|
وكيف لذاكرة قارئٍ مخلص أن تنسى الذكرى السنوية لإلياس خوري …
مروان صباح
الحوار المتمدن-العدد: 8472 - 2025 / 9 / 21 - 13:22
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
/ إنصاف الراحلين لا يكتمل بمجالس العزاء التقليدية ، بل يبدأ من حيث انتهوا ، عبر متابعة القضايا الفكرية والإنسانية التىّ انشغلوا بها ، هكذا كان حال الأديب اللبناني إلياس خوري 🇱🇧 ، الذي انحازت روحه منذ وقت مبكر إلى قضايا الإنسان الخاسرة على هذا الكوكب المليء بالظلم ، وقد أتجه خوري إلى الفلسفة والتاريخ ، وهما مجالان لا يمنحان إجابات نهائية بقدر ما يفتحان أبواب الشك والأسئلة (خوري، باب الشمس، 1998) ، تماماً كما جاء في روايته الأشهر تلك والتى تعتبر النقيض للرواية العالمية " دون كيخوته ، بينما يستخدم خوري السرد لإعادة بناء الذاكرة المسروقة من خلال الأصوات المتعددة ، يوظف ثيربانتس السرد لتفكيك أوهام الماضي الفروسي ، ولقد أختار خوري أن يضع نفسه في “دائرة الشك”، متأثراً بتراث الفلسفة العربية مع ابن رشد الذي فصل بين الحكمة والشريعة (ابن رشد، فصل المقال)، ومفتوناً أيضاً بالفلسفة الغربية عند كيركغارد وسارتر وماركس وهيغل " سارتر ، الوجود والعدم ؛ ماركس ، رأس المال " ، ولذلك أبتعد عن تيارات الواقعية السحرية التى جسّدها غابرييل غارسيا ماركيز ، ومال أكثر إلى الرواية الفلسفية كما نجد عند غوستاف فلوبير ، دوستويفسكي ، وكافكا " إبراهيم ، 2005 " ، بل في باب الشمس ظهر الفلسطيني الممزق بين البطولة والانكسار ، فمنذ الإحتلال يعيش بين الحلم بالتحرير والواقع المأساوي ، بضبط كما جاء في رواية دوستوفيسكي “الجريمة والعقاب”، راسكولنيكوف ، فهو طالب جامعي سابق يقتنع بفكرة فلسفية خطيرة : بأن هناك “أشخاصاً عاديين” ملتزمين بالقانون ، و”أشخاصاً عظماء” ، يحق لهم تجاوزه إذا كان ذلك سيحقق منفعة للبشرية .
إرتبط خوري أولاً بالقراءة وهو الأمر الذي مهد له الطريق بأن يلتحق بالفدائيين والشعراء ، وقد شكّلت روايته “باب الشمس” علامة فارقة في السردية الفلسطينية ، إذ أعاد من خلالها الإعتبار للحكاية الشعبية والتراث الشفهي ، محولاً النص الأدبي إلى مساحة مقاومة ضد محاولات طمس الهوية ونهب المكتبات والمخطوطات الفلسطينية بعد النكبة " سعيد ، مسألة فلسطين ، 1979 " ، وفي ذلك ، يلتقي خوري مع جهود أدباء مثل محمود درويش وناجي العلي وإدوارد سعيد ، الذين سعوا إلى تدويل الرواية الفلسطينية في وجه الرواية الصهيونية " الخطيب، 2010 "، لقد أدرك خوري أنّ الإحتلال الإسرائيلي لم يكن حرباً تقليدية بقدر ما كان مشروعاً استعمارياً متكامل الأبعاد ، هدفه محو الذاكرة الفلسطينية ، ومن هنا 👈 جاءت أهمية “باب الشمس”، التىّ تُرجمت إلى عدة لغات ، بإعتبارها جداراً أدبياً مضاداً للرواية الإسرائيلية ، وسلاحاً ثقافياً لا يقل عن السلاح الميداني " الأعسم، 2018 " ، وإذا قارنا باب الشمس برواية إسبانية مثل “ظل الريح” (La sombra del viento) للكاتب كارلوس رويث ثافون (2001)، نجد تقاطعاً مهماً في فكرة المكتبة كمركز للذاكرة والهوية ، ففي حين تعكس المكتبات العربية المهددة بالإنقراض ، تماماً كما حصل مع المكتبات التاريخية التى تعرضت للنهب والحرق ، الصراع الوجودي للأمة ، حيث ترمز مكتبة “سيميتريو دي لوس ليبروس أولڤيدادوس” (مقبرة الكتب المنسية) عند ثافون إلى الصراع مع النسيان والحفاظ على هوية برشلونة الثقافية بعد الحرب الأهلية الإسبانية ، بضبط كما هو الحال في فلسطين ، فكلا العملين يطرح سؤالاً مركزياً : هل يمكن للأدب أن يحفظ الذاكرة الجمعية في مواجهة الإستبداد والإحتلال والنسيان؟ ، وعند خوري ، تصبح الحكاية الشعبية بديلاً عن التاريخ الرسمي المسروق ، بينما عند ثافون يغدو الكتاب ذاته كائناً حيّاً يُنقذ القارئ من الضياع ، هذا التشابك يجعل من المقارنة بين الروايتين مجالاً غنياً لفهم كيف يتقاطع السرد العربي والإسباني في مقاومة محو الذاكرة بالخيال الروائي …
باب الشمس تعتمد على تعدد الأصوات " الراوي /يونس /الطبيب /الحكاية الشعبية " ، البنية هنا 👈 فسيفسائية تُعيد تركيب التاريخ الفلسطيني من شظايا الذاكرة ، وكأن الرواية نفسها وثيقة بديلة عن التاريخ الرسمي المغيّب (خوري، 1998) ، أما عند ثافون يوظف الرواية كـ”متاهة معرفية” لمقاومة النسيان الفردي والجماعي ، بل أيضاً عند خوري ، الشخصيات مثل " يونس ، الطبيب ، الزوجة " ليست مجرد أفراد بقدر أنهم رموز لطبقات المجتمع الفلسطيني وتجليات للهوية ، فيونس مثلًا يمثل الفلسطيني المقاتل واللاجئ في آنٍ واحد ، أما عند فاثون ، الشخصيات " دانيال ، كاراكاس ، فيرمين " تُجسّد أبعاد الصراع مع الرقابة ، القمع ، والفساد بعد الحرب ، فالكاتب الغامض “خوليا كارّاخ” يُصبح تجسيداً للمؤلف الذي طمسه التاريخ ، وعلى الرغم من أن الكاتبين شخصياتهم في الروايات حملوا الذاكرة ، غير أن خوري ينحاز إلى الذاكرة الجماعية - الوطنية ويُقدّم الزمن كـ”جرح مفتوح” لا يندمل ، بينما ثافون ينحاز إلى الذاكرة الثقافية - الأدبية ، إلى تلك الفترات السابقة من المذكرات أو الشهادات ، مما يعكس تكرار المأساة التاريخية في إسبانيا 🇪🇸، وجعلها أشبه بـ”متاهة” يضيع فيها القارئ ، لكنه قد يجد فيها خلاصاً بالكتاب ، وهذا تماماً عكس على نضال خوري الذي حمل هوية سياسة قومية ، وليس هوية ثقافية أدبية كما هو عند ثافون ، وإذا أخذ المرء السبب الجوهري وراء بناء السردتين ، فسنكتشف بأن سردية خوري الهدف وراء حبكة الحكاية ، هو الوسيلة للنجاة من التهجير والاقتلاع ، أما سردية ثافون أسست على النجاة من النسيان والإضطهاد ، وهذا ظهر في الموت والحب : ففي باب الشمس ، الحب يختلط بالموت " الحب في الكهوف - القتال - المنفى " ، أما في ظل الريح ، الحب يقترن بالخيانة والضياع لكنه أيضاً قوة مقاومة ، ويمكن أيضاً القول إن إلياس خوري وكارلوس رويث ثافون يلتقيان في جعل الأدب أداةً لمقاومة النسيان والتزييف ، لكن من منطلقين مختلفين : فخوري يكتب رواية سياسية - تاريخية تسعى إلى تثبيت السردية الفلسطينية في مواجهة المحو ، لكن في المقابل ، ثافون يكتب رواية أدبية - غوطية تسعى إلى إنقاذ الكتب والهوية الثقافية من أيدي القمع ومناخات النسيان ، كلاهما ، بطريقته الخاصة ، بل يُثبتا أنّ الرواية ليست ترفاً فنياً ، بل ضرورة وجودية …
أخيراً ، كيف يكون الخيال درعاً للإنسان أمام صلابة الواقع ، وكيف لذاكرة القارئ أن تتجاوز ذكرى رحيل إلياس خوري ؟ … والسلام 🙋♂ ✍
#مروان_صباح (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
المصالحة ضرورية🇸🇦 -البعد الاستراتيجي في فكر
...
