أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - هاني الروسان - اتفاق وقف اطلاق النار بين ايران واسرائيل: هدنة الضرورة التي ابقت النووي والصواريخ















المزيد.....

اتفاق وقف اطلاق النار بين ايران واسرائيل: هدنة الضرورة التي ابقت النووي والصواريخ


هاني الروسان
(Hani Alroussen)


الحوار المتمدن-العدد: 8387 - 2025 / 6 / 28 - 08:49
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


اتفاق وقف إطلاق النار بين إيران وإسرائيل، الذي تم التوصل إليه مباشرة بعد ما سُمّي بالرد الإيراني على قاعدة العديد الأمريكية في قطر التي كانت قد خضعت مسبقًا لإجراءات إفراغ وتحصين مدروسة تحسبًا لضربة متوقعة لا يمكن اعتباره نهاية لصراع اقليمي لا زال مفتوحا، بل يجب النظر إليه باعتباره هدنة اضطرارية فرضتها الضرورات التكتيكية لجميع الأطراف، كما انه ليس تسوية حقيقية أو نزعًا لأسباب الصراع، اذ اعقب ضربة أمريكية مركّزة استهدفت منشأة فوردو النووية، التي كانت قد أُخليت بدورها من المواد المخصبة وأجهزة الطرد المركزي، ما يرجح أن العمليات العسكرية الكبرى التي شهدها هذا الفصل من الصراع لم تكن موجهة ضد خطر نووي داهم بقدر ما كانت جزءًا من محاولة محسوبة لتحجيم قدرات إيران الردعية، وتحديدًا ترسانتها الصاروخية التي تمثل جوهر استراتيجيتها الدفاعية الإقليمية. من هذا المنطلق، يصح القول ان برنامجها النووي لم يكن سوى ذريعة خطابية تستخدم لتبرير الهجمات، فيما يبقى الهدف الحقيقي خاضعًا لمعادلة الصواريخ الدقيقة والنظم الدفاعية المحلية التي أثبتت نجاعتها في أكثر من ساحة اشتباك.
فالوقائع الميدانية، إلى جانب المؤشرات السياسية والتقنية، تؤكد أن البرنامج النووي الإيراني لم يكن أبدًا التهديد الحقيقي الذي يستدعي حربًا شاملة. فمنذ سنوات، تواصل الوكالة الدولية للطاقة الذرية تأكيد غياب أي مؤشرات ملموسة على توجه إيراني نحو تصنيع قنبلة نووية، بل إن طهران وافقت طوعًا على اتفاق 2015 الذي قيد برنامجها النووي بقيود صارمة وقابلة للتحقق. وقد جاءت التقديرات الاستخباراتية الأمريكية نفسها، في أعقاب الضربات الأخيرة، لتؤكد هذا الاستنتاج، إذ أفادت شبكة "سي إن إن" نقلاً عن مصادر مطلعة أن الهجمات العسكرية الأمريكية على ثلاث منشآت نووية إيرانية لم تدمر المكونات الأساسية للبرنامج، بل عطّلته لأشهر فقط، وهو ما يشير الى أن واشنطن كانت تدرك مسبقًا محدودية الأثر العملي لتلك الضربات، وأنها لم تكن تسعى إلى إنهاء البرنامج النووي بل إلى الضغط السياسي والميداني تحت غطاء نووي مفرغ من مضمونه. لذلك فإن أي ادعاء بأن المواجهة الأخيرة اندلعت لحماية العالم من سلاح نووي إيراني وشيك لا يصمد أمام منطق الوقائع، لا سيما وأن الهجوم الأمريكي على منشأة فوردو جاء بعد إخلائها، وكذلك الرد الإيراني جاء على قاعدة أمريكية كانت قد أُفرغت مسبقًا. هذا التزامن في إفراغ الأهداف الحساسة من العناصر البشرية والمعدات التقنية يكشف أن المواجهة كانت مضبوطة الإيقاع، محسوبة الرسائل، ومجرد طور جديد في صراع لا تديره النوايا النووية بقدر ما تحكمه معادلات الردع والقدرة على إيلام الخصم دون الانزلاق إلى حرب شاملة.
والهدف الحقيقي، الذي ظل متواريا خلف خطاب "الردع النووي"، هو البرنامج الصاروخي الإيراني، الذي تطور خلال العقد الأخير ليصبح أحد أعقد المنظومات غير الغربية من حيث التنوع، والمدى، والدقة. فهذه الترسانة التي تشمل صواريخ بالستية، وأخرى كروز، وطائرات مسيّرة هجومية بقدرات عالية على المناورة، باتت تمثل تهديدًا مباشرًا للتفوق العسكري الإسرائيلي، ولمجمل القواعد الأمريكية المنتشرة في الخليج والعراق وسوريا، وعلى عكس البرنامج النووي، لا تخضع هذه المنظومات لأي اتفاقيات رقابية أو آليات تفتيش دولية، وهي موزعة على شبكة واسعة من القواعد والمنشآت تحت الأرض، ما يجعل من تحييدها أو تدميرها مهمة شبه مستحيلة. وقد ثبت ذلك خلال الهجوم الإسرائيلي–الأمريكي، الذي رغم قوته التقنية والاستخبارية، فشل في إحداث اختراق حقيقي في بنية الردع الإيرانية، بل ربما كشف محدودية القدرة على كسر تماسك هذه البنية.
