أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - صلاح الدين ياسين - المستبد المستنير: هل هو ضرورة تاريخية أم نمط حكم عقيم؟














المزيد.....

المستبد المستنير: هل هو ضرورة تاريخية أم نمط حكم عقيم؟


صلاح الدين ياسين
باحث

(Salaheddine Yassine)


الحوار المتمدن-العدد: 8433 - 2025 / 8 / 13 - 22:12
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


في خضم القرن الثامن عشر، عصر التنوير الذي احتفى بالعقل والحرية، ظهر نموذج حكم عُرف بـ "المستبد المستنير" أو "الحكم المطلق المستنير". يمثل هذا المفهوم محاولة فريدة للتوفيق بين السلطة المطلقة للملوك والأفكار التقدمية التي نادى بها فلاسفة مثل فولتير، وديدرو، ومونتسكيو. فهل كان هؤلاء الحكام "مستنيرين" حقًا، أم أن الاستنارة كانت مجرد قناع لتقوية سلطتهم المركزية؟
المستبد المستنير هو حاكم يمتلك سلطة مطلقة، ولكنه يستخدم هذه السلطة لتطبيق إصلاحات سياسية واجتماعية واقتصادية مستوحاة من أفكار عصر التنوير. وعلى عكس الطغاة التقليديين الذين يحكمون لمصلحتهم الشخصية، يدّعي المستبد المستنير أن هدفه هو تحقيق رفاهية شعبه.
أولا: أمثلة تاريخية
برز في أوروبا أثناء عصر التنوير (القرن 18) ثلاثة نماذج رئيسية للمستبد المستنير، كل منهم ترك بصمة واضحة على تاريخ بلاده:
- فريديريك الكبير (1740-1786) - ملك بروسيا: يُعتبر فريدريك المثال الأبرز للمستبد المستنير. فقد أجرى إصلاحات داخلية واسعة، مثل إلغائه للتعذيب كوسيلة للاستجواب، وإقراره للتسامح الديني، كما سمح بقدر نسبي من حرية الصحافة والنقاش الفلسفي، قائلاً: "جادلوا كما تشاؤون وحول ما تشاؤون، ولكن أطيعوا".
- كاثرين العظيمة (1762-1796) - إمبراطورة روسيا: على الرغم من أنها استولت على السلطة بانقلاب على زوجها، سعت كاثرين لتقديم نفسها كحاكمة مستنيرة تهدف إلى تحديث روسيا الدولة الشاسعة والمتخلفة، حيث أسست أول معهد لتعليم الفتيات في روسيا (معهد سمولني)، ودعمت العلوم والفنون بشكل كبير.
- جوزيف الثاني (1765-1790) - إمبراطور النمسا: يُعتبر جوزيف الثاني الأكثر راديكالية بين المستبدين المستنيرين، وربما الأقل نجاحًا بسبب سرعته في فرض الإصلاحات التي ووجهت بمعارضة شرسة مثل إلغاء القنانة (عبودية الأرض)، وإصدار مرسوم التسامح الديني.
ثانيا: أمثلة معاصرة
إن هذا النمط من الحكم، الذي يمزج بين السلطة المطلقة والإصلاحات التنموية، لم يختفِ تمامًا في عصرنا. فبدلاً من الملوك الذين يستلهمون أفكار فلاسفة التنوير، نجد اليوم قادة يتمتعون بسلطة شبه مطلقة، ويستخدمونها لتطبيق إصلاحات اقتصادية واجتماعية جذرية:
- لي كوان يو: يُعتبر الأب المؤسس لسنغافورة، لي كوان يو (حكم من 1959 إلى 1990)، المثال الأكثر شهرة في العصر الحديث. عندما تولى السلطة، كانت سنغافورة جزيرة صغيرة تفتقر إلى الموارد الطبيعية وتعاني من التوترات العرقية. وخلال ثلاثة عقود، تحولت إلى واحد من أغنى المراكز المالية والتجارية في العالم.
- بول كاغامه - رواندا: قاد بول كاغامه رواندا منذ نهاية الإبادة الجماعية المروعة عام 1994. يُنسب إليه الفضل في تحقيق الاستقرار، وإعادة بناء الدولة من رماد الحرب الأهلية، وتحقيق نمو اقتصادي مذهل، حتى أُطلق على رواندا لقب "سنغافورة إفريقيا".
- محمد بن سلمان: منذ صعوده إلى السلطة، أطلق ولي العهد السعودي "رؤية 2030"، وهي خطة إصلاحية طموحة تهدف إلى تحديث المملكة ثقافيا واجتماعيا عن طريق التخفيف من طابعها الديني المحافظ الذي أعاق تطورها، وتنويع اقتصادها بعيدًا عن النفط.
ثالثا: حدود الاستبداد المستنير
يكمن التناقض الجوهري في هذا المفهوم في عبارة "المستبد المستنير" نفسها. فالاستنارة قامت على مبادئ الحرية والديمقراطية، وهي قيم تتنافى بطبيعتها مع السلطة المطلقة التي يتمتع بها المستبد. فحينما تعارضت مبادئ التنوير مع مصالح السلطة الحاكمة، كانت السلطة هي التي تنتصر دائمًا، ذلك أن فريدريك الكبير لم يتردد في خوض الحروب، وكاثرين العظيمة سحقت ثورة الفلاحين بوحشية، وتخلت عن الكثير من خططها الليبرالية بعد الثورة الفرنسية التي أثارت رعبهما معا.
وعموما، ساهم هؤلاء الحكام، رغم تناقضاتهم، في تحديث دولهم وإضعاف البنى الإقطاعية القديمة، ونشر أفكار التسامح والعقلانية، والتمهيد للثورات السياسية اللاحقة. ومع ذلك، أظهرت تجربتهم أن الإصلاح الحقيقي لا يمكن أن يُفرض بالكامل من الأعلى، بل لا بد من إصلاح قاعدي تضطلع به النخب الفكرية عبر نشر أفكار التنوير في المجتمع، حتى تكتسب تلك الإصلاحات مشروعية قوية تحميها من أية انتكاسات قد تتعرض لها.



