أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفساد الإداري والمالي - هدى زوين - حين تمرض العقول... يُصاب الوطن..














المزيد.....

حين تمرض العقول... يُصاب الوطن..


هدى زوين
كاتبة

(Huda Zwayen)


الحوار المتمدن-العدد: 8401 - 2025 / 7 / 12 - 09:44
المحور: الفساد الإداري والمالي
    


في زمنٍ تتسارع فيه الأحداث، وتتشابك فيه المصالح، يُصبح العقل السليم عملةً نادرة، ويغدو التفكير الرشيد حاجةً ملحّة لا ترفًا فكريًا. ولعلّنا اليوم، أكثر من أي وقت مضى، بحاجة إلى أن نعيد طرح سؤال بسيط لكنه بالغ الأثر: هل على المريض حرج؟

من الناحية الإنسانية، لا شك أن للمريض حقّ الرعاية والعذر، فالعقل إذا اختلّ، سقط عنه التكليف، وسقطت عنه المسؤولية. لكن، ماذا لو أصبحت العقول المريضة في قلب صناعة القرار؟ ماذا لو أمسكت هذه العقول بزمام الأمور، وتقدّمت الصفوف، ودخلت إلى قلب التنسيقيات، واللجان، والمجالس، تحت شعار “إصلاح الواقع” و“إعادة بناء الوطن”؟
هنا لا يعود السؤال عن الحرج، بل عن الكارثة.

لقد شهدنا في السنوات الأخيرة، تسلّل العديد من الشخصيات إلى مواقع المسؤولية، لا تملك من المؤهلات سوى الصوت المرتفع، ولا من الرؤية سوى الوهم، ولا من النوايا سوى تغليف المصالح الشخصية بشعارات وطنية. عقولٌ مشوشة، متضخمة، مأزومة، تصدّرت المشهد وهي تحمل أمراضًا فكرية لا تُرى بالعين المجردة، لكنها تُلمس في النتائج: التخبط، الفساد، التراجع، وانعدام الثقة.

إن أخطر ما يمكن أن يُبتلى به بلدٌ ما، هو أن تُدار مفاصله الحيوية من قبل أشخاص يعانون من فقرٍ في الفهم، وغرورٍ في الرؤية، وانفصالٍ عن نبض الشارع. هؤلاء لا يُنتجون حلولًا، بل يُنسقون للفشل. لا يُصلحون واقعًا، بل يعيدون تدوير الخراب. ويزعمون، في كل ظهور، أنهم أصحاب مشروع، وأمناء على “المفاهيم الواقعية”، لكن واقعهم لا يُشبه الواقع بشيء، بل هو امتداد لوهمٍ قديم في ثوبٍ جديد.

في خضمّ كل ذلك، تضيع المفاهيم، وتختلط الأولويات، ويُصبح بناء الوطن معلقًا بين مؤتمرات لا تنعقد، وخطط لا تُنفّذ، وتصريحات لا تُقنع. وتتحوّل كلمات مثل "الاستراتيجية"، و"الإصلاح"، و"النهضة" إلى مجرد مفردات فضفاضة، يتداولها مرضى النفوس وكأنهم أطباء الواقع.

فكيف لو كان هؤلاء لا يُدركون أنهم مرضى؟
هنا يصبح المرض مضاعفًا، إذ يجتمع فيه الغرور مع الجهل، والعناد مع اللاوعي، وتتحوّل السلطة إلى مرآة يكبر فيها المرض أكثر فأكثر، حتى يُصيب نسيج المجتمع كلّه.

ولعلّ الأخطر من كل ما سبق، أن هذه العقول المريضة تدخل إلى “الإطار التنسيقي” – لا بمعناه السياسي فقط، بل الثقافي والفكري والإعلامي أيضًا – وتحاول أن تعيد تعريف مفاهيم كالوطن، والولاء، والهوية، بما يتناسب مع حدودها الضيقة.
فتُصبح الوطنية مسايرة، والكرامة عنادًا، والنقد خيانة، والسكوت حكمة، والجهل "فهمًا بديلًا". وهكذا، يختنق الوعي، ويُجفّف منبعه، وتُحاصر العقول السليمة حتى تهمش أو تُسكت أو تُقصى.