الرد الإيراني، رغم طابعه المحسوب، كشف تطورًا كبيرًا في التنسيق العملياتي، وفي جاهزية القوات الإيرانية لضرب أهداف خارج حدودها بدقة متناهية. ضرب قاعدة العديد، وإن كانت رمزية، وجّهت رسالة مزدوجة، الأولى أن إيران تحتفظ بخياراتها السيادية في الرد، والثانية أن واشنطن لم تعد قادرة على ضمان أمن قواعدها دون تنسيق شامل، وهو ما يضاعف من احتمالات مصداقية الردع الأمريكي التقليدي في المنطقة. وعلى الجانب الإسرائيلي، لم تؤدّ الضربات إلى إيقاف تدفق الصواريخ أو تعطيل قدرات الإطلاق، بل اضطرت تل أبيب إلى تفعيل كامل منظوماتها الدفاعية، من القبة الحديدية إلى مقلاع داوود، وحتى نظام "حيتس"، بالتعاون مع حلفائها الأوروبيين، في مشهد لم يخلُ من الارتباك. هذا الإرباك لا يعكس فقط حجم الضغط التكتيكي، بل يكشف عن خلل استراتيجي أعمق في بنية الردع الإسرائيلي، التي باتت عاجزة عن التعامل مع نمط جديد من الحروب يجمع بين اللامركزية، والدقة، والاستنزاف الممنهج.
في السياق نفسه، لم يكن الحذر الأمريكي في الانخراط الكامل بالمواجهة ناتجًا عن حسابات داخلية فحسب، بل يُعبّر عن إدراك عميق بأن أي توسيع للصراع قد يقلب التوازنات الإقليمية رأسًا على عقب، ويجرّ المنطقة إلى صراع متعدد الجبهات لا يمكن السيطرة عليه. ولذلك بدا أن واشنطن حاولت احتواء التصعيد دون خيانة تحالفها مع إسرائيل، من خلال إظهار دعم دفاعي تكتيكي دون الانزلاق إلى قرارات هجومية جديدة. هذه المقاربة تكشف حدود الانحياز الأمريكي، وتبعث برسالة ضمنية إلى إسرائيل مفادها أن سقف الحماية الغربية ليس مفتوحًا إلى ما لا نهاية، وأن الحروب التي تُفتعل تحت يافطة "منع النووي" قد تتحول إلى مغامرات عبثية ما لم تحقق أهدافًا ميدانية واضحة.
إيران، من جهتها، لم تُظهر رغبة في التصعيد المفتوح، وان حاولت تأكيد قدرتها على الرد المنضبط والمدروس، وعلى تجاوز حدودها الدفاعية إلى توجيه ضربات دقيقة وبعيدة المدى، لتبعث برسائل مفادها انه صار من الصعب بعد الآن التعامل معها كخصم يمكن احتواؤه عبر سياسة "الضربات المحدودة". وهنا تكمن المفارقة الجوهرية، فرغم الجهد الكبير الذي بُذل عسكريًا واستخباراتيًا ضدها، لم تُهزم تماما وبوضوح، ولم يتم تحجيم قدراتها، بل ربما أضافت هذه المواجهة إلى رصيدها مزيدًا من القوة الخطابية والدعائية وربما حتى العسكرية، بوصفها الطرف الذي لم ينهزم رغم الضغط المكثف، ولم يفقد زمام المبادرة رغم الضربات.
في ضوء ما تقدم، يمكن القول إن وقف إطلاق النار لا يعكس تسوية ناجزة بقدر ما يعبّر عن لحظة توازن قلق، فُرضت على الأطراف كافة في ظل محدودية الخيارات، وتراجع الثقة في فاعلية الضربات الجوية كوسيلة لحسم الصراعات المركبة. البرنامج الصاروخي الإيراني بقي في قلب المشهد، رغم حجم الخسائر التي لحقت به، بل ظهر في لحظات ما قبل دخول اتفاق وقف اطلاق النار حيز التطبيق أكثر صلابة وتوزعًا وتعقيدًا، ما يعزز فرضية أن الحرب لم تحقق أهدافها الحقيقية، بل اضطر أطرافها إلى الانكفاء أمام استحالة الوصول إلى نصر سريع أو تكتيكي. وهو ما يعني أن أسباب الحرب ما تزال قائمة، وأن هذا التوقف المؤقت لإطلاق النار ليس نهاية الصراع، بل مجرد لحظة تأجيل في نزاع لم يقل كلمته الأخيرة بعد.



