سالم روضان الموسوي
الحوار المتمدن-العدد: 8478 - 2025 / 9 / 27 - 20:13
المحور:
الفساد الإداري والمالي
تمنح الامتيازات لأصحاب المناصب لضمان عدم انحرافهم
عذرٌ تسبب بهدر المال العام
وانا اطالع كتاب الدكتور عبدالعظيم جبر حافظ الموسوم (الديمقراطية والقانون، منشورات مكتبة جلجامش عام 2025)، لاحظت هذه العبارة في الصفحة 255 (تمنح الإدارة التنفيذية الامتيازات الى بعض المناصب من اجل ضمان عدم انحرافهم)، وهذه طالما يرددها الكثير، وعلى وجه الخصوص اصحاب المناصب العليا الذين يتحكمون بمقدرات البلد، وهذه العبارة هي العذر الذي تسبب بإهدار المال العام، من خلال توزيع موارد الدولة الى أصحاب النفوذ والمناصب تحت ذريعة ضمان العيش الكريم لهؤلاء حمايةً لهم من الانحراف ، وعند تحليل هذه العبارة نجد انها توضح لنا الاتي:
1. ان صاحب المنصب الذي يخشى عليه من الانحراف، كأنما لا يملك الضمير الذي يردعه عن الانحراف، ويبقيه في صراط الاستقامة، وانما عمله تجارة مع مبادئ الاستقامة والنزاهة، فاذا لم يعطى المال فانه ينحرف للحصول على المكاسب والمغانم تحت هذا العنوان او بعنوان الهدايا والعطايا التي وصفها الرسول الاكرم (ص) بالغلول الذي عرفه فقهاء الشريعة الإسلامية (بانه أخذ شيء من الغنيمة قبل قسمة الإمام، ويلحق به ما يؤخـذ عـن طريق الخيانة من بيت المال، ومن غلة الأوقاف، ومال اليتامى، ونحو ذلك) ويعد حراماً لا حلة فيه اطلاقاً، وهو من كبائر الذنوب والعصيان، وهذا ما قرره الرسول الاكرم (ص) في الحديث النبوي الشريف (هدايا الامراء غلول) فالإسلام حرم الاستيلاء على الأموال العامة سواءً كان ذلك الغلول من الغنيمة أو غلولاً من المال العام،
2. ان هذا الشخص صاحب المنصب لا يمكن ان يكون مؤهلاً لتولي الوظيفة مهما كان نوعها، لان اختل فيه شرط النزاهة والاستقامة، والمنظومة القانونية العراقية تعج بالنصوص التي تؤكد على ان حسن الاخلاق والسلوك والنزاهة شرط أساس لتولي الوظيفة، واستمراره فيها وليس مقدار ما يمنح من مزايا وعطايا، فاذا تخلف حسن الاخلاق يعد سببا للأقصاء والعزل ، ومن هذه النصوص الاتي:
أ) المادة (68/ثالثاً) من الدستوري التي اشترطت النزاهة في الذي يترشح الى رئيس الجمهورية وعلى وفق الاتي (يشترط في المرشح لرئاسة الجمهورية ان يكون: ثالثاً: ذا سمعة حسنة وخبرة سياسية ومشهوداً له بالنزاهة والاستقامة والعدالة والاخلاص للوطن) وكذلك رئيس مجلس الوزراء على وفق ما ورد في المادة (77) من الدستور
ب) المادة (7/رابعاً) من قانون الخدمة المدنية رقم 24 لسنة 1961 التي جاء فيها ( حسن الاخلاق وغير محكوم بجناية غير سياسية او بجنحة تمس الشرف كالسرقة والاختلاس والتزوير والاحتيال)
ج) المادة (4/تاسعاً) من قانون انضباط موظفي الدولة رقم 14 لسنة 1991 المعدل التي جاء فيها (يلتزم الموظف بالواجبات الآتية: تاسعاً: الامتناع عن استغلال الوظيفة لتحقيق منفعة أو ربح شخصي له أو لغيره)
د) المادة (7/أولا) من قانون التنظيم القضائي رقم 160 لسنة 1979 المعدل التي جاء فيها (يلتزم القاضي بما يأتي: اولا – المحافظة على كرامة القضاء والابتعاد عن كل ما يبعث الريبة في استقامته)
ه) ثم توج هذا الامر بنص المادة (127) من الدستوري التي منعت أصحاب المناصب وحددتهم بأوصافهم من الانتفاع من نفوذهم عندما منعتهم من شراء او استئجار شيء من أموال الدولة وعلى وفق الاتي (لا يجوز لرئيس الجمهورية ورئيس واعضاء مجلس الوزراء ورئيس مجلس النواب ونائبيه واعضاء المجلس واعضاء السلطة القضائية واصحاب الدرجات الخاصة ان يستغلوا نفوذهم في ان يشتروا أو يستأجروا شيئا من اموال الدولة أو ان يؤجروا أو يبيعوا لها شيئا من اموالهم أو ان يقاضوها عليها أو ان يبرموا مع الدولة عقدا بوصفهم ملتزمين أو موردين اومقاولين)
