أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - هاني الروسان - هل اولى مخرجات زيارة ترامب للرياض اكدت على الانزياح الاستراتيجي في السياسات الامريكية الشرق اوسطية؟















المزيد.....

هل اولى مخرجات زيارة ترامب للرياض اكدت على الانزياح الاستراتيجي في السياسات الامريكية الشرق اوسطية؟


هاني الروسان
(Hani Alroussen)


الحوار المتمدن-العدد: 8343 - 2025 / 5 / 15 - 19:21
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


لا شك ان الزيارة التي يقوم بها حاليا الرئيس الأميركي دونالد ترامب إلى الرياض وما تمخض عنها من نتائج الى الان تأتي في سياق إقليمي ودولي بالغ التعقيد، يعيد إلى الواجهة تساؤلات كبرى حول ثوابت السياسة الخارجية الأميركية، خاصة تجاه الحلفاء التقليديين في الشرق الأوسط وعلى رأسهم إسرائيل. فبينما كان يتوقع كثير من السياسيين العرب الى جانب كثير من المحللين والاعلاميين أن تُكرَّس هذه الزيارة لتأكيد الالتزام الأميركي المطلق بالحليف الإسرائيلي، كشفت الوقائع والمخرجات الحالية عن مقاربة مغايرة اكثر اتساقا مع عقيدة "أمريكا أولاً"، تلك التي لا تتردد في إعادة ترتيب الأولويات وفق معايير براغماتية تقوم على المصلحة الاقتصادية والأمنية المباشرة، لا على الاعتبارات الإيديولوجية أو الالتزامات التاريخية الجامدة.
إن القراءة المتأنية لمجمل الرسائل التي حملتها الزيارة، سواء من خلال طبيعة الاتفاقات المبرمة أو الملفات التي جرى التفاوض حولها أو حتى الرمزية السياسية للمكان والزمان، تُشير إلى أن إسرائيل لم تكن في صدارة جدول الأعمال كما درجت العادة في كل تحرّك استراتيجي أميركي في المنطقة. بل إنّ المملكة العربية السعودية، ومن خلال الحفاوة المفرطة التي أُحيط بها ترامب، والمضامين الاستثنائية للصفقات المعلنة، برزت كمرشح قوي لقيادة النظام الإقليمي العربي الجديد برعاية أميركية مباشرة، في لحظة بدا فيها أن واشنطن تعيد تعريف خريطة تحالفاتها بما يتماشى مع منطق "الدفع مقابل الحماية"، أو "الربح مقابل الولاء"، وهو منطق يقلب المعادلات القديمة التي كانت تقوم على شراكة استراتيجية ثابتة مع تل أبيب.
لقد كشفت الاتفاقات الموقعة، التي تجاوزت قيمتها 600 مليار دولار، عن تحوّل جوهري في منطق التحالف الأميركي في المنطقة. فالولايات المتحدة، في عهد ترامب، لم تعد تولي الأولوية للتحالفات ذات الطابع الرمزي أو العقائدي، بل أصبحت تنظر إلى شركائها من زاوية قدرتهم على تقديم عوائد مادية واستراتيجية ملموسة تخدم الاقتصاد الأميركي أولًا، وتوفر له أدوات الهيمنة الناعمة في ساحات الصراع المتداخلة. ففي هذه الزيارة، وقعت واشنطن مع الرياض اتفاقيات دفاعية بقيمة 142 مليار دولار تشمل تحديث أنظمة الأسلحة الجوية والبحرية وتدريب القوات السعودية، في ما يعد إعادة تأهيل شاملة لقدرات المملكة العسكرية، تلبية لمطالب سعودية كانت محل رفض صريح من إدارة بايدن، خاصة فيما يتعلق بالتعاون العسكري النووي وتقديم ضمانات أمنية مباشرة.
كما أبرمت الرياض اتفاقًا لضخّ أكثر من 20 مليار دولار في استثمارات تكنولوجية داخل الولايات المتحدة، تتوزع بين مراكز بيانات الذكاء الاصطناعي والبنية السحابية بالتعاون مع شركات أميركية كبرى مثل Google وNvidia وOracle. يُضاف إلى ذلك اتفاقات بقيمة 14 مليار دولار في مجال تطوير توربينات الغاز، واستثمارات طبية بقيمة 5.8 مليار دولار لتطوير أدوية جديدة في ولاية ميشيغان. بهذا المعنى، أصبحت السعودية لا تُنافس فقط على مركز القيادة السياسية في الإقليم، بل تقدم نفسها كرافعة مباشرة للاقتصاد الأميركي، وهو ما ينسجم تمامًا مع فلسفة ترامب الذي يربط الشراكة الإستراتيجية بالتدفق المالي والمردودية الاقتصادية.
