته قناة NTV المستقلة. ويبدو أن وصفه بدمية القيصر الصغيرة كان أكثر مما يستطيع تحمله. وقد اعتُبر هذا العمل الرقابي القاسي على نطاق واسع بمثابة لحظة فاصلة في توطيد بوتين لسلطته. وبطبيعة الحال، فإن القضية الحقيقية هنا هي أن مراقبة الكوميديين أو معاقبتهم على ما يفعلونه هو إشارة إلى أن الدولة تسعى الآن إلى السيطرة حتى على مساحات الضحك والسخرية.
اذ ن، التجريم أكثر من مجرد رقابة؛ إنه بمثابة طائر الكناري في منجم الفحم يقيس زحف الفاشية. وعندما يعاد تصنيف النكات جرائم، فإن التحذير لا يمكن أن يكون أشد وضوحا : ما يبدأ بالكوميديين لن ينتهي بهم. إنه يُمثل اختبارًا للحدود، وتطبيعًا للاضطهاد، وإسكاتًا لأحد أقدم أشكال المعارضة وأكثرها فعالية. يكشف هذا التحرك عن هشاشة الأنظمة التي لا تتسامح مع النقد، مهما كان ساذجًا أو غير محترم، ويدل على مشروع أوسع لتضييق المجال العام حتى تبقى الأصوات الرسمية فقط.

قواعد اللعبة الفاشية
بهذا المعنى، لا يجوز تجاهل الهجوم على الكوميديا باعتباره قضية تافهة أو ثانوية. إنه تصعيد رمزي وعملي لسياسات الاستبداد، يكشف عن ازدراء الحركات الفاشية للفكاهة والسخرية والخطاب المخالف. إذا جُرِّم الضحك، فإن المقاومة نفسها تُدان بالفعل. لقمع المعارضة تاريخ طويل في الولايات المتحدة، يمتد من الخوف الأحمر في عشرينيات القرن الماضي إلى القمع الداخلي الذي أعقب حرب بوش على الإرهاب. الهجمات على المعارضة هذه أوسع انتشارًا وأشد ضررًا وانفلاتا مما شاهدناه في الماضي. نستعير من تيري إيغلتون عبارة تقول إن ترامب وأتباعه من حركة "ماغا " ثملون "بأوهام القوة المطلقة" ويتلذذون بأعمال العنف والتدمير وممارسة سلطة الدولة اللامحدودة.
لن تكون أوجه التماثل مع تاريخ الفاشية أشد بشاعة؛ علق مرسوم حريق الرايخستاغ الحريات المدنية وسجن الشيوعيين؛ واليوم، يُعلن ترامب أن المعارضة تستحق الرقابة، وإذا ما أخذنا بام بوندي(المدعي العام بالولايات المتحدة) على ظاهره، فانه يوصم بخطاب كراهية وموضوع اضطهاد دولة. استغل بينيتو موسوليني اغتيال جياكومو ماتيوتي لتعزيز سلطته؛ واليوم، يستغل ترامب اغتيال كيرك لإسكات الطلاب والمحاضرين والصحفيين. أقدم(فيكتور) أوربان (ديكتاتور المجر وقدوة لترامب) على تفكيك الصحافة والجامعات الحرة في المجر عن طريق التهويل بأعداء . واليوم، يهول ترامب وميلر من خطر"اليسار الراديكالي" كتهديد وجودي.

