أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - هاني الروسان - سوريا الشرع في اذربيجان قد لا تكون سوريا ما ثبلها .















المزيد.....

سوريا الشرع في اذربيجان قد لا تكون سوريا ما ثبلها .


هاني الروسان
استاذ جامعي مختص بالجيوبوليتيك والاعلم في جامعة منوبة ودبلوماسي

(Hani Alroussen)


الحوار المتمدن-العدد: 8406 - 2025 / 7 / 17 - 04:47
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


يبدو ان الظرف الاقليمي الذي جاءت فيه زيارة الرئيس السوري احمد الشرع الى اذربيجان لا يسمح بفهمها على أنها واحدة من تقليعات النظام الجديد الدبلوماسية لتثبيت اركان شرعيته او انها تعبير عن رغبة ثنائية لتطوير التعاون بين البلدين، كما انه لا يمكن عزلها عن التفاعلات التي نجمت عن تموضع دمشق في خارطة التوازنات الجديدة.

وما يزيد من الملابسات التي تجعل هذه الزيارة ذات مغزى خاص هو تزامنها الصامت مع وجود وفد أمني إسرائيلي في العاصمة ذاتها، في إطار مشاركته في منتدى للطاقة الإقليمية، وحضور لافت لأطراف دولية تُعرف بإدارتها للملفات الخلفية ذات الحساسية العالية، خاصة تلك المتعلقة بترتيب خطوط التهدئة في الشرق الأوسط. وإذا كانت دمشق قد نفت بشكل قاطع وجود أي لقاء مباشر مع الإسرائيليين، فإن هذا النفي لا يلغي حقيقة أن العاصمة الأذرية باتت في الأونة الأخيرة منصة تواصل وظيفي بين أطراف متنازعة، ومركزا لإعادة تدوير قنوات الاتصال غير الرسمية بينها، خصوصًا في ملفات تتعلق بدول مثل إيران وتركيا وسوريا، وهو المثلث الذي يقع في المساحة التي تسمى بنطاق الامن القومي الاسرائيلي، خصوصًا في الملفات التي تمسّ مصالحها العليا، سواء ما يتعلق منها بانتشار النفوذ الإيراني، أو الأمن الحدودي مع سوريا، أو التوازنات التركية في المنطقة، مما يجعل من باكو ساحة خلفية محتملة لتحريك خيوط معقّدة في هذا المشهد.
وفي هذا السياق، تصبح زيارة الشرع مدخلاً مناسبًا لإعادة طرح سؤال قديم جديد: هل تتجه سوريا، تحت قيادتها الجديدة، إلى نوع من التطبيع غير المباشر أو المؤجل مع إسرائيل؟ وربما الأدق، هل ان دمشق تعيد صياغة موقفها الصلب تاريخيًا من التطبيع مع اسرائيل وفق إحداثيات جديدة تفرضها متغيرات الداخل والعزلة الإقليمية، ومعادلات التموضع الحذِر في نظام دولي آخذ في التشكّل؟ الإجابة لا يمكن أن تكون حاسمة بعد، لكن المؤشرات المتراكمة، وطبيعة السلوك السياسي الذي انتهجه الشرع منذ صعوده، تؤسس لفرضية قابلة للدفاع عنها وهي ان سوريا قد تكون بصدد الانخراط في مسار "تطبيع وظيفي" لا يشبه نموذج الإمارات أو البحرين من حيث الشكل، لكنه أقرب إلى ما فعلته الخرطوم والمغرب، وإن بأسلوب أكثر تحفظًا وبشروط تفاوض أكثر تعقيدًا.
فالتجربة السودانية تقدم لنا نموذجًا ذرائعيا واضحًا لما يمكن أن نصفه بـ"تطبيع الضرورة". حيث خضعت الخرطوم، إثر سقوط نظام عمر البشير، لضغوط اقتصادية هائلة، ترافقت مع حاجة ماسة إلى إعادة إدماجها في النظام المالي الدولي، وكان الطريق الوحيد المتاح امامها لتحقيق ذلك كما قيل هو بوابة واشنطن، التي اشترطت لشطب السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب قيامها بخطوات عملية تجاه إسرائيل، وان لم يكن المجتمع السوداني ليس مستعدًا لها بعد، ورغم ذلك فقد قررت الطبقة الحاكمة آنذاك المضي قدما فيه مقابل ضمانات استراتيجية ومالية عاجلة. بمعنى ان الخطوة السودانية التطبيعية وضعت في سياق انعدام الخيارات الاخرى، فجاءت أقرب إلى ما يسمى بمناورات اللحظة الحرجة.
