هدى زوين
كاتبة
(Huda Zwayen)
الحوار المتمدن-العدد: 8455 - 2025 / 9 / 4 - 01:45
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
في كلّ عصرٍ من عصور الإنسانية، تتجلّى الحكايات ذاتها ولكن بوجوهٍ مختلفة. تتبدّل الأسماء، وتتغيّر الأزمنة، لكن الأزمة تبقى واحدة: أزمة بشر. ليست الأزمة في ندرة الناس، فهم كُثُر على مرّ التاريخ، وإنما في قلّة أولئك الذين يملكون الوعي والرؤية والضمير الحي.
منذ فجر الحضارات، كانت البشرية تبحث عن "الكفوء" الذي يحمل همّها ويقودها نحو برّ الأمان. ولطالما خرج من بين الركام قادة، مفكرون، علماء، وأصحاب رسالة، يثبتون أن الأرض لا تخلو من الصالحين. غير أنّ المعضلة الكبرى تكمن في أن هؤلاء يظلون قلة، أشبه بالنجوم في ليلٍ حالك، تحاول أن تهدي الطريق وسط بحرٍ من الغفلة.
إن أزمة البشر ليست أزمة عدد، بل أزمة قيم. فما أكثر من يملأون الأرض ضجيجًا وصراعًا، وما أقلّ من ينشرون فيها نورًا وعدلًا وسلامًا. وحين يغيب صوت الضمير وتُستبدل الحقيقة بالمصالح، يتحوّل الإنسان من قيمة إلى أداة، ومن رسالة إلى رقمٍ في جداول الحياة.
لقد مرّت الأزمنة، وكلّ زمنٍ كان يحمل وعودًا بولادة إنسانٍ جديد، أكثر وعيًا وعدلًا ونضجًا. لكن الواقع كثيرًا ما خذل التطلعات، فخرجت أجيالٌ ممزقة بين الوعي والزيف. يخرج بعضهم بعقول متقدة وأرواح مشعة، فيما يذوب آخرون في عتمة الجهل والأنانية. وهكذا تستمر الدورة، وكأن التاريخ يصرّ على اختبار البشرية مرارًا وتكرارًا.
ما نعيشه اليوم ليس إلا امتدادًا لتلك الأزمة. في زمنٍ امتلأ بالمعلومة وسُرعة الاتصال، أصبحنا أكثر افتقارًا إلى الحكمة وأقرب إلى الانعزال. كأنّ كثرة الوسائل لم تُنتج وعيًا بقدر ما أنتجت ضجيجًا، وكأنّ الإنسان المعاصر فقد بوصلة المعنى وسط زحمة التفاصيل.
لكن، ورغم قتامة المشهد، يظلّ الأمل قائمًا. فكما يخرج من الظلمة نور، تخرج من بين الحشود أصوات صادقة، تحمل بذور التغيير وتذكّرنا بأن الإنسانية لم تمت بعد. أزمة البشر ليست قدرًا أبديًا، بل دعوة دائمة إلى مراجعة الذات، وإلى صناعة أجيالٍ تعرف أنّ الإنسان قيمة لا تُختزل بالعدد، وأنّ الحضارة تُبنى بالعقول والقلوب قبل أن تُبنى بالحجارة.
إن الخروج من هذه الأزمة لا يكون بانتظار "المنقذ" وحده، بل بتحمّل كلّ فردٍ لمسؤوليته. فالأمم لا تنهض إلا حين يدرك كل إنسانٍ أنه جزء من الحل، لا مجرد شاهد على المشكلة. وحين نصل إلى تلك القناعة، ربما نكون قد بدأنا كتابة فصلٍ جديدٍ في تاريخ البشرية، فصلٍ لا يحمل عنوان "أزمة بشر"، بل "نهضة إنسان".
#هدى_زوين (هاشتاغ)
Huda_Zwayen#
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