مروان صباح
الحوار المتمدن-العدد: 8466 - 2025 / 9 / 15 - 13:06
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
/ تشير القاعدة المنطقية العامة إلى أنّ “الأمور بخواتيمها”وليست ببداياتها ، ومن هذا المنطلق يطرح المراء سؤالاً محورياً حول إمكانية أن يشهد العالم العربي نهايةً لحالة الفوضى التىّ فرضها المشروع الإسرائيلي منذ تأسيسه ، ثم يرى بعض الباحثين أنّ سياسات رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو ومجازفاته السياسية والعسكرية قد تدفع دول المنطقة إلى إتخاذ خطوات حاسمة تجاهه وتجاه كيانه (Shlaim, 2014) ، وعلى مدى قرن تقريباً ، نجحت إسرائيل في تكريس نمط من الصراعات الدموية والاستنزاف الإقليمي ، عبر الحروب المتعاقبة ، والاغتيالات ، والانقلابات العسكرية المدعومة ، إضافة إلى تحريض بعض الأقليات على الإنفصال ، فضلاً عن فرض مشاريع “سلام” وُصفت بأنها أشبه باتفاقيات إستسلام ، وصولاً إلى فرض سياسات استيطانيّة استعمارية كأمر واقع (Pappé, 2006) ، هذه الممارسات أدّت إلى حالة دائمة من عدم الإستقرار العربي والإقليمي ، إذ وظّف الإحتلال الإسرائيلي أدواته في إستنزاف موارد المنطقة وإبقائها رهينة دوّامة نزاعات ، وتعتبر سياسة الإغتيالات واحدة ☝من أبرز أدوات العقيدة الأمنية الإسرائيلية ، على سبيل المثال ، حاولت الاستخبارات الإسرائيلية اغتيال خالد مشعل في العاصمة الأردنية عمّان عام 1997 ، الأمر الذي تسبّب بأزمة سياسية كبيرة مع الأردن (Morris, 2011) ، كما إرتبط إسم جهاز “الموساد” باغتيال القيادي في حركة حماس محمود المبحوح في دبي عام 2010 ، في عملية وصفت بأنها إحدى أبرز العمليات الاستخباراتية التىّ أثارت ردود فعل دولية واسعة (Bergman, 2018) ، وبالفعل ، إذا أخذ المراقب على سبيل المثال العمليات الاغتيالية ، ومن بينها محاولة إغتيال خالد مشعل في عمان ومحاولة إغتيال مشعل وقادة حركة حماس في قطر ، نجد أن هناك 28 عاماً تفصل بين العمليتين ، هذا يُظهر أن تل أبيب أدرجت تعديلات على عقيدتها الحربية منذ عملية المقاومة في السابع من أكتوبر الماضي ، مع التعامل الفوري مع التهديدات ، تماماً كما حصل في ضربة الدوحة ، وتحديداً بعد عملية راموت في الضفة الغربية ، كان الموساد قبل ذلك يخطط لعملية ميدانية في قطر لاغتيال خليل الحية وآخرين داخل الأراضي التركية ، وهذا يتماشى مع تعهدات إسرائيلية بملاحقة رجال المقاومة أينما وجدوا (Smith, 2022) ، وفي المقابل ، أصبح الأتراك والمصريون والأردنيون في أروقة دوائرهم التىّ تُتخذ فيها القرارات ، يردد قادتهم لمراكز القوى قولهم : “إذا رغبتم في إستقرار المنطقة ، عليكم الاستعداد لحربين ، عسكرية واستخباراتية” (Jones, 2021) .
