أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - هاني الروسان - الفيتو الامريكي السادس: واقعية القوة واعادة انتاج الهيمنة














المزيد.....

الفيتو الامريكي السادس: واقعية القوة واعادة انتاج الهيمنة


هاني الروسان
استاذ جامعي مختص بالجيوبوليتيك والاعلم في جامعة منوبة ودبلوماسي

(Hani Alroussen)


الحوار المتمدن-العدد: 8474 - 2025 / 9 / 23 - 15:12
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


استخدام الولايات المتحدة الامريكية لحق الفيتو للمرة السادسة على التوالي في أقل من عامين لوقف الحرب على غزة لا يمكن اعتباره مجرد استمرار للانحياز الأمريكي لإسرائيل أو مجرد ممارسة لسياسة ازدواجية المعايير، بل هو مؤشر اضافي ودليل جديد على أزمة أعمق تتعلق بالبنية التي يقوم عليها النظام الدولي بأسره. فالمجلس الذي أُنشئ ليكون حاميا للسلم والأمن الدوليين أصبح رهينة لإرادة القوى الكبرى، بحيث تكفي كلمة “لا” من عضو دائم لتعطيل الإجماع العالمي، حتى في حالة حرب تتسم بوضوح غير مسبوق من حيث استهداف المدنيين وتدمير مقومات الحياة. وهذه ليست مفارقة طارئة تكرس مبدأ علوية القوة على كل ما سواها بل ان كثافة التكرار في ظهورها في مدى زمني فصير في عمر الازمات الدولية كالحرب على غزة، يؤكد بنيوية الأزمة، حيث ان المؤسسات التي يفترض أن تقيّد استخدامات القوة تحولت إلى أدوات لإعادة إنتاج استخداماتها.
فما يجري اليوم في مجلس الامن ومعظم هيئات ومؤسسات النظام الامني الدولي يعكس خللاً في الشرعية الدولية ذاتها، حيث لم تعد تقوم على مبادئ القانون الدولي أو العدالة، بل صارت تعبيرا صارخا عن منطق القوة، دون اي اعتبار لتفعيل مبدأ الانصاف في العلاقات الدولية الذي شكل ركيزة الاستقرار والامن الدوليين. وهنا تظهر أحدى التحولات الكبرى في النظام الدولي، اذ بدلاً من أن تكون القوة مقيّدة بالقانون، أصبح القانون نفسه أداة في خدمة القوة بصورة غير مسبوقة منذ الحرب العالمية الثانية. وهذا ما تكشفه بجلاء ممارسات الولايات المتحدة؛ فهي لا تستخدم الفيتو لحماية إسرائيل فحسب، بل لتثبيت مبدأ أن أمن إسرائيل – بوصفها امتدادًا استراتيجياً لها – يتجاوز القانون الدولي، والنتيجة هنا أن الشرعية الأممية تتحول إلى إطار صوري، غرضه الأساسي منح غطاء مؤسسي لاختيارات القوى المهيمنة، بينما يُسقط هذا الغطاء فور تعارضه مع مصالحها.
ورغم ان ذلك ليس جديدا بصورة كلية في علاقات ما بعد عام 1945، الا ان تواتره بهذه السرعة وفي ازمة يتجلى فيها الطابع الانساني بقوة، فانه هنا يمكن استدعاء النقاش النظري في العلاقات الدولية حول "أزمة الشرعية". فالنظام الدولي، وفق مقاربة المدرسة الواقعية، يستند في جوهره إلى توازن القوة، لا إلى القانون أو المبادئ. لكن ما نشهده اليوم يتجاوز الواقعية الكلاسيكية ليكشف عن "واقعية متطرفة" حيث لم يعد ثمة حتى ادعاء بأن القانون يقيّد القوة، بل صار القانون نفسه عاجزًا أمامها. ومع كل فيتو جديد، يتكرس منطق أن المؤسسات الدولية مجرد ساحات لصراع الإرادات، لا آليات للتسوية أو ضبط النزاعات.
الأزمة إذن بنيوية لأنها متأصلة في تصميم النظام الأممي منذ 1945. فالفيتو لم يكن أبدًا أداة ديمقراطية، بل ضمانة لسيطرة القوى المنتصرة في الحرب العالمية الثانية. غير أن الفارق أن تلك القوى كانت، في لحظة التأسيس، تسعى لإضفاء حد أدنى من التوازن والقدرة على إدارة الصراعات. أما اليوم، فقد تحولت هذه الآلية إلى أداة تعطيل مطلق، تكشف عجز النظام عن التكيف مع تحولات العالم وتعدد الفاعلين فيه. بعبارة أخرى، لم يعد مجلس الأمن أداة لحل النزاعات، بل صار جزءًا من إنتاجها واستدامتها.
فالفيتو الأمريكي الأخير، واقعيا، يعلن نهاية مرحلة من وهم الاعتماد على الشرعية الدولية. فما قيمة الشرعية إذا عجزت عن وقف حرب تُبث وقائعها للعالم لحظة بلحظة؟ وما معنى القانون إذا كان يُعطل بقرار منفرد من دولة واحدة؟ هذا العجز يفضي إلى نتيجتين متلازمتين: الأولى انهيار الثقة في المؤسسات الأممية، والثانية بروز الحاجة إلى صيغ بديلة لإدارة العلاقات الدولية، سواء عبر تحالفات إقليمية أو أطر موازية تعكس موازين القوى الجديدة.
من هذا المنظور، يصبح الفيتو السادس أكثر من مجرد تكرار تعسفي في استخدام القوة ضد القانون وضد المأساة، بل إنه دليل اخر على تآكل الشرعية الأممية نفسها، وتأكيد على أن النظام الدولي في صورته الراهنة يعيش أزمة وجودية. فإذا كانت أدواته عاجزة عن معالجة واحدة من أكثر الأزمات وضوحًا في عصرنا، فكيف يمكن أن تُعوَّل عليها في أزمات أشد تعقيدًا كالمناخ أو التنافس التكنولوجي أو النزاعات الكبرى بين القوى العظمى؟ فمن دون إعادة نظر جذرية في آليات صنع القرار وتوزيع السلطة فيه، فإن النظام الأممي ماضٍ نحو التفكك التدريجي وفقدان ما تبقى له من صدقية.
هاني الروسان/ استاذ الاعلام في جامعة منوبة