#هاني_الروسان (هاشتاغ)       Hani_Alroussen#          


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- بين تفادي مواجهة واشنطن وتصعيد الصراع مع إسرائيل: قراءة في ا ...
- الهجوم الاسرائيلي على إيران: استنزاف استراتيجي يهدد استقرار ...
- جريمة -جيت- اخر فصل من فصول الانهيار الأخلاقي للجيش الإسرائي ...
- إسرائيل في مواجهة الرأي العام العالمي: الى اين تمضي واي مصير ...
- منع الوفد الوزاري العربي من زيارة رام الله: تأكيد على التمسك ...
- مؤتمر حل الدولتين: استراتيجية هجومية لاقامة الدولة الفلسطيني ...
- -أمريكا اولا- : هل اماتت التحالفات التقليدية؟ وهل تراجعت قيم ...
- هل اولى مخرجات زيارة ترامب للرياض اكدت على الانزياح الاسترات ...
- الاتفاق الأمريكي - الحوثي: هل هو تحول استراتيجي أم تغيير في ...
- التصعيد الإسرائيلي في سوريا: بين الخوف من فقدان احتكار الدور ...
- بعد ان اصبح للرئيس ابو مازن نائبا: هل تستطيع السعودية ان تفر ...
- الحل وطبيعة السلطة الفلسطينية القادمة
- ماذا وراء الاصرار الامريكي على منع ايران من امتلاك سلاح نووي ...
- صفعة ترامب على خد بيبي وانفتاح المستقبل على كل الاحتمالات
- ترامب الذي يصعد مع حلفائه كيف سيكون مع خصومه؟؟
- على ضوء تصور معهد دراسات الامن القومي الاسرائيلي لنموذج الدو ...
- اسرائيل مطلقة اليدين ..... تنفذ مخططاتها دون اعتبار لاي طرف ...
- تنفيذ خطة اعمار غزة بين رؤية ترامب للعالم الجديد وبين الشروط ...
- نجاح قمة القاهرة مرهون بوعي القدرة على التأثير، وعدم اضعاف ا ...
- هل سيؤدي البديل الالماني والحرب في اوكرانيا وعقيدة ترامب الى ...


المزيد.....




- -مستوطنون إسرائيليون- يخربون موقعا أمنيا في الضفة الغربية وي ...
- -عثر على المشتبه به ميتًا-.. مقتل رجلي إطفاء في إطلاق نار بو ...
- بكين تستضيف أول مباراة كرة قدم بين الروبوتات في الصين
- بعد إيران.. هل تستطيع أميركا تنفيذ السيناريو نفسه في كوريا ا ...
- ردّا على شروطها لاستئناف المفاوضات ترامب -لن يقدم- شيئا لإير ...
- حموضة المحيطات تتجاوز الحدود الآمنة والخبراء يحذرون
- مستشار خامنئي: إسرائيل بعثت رسائل تهديد لمسؤولين إيرانيين
- تايمز: جواسيس إسرائيليون داخل إيران منذ سنوات وربما لا يزالو ...
- أكسيوس: أوجه حملة ضغط ترامب لتأييد نتنياهو
- هآرتس: أهل الضفة الغربية يذبحون بهدوء


المزيد.....

- الوعي والإرادة والثورة الثقافية عند غرامشي وماو / زهير الخويلدي
- كذبة الناسخ والمنسوخ _حبر الامة وبداية التحريف / اكرم طربوش
- كذبة الناسخ والمنسوخ / اكرم طربوش
- الازدواجية والإغتراب الذاتي أزمة الهوية السياسية عند المهاجر ... / عبدو اللهبي
- في فوضى العالم، ما اليقينيات، وما الشكوك / عبد الرحمان النوضة
- الشباب في سوريا.. حين تنعدم الحلول / رسلان جادالله عامر
- أرض النفاق الكتاب الثاني من ثلاثية ورقات من دفاتر ناظم العرب ... / بشير الحامدي
- الحرب الأهليةحرب على الدولة / محمد علي مقلد
- خشب الجميز :مؤامرة الإمبريالية لتدمير سورية / احمد صالح سلوم
- دونالد ترامب - النص الكامل / جيلاني الهمامي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - هاني الروسان - اتفاق وقف اطلاق النار بين ايران واسرائيل: هدنة الضرورة التي ابقت النووي والصواريخ