منذ هجوم 7 أكتوبر 2023 ، بدا واضحاً أنّ العقيدة العسكرية الإسرائيلية قد شهدت تحولات أكثر راديكالية ، حيث توسعت العمليات لتشمل التهديد بالاغتيال المباشر لقيادات المقاومة الفلسطينية في الخارج ، بما في ذلك قطر 🇶🇦 وتركيا 🇹🇷 ، إلى جانب استهدافات داخل الأراضي الفلسطينية (Al Jazeera, 2023) ، ليس الهدف هنا 👈 تمجيداً أحد ، بل قراءة في ممارسات قوة غاشمة تُبيد السكان ، وتقصف العواصم ، وتستولي على الأراضي ، وتستوطن بالقوة ، وتلاحق الضحية أينما كانت ، سواء عبر التهجير القسري أو عبر القتل المباشر (خليل، 2021) ، وفي هذا السياق ، انخرطت عدة دول في المنطقة ، وعلى رأسها دول الخليج العربي ، في مشاريع توطين وتطوير الصناعات العسكرية محلياً ، مع انفتاح على التعاون العالمي ، وقد كثّفت مصر 🇪🇬 وتركيا والسعودية 🇸🇦 استثماراتها مؤخراً في إنتاج الصواريخ الباليستية والمجنّحة ، إلى جانب تطوير منظومات دفاعية متقدمة ، والتوسع في مجال الطائرات المسيّرة الحربية واعتماد البرمجيات العسكرية لتحديث الجيوش (العساف، 2020) ، كما شرعت بعض هذه الدول في تطوير أنظمة رادارية متقدمة تتميز بقدرات إلكترونية عالية تمكّنها من التعامل مع مختلف المسافات ، سواء الطويلة أو المتوسطة أو القصيرة ، وفي تركيا على وجه الخصوص ، اتجهت الحكومة مؤخراً إلى بناء مدن تحت الأرض في جميع المحافظات ، وهو ما يعكس استعداداً لاحتمال إندلاع مواجهة واسعة مع الكيان الإسرائيلي ، حيث صُممت هذه الملاجئ لتكون قادرة على الصمود أمام الزلازل وحتى الأسلحة النووية (درويش، 2023).
أما في مجال سلاح الجو ، فقد دخل التحديث مرحلة متقدمة ، إذ يستعد الجيش التركي لاستلام مقاتلات ومسيّرات شبحية قادرة على التخفي ، وهذا الجيش ، الذي سبق له إسقاط مقاتلة روسية ، يُعتبر اليوم قادراً على مواجهة الطائرات الإسرائيلية بما فيها طراز " F-35 " الأمريكي المتطور (أوزدمير، 2022) ، ومن هنا 👈 ، يصبح من الضروري أن يميّز الإسرائيليون بين المواجهة مع إيران والمواجهة مع الأتراك والمصريين وحلفائهم العرب كالأردن ودول الخليج بقيادة السعودية ، فقد نجحت الإستخبارات التركية خلال العقدين الماضيين في إفشال جميع المحاولات الإسرائيلية داخل أراضيها أو في شمال سوريا ، الأمر الذي يؤكد أن كل من تركيا ومصر تعتبران أي استهداف لقيادات المقاومة الفلسطينية مساساً مباشراً بسيادتهما الوطنية وكرامة أنظمتهما أمام شعوبهما ، وهو ما يتجاوز الحسابات السياسية ليُدرج في إطار الأمن القومي …
تُظهر التطورات الراهنة في المنطقة أن المشهد السياسي لا يخفي حقيقة انبثاق أفكار عشوائية لا ترقى إلى مستوى الجدية ، غير أنها تثير تساؤلات حول إمكانية تحقيقها في ظل غياب الشركاء الإقليميين الفاعلين (المسيري، 2002) ، وفي هذا السياق ، فإن الخطابات الصادرة عن الكيان الإسرائيلي ، بوصفه كياناً استعمارياً استيطانياً اتسم عبر تاريخه بممارسات عنصرية وعدوانية ، تبدو فاقدة للقدرة على التحول إلى استراتيجيات قابلة للتنفيذ ، رغم محاولته المتكررة استغلال الأزمات (فنكلشتاين، 2003) ، وعلى الرغم من استمرار الولايات المتحدة 🇺🇸 وإسرائيل 🇮🇱 في طرح تصورات مرتبطة بما يُسمى “اليوم التالي” في كل من غزة وأوكرانيا 🇺🇦 ، إلا أنّ المقاومة الفلسطينية ، لا سيما في قطاع غزة ، والتضحيات الكبيرة التىّ قدمها الشعب الفلسطيني 🇵🇸 ، قد شكّلت أساساً لمعادلات إقليمية جديدة ، بما جعل “اليوم التالي” قضيةً لا تقتصر على غزة وحدها ، وإنما تشمل المنطقة برمتها (الخالدي، 1992؛ تقارير الأمم المتحدة، 2023).