3. لكن يلاحظ على الواقع الفعلي بان اغلب الموصوفين في هذا النص اشتروا واستأجروا العقارات التي تعود ملكيتها للدولة، اما استقلالاً لنفوذه وتحت باب التخادم فيما بينهم، او تحت باب الايجار والشراء بموجب قانون بيع وايجار أموال الدولة النافذ رقم 21 لسنة 2013 المعدل
4. ومن خلال هذا الاستعراض للنصوص التي تمنع الحصول على المال العام تحت أي ذريعة، ومنها منحهم العطايا والمزايا لضمان عدم الانحراف، والذي يعني ربط استقامتهم بمقدار منافعهم وليس بمقدار الاخلاق التي يحملونها او الايمان بالله وبالاسلام الذي ينتمون اليه،
وهذا المبرر اذا ما تم عرضه على عامة الشعب فاننا يجب ان نعفي من يرتكب الجريمة تحت ضغط الفاقة والجوع ونقص المورد، ويلاحظ الجميع ان الشعب فيه فئات تكاد تكون معدمة ومحرومة من الحصول على موارد من الدولة للانفاق المعيشي، وفي شبكة الرعاية الاجتماعية سوف تجد الملايين من هؤلاء، والذين يحصلون على راتب رعاية لا يكاد يمثل أي نسبة مقارنة بأصحاب النفوذ، فاذا كان معدل رواتبهم الشهرية لبعض الفئات الموصوفة بالمادة (127) من الدستور ثمانية ملايين شهريا عدا خدمات السكن المجاني والسيارات الفارهة والحمايات والامتيازات الأخرى لهم ولعوائلهم وتمتعهم بكل ما هو باذخ من متطلبات الحيات، فان نسبة راتب الرعاية الذي لا يتجاوز (150,000) مائة وخمسون الف دينار، وبنسبة وتناسب نجد انها تمثل 01% من قيمة راتب صاحب النفوذ في المناصب الملمع عنها،
لذلك ومما تقدم فان ما يحصل عليه أصحاب المناصب تجاوز وبمسافة بعيدة جداً حاجتهم لما يكفيهم ويحفظ كرامتهم من اجل أداء وظائفهم، وانما أصبحت تلك المزايا سبباً من أسباب الثراء الفاحش على حساب المال العام، والا كيف يفسر ثروات بعضهم التي أصبحت بالمليارات وعقارات على شكل أبراج وفي اهم المناطق التجارية او في خارج العراق، وهو لا يملك الا راتب وظيفته، وفي الغالب القانون يمنعه من مزاولة أي عمل اخر خارج وظيفته،
ولو وضعنا معادلة اسماها احد علماء الاجتماع في العراق المرحوم الدكتور عبدالجليل الطاهر حيث ورد في كتابه الموسوم (التفسير الاجتماعي للجريمة الصادر عام 1956م) بالخط الوهمي للنزاهة، وهو مصطلح ذكره الدكتور في كتابه اعلاه ثم اقرن ذلك العنوان بجملة تفسيرية له (معادلة بسيطة لنزاهة الموظف العمومي) وذكر العالم الدكتور الطاهر تلك المعادلة البسيطة التي يمكن من خلالها معرفة نزاهة أي شخص يشغل وظيفة أو منصب عمومي في الدولة، حيث جعل مقدار آخر راتب شهري يتقاضاه الموظف أو المسؤول واحتسابه لمدة (12) اثنا عشر شهراً ثم يحسب الناتج لمدة سنوات خدمته، فإذا كان الناتج الحسابي وعلى فرض إن ذلك المسؤول يدخر جميع راتبه ولا ينفق منه أي مبلغ فإذا كان يتناسب مع ما يملك من أموال وعقارات وأرصدة في البنوك، فانه يكون نزيه، إما إذا لا يتناسب معه فانه بلا شك قد استغل وظيفته العمومية وأطلق عليه الدكتور الطاهر وصف (المجرم ذو الياقة البيضاء) وعلى وفق ما ورد في كتابه الموسوم (جرائم ذوي الياقات البيضاء ـ التفسير الاجتماعي للجريمة ـ طبعة ثانية عام 2020ـ منشورات دار ألكا في بروكسل ـ ص 46) ويقصد بذوي الياقات البيضاء هم (البارونات اللصوص) أو المتنفذين في الدولة من اللصوص الذين لا يستطيع القانون محاسبتهم فظهروا يرتدون ياقات بيضاء يحتمون بجدار المكانة الاجتماعية التي يشغلونها والنفوذ المالي والسياسي الذي يتمتعون به.
قاضٍ متقاعد
#سالم_روضان_الموسوي (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