المثير في هذه الزيارة أنّ ملف التطبيع، الذي كان محرّكًا مركزيًا في زيارة ترامب السابقة للرياض عام 2017، لم يحظَ بأي حضور يُذكر. بل إنّ الخطاب الأميركي بدا وكأنه يجنح نحو التعامل مع النظام العربي ككتلة مستقلة، قادرة على إدارة توازناتها الخاصة دون الحاجة الدائمة إلى الرضا الإسرائيلي أو التنسيق معه. وهذا الانزياح في التوجه، تجلى بوضوح أكبر في الملفات الأمنية، حيث مضت واشنطن في مفاوضاتها غير المباشرة مع حركة حماس بشأن إطلاق سراح الرهينة الأميركي دون أي اعتبار علني للتحفظات الإسرائيلية، بل تجاوزت أيضاً موقف تل أبيب في مفاوضات موازية مع إيران حول ضبط حدود المواجهة في الخليج، وهي مفاوضات جرت بتسهيلات عُمانية-عراقية رغم المعارضة الإسرائيلية المعلنة. كما فتحت واشنطن قنوات تنسيق أمني مباشر مع جماعة الحوثي في صنعاء، متجاهلة الضغوط الإسرائيلية الرافضة لأي شرعنة لهذا الفاعل الإقليمي، في ما يشير إلى أن إسرائيل لم تعد اللاعب الذي تُبنى عليه الحسابات الأميركية في القضايا الأمنية الشائكة.
وما يزيد من وضوح هذا التحوّل هو الانفتاح الأميركي المستمر على تركيا، التي عادت لتؤدي دور الوسيط الإقليمي الحيوي في ملفات الطاقة واللاجئين والأمن الحدودي، بتشجيع أميركي واضح. لقد تم استثمار هذا الدور التركي كعنصر توازن في وجه التأثير الإيراني، وكرافعة لاحتواء القلق الأوروبي من تدفقات الهجرة، ما جعل واشنطن تنظر إلى أنقرة كشريك ميداني أكثر نجاعة من تل أبيب في بعض مسارح التوتر. واللافت هنا أن هذا التقدير لا ينبني على تقاطع أيديولوجي أو عسكري، بل على القدرة التركية على ترجمة موقعها الجيوسياسي إلى أدوات ضغط نفعية، وهو ما تفتقر إليه إسرائيل في الوقت الراهن، لا سيما مع تعثر حكومتها داخلياً وعزلتها المتنامية في المحافل الدولية.
إن التغير في نمط الخطاب السياسي والميداني الأميركي تجاه حلفائه يكشف عن تحول تدريجي من منطق "العلاقة العضوية" إلى منطق "العلاقة المشروطة"، بحيث تصبح كل علاقة تحالف خاضعة لمعادلة الربح والخسارة المباشرة. وإذا كانت إسرائيل قد مثّلت طيلة العقود الماضية حجر الزاوية في الاستراتيجية الأميركية بالمنطقة، فإن زيارة ترامب الأخيرة توحي بأن زمن الاستثناء الإسرائيلي ربما يكون قد انتهى، أو على الأقل دخل مرحلة المراجعة الدقيقة. فالمصلحة القومية الأميركية لم تعد تُعرّف من خلال أمن إسرائيل فقط، بل من خلال قدرة الشركاء على الإسهام في تحقيق أولويات واشنطن الاقتصادية والجيوسياسية الطارئة.
لا يعني ذلك أن العلاقة الأميركية الإسرائيلية في طريقها إلى التفكك، بل يعني أنها لم تعد غير قابلة للمساءلة أو لإعادة التفاوض. فإسرائيل ستظل، في المدى المنظور، حليفًا مهمًا، لكنها لم تعد الحليف الذي تُبنى الاستراتيجيات الأميركية على مقاسه. من الآن فصاعدًا، سيكون على تل أبيب أن تُثبت، كما تفعل الرياض وأنقرة، أنها قادرة على تلبية المطالب الأميركية وفق شروط القوة لا وفق استحقاقات الماضي. وهذا في ذاته يمثل تحوّلًا نوعيًا في فلسفة العلاقة الثنائية، بما قد يعيد رسم موازين القوة في الإقليم على نحو يجعل من السعودية وتركيا معًا مرشحين لاحتلال موقع القيادة السياسية، لا فقط بسبب ثقلهما الاقتصادي، بل لأنهما باتا يتقنان مخاطبة واشنطن بلغتها الجديدة: المصلحة أولًا، وأميركا قبل الجميع.



