أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - هاني الروسان - قطر بين صدمة الواقع والرهان على الوهم














المزيد.....

قطر بين صدمة الواقع والرهان على الوهم


هاني الروسان
استاذ جامعي مختص بالجيوبوليتيك والاعلم في جامعة منوبة ودبلوماسي

(Hani Alroussen)


الحوار المتمدن-العدد: 8466 - 2025 / 9 / 15 - 15:02
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


كنت سأكتب مقالا اعلق فيه على رد الفعل الامريكي على القصف الاسرائيلي للعاصمة القطرية الدوحة غير ان ما تضمنه بيان الخارجية القطربة وما جاء على لسان وزير الخارجية من بعض العبارات مثل استخدامه عبارة "الغادر" التي تعبر عن مستويات من صدمة الرهان على الوهم، جعلني اتجاوز الحديث عن رد الفعل الامريكي واتوقف عند تعبير الهجوم الغادر للوقوف على الدلالات السياسية لمثل هذا التعبير الذي يكشف عن مدى وطبيعة الرهانات القطرية من ناحية وعن حجم السذاجة السياسية في السياسة القطرية وارتكانها على صداقة الولايات المتحدة.
فقد جاء بيان الخارجية القطرية تعليقًا على القصف الإسرائيلي للدوحة وتعليقات وزير الخارجية الشيخ محمد بن عبد الحمن آل ثاني على الحدث محمّلًا بعبارات مألوفة في الخطاب الدبلوماسي مثل "انتهاك السيادة"، "خرق القانون الدولي"، و"مخالفة ميثاق الأمم المتحدة". غير أنّ اللافت في كل ذلك كان توصيف وزير الخارجية للهجوم بأنه "غادر". هذه الكلمة، على بساطتها الظاهرية، ليست مجرد تعبير عاطفي طارئ، بل هي مفتاح لقراءة عميقة في بنية الخطاب السياسي القطري، تكشف من جهة عن طبيعة الرهانات التي تعقدها الدوحة، ومن جهة أخرى عن هشاشة المقاربة التي تعتمدها في مواجهة واقع إقليمي ودولي شديد التعقيد.
فمن الناحية اللغوية، يحمل الخطاب القطري ازدواجية لافتة: فهو من جهة يوظف المعجم القانوني الذي يمنح القول طابعًا عقلانيًا ورسميًا، ومن جهة ثانية يجنح إلى معجم وجداني انفعالي يستحضر صورة الضحية المصدومة من خيانة غير متوقعة. "الغدر" هنا لا يضيف معلومة جديدة إلى توصيف الحدث بقدر ما يضفي قيمة أخلاقية، فينزلق البيان من مستوى التقرير إلى مستوى التقييم. وهذا التحول ليس بريئًا، بل يكشف أن الدوحة، في لحظة الأزمة، فضّلت مخاطبة الوجدان الجمعي العربي والإسلامي لاستدرار عطفه في لحظة خذلان وفقا لفهمها لطبيعة علاقاتها مع كل من اسرائيل والولايات المتحدة، قبل مخاطبة الفاعلين الدوليين. فالغدر في الثقافة العربية ليس مجرد خديعة، بل هو وصمة عار مرتبطة بنقض العهود والمواثيق، ما يجعله حمّالًا لشحنة دلالية قوية توظَّف لاستدرار التعاطف والشجب.
لكن حين ننظر إلى العبارة من زاوية تداولية، أي من حيث مقاصدها الاتصالية، فإنها تنطوي على مفارقة أعمق. فالغدر لا يكون إلا من طرف يُنتظر منه التزام أو مراعاة، لا من عدو معلن. هذا يوحي بأن قطر كانت تراهن، ولو ضمنيًا، على أن علاقتها بالولايات المتحدة ستمنع إسرائيل من استهدافها بشكل مباشر، أو على الأقل ستجعلها في مأمن من صدمات بهذا الحجم. وبالتالي، فإن الصدمة المعلنة لم تكن من إسرائيل وحدها، بل من الحليف الأمريكي الذي لم يبدِ سوى رد فعل بارد، لم يرتقِ إلى مستوى حماية "الصديق". وهكذا يتحول "الغدر" إلى شهادة غير مباشرة على وهم الرهان على المظلة الأمريكية.
إنّ الجمع بين مفردات القانون الدولي من ناحية، ومفردات الوجدان والعاطفة من ناحية أخرى، يعكس في العمق ارتباكًا في الرؤية القطرية. فهي تريد أن تؤكد لنفسها وللعالم أنها دولة ذات سيادة تستند إلى الشرعية الدولية، لكنها في الآن ذاته تتحدث بلسان الضحية التي فوجئت بخيانة غير متوقعة. والنتيجة خطاب متردد، يتأرجح بين العقلانية والوجدانية، بين صورة الدولة الفاعلة وصورة الدولة المصدومة.
الأهم من ذلك أنّ اختيار "الغدر" بوصفه التوصيف الأبرز للهجوم يحيل إلى مأزق أكبر، فقطر لا تزال تتعامل مع العلاقات الدولية بمنطق الوفاء والخذلان، لا بمنطق القوة والمصلحة. فهي تستحضر صورة الصديق الذي نكث بالعهد، في حين أنّ السياسة الواقعية لا تعترف بمثل هذه الاعتبارات، بل تقوم على حسابات دقيقة للمصالح والاستراتيجيات. ومن هنا، فإن الخطاب الذي بدا للوهلة الأولى إدانة قوية لإسرائيل، يكشف في العمق عن انكشاف بنية السياسة القطرية أمام واقع دولي لا مكان فيه للأوهام الأخلاقية.
وبذلك يمكن القول إن "الهجوم الغادر" ليس مجرد وصف عابر، بل هو علامة لغوية كاشفة عن أزمة أوسع، أزمة دولة صغيرة راهنت أكثر مما ينبغي على صداقة الولايات المتحدة، فوجدت نفسها وجها لوجه مع حقيقة أنّ واشنطن لن تضحي بتحالفها العضوي مع إسرائيل من أجلها. في النهاية، ما جرى لم يكن غدرًا بقدر ما كان تذكيرًا قاسيًا بحدود السياسة الواقعية، وبأن الشرعية الدولية لا تحمي من الصواريخ، وأن التحالفات لا تُبنى على العواطف، بل على موازين القوة وحدها.

