فريدة رمزي شاكر
الحوار المتمدن-العدد: 8481 - 2025 / 9 / 30 - 22:55
المحور:
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
مَنْ الذين كانوا موجود في أرض كنعان زمن أبينا إبراهيم وبعده؟!
لوط ابن أخو إبراهيم، ونسله مَنْ أنجبهم من بناته وهم ، المؤابيين وسكنوا «لبنان»، والعمونيين وسكنوا « الأردن». و بني إسرائيل نسل يعقوب، و«الأدوميين» وهم بني عيسو ابن إسحق وأخو يعقوب: «هذَا هُوَ عِيسُو أَبُو أَدُومَ» ــ تك36: 43
حيث أنتقل عيسو ونساءه وأولاده من أرض كنعان وسكنوا جبل سعير جنوب شرق بئر سبع إلى المنطقة الجبلية شرق سيناء، بين البحر الميت وخليج العقبة: «فَسَكَنَ عِيسُو فِي جَبَلِ سَعِيرَ. وَعِيسُو هُوَ أَدُومُ.» ــ تك 36: 8
حيث أباد بنو عيسو سكان الأرض الأصليين « الحوريون» وسكنوا مكانهم بجبل سعير « تث2: 12»
بينما سكن شعب يعقوب «بني إسرائيل» أرض كنعان: «وَسَكَنَ يَعْقُوبُ فِي أَرْضِ غُرْبَةِ أَبِيهِ، فِي أَرْضِ كَنْعَانَ.» ــ تك27:
ويعقوب هو الذي سُماه الرب « إسرائيل» ولهذا شعب بني إسرائيل هو الشعب الوحيد في العالم الذي إرتبط إسم دولته بالله.
والأدوميون شعب من الساميين كما بني يعقوب، تربطهم صلة قرابة وثيقة في الدم واللغة الكنعانية. كان هذان الشعبان قريبين إلا أن الحروب التاريخية والخلافات بينهما باتت راسخة فإفترقا.
ـــــ من يتسمون اليوم بالفلسطينيين الحاليين هم من نسل عيسو، بينما الإسرائيليين من نسل يعقوب، والإثنين توأم من بطن واحدة. ولا علاقة لفلسطينيين اليوم بالفلسطينيين القدامى في العهد القديم الذين أتوا على دفعتين، وأيضاً إنتهوا على مرتين، المرة الأولى انتهوا على يد يشوع ابن نون وقت دخوله لأرض الموعد ومن بعده حروب داود الملك قضى على بقاياهم والذين كانوا قد اندمجوا مع الفلسطينيين الكريتيين المهاجرين من شعوب البحر في الربع أوائل من القرن الثاني عشر قبل الميلاد. حتى ضعف ذكرهم بعد عهد داود الملك.
من آخر الإشارات التاريخية للفلسطينيين ما ورد في سفر إرميا 47، حيث تنبأ النبي بدمارهم على يد قوة من الشمال. وهذا ما حدث بالضبط: يسجل التاريخ أنه مع مواجهة مملكة يهوذا للدمار على يد الملك البابلي نبوخذ نصر، واجه الفلسطينيون نفس المعاناة، فقضى على ماتبقى من الموجة الثانية للمهاجرين من شعوب البحر، وتم سبيهم مع أسباط بني إسرائيل الذين لم يعودوا من سبيهم. حيث غزا أرض الفلسطينيين حوالي عام 605ق.م. ، ومنذ ذلك الحين أختفى شعب الفلسطينيين.
وإستنادًا إلى نحميا 13 :23، نجا بقايا من فلسطينيي أشدود من الغزو البابلي وتزوجوا من بعض اليهود:
«فِي تِلْكَ الأَيَّامِ أَيْضًا رَأَيْتُ الْيَهُودَ الَّذِينَ سَاكَنُوا نِسَاءً أَشْدُودِيَّاتٍ وَعَمُّونِيَّاتٍ وَمُوآبِيَّاتٍ.»
