أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - هاني الروسان - إسرائيل في مواجهة الرأي العام العالمي: الى اين تمضي واي مصير ينتظرها؟؟















المزيد.....

إسرائيل في مواجهة الرأي العام العالمي: الى اين تمضي واي مصير ينتظرها؟؟


هاني الروسان
(Hani Alroussen)


الحوار المتمدن-العدد: 8368 - 2025 / 6 / 9 - 18:12
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


لم يعد بالإمكان فصل التدهور الحاد في صورة إسرائيل عالميًا عن سياستها القائمة على التمييز العنصري والعنف المنهجي في الأراضي الفلسطينية المحتلة، لا سيما في الضفة الغربية وقطاع غزة. فالتوسع الاستيطاني، وعمليات التهجير القسري، والقتل الممنهج، والعقاب الجماعي، وحرب الابادة الجماعية، لم يعد بالامكان اخفاؤها وراء واجهات الخطاب الأمني أو الادعاء بالديمقراطية. وقد جاءت نتائج استطلاع مركز "Pew Research Center" الاخير لهذا العام لتوثق هذا الانكشاف الأخلاقي، ولتؤكد أن إسرائيل تواجه عزلة شعبية عالمية غير مسبوقة، حتى في الدول التي كانت تاريخيًا تُعدّ من أقرب حلفائها.
فحين تُظهر نتائج الاستطلاع أن 62% من الشعوب في 24 دولة يحملون آراء سلبية تجاه إسرائيل، مقابل 29% فقط إيجابيين، فإن المسألة هنا تتجاوز كونها تحولًا في المزاج، لتغدو مؤشرًا على إعادة تموضع عميق في الوعي الجماعي الدولي، خاصة وان هذا التغير لم يقتصر على بلدان الجنوب أو الدول ذات الأغلبية المسلمة، بل شمل أيضًا أوروبا الغربية، وأستراليا، وكندا، والولايات المتحدة، أي مجمل المعسكر الذي ظلت إسرائيل تعتبره دائرة دعمها الطبيعي والاستراتيجي.
فوفقا لهذا الاستطلاع فقد تصدر المشهد الأوروبي هذا التراجع الكبير، حيث تُظهر دول مثل هولندا والسويد وإسبانيا رفضًا شعبيًا ساحقًا تجاوز 74%. حتى ألمانيا، التي تُمثل إحدى ركائز الدعم الأوروبي لإسرائيل على خلفية المسؤولية التاريخية المزعومة عن المحرقة، شهدت هي الأخرى انقلابًا في المزاج العام بنسبة 64% سلبيين. هذا التحول في المزاج الشعبي او الانفكاك في المواقف لا يمكن فهمه إلا في ضوء التحول القيمي العميق الذي تشهده المجتمعات الغربية، إذ إن الأجيال الجديدة لم تعد ترى في إسرائيل دولة تحرر ونجاة من الاستبداد والطغيان كما كان يعتقد سابقا بفعل ماكنة الدعاية الصهيونية، بل كيانًا احتلاليًا عنصريًا فاشيا يعيد إنتاج منطق الاستعمار الذي كانت أوروبا نفسها ضحيته وساحته.
وفي الولايات المتحدة، التي تعدّ المعقل السياسي الأبرز لدعم إسرائيل، تأتي المفارقة لتؤكد عمق المأزق. فقد أظهر الاستطلاع أن 53% من الأميركيين يحملون رأيًا سلبيًا تجاه إسرائيل، مقابل 45% إيجابيين فقط، في توازن يُظهر أن الشرعية المعنوية التي كانت تتمتع بها إسرائيل داخل الرأي العام الأميركي آخذة بالتآكل. ولا يقلل من خطورة هذا الانكشاف أن المؤسسة السياسية في واشنطن لا تزال تدعم إسرائيل بلا شروط رغم بعض الارهاصات الاخيرة، بل إن هذه المفارقة قد تتحول إلى صراع داخلي متنامٍ بين القاعدة الشعبية والمُشرّعين، خاصة في ظل صعود تيارات تقدمية تعلن مواقف واضحة ضد الاحتلال والاستيطان على غرارالديمقراطيون من أجل العدالةJustice Democrats والاشتراكيون الديمقراطيون في أمريكاDemocratic Socialists of America (DSA) والفرقة (وهي مجموعة النائبات التقدميات في الكونغرس) The Squad
وغيرها من التيارات الاخرى.
واللافت ايضا ان التراجع في صورة إسرائيل لم يُقابله تصاعد دعم في دول الجنوب العالمي إلا بدرجات محدودة. فباستثناء نيجيريا (59%) وكينيا (50%) وبعض الدول الأخرى، لم تتجاوز نسب التأييد عتبة الـ30% في معظم بلدان أفريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية، ما يدل على أن سردية إسرائيل حول التعاون جنوب-جنوب، أو تطوير العلاقات التجارية والثقافية، لم تُقنع الرأي العام في تلك الدول. حتى في دول مثل الهند، التي تربطها بإسرائيل علاقات استراتيجية، فإن نسبة المؤيدين لم تتجاوز 34%، ما يعكس فجوة متزايدة بين الحكومات والشعوب.