#صلاح_الدين_ياسين (هاشتاغ)       Salaheddine_Yassine#          


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- حين تُحسم الحرب من خلف الستار: دور المخابرات في الصراعات الح ...
- ما هي عوامل التحول الديمقراطي؟
- حين تصبح السماء ساحة معركة: كيف تغيرت قواعد الدفاع الجوي؟
- كيف تنعش الحروب الرأسمالية؟
- لماذا تُعد مكافحة التجسس أصعب من التجسس نفسه؟
- هل اقتربت حقا نهاية عصر النفط؟
- لماذا يعتبر محافظ البنك المركزي أخطر منصب اقتصادي؟
- الجاسوس الذي باع أسرار أمريكا: قصة ألدريتش أميس
- حين تُصبح الجغرافيا لاعباً سياسياً: هل هي نعمة أم نقمة؟
- فيتنام تغير جلدها: عندما تتصالح الشيوعية مع السوق
- تجربة ميليغرام: لماذا يطيع الإنسان أوامر تؤذي الآخرين؟
- الجاسوس الذي عرف أكثر مما يجب: ماركوس كلينبرغ وأسرار الحرب ا ...
- الطائرات المسيرة: سلاح المستقبل الذي غيّر وجه المعارك
- قيصر الغناء كاظم الساهر: الفن الأصيل في زمن السرعة
- لماذا لم تسقط الرأسمالية؟ مفاجآت لماركس بعد 150 عامًا
- العقوبات الاقتصادية... هل هي أداة فعالة؟
- الحزام والطريق: المشروع الصيني الذي يعيد رسم خريطة العالم
- حروب المياه: الصراع القادم على شريان الحياة
- المؤامرة الكبرى: لماذا تنتشر الروايات البديلة رغم غياب الأدل ...
- القنبلة في الظل: كيف صنعت كوريا الشمالية سلاحها النووي


المزيد.....




- حطم الباب وهرب.. خروف يكسب حريته بعد فراره من جزار بطريقة اس ...
- فيديو منسوب إلى حفيدة الخميني نعيمة طاهري.. ما حقيقته؟
- -إسرائيل الكبرى-.. الأردن يرد على تصريحات نتنياهو: خطاب تحري ...
- قبيل لقائه به.. ترامب يهدد بوتين بـ-عواقب وخيمة - ويحاور قاد ...
- صدام حفتر نائبا لأبيه .. مشروع توريث يعقد المشهد الليبي المن ...
- صحفيو جنوب أفريقيا يرفعون صوتهم من أجل غزة وينعون شهداء الحق ...
- بالفيديو.. الحرائق في سوريا تعود مجددا
- تعرف على مستويات الحماية الثمانية في أجهزة آبل
- لبنان يعيد رسم معادلة السلاح خارج الدولة
- قنبلة -إسرائيل الكبرى- التي ألقاها نتنياهو


المزيد.....

- الأرملة السوداء على شفا سوريا الجديدة / د. خالد زغريت
- المدخل الى موضوعة الحوكمة والحكم الرشيد / علي عبد الواحد محمد
- شعب الخيام، شهادات من واقع احتجاجات تشرين العراقية / علي الخطيب
- من الأرشيف الألماني -القتال في السودان – ينبغي أن يولي الأل ... / حامد فضل الله
- حيث ال تطير العقبان / عبدالاله السباهي
- حكايات / ترجمه عبدالاله السباهي
- أوالد المهرجان / عبدالاله السباهي
- اللطالطة / عبدالاله السباهي
- ليلة في عش النسر / عبدالاله السباهي
- كشف الاسرار عن سحر الاحجار / عبدالاله السباهي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - صلاح الدين ياسين - المستبد المستنير: هل هو ضرورة تاريخية أم نمط حكم عقيم؟