أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - هاني الروسان - التحالفات الروسية بين سردية التخلي والانكفاء الواعي















المزيد.....

التحالفات الروسية بين سردية التخلي والانكفاء الواعي


هاني الروسان
استاذ جامعي مختص بالجيوبوليتيك والاعلم في جامعة منوبة ودبلوماسي

(Hani Alroussen)


الحوار المتمدن-العدد: 8395 - 2025 / 7 / 6 - 14:41
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


كالعادة وفي اعقاب الاحداث الكبرى واحيانا المفصلية يسارع البعض في سياق تحليلاته لتلك الاحداث - بقصد او بغيره - الى الترويج لافكار واستنتاجات جاهزة ومعادة يدثرها بتلك التحليلات ، ليؤكد على فكرة مركزية تكون عادة ذات ابعاد واهداف سياسية لترسيخ سردية في وعي الناس الجمعي تهدف الى شكل من اشكال الاحباط وسد كل افق للتفكير، او انها استنتاجات متسرعة وتفتقد الى اهم مقومات المعرفة.
في أعقاب التطورات المتسارعة في سوريا وإيران، بدأت بعض وسائل الإعلام العربية تروّج لفكرة تبدو جاذبة من حيث شكلها، لكنها تختزل الواقع المعقّد في عبارة مبسّطة: "روسيا تتخلى عن حلفائها". هذه المقولة، التي تأخذ شكل اتهام ضمني، عادت إلى الواجهة بقوة بعد الانهيار الفعلي لنظام بشار الأسد، وصعود أحمد الشرع بدعم من قوى إقليمية ودولية بدا واضحًا أن موسكو لم تكن طرفًا مباشرًا فيها، على عكس ما كان يُفترض من حليف رئيسي للنظام السابق. ثم جاء الهجوم الإسرائيلي–الأميركي على إيران، واستمراره لنحو أسبوعين، دون أن يصدر عن موسكو سوى صمت بارد يُشبه الحياد المتعمّد، ليرسّخ الانطباع ذاته: روسيا لا تتدخّل لاتقاذ حلفائها، كما انها تلوذ بصمت القبور الدارسة حين تسقط الأنظمة التي كانت تمثّل امتدادات مباشرة لنفوذها في الإقليم.
والأمر اليوم لم يقف عند هذين المثالين. فبعض المحللين السياسيين والاعلاميين بدأ يبشر صراحة عن احتمال أن يتكرر هذا"التخلّي" مع كوريا الشمالية، في حال تعرضت لضغوط قصوى من واشنطن كما انه قد يتوسع ليشمل الصين. بهذا المعنى، تتحول روسيا في هذه السردية إلى قوة انتهازية، تُقيم تحالفات ظرفية، ثم تتنصّل منها ما ان تتعقد كلفة الالتزام بها. لكن هذا التصور، الذي يُفهم في سياق حالة من الإحباط أو الحيرة إزاء مواقف موسكو، يستبطن افتراضًا مقلوبًا: أن روسيا تشكّل غطاءً أمنيًا لحلفائها على شاكلة ما تقوم به واشنطن مع دولها الحليفة. بينما الحقيقة أن من يقرأ العلاقات الروسية من هذا المنظار، إنما ُيسقط عليها نموذجًا لا تنتمي إليه.
فروسيا لم تبنِ يومًا تحالفاتها على التزامات دفاع مشترك، ولم تُنظّم علاقاتها الخارجية ضمن منطق "رد الفعل التلقائي"، بل قامت منذ انهيار الاتحاد السوفيتي على استراتيجية دفاعية مشروطة، ترى في أمنها القومي النطاقَ الوحيد غير القابل للمساومة. ومفهوم الأمن هنا لا يشمل مجرد حضور قواعد أو عقود تسليح، بل يمتد إلى تعريف صارم للمجال الحيوي المباشر، وهو ما ينحصر في الفضاء السوفيتي السابق وبعض نقاط الاتصال الاستراتيجي المرتبطة بأمن الطاقة أو العمق التاريخي، وخارج هذا النطاق، تكون التحالفات عند روسيا أقرب إلى مقايضة سياسية مؤقتة منها إلى التزام جيوسياسي طويل الأمد.