وخلال فترة السبي البابلي بالقرن6 ق.م، كانت الأرض التي تُعرف لاحقاً بفلسطين مأهولة بمجموعة متنوعة من الشعوب الكنعانية والفينيقية.
ومن المفارقات، أنه بينما أختفى الفلسطينيبن القدامى، لا يزال هناك أثرٌ أخيرٌ مثيرٌ للجدل لا يزال قائمًا: وهو الاسم الإقليمي «فلسطين». حيث كان أول استخدام للاسم بعد زوال الفلسطينيين بالحروب والسبي، لوصف الأرض المقدسة بأكملها خلال القرن الخامس قبل الميلاد، على يد المؤرخ اليوناني هيرودوت. ليُحفظ الاسم عبر التاريخ اليوناني في سجلاتهم، أولا: نظراً لأصول الفلسطينيين الإيجيّة من كريت ومن جزر اليونان.
ثانيا: في القرن الثاني الميلادي، بعد قمع ثورة بار كوخبا اليهودية، أعتمد الرومان رسمياً اسم فلسطين في محاولةٍ لمحو الصلة اليهودية بالأرض لمسح ثقافتهم وتراثهم وأي أثر لها على هذه البقعة من الأرض!
ــــ عيسو تزوج بسمة بنت إسماعيل فصاروا أولاد عمومة ونسب فيما بينهم، وكانت أرض عيسو في جبل سعير وغزة وأشقلون. إذن عيسو ويعقوب سكنوا سوياً في نفس الوقت في أرض كنعان رغم أنها لا هي أرض عيسو ولا هي أرض بني يعقوب الذين هم أولاد يهوذا ابن يعقوب.
ــــ عندما هدم تيطس الروماني الهيكل وتشتت اليهود من أورشليم صارت أغلب الأرض شبه خالية من سكانها اليهود الذين صاروا في الشتات، فإمتلك الأرض نسل عيسو وسموا أنفسهم الفلسطينيين على الاسم القديم للأرض، وهما للآن مازالوا يتصارعون منذ أن كانوا في بطن أمهما رفقة تحقيقاً لنبوءة الرب لرفقة! فمنذ أن كانا توأم في بطن أمهما رفقة، كانا يتصارعان ويتزاحمان:
«وَتَزَاحَمَ الْوَلَدَانِ فِي بَطْنِهَا، فَقَالَ لَهَا الرَّبُّ: «فِي بَطْنِكِ أُمَّتَانِ، وَمِنْ أَحْشَائِكِ يَفْتَرِقُ شَعْبَانِ: شَعْبٌ يَقْوَى عَلَى شَعْبٍ، وَكَبِيرٌ يُسْتَعْبَدُ لِصَغِيرٍ» ــ تك 25: 23
ــــــ تزوج عيسو من بنات كنعان الوثنيات:
« أَخَذَ عِيسُو نِسَاءَهُ مِنْ بَنَاتِ كَنْعَانَ: عَدَا بِنْتَ إِيلُونَ الْحِثِّيِّ، وَأُهُولِيبَامَةَ بِنْتَ عَنَى بِنْتِ صِبْعُونَ الْحِوِّيِّ، وَبَسْمَةَ بِنْتَ إِسْمَاعِيلَ أُخْتَ نَبَايُوتَ.» ــ تك 36: 2-3 .
تزوج من الحِثيِّين والحويين أو الحوريين - وهما قبيلتان كنعانيتان - وتزوج أيضاً بسمة بنت عمه إسماعيل.
كان الحثيون المنحدرون من حِث بن كنعان، أقوى هذه القبائل وأكبرها بلا منازع، إذ امتلكوا إمبراطورية شاسعة إمتدت من آسيا الصغرى إلى أرض كنعان .
وكان« الحويون ـ الحوريين» شعباً له صلة الدم يسكنون أرض كنعان، وبسبب روابط الدم مع الأدوميين وغزوهم لاحقًا للحوريين في جبل سعير، عُرف نسل عيسو لاحقًا باسم «سعير»، بالإضافة إلى بني «أدوم» وأسماء أخرى عديدة.