وفي الحالة السورية، ورغم ان الصورة تبدو أكثر تعقيدًا، لكنها لا تخلو من تماثل بنيوي. فالنظام الذي يحاول إعادة بناء شرعيته الداخلية والدولية بعد سنوات من العزلة، يجد نفسه أمام معادلة مشابهة: اقتصاد منهك، تحالفات متآكلة، وخطوط إمداد دولية معطوبة. وأمام ضعف قدرة الحلفاء التقليديين على إنقاذ ما تبقى من بنى الدولة والمجتمع، تصبح الحاجة إلى اختراق نوعي في العلاقة مع المحور الغربي والإسرائيلي أمرًا مطروحًا، ولو من تحت الطاولة، لتسويق هذا الشكل من التطبيع.
أما المغرب، فقدم نموذجًا مختلفًا يقوم على ما يسمى بالمقايضة السيادية. فالرباط لم تدخل التطبيع من باب الاستجابة للضغط، بل من باب استثمار الفرصة. فقد اختارت توقيت إعلانها لإعادة العلاقات مع إسرائيل بدقة، بعد تأمين ما قيل انه اعتراف أمريكي بسيادتها على الصحراء الغربية. وهو ما تم تسويقه على انه يعكس فهمًا عميقًا لطبيعة التوازن بين الثوابت الوطنية والبراغماتية الدبلوماسية. وهذا ما يمكن أن يلهم دمشق للسير على هديه اذ تسعى وتقبل هي الاخرى، بتجميد المطالب المتعلقة بالجولان، أو على الأقل تأجيلها، مقابل الانخراط في تفاهمات أمنية مع إسرائيل وربما فتح قنوات تمويل لمشاريع البنية التحتية والطاقة. ما يجمع هذه النماذج الثلاثة، رغم اختلاف السياقات، هو أن التطبيع استخدم كذرائع لضمان ما يمكن تسميتها بالمصالح السيادية أو الاختراق الوظيفي. وهو على الأرجح المنطق الذي بدأ يوجّه بوصلة الشرع في خريطة تحركه الإقليمي.
في ضوء ذلك، يصبح لأذربيجان دور بالغ الدقة. فهذه الدولة التي حافظت على تحالف وثيق مع إسرائيل، دون أن تثير حفيظة طهران أو موسكو أو أنقرة، قد تكون المخبر المثالي لإدارة حوار غير معلن بين أطراف لا تزال تحمل عداوة ظاهرية. كما أن باكو أصبحت بفضل موقعها وعلاقاتها المتشابكة قادرة على أن تلعب دور الوسيط الصامت في ملفات كان من المحرّم الاقتراب منها، ومنها ملف الحدود السورية–الإسرائيلية، ومسارات الغاز الإقليمي، وخرائط النفوذ الجديدة بعد الانكفاء الأمريكي النسبي عن الشرق الأوسط. إن قبول دمشق بخوض تجربة شراكة طاقوية مع باكو، ضمن ترتيبات تمرّ عبر الأراضي التركية، وتحت أنظار الإسرائيليين، لا يمكن قراءته على أنه تحوّل اقتصادي فحسب، بل هو انخراط محسوب في منطق السوق الجيوسياسي. وفي مثل هذا السياق، لا يبدو غريبًا أن تختار دمشق الانفتاح البطيء، والمشروط، والوظيفي، بدلًا من القفز إلى الواجهة بإعلان صاخب. فالتطبيع في صيغته الجديدة لم يعد يتطلب حفلات توقيع، بل مجرد تواطؤ إقليمي على الصمت، وضمانات بعدم التصعيد.
بهذا المعنى، فانها قد لا تمثل زيارة الشرع إلى باكو لحظة تطبيع علني، لكنها بكل تأكيد لحظة كسر للجمود. إنها إيذان ببدء منطق جديد في تفكير دمشق، منطق لا ينسف سردية العداء التقليدية، لكنه يفرّغها من محتواها العملي، ويفتح الباب أمام إعادة ترتيب سلّم الأولويات، بحيث تصبح مصلحة بقاء النظام، وضمان تدفق المال، وتأمين الحضور الدولي، هي المحركات الحقيقية للسياسة الخارجية. وضمن هذه المعادلة، لا تعود إسرائيل عدوًا وجوديًا، بل طرفًا تفاوضيًا مثل غيره، يملك أوراق ضغط وأدوات مصلحة. وإذا صح هذا التقدير، فإن ما بعد أذربيجان قد لا يكون كما قبلها.