#هاني_الروسان (هاشتاغ)       Hani_Alroussen#          


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- بيان قمة الدوحة: الادانة الشديدة وانعدام الاليات
- قطر بين صدمة الواقع والرهان على الوهم
- صدقية الاعتراف بالدولة الفلسطينية رهين بحماية السلطة ووقف حر ...
- نفس الاهداف ونفس النتائج: منع تأشيرة الرئيس ابو مازن يعيد لل ...
- اسرائيل ابنة الكذبة لا تستمر في البقاء الا بقتل الحقيقة
- هل يكفي التسويق الكلامي التركي للعب دور اقليمي؟؟
- ضرورات ما بعد الاعتراف بالدولة الفلسطينية
- اسرائيل لن توقف الحرب على غزة التي تدحرجت من انتقامية الى تأ ...
- هل تكون السويداء مخبر القادم؟؟
- سوريا الشرع في اذربيجان قد لا تكون سوريا ما ثبلها .
- التحالفات الروسية بين سردية التخلي والانكفاء الواعي
- لماذا يصر ترامب على تسويق ضرباته لمنشآت ايران النووية على ان ...
- اتفاق وقف اطلاق النار بين ايران واسرائيل: هدنة الضرورة التي ...
- بين تفادي مواجهة واشنطن وتصعيد الصراع مع إسرائيل: قراءة في ا ...
- الهجوم الاسرائيلي على إيران: استنزاف استراتيجي يهدد استقرار ...
- جريمة -جيت- اخر فصل من فصول الانهيار الأخلاقي للجيش الإسرائي ...
- إسرائيل في مواجهة الرأي العام العالمي: الى اين تمضي واي مصير ...
- منع الوفد الوزاري العربي من زيارة رام الله: تأكيد على التمسك ...
- مؤتمر حل الدولتين: استراتيجية هجومية لاقامة الدولة الفلسطيني ...
- -أمريكا اولا- : هل اماتت التحالفات التقليدية؟ وهل تراجعت قيم ...


المزيد.....




- تحقيق لبي بي سي يكشف تمدداً عسكرياً إسرائيلياً جديداً في سور ...
- الناتو يحذر روسيا بعد الاختراقات المتكررة لخاصرته الشرقية
- دراسة هولندية: شرب الكحول وتدخين القنب يجذبان البعوض
- الغزيون يلملمون قتلاهم من الطرقات والباقي ما يزالون تحت الأن ...
- -شظايا عراق-: قصائد عن الذاكرة والمنفى وإعادة اختراع الريف
- نداء دولي لتنظيم الذكاء الاصطناعي... خبراء يحذرون من مخاطر غ ...
- السودان.. الفاشر تحت حصار مميت تفرضه قوات الدعم السريع
- وزارة الصحة في قطر تدرج لقاح الحزام الناري ضمن البرنامج الوط ...
- قطر تتوسع في أنشطة الصناعات الدوائية
- بعد عام من اكتشافها.. ثاني أكبر ألماسة في العالم في طريقها ل ...


المزيد.....

- جسد الطوائف / رانية مرجية
- الحجز الإلكتروني المسبق لموسم الحنطة المحلية للعام 2025 / كمال الموسوي
- الأرملة السوداء على شفا سوريا الجديدة / د. خالد زغريت
- المدخل الى موضوعة الحوكمة والحكم الرشيد / علي عبد الواحد محمد
- شعب الخيام، شهادات من واقع احتجاجات تشرين العراقية / علي الخطيب
- من الأرشيف الألماني -القتال في السودان – ينبغي أن يولي الأل ... / حامد فضل الله
- حيث ال تطير العقبان / عبدالاله السباهي
- حكايات / ترجمه عبدالاله السباهي
- أوالد المهرجان / عبدالاله السباهي
- اللطالطة / عبدالاله السباهي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - هاني الروسان - الفيتو الامريكي السادس: واقعية القوة واعادة انتاج الهيمنة