ــــــ جاء يعقوب وبعض من بنيه إلى مصر زمن ابنه يوسف حين كان وزير لفرعون على مصر، وظل اليهود مستعبدين في أرض مصر مدة أربعمائة وثلاثين سنة، في حين باقي بني يعقوب عاشوا في أرض الميعاد كما أوضحت في الجزء السابق ، وعندما جاء زمن خروجهم مع موسى النبي، حذرهم الرب بألا يمروا وسط أرض المؤابيين ولا العمونيين، ولا أرض الأدوميين لبني عيسو، والذين كانوا موجودين بالأرض:
«لاَ تَهْجِمُوا عَلَيْهِمْ، لأَنِّي لاَ أُعْطِيكُمْ مِنْ أَرْضِهِمْ وَلاَ وَطْأَةَ قَدَمٍ، لأَنِّي لِعِيسُو قَدْ أَعْطَيْتُ جَبَلَ سِعِيرَ مِيرَاثًا.»ــ تث2: 5
وحين طلب منهم موسى المرور عبر أرضهم ليدخل بشعبه أرض كنعان رفض ملك الأدوميين طلبه «عدد 20: 14- 21».
وكان الأدومي من بني عيسو يعتبر أخاً للعبراني حتى الجيل الثالث فقط، لأنهم كانوا مؤمنين ومن داخل جماعة الرب، حين كان نسل الأدوميين يُعَدوا عبرانيين مثل بني يعقوب:
« لاَ تَكْرَهْ أَدُومِيًّا لأَنَّهُ أَخُوكَ... الأَوْلاَدُ الَّذِينَ يُولَدُونَ لَهُمْ فِي الْجِيلِ الثَّالِثِ يَدْخُلُونَ مِنْهُمْ فِي جَمَاعَةِ الرَّبِّ.» ــ تثنية 23: 7-8
وبعد الجيل الثالث للأدوميين اعتبروا خارج جماعة الرب لأنهم عبدوا آلهة وثنية عديدة، وزادت الحروب بينهم. والأدوميين ليسوا عرب الجزيرة الذين لا توجد أي مصادر تاريخية ولا توراتية تذكر أن لهم صلة قرابة بعيسو ولا بإسماعيل! فكانت الأرض موزعة بين نسل عيسو في جبل سعير وغزة، وبين بني يعقوب « إسرائيل» في باقي أرض اليهودية .
ـــــ كانت هناك نزاعات ومؤامرات وحروب يدبرها الأدوميين والعمونيين والموآبيون بغزوهم لسبط يهوذا ابن يعقوب (2 أخ20: 1، 22-23)
ـــ فقد تعاون الآدوميون مع إسرائيل ويهوذا في حربهم ضد ميشع ملك موآب (2 ملوك 3: 4- 27) ولكنهم ثاروا في أيام حكم يورام ابن يهوشافاط فهزمهم يورام ولكنه لم يخضعهم (2 ملوك 8: 20؛ 2 أخبار 21: 8- 10).
ــ وقتل أبيشاى قائد الجيش أيام داود الملك من الأدوميين 18.000، فألقى بالأدوميين من على صخرة عالية في وادى الملح، فهلكوا:
« وَأَبْشَايُ ابْنُ صَرُويَةَ ضَرَبَ مِنْ أَدُومَ فِي وَادِي الْمِلْحِ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ أَلْفًا... فَصَارَ جَمِيعُ الأَدُومِيِّينَ عَبِيدًا لِدَاوُدَ» (1أخبار18: 12).
ووفقًا لـ 2صموئيل 8 :13-14، هزم داود أدوم في وادي الملح، وقتل منهم 18.000.