وفي هذا السياق ، فإن إعتراض رئيس نتنياهو على نشر القوات المصرية في سيناء – على الرغم من أن سيناء أرض مصرية ذات سيادة – يثير تساؤلات حول الموقف الدولي إزاء الإنتهاكات الإسرائيلية المتكررة في الضفة الغربية والقدس والجولان ولبنان (United Nations, 2023) ، ومن هنا 👈 ، تتجاوز الإشكالية مجرد إتفاقيات السلام القائمة لتتمحور حول السياسات الإسرائيلية العدوانية التىّ تُعيد إنتاج مناخ التوتر والعداء بين دول المنطقة ، ولا سيما في ما يتعلق بالقدس والمسجد الأقصى ، اللذين يمثلان خطاً أحمر بالنسبة إلى الدول العربية والإسلامية (منظمة التعاون الإسلامي، 2021) ، كما أنّ استغلال إسرائيل لتصدير الغاز إلى مصر بهدف تعزيز خزائنها بمليارات الدولارات لا يعني بالضرورة غياب البدائل أمام القاهرة ؛ إذ تشير تقارير الطاقة الدولية إلى أن مصر تمتلك إمكانات متزايدة في مجال الغاز الطبيعي والاكتشافات البحرية ، فضلاً عن القدرة على تنويع مصادر الطاقة بما يحد من الارتهان للغاز الإسرائيلي (International Energy Agency, 2022) …
لقد لجأت إسرائيل عبر العقود الماضية إلى مختلف الوسائل في تعاملها مع الشعب الفلسطيني ؛ بدءاً من الإحتلال العسكري ، ومروراً بـ الاستيطان والإدارة المدنية ، ووصولاً إلى الحروب المتكررة ، غير أن جميع هذه الوسائل باءت بالفشل في تحقيق الأمن والاستقرار لإسرائيل أو في كسر إرادة الفلسطينيين (الأمم المتحدة ، تقرير حقوق الإنسان 2021) ، وقد بات واضحاً أن الحل العادل والواقعي يتمثل في الإعتراف بالسلطة الفلسطينية كطرف شرعي ، وإقرار الدولة الفلسطينية المستقلة ، وهو ما أكّدته قرارات الشرعية الدولية ، ولا سيما قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 67/19 الصادر عام 2012 بشأن منح فلسطين صفة دولة مراقب غير عضو (الأمم المتحدة، 2012) أو حتى موخراً ، إنّ مسؤولية دعم الشعب الفلسطيني لا تقع على عاتقه وحده ، بل هي واجب جماعي على العرب والمسلمين ، وذلك عبر تقديم الدعم المالي والسياسي والاقتصادي الكفيل بتعزيز صموده (منظمة التعاون الإسلامي، تقرير 2020) ، كما أن إستمرار الإنتهاكات الإسرائيلية ، سواء عبر التوسع الاستيطاني أو عبر الإعتداء على سيادة دول عربية ، وآخرها إنتهاك السيادة القطرية في الدوحة ، يتطلب موقفاً عربياً وإسلامياً موحّداً في الرد على هذه التجاوزات ، بضبط كما يفحص نتنياهو حدود ترمب معه ، على الدول الإقليم وبعمق إسلامي إختبار حدود ترمب معهم .
إن التجربة التاريخية أثبتت أن الإحتلال والاستيطان والحروب لا تجلب الأمن ولا تصنع سلاماً دائماً ، بل تعمّق الصراع وتزيده تعقيداً ، ومن هنا 👈، فإن الطريق الوحيد نحو سلام عادل وشامل يمرّ عبر الإعتراف بالحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني ، ودعم دولته المستقلة على حدود عام 1967 وعاصمتها القدس الشرقية ، عندها فقط يمكن أن يتحقق الإستقرار في المنطقة ، ويُبنى مستقبل قائم على العدالة والإحترام المتبادل … والسلام 🙋♂ ✍
#مروان_صباح (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