أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - رانية مرجية - حين صرخت العيون














المزيد.....

حين صرخت العيون


رانية مرجية

الحوار المتمدن-العدد: 8479 - 2025 / 9 / 28 - 13:56
المحور: الادب والفن
    


المشهد الأول: الطفلة في الحافلة
كانت سارة في السادسة عشرة من عمرها حين جلست في الحافلة المدرسية، تحمل حقيبتها على حجرها. فجأة شعرت بيد غريبة تتحسس كتفها، ثم تقترب أكثر.
ارتبك قلبها، التصقت بالنافذة، لكن يد الرجل لم تتراجع.
صرخت في داخلها: “توقف!”


لكن فمها ظل مغلقاً.
لم تسمعها سوى الطفلة التي بداخلها، تلك التي ستظل تبكي كلما مرّت بذاكرة مماثلة.
حين عادت إلى البيت، لم تقل شيئاً. خافت أن يتهمها أهلها بأنها المذنبة. فتحت كتبها، لكن الكلمات كانت تهتز أمام عينيها كأشباح.

المشهد الثاني: الجامعة
مرت السنوات، صارت سارة طالبة جامعية. جلست يوماً في مكتب أحد الأساتذة لمناقشة مشروع بحث. ابتسم الرجل وقال:
“مستقبلك بين يدي. أنت ذكية… لكن قليلات يعرفن كيف يستثمرن ذكاءهن.”
كلماته لم تكن مباشرة، لكنها محمّلة بالتهديد المبطّن.
خرجت من مكتبه وهي تشعر أنها تحمل حجراً فوق قلبها. لم تجرؤ على الإبلاغ. لم تكن هناك قوانين تحميها، ولم تكن هناك ثقة بأن صوتها سيُصدَّق.
كتبت في دفترها تلك الليلة:
“لماذا يبدو الجسد دائماً ساحة حرب؟”
المشهد الثالث: العمل
في مكتبها الجديد، حاولت أن تبدأ حياة مختلفة. رتبت صور العائلة على مكتبها، وضعت نبتة صغيرة بجوار شاشة الحاسوب، كأنها تقول لنفسها: “هنا سأكون بخير.”
لكن الزميل ذاته الذي طالما تبعها بنظراته، اقترب أكثر. وضع يده على كتفها، مال نحوها كمن يختبر حدود الصمت.
ارتجفت كما ارتجفت يوم الحافلة.
تذكرت الأستاذ في الجامعة.
تذكرت كل المرات التي آلمتها ولم تستطع أن تدافع عن نفسها.
هذه المرة، لم تبتلع خوفها. رفعت عينيها وقالت بوضوح يشبه الانفجار:
“هذا تحرش. توقف فوراً.”
المشهد الرابع: الصرخة التي كسرت الصمت
ساد صمت ثقيل. الزملاء تبادلوا نظرات متوترة. بعضهم ابتلع ارتباكه، والبعض الآخر أدار ظهره.
لكن شابة جديدة، بوجه خجول، اقتربت وجلست بجوارها، وضعت يدها على يدها وقالت:
“لن تكوني وحدك.”
في تلك اللحظة، شعرت سارة أن الطفلة التي صمتت في الحافلة ابتسمت أخيراً.
لم يكن الأمر مجرد مواجهة عابرة، بل ميلاد جديد لامرأة قررت أن تسمع صوتها.
المشهد الخامس: الصدى العالمي
بعد يومين، كتبت سارة قصتها في مدونتها الصغيرة، لم تتوقع شيئاً. لكنها استيقظت على مئات الرسائل:
أمينة من القاهرة: “صرخت في الحافلة، بعض النساء لُمنني، لكني شعرت أني أستعيد حقي.”
ماريا من مدريد: “خسرت سنوات دراستي حين واجهت أستاذي، لكني ربحت نفسي.”
يوكي من طوكيو: “أمسكت بيد المعتدي في المترو ورفعتها أمام الجميع. لم يكن صوتي عالياً، لكن فعلتي كانت صرخة.”
لورا من نيويورك: “شهادتي ساعدت آلاف النساء في حركة #MeToo. الصمت كان خسارة أكبر.”
كانت القصص متشابهة رغم اختلاف اللغات والقارات. كأن العالم كله يئن من الوجع ذاته، ويبحث عن الشجاعة ذاتها.
المشهد السادس: المعنى الأعمق
جلست سارة أمام المرآة، لم ترَ وجهها فقط، بل رأت الطفلة التي بكت في الحافلة، ورأت الطالبة التي صمتت في الجامعة. هذه المرة، لم تبكِ الطفلة.
ابتسمت وقالت لها:
“شكراً لأنك أخيراً سمعتِ صوتي.”
الخاتمة
لم تعد سارة تعتبر نفسها ضحية. صارت ترى نفسها جزءاً من صرخة عالمية، من وجوه مختلفة لكن جرحها واحد.
لقد أدركت أن التحرش ليس قدراً، وأن الكرامة الإنسانية ليست رفاهية، بل حق أساسي لا يقبل المساومة.
ذلك الصباح الذي بدأ بيدٍ على كتفها، انتهى بيدٍ أخرى تمسك بيدها وتقول: “أنا معك.”
ومن بين الصمت الطويل، وُلدت صرخة ستظل تتردد:
“لن أصمت بعد اليوم.”
إطار تحليلي – ما وراء القصة
ليست قصة سارة استثناءً، بل هي انعكاس لجرح عالمي صامت.
وفقًا لتقارير الأمم المتحدة (UN Women, 2023)، فإن أكثر من 70٪ من النساء حول العالم أبلغن أنهن تعرضن لشكل من أشكال التحرش الجنسي في الأماكن العامة أو أماكن العمل.
وفي دراسة صادرة عن منظمة الصحة العالمية (WHO)، وُجد أن التحرش لا يترك أثراً جسدياً فحسب، بل يضاعف معدلات القلق والاكتئاب وفقدان الثقة بالنفس لدى الضحايا.
ورغم اختلاف الثقافات والقوانين، فإن المشترك الأكبر هو الصمت:
صمت الضحايا خوفًا من اللوم أو فقدان العمل.
صمت المجتمع تواطؤًا أو إنكارًا.
وصمت المؤسسات التي تُبقي القوانين حبراً على ورق.
لكن أصواتًا مثل صوت سارة، وأمينة، وماريا، ويوكي، ولورا، تثبت أن الكلمة قادرة على كسر دوائر الصمت.
فكل صرخة فردية تتحول إلى صدى عالمي، يفرض على العالم إعادة التفكير في ثقافته، وفي مسؤوليته عن حماية الأضعف.
خاتمة مفتوحة للعالم
التحرش ليس قضية محلية ولا جريمة عابرة؛ إنه تحدٍ عالمي يعكس صراع المجتمعات بين التغيير والصمت.
القوانين مهمة، والحملات التوعوية ضرورية، لكن الأهم أن نتعلم جميعًا أن الكرامة ليست منحة من أحد، بل حق يولد مع كل إنسان.
صوت سارة لم يكن صدى فردياً؛ كان مرآة لصوت عالمي يصرخ:
“لن نصمت بعد اليوم.”