وتبرز تركيا باعتبارها النموذج الأكثر رفضا لاسرائيل، إذ بلغت نسبة الآراء السلبية فيها 93%، منها 84% "سلبية جدًا"، ما يؤكد على أن المواقف الشعبية تتفاعل بحدة مع السياسات الإسرائيلية في القدس والضفة، ومع التحولات السياسية في أنقرة التي أعادت توجيه بوصلتها نحو القضايا الإسلامية، وخاصة القضية الفلسطينية بعد الهزائم المتلاحقة التي طاردت حزب العدالة والتنمية الذي يتزعمه الرئيس اردوغان في عدد من الانتخابات. وهذا التصدر التركي ليس مجرد رقم في استطلاع، بل يحمل دلالات استراتيجية، إذ إن تركيا تمثل قوة إقليمية ذات تأثير ثقافي وسياسي كبير، وقد تتحول إلى مركز ثقل للضغط الشعبي على الحكومات المترددة أو المتواطئة.
وفي دول مثل البرازيل، الأرجنتين، المكسيك، اليابان وكوريا الجنوبية، تُظهر البيانات توازنات دقيقة بين التأييد والرفض، لكنها تميل بوضوح نحو السلبية، حتى مع استمرار العلاقات الرسمية الهادئة مع تل أبيب. هذا الانقسام في الرأي العام ينذر بإمكانية تغيرات مستقبلية في السياسة الخارجية، خاصة إذا تراكمت الجرائم الإسرائيلية، أو تصاعدت الضغوط من الداخل المدني أو الإعلام المستقل.
والتحول الأهم في هذا السياق لا يكمن فقط في الأرقام، بل في دلالاتها الرمزية والسياسية. فحين تفقد إسرائيل شرعيتها الأخلاقية أمام شعوب العالم، فإنها تفقد تدريجيًا قدرتها على التأثير في السياسات العامة للدول، حتى وإن حافظت على التحالفات الرسمية. ذلك أن الرأي العام بات يشكّل عنصر ضغط حاسم على الحكومات، لا سيما في النظم الديمقراطية. وما كان يُمكن تمريره سياسيًا في العقود السابقة، بات اليوم موضوع مساءلة شعبية حقيقية، سواء في البرلمانات أو في الشارع.
يُضاف إلى ذلك أن الانهيار الأخلاقي لإسرائيل لم يعد محصورًا بوسائل الإعلام المناهضة لها، بل صار موضوعًا رئيسيًا في وسائل الإعلام الغربية السائدة، التي لم تعد قادرة على تجاهل المجازر والتدمير الواسع الذي تسببه الحروب الإسرائيلية المتكررة، خاصة في غزة. ومع انتشار وسائل الإعلام البديل، وشبكات التواصل الاجتماعي، بات الرأي العام متصلًا بالحدث لحظة بلحظة، يرى الصور، يسمع الشهادات، ويُعاين الرواية من مصادر متعددة، دون فلترة أو تزييف.
هذا الانكشاف يهدد مستقبل إسرائيل كدولة تعتمد على منظومة من التحالفات والدعم السياسي والاقتصادي الخارجي. فإذا استمر هذا المسار، فإن إسرائيل قد تجد نفسها في مواجهة عزلة متراكمة، لا تُشبه عزلتها الجغرافية فقط، بل تمس بنيتها المعنوية ومكانتها الرمزية. وقد تبدأ هذه العزلة بأشكال ناعمة: مثل المقاطعة الأكاديمية أو الثقافية، لكنها قد تتطور تدريجيًا إلى ضغوط سياسية واقتصادية حقيقية، لا سيما إذا تزامنت مع تراجع الردع العسكري، أو تصاعد المعارضة الداخلية في الدول الحليفة.
إن قراءة هذه المعطيات لا تقود إلى استنتاج أن إسرائيل على وشك الانهيار، لكن المؤكد أن مسارها في العقود المقبلة لن يكون تكرارًا لما مضى. فالعالم يتغير، والمعايير تتغير، والذاكرة الجمعية للشعوب لم تعد قصيرة كما كان يُعتقد. وفي ظل غياب أي مراجعة إسرائيلية حقيقية لسلوكها الاحتلالي، يبدو أن الدولة العبرية تمضي بثبات نحو وضع تُعرّف فيه عالميًا كـ"دولة فصل عنصري" لا تحظى إلا بشرعية القوة، لا بشرعية القبول. وهذه الشرعية المهزوزة لا يمكن ترميمها بمزيد من العلاقات الرسمية، ولا بالمساعدات العسكرية، ولا بمناورات الخطاب الدبلوماسي، لأنها أزمة أخلاقية بالأساس. وحين تُصبح إسرائيل في نظر العالم عبئًا أخلاقيًا، فإنها ستُجبر في النهاية على دفع ثمن سياسي يتناسب مع هذا العبء. فالعالم لم يعد كما كان، ولا إسرائيل ستبقى كما كانت.