التغاضي عن جرائم اليمين
يمتزج العنف في شوارع أمريكا المُعسكرة الآن بما يُطلق عليه جون غانز "صراخ النصر والتفوق ... على جثث الشهداء، تنداح الهستيريا حول الإرهاب والفوضى العامة [و] يجري استدعاء سلطة الدولة ضد الشخصيات العامة التي تُعارض النظام وتنتقده". أصبح التخويف سلاح النظام المُفضّل، يسخَّر مع سياسات الشطب وفقدان الذاكرة التاريخية والإنكار بلا رحمة.
لاحظ جيفري سانت كلير (رئيس تحرير المجلة الإليكترونية كاونتر بانش) بدقة مُريعة أن مقتل كيرك "فظيع ومُقزز وفي نطاق ما يصدر عن أميركا "، لكن النفاق يكمن في صمت ترامب بعد أعمال العنف السابقة من جانب جماعة ماغا (MAGA): "عندما اغتيل مُشرّعان ديمقراطيان وزوجتاهما على يدي أحد مُؤيدي ترامب في مينيسوتا قبل بضعة أسابيع، لم يُقل ترامب شيئًا. لا شيء. لا شيء". العنف الذي يرتكبه اليمين لا يبعث على الغضب؛ لكن موت واحد بمفرده يستخدم سلاحا ضد اليسار، ويغدو مبررا لشن حرب ضد المعارضة. كما يروي سانت كلير، فإن سجل عنف اليمين المتطرف بين عامي 2018 و2025 يماثل مرثية: الهجوم على مقر مركز السيطرة على الأمراض والوقاية منها، مقتل الضابط ديفيد روز، المؤامرة لاعتقال الحاكمة غريتشن ويتمر، ومذبحة 23 شخصًا في متجر وول مارت في إل باسو، ومذبحة 11 مصليًا في كنيس شجرة الحياة في بيتسبرغ. كل فعل حمل إيقاعًا من القسوة؛ وكل فظاعة تنزل ضربة تحذير مكتوبة بالنار والدم.
على الرغم من الادعاءات الشائنة التي أطلقها ترامب وميللر وبوندي ومسؤولون آخرون بأن اليسار يتحمل مسؤولية وفاة تشارلي كيرك، فالحقائق تحكي رواية مغايرة؛ تقارير شبكة إن بي سي نيوز تقول أن "التحقيق الفيدرالي في اغتيال الناشط المحافظ تشارلي كيرك عليه إيجاد صلة بين مطلق النار المزعوم، تايلر روبنسون البالغ من العمر 22 عامًا، والجماعات اليسارية التي تعهد الرئيس دونالد ترامب وإدارته بقمعها". يرفض نظام ترامب الإقرار بذلك، ويشطب على الأدلة ويختلق رواية مصممة لشيطنة منتقديه. يتبع هذا التشويه نمطًا تاريخيًا مألوفًا، ومع ذلك فإن ما ترفض إدارة ترامب الاعتراف به وتخفيه بشدة هو أنه وفقًا لرابطة مكافحة التشهير، "منذ العام 2002، غذّت أيديولوجيا اليمين أكثر من 70٪ من جميع الهجمات المتطرفة ومؤامرات الإرهاب المحلي بالولايات المتحدة".
وهذا ليس مجرد إنكار، بل خداع محسوب بدقة؛ يقلب الواقع، ويحمل المعارضين مسئولية العنف الذي يغذيه حلفاؤهم الأيديولوجيون بأغلبية ساحقة. إدارة ترامب تخوض حربًا على الحقيقة نفسها، مستغلةً الأكاذيب سلاحا يبرر الاضطهاد. هذه أقدم أداة للسلطوية، سيناريو مقتبس من كتاب الفاشية الذي تختلق فيه الأنظمة أعداءً داخليين لإخفاء عنفها