«وَنَصَبَ دَاوُدُ تَذْكَارًا عِنْدَ رُجُوعِهِ مِنْ ضَرْبِهِ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ أَلْفًا مِنْ أَرَامَ فِي وَادِي الْمِلْحِ. وَجَعَلَ فِي أَدُومَ مُحَافِظِينَ. وَضَعَ مُحَافِظِينَ فِي أَدُومَ كُلِّهَا. وَكَانَ جَمِيعُ الأَدُومِيِّينَ عَبِيدًا لِدَاوُدَ.»
وتحولت أدوم إلى مقاطعة تدفع الجزية لداود الملك ويحكمها حكام، إذ سيطرت أدوم على طرق التجارة. وأستمر حكم إسرائيل لأدوم بواسطة هؤلاء الحكام طيلة عهد داود، ويبدو أنه أستمر أيضاً خلال معظم عهد سليمان، حتى تمرد «هدد» أحد أحفاد آخر ملوك أدوم، على سليمان الملك.
ـــ وقتل أمصيا ملك يهوذا 10.000 من الأدوميين بأن طوّح بهم من فوق قمة الصخرة، فقتلهم في وادي الملح وأخذ عاصمتهم سالع (2 ملوك 14: 7 ؛ 2 أخبار 25: 11-12).
ـــ غزا الأدوميون سبط يهوذا وأخذوا منهم أسرى في عهد آحاز المتردي(2أخ28: 17): «فإن الأدوميين أتوا أيضا وضربوا يهوذا وسبوا سبيا»
وبقيت آدوم مدة من الزمن خاضعة لحكم آشور وكان هذا أثناء حكم الملك الآشوري «تغلث فلاسر الثالث وسرجون وسنحاريب وأسرحدون وآشور بانيبال».
ــــــ ظل العداء بين الشعبين حتى أثناء السبي البابلي، حين شمت وحرض الآدوميون عندما خرَّب «نبوخذ نصر» أورشليم أثناء سبيه لليهود. وكان قد تنبأ عنهم داود النبي بروح الوحيّ قبل السبي في مزموره:
« اُذْكُرْ يَا رَبُّ لِبَنِي أَدُومَ يَوْمَ أُورُشَلِيمَ، الْقَائِلِينَ: «هُدُّوا، هُدُّوا حَتَّى إِلَى أَسَاسِهَا» ــ مز 137: 7
وكان هذا تحريض الأدوميين لجيش بابل تحقيقاً لنبوءة داود النبي، ليهدموا أورشليم تدميراً كاملاً، ويجعلوها أرضاً خراباً.
وقد حذر الرب الأدوميين في سفر عوبديا من عدائهم وشماتتهم في بني إسرائيل:
« كَمَا فَعَلْتَ يُفْعَلُ بِكَ. عَمَلُكَ يَرْتَدُّ عَلَى رَأْسِكَ. لأَنَّهُ كَمَا شَرِبْتُمْ عَلَى جَبَلِ قُدْسِي، يَشْرَبُ جَمِيعُ الأُمَمِ دَائِمًا، يَشْرَبُونَ وَيَجْرَعُونَ وَيَكُونُونَ كَأَنَّهُمْ لَمْ يَكُونُوا ... وَيَصْعَدُ مُخَلِّصُونَ عَلَى جَبَلِ صِهْيَوْنَ لِيَدِينُوا جَبَلَ عِيسُو، وَيَكُونُ الْمُلْكُ»ــ عو 12- 16، 21
عندما إنقسمت مملكتي إسرائيل، أصبحت أدوم تابعة لمملكة يهوذا، في عهد يهوشافاط (حوالي 914 ق.م.)، يذكر الكتاب المقدس ملكاً من أدوم لم يُذكر اسمه(2ملوك 3: 9 - 26)، وحَّد صفوف إسرائيل ويهوذا ضد موآب .
وإلى جزء سابع جديد عن الأدوميين وأرض اليهودية بعد السبي، وماذا يقول علم الآثار والتاريخ عن أرض اليهودية ؟! .
#فريدة_رمزي_شاكر (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