لكن، رغم هذا الظلام، يبقى في الأفق بصيص نور.
فالعقل السليم لا يموت، والوعي الحقيقي لا يُطفأ. بل هو كالنهر، قد يُسدّ مجراه، لكنه لا يلبث أن يشقّ طريقه من جديد.
والأوطان، مهما طال ليلها، تعرف أبناءها الحقيقيين، أولئك الذين لا يهرولون إلى الكراسي، بل يحملونها مسؤولية، ولا يُراهنون على المصالح، بل على المبادئ.

في النهاية، نعود إلى سؤالنا الأول:
هل على المريض حرج؟
نعم، لكن حين يُترك المرض بلا علاج، ويُصبح المريض هو صاحب القرار، فالحرج لا يعود على الفرد فقط، بل على وطنٍ بأكمله.

وعلينا، إن كنا نريد بناء بلد، أن نُعيد الاعتبار للعقل السليم، وأن نُبعد عن مواقع التأثير كل عقل مريض، مهما علا صوته أو كثر أتباعه.
فالأوطان لا تُبنى بالأصوات المرتفعة، بل بالأفكار الواضحة.
ولا تُنهضها الشعارات، بل ترفعها القيم.



#هدى_زوين (هاشتاغ)       Huda_Zwayen#          


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الحياة تعيد نفسها...لكن الوجوه تتبدل...
- المهرجانات المزيفة: حين تتحوّل المنصات إلى مسارح للتفاهة
- بين وعود السماء ووعود الأرض... أتى الوعد الصادق
- بين الذاكرة الموروثة والذاكرة المبرمجة: صراع الإنسان في زمن ...
- من دفء العلاقات إلى برودة الشاشات..
- غرباء ..في زمن كنا نعرفه.
- لأنّي لم أستسلم... كتبتُ حكايتي على وجه الزمن
- حين تُخترق الحقيقة: الهكر وصوت الإعلامي الحر...
- -لا شرف في الجريمة... صرخة امرأة ضد الصمت-
- أرقام امرأة...كيف تحوّلت حياة النساء إلى جدول حسابات اجتماعي ...
- الإعلامي والصحفي: تشابه الأدوار واختلاف الجذور
- العالم كما هو: بين تفاوت الطرق وتفاوت الأرواح
- الحرية... أن تولد من جديد كل يوم-
- احتضن تفردك: لأنك لا وُجدت لتُشبه أحدًا-
- نقطة البداية: أن تُحبك كما تستحق-
- عندما تصبح التنازلات وقودا للعلاقات السامة
- جرائم الإعلام ونقاط مخفية لا يراها الجمهور
- عمالة القادة..خيانة العصر وتلويث دماء الأوطان
- سبعة أيام من الحلم: لقاء تجاوز حدود الواقع
- سبعة أيام من الحلم: لقاء تجاوز حدود الواقع


المزيد.....




- سيدة تعثر على قطة مقطوعة إلى نصفين في فناء منزلها.. ما القصة ...
- تداول فيديو لـ-هروب مسلحين دروز أمام ضربات العشائر في السويد ...
- ترامب يهدد بمقاضاة صحيفة وول ستريت جورنال بسبب مقال زعمت فيه ...
- حفل خطبة بمدينة الزاوية الليبية بالأسلحة الثقيلة
- السويداء.. عشائر البدو تتوجه إلى السويداء
- قمة آسيان 2025: محاولات لإعادة تشكيل التجارة العالمية
- الخرطوم تكابد لإعادة مستشفيات حيوية للعمل وسط تحديات كبرى
- خطة أقل طموحا لمجموعة العشرين حول معالجة مخاطر المناخ
- البرازيل تقر قانونا بيئيا مثيرا للجدل قد يسهّل إزالة الغابات ...
- عراقجي يطالب الأوروبيين بترك التهديد ولاريجاني يستبعد التفاو ...


المزيد.....

- The Political Economy of Corruption in Iran / مجدى عبد الهادى


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفساد الإداري والمالي - هدى زوين - حين تمرض العقول... يُصاب الوطن..