المقاومة مهمة أخلاقية وسياسية ملحة
تلك هي آلية الفاشية: الفتك بضحايا فقدان الذاكرة التاريخية واختلاق "خطر داخلي" لترويج الخوف وشطب المساءلة. إن التمسك بالصمت إزاء هذه الأكاذيب بمثابة السماح بتكرار أشد أنماط التاريخ حلكة. لم تعد قعقعة قطارالعربات المغلقة المشؤوم مجرد استعارة؛ بل هو بروفة. نفس القطارات التي كانت تنقل أعداء الدولة، اليهود والشيوعيين والغجر وغيرهم، إلى معسكرات الاعتقال، تتردد هذه الأيام في خطابات الرقابة والحجز والترحيل. يتردد صداها بالخارج مما يحيل من المستحيل تجاهل الخطر في الداخل. الأهداف الأولى على الدوام هم الفئات المستضعفة، من المهاجرين واللاجئين والطلاب والمشردين. لكن آلية القمع، ما ان تجهز، تكتسح على مساحات اوسع. وما يبدأ هامشيا يتحرك دائمًا نحو المركز.
في المقام الأول انقض ألأوباش المقنعون عملاء إرهاب الدولة على المهاجرين؛ وتحولوا الى الطلبة المحتجين؛ احتلوا ضواحي المدن، ثم حوَّلوا المدن إلى مراكز انطلاق عسكري، وأحالوا العنف ظاهرة طبيعية ولغة للحكم بلا قانون. والآن تُحكم آلية القمع قبضتها، وتقترب أكثر فأكثر من المواطنين العاديين. ظلٌّ الماضي الاستبدادي أرخى سدوله على الجمهورية؛ وما لم يلق الصد، سيردد المستقبل صدى مسارح القمع القاتمة التي تتكشف بالفعل في المجر والهند والأرجنتين.
في جميع هذه البلدان، بما في ذلك الولايات المتحدة، يتحدث قادة الفاشية الجديدة بأفواه يملآها القيء وايد ملطخة بالدم، تجمعهم "* لغة ميتة " جسب تعبير طوني موريسون. * "لغة قمعية مفعولها أشد من مجرد تمثيل العنف، هي العنف ذاته. ترامب وأتباعه يتحركون بلغة قمعية مضمخة بالقوة، خاضعة للرقابة وتمارس الرقابة.
تمارس دورها الشرطي بلا رحمة، لا تتولاها الرغبة ولا الهدف سوى الاحتفاظ بالمدى الحر لنرجسيتها المخدرة واستثنائيتها وسيطرتها. تقدم استعراضات جماهيرية، تغيب الوعي وتشطب الذاكرة وتحرف الأخلاق، وافتتانا مرَضيا بأولئك الذين يلتمسون الملاذ في السلطة المطلقة. تصوغ مجتمعًا مبنيًا على الجشع والفساد والكراهية، غارقًا في فضيحة من الوفاء الأجوف.
في اللحظة التاريخية الراهنة، الناضجة بنشاط سياسي مقترن بالانتقام والعنصرية الممنهجة وبناء دولة بوليسية، تحال اللغة سلاحا يعمل قوة عاتية للجهل المصطنع. إدارة ترامب تحيل الحزن صرخة اضطهاد حاشدة. بات الخيال الراديكالي في الوقت الراهن غارقا في نظريات المؤامرة وجهل القضايا المدنية، والنشاط الأجوف لسياسات القسوة يجد ضالته في فجور إرهاب الدولة. في الداخل، يتخيل ترامب وجلاوزته السياسيون ذواتهم ضحايا بينما هم ينشرون العنف والبؤس والقسوة والانحلال الأخلاقي في الداخل والخارج. لا يمكن أن تكون المخاطر أوضح من ذلك: الصمت تواطؤ؛ أما الكلام، والنشاط اللاعنفي فهو الآن الشرط الأكثر إلحاحًا لبناء أنماط فعالة للمقاومة الجماعية. تنطفئ الأضواء بسرعة، لكن لا يزال هناك وقت لجعل العدالة والمساواة والحرية أساسًا لديمقراطية جذرية؛ المقاومة لم تعد خيارا؛ إنما هي المهمة السياسية والأخلاقية المُلحة في عصرنا.



