هدى زوين
كاتبة
(Huda Zwayen)
الحوار المتمدن-العدد: 8473 - 2025 / 9 / 22 - 21:33
المحور:
الإستعمار وتجارب التحرّر الوطني
في الجنوب اللبناني، لا تمرّ الذكرى السنوية للشهادة كأيّ يوم عابر. هناك، في القرى المتواضعة والجبال الصامدة، تتفتّح ذاكرة الأرض مع كل نسمة هواء، وتعيد سرد حكاية أولئك الذين ارتقوا ليكونوا حُرّاس الوطن وحماة الأرض.
شهداء الجنوب هم أبناء الحقول والبيوت المتواضعة، أبناء القرى التي طالما احتضنت الفقر بصبر، لكنها رفضت أن تحتضن الذلّ. خرجوا من بين سنابل القمح ومن ظلّ الزيتون، تركوا خلفهم عائلات تنتظر عودتهم، لكنهم عادوا إلى الأرض أحياءً فيها، خالدين عليها، تسجّل دماؤهم مسيرة الحرية بمدادٍ لا يزول.
الجنوب لم يعرف الراحة يومًا، فقد كان منذ عقود ساحة للصراع والمقاومة. حمل على كتفيه أثقال الاحتلال، لكنّه أبدًا لم ينحنِ. وفي كل معركة، كان هناك شهيد يعلن أن الأرض لا تتنازل، وأن جذور الزيتون لا تُقتلع، وأن دماء الأبرياء تتحوّل إلى نهر يغذّي شجرة الوطن.
إنّ الشهادة في الجنوب لم تكن خيارًا فرديًا بقدر ما كانت قدرًا جماعيًا، مسيرة طويلة رسمت هوية جيل بعد جيل. هؤلاء الشهداء لم يكتبوا وصاياهم بالكلمات، بل بالدم، ولم يتركوا خطابات طويلة، بل تركوا صمتًا يصرخ في وجه العالم: "هنا وطن لا يُباع، هنا أرض لا تُفرّط."
اليوم، ونحن نستحضر ذكراهم، لا نقف أمام الموت بل أمام الحياة التي صنعوها لنا. هم الذين منحونا معنى الكرامة، هم الذين حوّلوا الخوف إلى شجاعة، واليأس إلى أمل. إنّهم الشموع التي أضاءت دروب الجنوب، حتى صار الجنوب مدرسة في الصمود والتحدّي.
أيها الشهداء، يا أبناء الأرض التي أنجبتكم، أنتم الحكاية التي لا تنتهي، وأنتم الذاكرة التي لا تُمحى. ستبقى أسماؤكم محفورة في تراب الجنوب، ترويها الأجيال كما تروي الأمهات قصص البطولة لأطفالهنّ، وكما تروي السنابل حكاية المطر.
فالتحية لكم في ذكراكم، والتحية لكل أم شهيد احتضنت دموعها لتقدّم للوطن زهرة جديدة من قلبها. والتحية لكل جنوبٍ ما زال يقف حارسًا للكرامة، يردّد أن الشهداء لم يغادروا، بل يسكنون كل بيت، وكل قلب، وكل حبة تراب من أرضنا المقدسة.
#هدى_زوين (هاشتاغ)
Huda_Zwayen#
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