وبناءً على ذلك، يصبح الحديث عن "تخلّي" روسيا عن الأسد أو إيران، ضربًا من إسقاط الرغبة على الواقع. فموسكو لم تُرسل قواتها إلى سوريا في السابق لحماية شخص الرئيس أو لتكريس بنية النظام، بل فعلت ذلك لحماية ممراتها الاستراتيجية في شرق المتوسط، ولإثبات موقعها في التوازن الدولي أمام الولايات المتحدة. وعندما أصبح استمرار النظام عبئًا ميدانيًا وتفاوضيًا عليها، لم تجد موسكو غضاضة في القبول بالحلول الانتقالية ما دامت تضمن لها بقاء موطئ القدم العسكري والسياسي هناك بغض النظر عن وجود النظام المنهار. أما في الحالة الإيرانية، فلم تكن العلاقة مع طهران مبنية على التزام أمني مشترك بقدر ما كانت تنطوي على تنسيق ظرفي في بعض الملفات (النووي، سوريا، الطاقة)، وما إن تعرضت إيران لهجوم خارجي مباشر، لم تعتبره موسكو مسًّا بأمنها أو مصالحها، فانها آثرت الصمت. لا عن ضعف، بل عن وعي استراتيجي يُدرك بدقة حدود التدخل وضروراته واكلافه، ومدى فاعليته، وفي الحالة اليوغسلافة السابقة على حالات ليبا وسوريا وايران اكتفت بالاعتراض الدبلوماسي ولم تتدخل لحماية صربيا عسكريًا ما يؤكد بوضوح طبيعة فلسفتها الدفاعية القائمة على عدم الانخراط خارج مجالها الحيوي المباشر، ويؤكد أن سلوكها الحالي تجاه حلفائها ليس استثناءً، بل استمرارٌ لمنطق ثابت في إدارتها للعلاقات الدولية.
من هنا يتضح أن التناقض ليس في سلوك موسكو، بل في سقف توقعات البعض. فالدول التي تصر على تخيّل روسيا كدولة راعية للحلفاء، تفترض ضمنيًا أنها مستعدة للتورط في حروب نيابة عن غيرها، وتحمّلها مسؤوليات لم تَعِد بها أصلًا. وهذه القراءة، التي تُروّج لها بعض وسائل الإعلام إما عن سذاجة تحليلية أو عن غرض دعائي، تُغفل جوهر السلوك الروسي القائم على الانكماش المدروس، والانخراط الانتقائي، والابتعاد عن صراعات غير قابلة للضبط أو غير ذات مردود ملموس.
والأهم والجدير بالملحظة أن روسيا لم تغيّر من فلسفتها في العقدين الأخيرين، وان ما تغيّر هو منسوب التوقعات منها. فهي دولة ترفض تقديم التزامات أمنية مفتوحة، وتُحدّد تدخلاتها وفق معادلة دقيقة تجمع بين الموقع الجغرافي، والعائد الاستراتيجي، والقدرة على التحكم في مخرجات الأزمة. لهذا لم تُدافع عن القذافي، ولم تحمِ الأسد حين انتهى دوره، ولن تدافع عن إيران إلا إذا أصبحت ساحة للاشتباك الروسي–الأميركي المباشر، وهو ما لا تريده موسكو أصلًا، وكوريا الشمالية بدورها ليست في مأمن من هذا النسق وان كان وضعها مختلف جزئيا حيث تضمن اتفاق الشراكة الاستراتيجية مع موسكو بندا يتعلق بالدفاع المشترك، ومع ذلك فانها قد تخضع للمنطق ذاته: التنسيق حين توجد ضرورة، والتنصّل عندما ترتفع الكلفة أو تنتفي الفائدة.
وتلخيصا يمكن القول ان التباين بين مواقف روسيا من يوغسلافيا أو سوريا أو إيران، وموقفها من أوكرانيا، يكمن في جوهر عقيدتها الدفاعية. ففي الحالات الأولى، اكتفت موسكو بالاحتجاج أو المناورة السياسية لأنها لم تكن تعتبر تلك الساحات امتدادًا مباشرًا لأمنها القومي. أما في أوكرانيا، فقد انخرطت في مواجهة شاملة، رغم الكلفة الدولية الهائلة، لأنها تراها جزءًا لا يتجزأ من مجالها الحيوي، وخط دفاعها الأول ضد تمدد الناتو. هذا الاستعداد للذهاب إلى أقصى درجات التصعيد، بل حتى المجازفة بحرب عالمية، يبيّن أن روسيا لا تذهب للمواجهة وتُخوضها إلا حيث تُقرّر ان ذلك جزء من امنها القومي، لا من حيث يظن الآخرون أنها يجب أن تكون.
هاني الروسان/ استاذ الجيوبوليتيك والاعلام في جامعة منوبة