#سعيد_مضيه (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- بصدد دولة إسرائيل الكبرى
- إسرائيل الكبرى أسطورة توراتية -2
- إسرائيل الكبرى من جملة الأساطير المتعلقة بإسرائيل
- فرادة اليهود وفرادة المحرقة النازية في صلب المشروع الصهيوني- ...
- فرادة اليهود وفرادة المحرقة النازية في صلب المشروع الصهيوني
- الحزب الديمقراطي: مهندسو الجبن متواطئون مع الفاشية
- قرار -الاتحاد من أجل السلام- والجمعية العامة للأمم المتحدة
- تسونامي زلزال نيويورك 2001 ماثل في الإبادة الجماعية وحروب ال ...
- مشكلة الأونروا انها تمثل حق العودة، والعودة حق راسخ
- ترامب يشيع الفاشية في الحياة السياسية والوعي الاجتماعي-2
- ترامب يشيع الفاشية في الحياة السياسية والوعي الاجتماعي
- اسرائيل الكبرى استراتيجيا صهيو امبريالية
- أميركا وبريطانيا وطلعات الطيران التجسسية إسهام مباشر في الإب ...
- اغتيال الصحافيين الفلسطينيين ممارسة للأبارتهايد
- البحث مستمرفي خضم الصراع في ميدان البحوث الأثرية الفلسطينية
- فلسطين لم تكسب فائض قوة يؤهل للتوسع
- فلسطين لم تكسب عبر التتاريخ فائض قوة يؤهل للتوسع
- امبراطورية داود حقيقة أم أسطورة ؟
- إبادة جماعية فصولها تجري بغواتيمالا..لكنها صامتة
- اختلاق تاريخ إسرائيل القديمة


المزيد.....




- إغلاق قناة -ناصر-.. وأسرة عبد الناصر تتحرك لإنقاذ الأرشيف
- هتافات المتظاهرين في المغرب.. لا نريد كأس العالم، نطالب بتحس ...
- الداخلية المغربية: أكثر من 70% من المتظاهرين قاصرون
- اعتقال متظاهرين مؤيدين لفلسطين أمام مصنع للأسلحة في فرنسا
- السودان: حوار مع المسؤول السياسي للشيوعي بالعاصمة القومية…
- جيل العولمة الرأسمالية والثورة التقنية والرقمية والنضال المي ...
- الجبهة الديمقراطية تثمن الموقف الكولومبي بطرد بعثة الاحتلال ...
- الأحزاب الحكومية تعلن استمرار حرب الطبقة البورجوازية على  ال ...
- غوستافو بيترو.. رئيس كولومبيا اليساري القادم من -حلقة النار- ...
- صوفيا ملك// الثورات لا تعلق على حروف


المزيد.....

- مَشْرُوع تَلْفَزِة يَسَارِيَة مُشْتَرَكَة / عبد الرحمان النوضة
- الحوكمة بين الفساد والاصلاح الاداري في الشركات الدولية رؤية ... / وليد محمد عبدالحليم محمد عاشور
- عندما لا تعمل السلطات على محاصرة الفساد الانتخابي تساهم في إ ... / محمد الحنفي
- الماركسية والتحالفات - قراءة تاريخية / مصطفى الدروبي
- جبهة المقاومة الوطنية اللبنانية ودور الحزب الشيوعي اللبناني ... / محمد الخويلدي
- اليسار الجديد في تونس ومسألة الدولة بعد 1956 / خميس بن محمد عرفاوي
- من تجارب العمل الشيوعي في العراق 1963.......... / كريم الزكي
- مناقشة رفاقية للإعلان المشترك: -المقاومة العربية الشاملة- / حسان خالد شاتيلا
- التحالفات الطائفية ومخاطرها على الوحدة الوطنية / فلاح علي
- الانعطافة المفاجئة من “تحالف القوى الديمقراطية المدنية” الى ... / حسان عاكف


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - العمل المشترك بين القوى اليسارية والعلمانية والديمقرطية - سعيد مضيه - استغلال الاغتيال لفرض الفاشية ممارسة هتلر وموسوليني والآن ترامب