#رانية_مرجية (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- معركة الإنسان مع نفسه قبل أن تكون مع الآخرين
- حين تتحول المذكرات إلى مرآة إنسانية كونية قراءة في «نظرة إلى ...
- قراءة أدبية لكتاب (بين الخطوة والنجمة) للكاتبة رانية فؤاد مر ...
- الكتابة كقدرٍ يبتلع صاحبه: قراءة في نص “بسمة الصباح”
- الطيبة بلا عقل نار تلتهم صاحبها
- من الانطباع إلى التحليل: رحلة سامية عرموش مع السينما كأداة ل ...
- ✦ الصراع… جرح البشرية الأزلي وإمكانية الخلاص
- قراءة أدبية في قصيدة -رسائل إلى غَيْدي- بقلم الناقد والدكتور ...
- عندما أموت
- دراسة في رواية -الانفجار- – للكاتبة الفلسطينية رانية مرجية ب ...
- كلما زادت معرفتي للبشر… زاد احترامي للكلاب
- قراءة نقدية لقصة انتقام الصمت للاديبة بسمة الصباح
- إلى الأديب والصحفي العراقي كاظم حسن سعيد
- البعد النفسي والوجداني في الكتابة: دراسة تحليلية
- أتعبنا النفاق
- حكايات إنسانية
- جميل السلحوت: بين التوثيق والخيال الروائي – دراسة نقدية في ج ...
- قراءة ادبية لرواية -جسد الطوائف- ‏للكاتبة -رانية مرجية- ‏بقل ...
- في حضرة الجرح: اعترافات موجِّهة وإعلامية بين الفلسطيني والإس ...
- قراءة ادبية لرواية -جسد الطوائف- ‏للكاتبة -رانية مرجية- ‏ ‏- ...


المزيد.....




- معرض علي شمس الدين في بيروت.. الأمل يشتبك مع العنف في حوار ن ...
- من مصر إلى كوت ديفوار.. رحلة شعب أبوري وأساطيرهم المذهلة
- المؤرخ ناصر الرباط: المقريزي مؤرخ عمراني تفوق على أستاذه ابن ...
- فنانون وشخصيات عامة يطالبون فرنسا وبلجيكا بتوفير حماية دبلوم ...
- من عروض ايام بجاية السينمائية.. -بين أو بين-... حين يلتقي ال ...
- إبراهيم قالن.. أكاديمي وفنان يقود الاستخبارات التركية
- صناعة النفاق الثقافي في فكر ماركس وروسو
- بين شبرا والمطار
- العجيلي... الكاتب الذي جعل من الحياة كتاباً
- في مهرجان سياسي لنجم سينمائي.. تدافع في الهند يخلف عشرات الض ...


المزيد.....

- سميحة أيوب وإشكالية التمثيل بين لعامية والفصحي / أبو الحسن سلام
- الرملة 4000 / رانية مرجية
- هبنّقة / كمال التاغوتي
- يوميات رجل متشائل رواية شعرية مكثفة. الجزء الثالث 2025 / السيد حافظ
- للجرح شكل الوتر / د. خالد زغريت
- الثريا في ليالينا نائمة / د. خالد زغريت
- حوار السيد حافظ مع الذكاء الاصطناعي. الجزء الأول / السيد حافظ
- يوميات رجل غير مهزوم. عما يشبه الشعر / السيد حافظ
- نقوش على الجدار الحزين / مأمون أحمد مصطفى زيدان
- مسرحة التراث في التجارب المسرحية العربية - قراءة في مسرح الس ... / ريمة بن عيسى


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - رانية مرجية - حين صرخت العيون