هاني الروسان/ استاذ الجيوبوليتيك والاعلام في جامعة منوبة



#هاني_الروسان (هاشتاغ)       Hani_Alroussen#          


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- التحالفات الروسية بين سردية التخلي والانكفاء الواعي
- لماذا يصر ترامب على تسويق ضرباته لمنشآت ايران النووية على ان ...
- اتفاق وقف اطلاق النار بين ايران واسرائيل: هدنة الضرورة التي ...
- بين تفادي مواجهة واشنطن وتصعيد الصراع مع إسرائيل: قراءة في ا ...
- الهجوم الاسرائيلي على إيران: استنزاف استراتيجي يهدد استقرار ...
- جريمة -جيت- اخر فصل من فصول الانهيار الأخلاقي للجيش الإسرائي ...
- إسرائيل في مواجهة الرأي العام العالمي: الى اين تمضي واي مصير ...
- منع الوفد الوزاري العربي من زيارة رام الله: تأكيد على التمسك ...
- مؤتمر حل الدولتين: استراتيجية هجومية لاقامة الدولة الفلسطيني ...
- -أمريكا اولا- : هل اماتت التحالفات التقليدية؟ وهل تراجعت قيم ...
- هل اولى مخرجات زيارة ترامب للرياض اكدت على الانزياح الاسترات ...
- الاتفاق الأمريكي - الحوثي: هل هو تحول استراتيجي أم تغيير في ...
- التصعيد الإسرائيلي في سوريا: بين الخوف من فقدان احتكار الدور ...
- بعد ان اصبح للرئيس ابو مازن نائبا: هل تستطيع السعودية ان تفر ...
- الحل وطبيعة السلطة الفلسطينية القادمة
- ماذا وراء الاصرار الامريكي على منع ايران من امتلاك سلاح نووي ...
- صفعة ترامب على خد بيبي وانفتاح المستقبل على كل الاحتمالات
- ترامب الذي يصعد مع حلفائه كيف سيكون مع خصومه؟؟
- على ضوء تصور معهد دراسات الامن القومي الاسرائيلي لنموذج الدو ...
- اسرائيل مطلقة اليدين ..... تنفذ مخططاتها دون اعتبار لاي طرف ...


المزيد.....




- لماذا لا يمكنك شراء ساعة -رولكس- جديدة مباشرة من المتجر؟
- بيونسيه تتألّق بتصميم لبناني استغرق 300 ساعة عمل وتزيّن بـ18 ...
- عاصرت الحربين العالميتين والكساد الكبير.. شاهد كيف احتفلت مس ...
- غزة ورأي الأمريكيين بما يحصل.. استطلاع CNN يكشف
- كيف تبدو الخرطوم بعد أشهر من سيطرة الجيش عليها؟
- -الأقوى منذ بداية الحرب-.. الاتحاد الأوروبي يفرض عقوبات جديد ...
- معاهدة كينسنغتون تعيد رسم المحور الأوروبي: هل تقود لندن وبار ...
- الاتحاد الأوروبي يفرض حزمة عقوبات جديدة على روسيا ويخفض سقف ...
- ماكرون يدين -بشدة- قصف إسرائيل لكنيسة -العائلة المقدسة- الخا ...
- كيف يمكنك حماية أطفالك من أخطار الذكاء الاصطناعي؟


المزيد.....

- من الأرشيف الألماني -القتال في السودان – ينبغي أن يولي الأل ... / حامد فضل الله
- حيث ال تطير العقبان / عبدالاله السباهي
- حكايات / ترجمه عبدالاله السباهي
- أوالد المهرجان / عبدالاله السباهي
- اللطالطة / عبدالاله السباهي
- ليلة في عش النسر / عبدالاله السباهي
- كشف الاسرار عن سحر الاحجار / عبدالاله السباهي
- زمن العزلة / عبدالاله السباهي
- ذكريات تلاحقني / عبدالاله السباهي
- مغامرات منهاوزن / ترجمه عبدالاله السباهي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - هاني الروسان - سوريا الشرع في اذربيجان قد لا تكون سوريا ما ثبلها .