#هاني_الروسان (هاشتاغ)       Hani_Alroussen#          



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الاتفاق الأمريكي - الحوثي: هل هو تحول استراتيجي أم تغيير في ...
- التصعيد الإسرائيلي في سوريا: بين الخوف من فقدان احتكار الدور ...
- بعد ان اصبح للرئيس ابو مازن نائبا: هل تستطيع السعودية ان تفر ...
- الحل وطبيعة السلطة الفلسطينية القادمة
- ماذا وراء الاصرار الامريكي على منع ايران من امتلاك سلاح نووي ...
- صفعة ترامب على خد بيبي وانفتاح المستقبل على كل الاحتمالات
- ترامب الذي يصعد مع حلفائه كيف سيكون مع خصومه؟؟
- على ضوء تصور معهد دراسات الامن القومي الاسرائيلي لنموذج الدو ...
- اسرائيل مطلقة اليدين ..... تنفذ مخططاتها دون اعتبار لاي طرف ...
- تنفيذ خطة اعمار غزة بين رؤية ترامب للعالم الجديد وبين الشروط ...
- نجاح قمة القاهرة مرهون بوعي القدرة على التأثير، وعدم اضعاف ا ...
- هل سيؤدي البديل الالماني والحرب في اوكرانيا وعقيدة ترامب الى ...
- لكي لا يكون التطبيع السعودي مع وهم اقامة الدولة الفلسطينية
- بأي اذن ستسمع العرب تصريحات ترامب؟؟
- دولة سيناء ومدى الواقعية في الرفضين المصري والاردني
- هل سيفهمون الدرس ؟؟؟.
- هل بدأ العد العكسي لاقامة الدولة الفلسطينية في سيناء؟؟
- اي رجل سلام سيكون ترمب؟ وهل سيجعل من غزة نواة الحل؟
- هل سيكون الشرق الاوسط الجديد تركيا ام اسرائيليا ام للسعودية ...
- هل سيكون الاسلام التركي بديلا امريكيا عن الاسلام الشيعي؟


المزيد.....




- بَلغهم أنه توفي وأوقفوا راتبه التقاعدي.. الهيئة القومية للتأ ...
- نجم الروك بروس سبرينغستين يصف ترامب بأنه -غير لائق- و-غير كف ...
- السعودية تدين مواصلة إسرائيل تصعيدها العسكري ضد المدنيين الع ...
- في الذكرى 77 للنكبة.. فنزويلا تؤكد دعمها للشعب الفلسطيني وتد ...
- أنباء أولية عن عملية دهس على حاجز -ميتار- جنوب الخليل
- ما مدى قانونية قبول ترامب للطائرة القطرية الفاخرة؟
- لاتفيا تحذر: السياح التائهون في الغابات قد يكونون عملاء روس ...
- الجيش الإسرائيلي: اعتراض صاروخ أُطلق من اليمن وتسبّب بإغلاق ...
- حكومة المستشار ميرتس تركز بقوة على السياسة الخارجية
- عشرات القتلى في ضربات إسرائيلية متفرقة على قطاع غزة


المزيد.....

- الحرب الأهليةحرب على الدولة / محمد علي مقلد
- خشب الجميز :مؤامرة الإمبريالية لتدمير سورية / احمد صالح سلوم
- دونالد ترامب - النص الكامل / جيلاني الهمامي
- حَرب سِرِّيَة بَين المَلَكِيّات وَالجُمهوريّات 3/4 / عبد الرحمان النوضة
- فهم حضارة العالم المعاصر / د. لبيب سلطان
- حَرب سِرِّيَة بَين المَلَكِيّات وَالجُمهوريّات 1/3 / عبد الرحمان النوضة
- سلطة غير شرعية مواجهة تحديات عصرنا- / نعوم تشومسكي
- العولمة المتوحشة / فلاح أمين الرهيمي
- أمريكا وأوروبا: ملامح علاقات جديدة في عالم متحوّل (النص الكا ... / جيلاني الهمامي
- قراءة جديدة للتاريخ المبكر للاسلام / شريف عبد الرزاق


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - هاني الروسان - هل اولى مخرجات زيارة ترامب للرياض اكدت على الانزياح الاستراتيجي في السياسات الامريكية الشرق اوسطية؟