#هاني_الروسان (هاشتاغ)       Hani_Alroussen#          


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- لماذا يصر ترامب على تسويق ضرباته لمنشآت ايران النووية على ان ...
- اتفاق وقف اطلاق النار بين ايران واسرائيل: هدنة الضرورة التي ...
- بين تفادي مواجهة واشنطن وتصعيد الصراع مع إسرائيل: قراءة في ا ...
- الهجوم الاسرائيلي على إيران: استنزاف استراتيجي يهدد استقرار ...
- جريمة -جيت- اخر فصل من فصول الانهيار الأخلاقي للجيش الإسرائي ...
- إسرائيل في مواجهة الرأي العام العالمي: الى اين تمضي واي مصير ...
- منع الوفد الوزاري العربي من زيارة رام الله: تأكيد على التمسك ...
- مؤتمر حل الدولتين: استراتيجية هجومية لاقامة الدولة الفلسطيني ...
- -أمريكا اولا- : هل اماتت التحالفات التقليدية؟ وهل تراجعت قيم ...
- هل اولى مخرجات زيارة ترامب للرياض اكدت على الانزياح الاسترات ...
- الاتفاق الأمريكي - الحوثي: هل هو تحول استراتيجي أم تغيير في ...
- التصعيد الإسرائيلي في سوريا: بين الخوف من فقدان احتكار الدور ...
- بعد ان اصبح للرئيس ابو مازن نائبا: هل تستطيع السعودية ان تفر ...
- الحل وطبيعة السلطة الفلسطينية القادمة
- ماذا وراء الاصرار الامريكي على منع ايران من امتلاك سلاح نووي ...
- صفعة ترامب على خد بيبي وانفتاح المستقبل على كل الاحتمالات
- ترامب الذي يصعد مع حلفائه كيف سيكون مع خصومه؟؟
- على ضوء تصور معهد دراسات الامن القومي الاسرائيلي لنموذج الدو ...
- اسرائيل مطلقة اليدين ..... تنفذ مخططاتها دون اعتبار لاي طرف ...
- تنفيذ خطة اعمار غزة بين رؤية ترامب للعالم الجديد وبين الشروط ...


المزيد.....




- شركة في دبي تأمل بإطلاق خدمة التاكسي الطائر في عام 2026
- ماذا قدّم أسبوع باريس للأزياء الراقية لعروس شتاء 2026؟
- أوروبا تمنح إيران مهلة: إما التفاوض بشأن برنامجها النووي أو ...
- صفقات بين واشنطن والمنامة بنحو 17 مليار دولار.. عشية لقاء تر ...
- النووي الإيراني ـ الترويكا الأوروبية تهدد طهران بإعادة فرض ا ...
- ميخائيل بوغدانوف مهندس السياسة الروسية في الشرق الأوسط
- لماذا خاطب بزشكيان الإيرانيين المغتربين؟ خبراء يجيبون
- %52 من الإسرائيليين يؤيدون حكما عسكريا في غزة
- هآرتس: تدمير غزة يُنفذ عبر مقاولين إسرائيليين يتقاضون 1500 د ...
- عاجل | وزير الدفاع الإسرائيلي: سنواصل مهاجمة قوات النظام الس ...


المزيد.....

- من الأرشيف الألماني -القتال في السودان – ينبغي أن يولي الأل ... / حامد فضل الله
- حيث ال تطير العقبان / عبدالاله السباهي
- حكايات / ترجمه عبدالاله السباهي
- أوالد المهرجان / عبدالاله السباهي
- اللطالطة / عبدالاله السباهي
- ليلة في عش النسر / عبدالاله السباهي
- كشف الاسرار عن سحر الاحجار / عبدالاله السباهي
- زمن العزلة / عبدالاله السباهي
- ذكريات تلاحقني / عبدالاله السباهي
- مغامرات منهاوزن / ترجمه عبدالاله السباهي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - هاني الروسان - التحالفات الروسية بين سردية التخلي والانكفاء الواعي