صلاح الدين ياسين
باحث
(Salaheddine Yassine)
الحوار المتمدن-العدد: 8472 - 2025 / 9 / 21 - 15:04
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
وُلد ميشيل فوكو عام 1926 في فرنسا وتوفي عام 1984. وهو يُعد من أبرز فلاسفة ما بعد الحداثة، إذ ترك أثرًا عميقًا في ميادين متعددة كالفلسفة، وعلم الاجتماع، والأنثروبولوجيا، والدراسات الثقافية. لقد كان فوكو يسعى دائمًا لتقويض المُسَلَّمات وكشف آليات السيطرة الخفية داخل المجتمعات.
أولا: نقد المفهوم التقليدي للسلطة
إن أحد أبرز إسهامات فوكو هي إعادة تعريفه لمفهوم السلطة، إذ كان يُنظر إلى السلطة غالبًا على أنها كيان مركزي (مثل الدولة أو المَلك) يمتلك القدرة على القمع والمنع. لكن فوكو يرى أن السلطة هي علاقة منتشرة ومتدفقة في كل جوانب المجتمع.
وهكذا، ركز فوكو على نوعين من السلطة:
- السلطة السيادية: هي الشكل التقليدي للسلطة، والتي تُركز على حق الحاكم في فرض القوانين والمعاقبة والمنع.
- السلطة التأديبية: هذا هو المفهوم الأكثر ابتكارًا وواقعية عند فوكو. إذ يرى أن السلطة الحديثة لا تعمل فقط بالقمع، بل تعمل بشكل أكبر من خلال التدريب والمراقبة وتشكيل الأفراد. تتجسد هذه السلطة في مؤسسات مثل المدارس، والمستشفيات، والسجون، والمصانع. هذه المؤسسات لا تمنع الناس فقط، بل تشكل سلوكياتهم، وتنتج بَشَرًا طَيِّعين ومُنتِجين من خلال جداول زمنية دقيقة، وسلوكيات منظَّمة، ومراقبة مستمرة.
ثانيا: العلاقة بين المعرفة والسلطة
يرى فوكو أن هناك علاقة وثيقة بين المعرفة والسلطة، فهما لا ينفصلان، إذ لا توجد معرفة محايدة أو بريئة بمعزل عن علاقات السلطة، ذلك أن المعرفة تُنتَج وتُستخدم وتُفرض من خلال السلطة بما يخدم أغراض الأخيرة. فالمؤسسات (مثل المدرسة، السجن، المستشفى، إلخ) تُنتج "أنظمة معرفة" تساعدها في ضبط الأفراد. مثلاً، في مجال الطب، تُحدد المعرفة الطبية ما هو "صحي" وما هو "مَرَضي"، وتُعطي الأطباء (كممثلين للسلطة) القدرة على تشخيص الأمراض وعلاجها، وبالتالي التحكم في أجساد الأفراد.
ويُعتبر مفهوم الخطاب (Discourse) أيضا أساسي في فكر فوكو. فالخطاب ليس مجرد لغة أو كلام، بل هو مجموعة من القواعد التي تحدد ما يمكن قوله، وما هو صحيح، وما هو ممنوع. وعليه، فإن الخطابات تُشكل فهمنا للواقع وتحدد هويتنا. إن هذه الخطابات بدورها ليست محايدة، بل هي ذات طابع سلطوي.
وتأسيسا على ذلك، يرى فوكو أن الذات أو الهوية الشخصية ليست ثابتة أو فطرية، بل هي نتاج للممارسات الاجتماعية والتاريخية والسلطوية. فنحن نُشكل ذواتنا من خلال استيعابنا للخطابات والمعايير التي تُفرض علينا.
#صلاح_الدين_ياسين (هاشتاغ)
Salaheddine_Yassine#
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