هاني الروسان/ استاذ الاعلام في جامعة منوبة



#هاني_الروسان (هاشتاغ)       Hani_Alroussen#          



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- منع الوفد الوزاري العربي من زيارة رام الله: تأكيد على التمسك ...
- مؤتمر حل الدولتين: استراتيجية هجومية لاقامة الدولة الفلسطيني ...
- -أمريكا اولا- : هل اماتت التحالفات التقليدية؟ وهل تراجعت قيم ...
- هل اولى مخرجات زيارة ترامب للرياض اكدت على الانزياح الاسترات ...
- الاتفاق الأمريكي - الحوثي: هل هو تحول استراتيجي أم تغيير في ...
- التصعيد الإسرائيلي في سوريا: بين الخوف من فقدان احتكار الدور ...
- بعد ان اصبح للرئيس ابو مازن نائبا: هل تستطيع السعودية ان تفر ...
- الحل وطبيعة السلطة الفلسطينية القادمة
- ماذا وراء الاصرار الامريكي على منع ايران من امتلاك سلاح نووي ...
- صفعة ترامب على خد بيبي وانفتاح المستقبل على كل الاحتمالات
- ترامب الذي يصعد مع حلفائه كيف سيكون مع خصومه؟؟
- على ضوء تصور معهد دراسات الامن القومي الاسرائيلي لنموذج الدو ...
- اسرائيل مطلقة اليدين ..... تنفذ مخططاتها دون اعتبار لاي طرف ...
- تنفيذ خطة اعمار غزة بين رؤية ترامب للعالم الجديد وبين الشروط ...
- نجاح قمة القاهرة مرهون بوعي القدرة على التأثير، وعدم اضعاف ا ...
- هل سيؤدي البديل الالماني والحرب في اوكرانيا وعقيدة ترامب الى ...
- لكي لا يكون التطبيع السعودي مع وهم اقامة الدولة الفلسطينية
- بأي اذن ستسمع العرب تصريحات ترامب؟؟
- دولة سيناء ومدى الواقعية في الرفضين المصري والاردني
- هل سيفهمون الدرس ؟؟؟.


المزيد.....




- هرب من أصحابه وانتهى به الأمر مُحلقًا في الجو.. إليكم قصة -إ ...
- رحلة سفينة مادلين تنتهي قبل وصولها إلى غزة
- لوس أنجلوس ..استمرار الاحتجاجات ضد سياسات ترامب للهجرة
- هل تطمع السعودية في منصب الأمين العام للجامعة العربية؟
- حرب الرسوم الجمركية: الهدنة التجارية بين واشنطن وبكين هشة؟
- قرار حاسم منتظر للذرية الدولية بشأن نووي إيران وطهران تحذر
- اختام مناسك الحج والمملكة تتيح للحجاج الحصول على شهادة إلكتر ...
- مجلس الأمن القومي الإيراني: بنك الأهداف الصهيوني على طاولة ا ...
- هل زيلينسكي جاد في المفاوضات مع روسيا؟
- قائد حرس الثورة في إيران: الضربات الصاروخية ضد إسرائيل ستصبح ...


المزيد.....

- الازدواجية والإغتراب الذاتي أزمة الهوية السياسية عند المهاجر ... / عبدو اللهبي
- في فوضى العالم، ما اليقينيات، وما الشكوك / عبد الرحمان النوضة
- الشباب في سوريا.. حين تنعدم الحلول / رسلان جادالله عامر
- أرض النفاق الكتاب الثاني من ثلاثية ورقات من دفاتر ناظم العرب ... / بشير الحامدي
- الحرب الأهليةحرب على الدولة / محمد علي مقلد
- خشب الجميز :مؤامرة الإمبريالية لتدمير سورية / احمد صالح سلوم
- دونالد ترامب - النص الكامل / جيلاني الهمامي
- حَرب سِرِّيَة بَين المَلَكِيّات وَالجُمهوريّات 3/4 / عبد الرحمان النوضة
- فهم حضارة العالم المعاصر / د. لبيب سلطان
- حَرب سِرِّيَة بَين المَلَكِيّات وَالجُمهوريّات 1/3 / عبد الرحمان النوضة


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - هاني الروسان - إسرائيل في مواجهة الرأي العام العالمي: الى اين تمضي واي مصير ينتظرها؟؟