هاني الروسان/ استاذ الاعلام والجيوبوليتيك في جامعة منوبة



#هاني_الروسان (هاشتاغ)       Hani_Alroussen#          


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- صدقية الاعتراف بالدولة الفلسطينية رهين بحماية السلطة ووقف حر ...
- نفس الاهداف ونفس النتائج: منع تأشيرة الرئيس ابو مازن يعيد لل ...
- اسرائيل ابنة الكذبة لا تستمر في البقاء الا بقتل الحقيقة
- هل يكفي التسويق الكلامي التركي للعب دور اقليمي؟؟
- ضرورات ما بعد الاعتراف بالدولة الفلسطينية
- اسرائيل لن توقف الحرب على غزة التي تدحرجت من انتقامية الى تأ ...
- هل تكون السويداء مخبر القادم؟؟
- سوريا الشرع في اذربيجان قد لا تكون سوريا ما ثبلها .
- التحالفات الروسية بين سردية التخلي والانكفاء الواعي
- لماذا يصر ترامب على تسويق ضرباته لمنشآت ايران النووية على ان ...
- اتفاق وقف اطلاق النار بين ايران واسرائيل: هدنة الضرورة التي ...
- بين تفادي مواجهة واشنطن وتصعيد الصراع مع إسرائيل: قراءة في ا ...
- الهجوم الاسرائيلي على إيران: استنزاف استراتيجي يهدد استقرار ...
- جريمة -جيت- اخر فصل من فصول الانهيار الأخلاقي للجيش الإسرائي ...
- إسرائيل في مواجهة الرأي العام العالمي: الى اين تمضي واي مصير ...
- منع الوفد الوزاري العربي من زيارة رام الله: تأكيد على التمسك ...
- مؤتمر حل الدولتين: استراتيجية هجومية لاقامة الدولة الفلسطيني ...
- -أمريكا اولا- : هل اماتت التحالفات التقليدية؟ وهل تراجعت قيم ...
- هل اولى مخرجات زيارة ترامب للرياض اكدت على الانزياح الاسترات ...
- الاتفاق الأمريكي - الحوثي: هل هو تحول استراتيجي أم تغيير في ...


المزيد.....




- كيندال جينر تختار-الأناقة العملية- بنظارات طبية وتسريحة على ...
- مطالبًا بـ15 مليار دولار.. ترامب يقاضي صحيفة نيويورك تايمز
- توقعات القنصل العام الإسرائيلي السابق بنيويورك بشأن غزة.. شا ...
- -دول الخليج تُخيّر ترامب: إما نحن أو إسرائيل- - في الإيكونوم ...
- اليوم 711 للحرب على القطاع.. ضحايا بالعشرات جرّاء الغارات ال ...
- تقرير أممي يتهم إسرائيل بارتكاب إبادة جماعية في غزة وتل أبيب ...
- ترامب يرفع دعوى تشهير ضد صحيفة نيويورك تايمز ويطالب بتعويض 1 ...
- جراحة نادرة: زراعة سن في عين مريض تعيد له البصر
- تومي روبنسون.. قصة صعود يميني بريطاني متطرف مثير للجدل
- استعدادات ملكية في بريطانيا لاستقبال ترامب في ثاني زيارة دول ...


المزيد.....

- الحجز الإلكتروني المسبق لموسم الحنطة المحلية للعام 2025 / كمال الموسوي
- الأرملة السوداء على شفا سوريا الجديدة / د. خالد زغريت
- المدخل الى موضوعة الحوكمة والحكم الرشيد / علي عبد الواحد محمد
- شعب الخيام، شهادات من واقع احتجاجات تشرين العراقية / علي الخطيب
- من الأرشيف الألماني -القتال في السودان – ينبغي أن يولي الأل ... / حامد فضل الله
- حيث ال تطير العقبان / عبدالاله السباهي
- حكايات / ترجمه عبدالاله السباهي
- أوالد المهرجان / عبدالاله السباهي
- اللطالطة / عبدالاله السباهي
- ليلة في عش النسر / عبدالاله السباهي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - هاني الروسان - قطر بين صدمة الواقع والرهان على الوهم