-
من جديد ، يشعلون نار المحرقة🔥التىّ وعدوا العالم بإخم
...
-
إلى متى ستستمر العربدة الإسرائيلية🦹♂ 🦯
...
-
الإبادة الجماعية مثل الهولوكوست 🔥 – سيأتي الحريق بال
...
-
قطع رأس المقاومة 🇵🇸 وساحر البيت الأبيض
...
-
البرمجيات والطاقة البديلة☀تصنعان الحاضر وتكتبان المستق
...
-
الذهب الأخضر🌲🧑🌾كرافعة اقتصاديّة وثق
...
-
البيت الأبيض إدارة الرئيس ترمب 🇺🇸 السلطة الف
...
-
من لوثر إلى طه : تبرئة الإسخريوطي وابن سبأ🩸….
-
العرب ودايان 🫤 …
-
البيت الأبيض – إدارة الرئيس ترامب
-
يُعَدّ جدَارا التكنولوجيا والتقدّم العلمي الركيزة التىّ تمنح
...
-
الربيع العربي في سوريا يا صديقي شرفاً على صدر كل حرَّ …
-
إدارة البيت الأبيض 🏡 في عهد الرئيس ترمب 🇺
...
-
الجدُّ جدعون الذي أباد أهلَ مِديَن (سفر القضاة - والحفيدُ نت
...
-
الفلسطينيون 🇵🇸 في لبنان 🇱🇧 ب
...
-
عملية المقاومة في خان يونس 🇵🇸 …
-
شو صار بالأمة حتى صار أبو يائير الملهم رمزاً ، وصاروا يحكوا
...
-
المقاومة في حي الزيتون : قراءة أكاديمية في توظيف البساطة لمو
...
-
الشيخ القسّام👳♂حيٌّ في وجدان الإسرائيليين ، ي
...
المزيد.....
-
أول تعليق من محمود عباس على اعتراف بريطانيا وكندا وأستراليا
...
-
نتنياهو يرد على اعتراف بريطانيا وكندا وأستراليا بـ-الدولة ال
...
-
دولة فلسطين: هل يغير اعتراف الدول الغربية من الواقع على الأر
...
-
حيلة قديمة قد تساعدك على حل مشكلاتك الشخصية بحكمة
-
تصاعد التوتر فوق بحر البلطيق بين روسيا والناتو... هل المواجه
...
-
فيديو: كيف تستعد إسرائيل للرد على اعتراف بلدان غربية بدولة ف
...
-
نزوح جماعي من مخيم أبو شوك في دارفور بعد هجمات الدعم السريع
...
-
إسرائيل تندد باعتراف دول غربية بفلسطين
-
كيف يشكل -أسطول الصمود العالمي- حملة تضامن كبرى لمواجهة الإب
...
-
نائبة إسبانية توبخ رئيسة إقليم مدريد وترفع علم فلسطين
المزيد.....
-
جسد الطوائف
/ رانية مرجية
-
الحجز الإلكتروني المسبق لموسم الحنطة المحلية للعام 2025
/ كمال الموسوي
-
الأرملة السوداء على شفا سوريا الجديدة
/ د. خالد زغريت
-
المدخل الى موضوعة الحوكمة والحكم الرشيد
/ علي عبد الواحد محمد
-
شعب الخيام، شهادات من واقع احتجاجات تشرين العراقية
/ علي الخطيب
-
من الأرشيف الألماني -القتال في السودان – ينبغي أن يولي الأل
...
/ حامد فضل الله
-
حيث ال تطير العقبان
/ عبدالاله السباهي
-
حكايات
/ ترجمه عبدالاله السباهي
-
أوالد المهرجان
/ عبدالاله السباهي
-
اللطالطة
/ عبدالاله السباهي
المزيد.....
|