صالح مهدي محمد
الحوار المتمدن-العدد: 8473 - 2025 / 9 / 22 - 22:17
المحور:
الادب والفن
في زاوية المدينة التي تتنفس صمتها، تتكدس وجوه الذاكرة كأوراق شجر متساقطة لم يعرف أحد كيف سقطت.
أرى وجوهًا تتشكل في مرايا النوافذ، لكنها تختفي قبل أن أتمكن من نطق اسمها، كأنها خجلت من الضوء.
أسير في الشوارع التي لا تنتهي، وفي كل منعطف تتراءى لي أشخاص لم ألتق بهم،
لكنني أعرف أنهم أنا، أو أنني كنت سأكون أنا لو أن الحياة أخذت مسارًا مختلفًا.
الأشياء هنا تتحدث بلغة غير مألوفة؛ الأرصفة تهدهد خطواتي، والأبواب تتثاءب قبل أن أفتحها.
أجلس على مقعد بلا ظل، أراقب ضحكات وأحزان تتصادم في الهواء،
وأدرك أن وجوه الذاكرة ليست وجوهًا، بل لحظات عالقة بين ما كان وما يمكن أن يكون.
أحيانًا أرى طفلاً يركض بين ظلال الأشجار، يبتسم لي وكأننا على وفاق منذ زمن لم أعيه.
ثم تتلاشى اللحظة، ويبقى فقط صدى ضحكته في أذني،
صدى يشبه الريح التي تتسلل بين فصول الكتاب الذي لم أكتبه بعد.
أتابع المشي، وكل خطوة تهوي بي إلى فضاءات غير محددة،
حيث تلتقي العيون الخافتة للغائبين بعيني، فتخبرني عن أمكنة تنزه لم يُرسم لها خرائط،
عن لحظات كانت مشتعلة قبل أن تُنسى، وعن أسرار تختبئ في طيات الظل.
وفي النهاية، أكتشف أن الذاكرة ليست مكانًا، ولا وجوهًا،
بل شيء أعيش فيه وأنا أختفي داخله، ألتقط لمحة من ذاتي بين ضحكات الأشجار ونزق الريح،
وأغادر، مكتفياً بأن أكون شاهدًا على وجوه اختفت قبل أن أعرفها،
لكنها تركت بصمة خفية، تجعل من المشي في المدينة رحلة إلى اللاوعي،
حيث كل وجه، كل لحظة، كل ظل، يهمس: "أنا هنا، حتى لو لم تعد تتذكرني."
#صالح_مهدي_محمد (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