سهام يوسف علي
الحوار المتمدن-العدد: 8471 - 2025 / 9 / 20 - 11:54
المحور:
الادب والفن
أيها الوطن، كم تذكّرني بجسدٍ هزيلٍ يضع على كتفيه عباءةً ذهبية؛ يلمع من بعيد كتحفةٍ في واجهة التاريخ، لكن ما إن تقترب منه حتى ترى العظام بارزة والروح خاوية. العراق… بلد يمتلك كل ما يغري أن يكون دولة مزدهرة: النفط الذي يسيل تحت أرضه كالذهب الأسود، الأنهر التي تعبره كالشرايين، التاريخ الذي يزخر بألف حضارة. لكنه مع ذلك يترنح كشيخ أنهكته الأمراض، يتوكأ على عكاز الاستعطاف .
بينما يطير العالم إلى المستقبل، يبتكر وزيرة للذكاء الاصطناعي ـ ولو كانت افتراضية من ألبانيا ـ نحن ما زلنا غارقين في وحل الانقسامات الطائفية: هذا يُعرّف نفسه شيعيا، وذاك سنيًا، وآخر يحلم بإمبراطورية تمتد إلى إيران. نتقاتل على فتات إيرادات النفط بدل أن نبتكر أفضل السبل لاستثمارها، ونضيع فرصة بناء اقتصاد حقيقي يضمن حياة كريمة لأبنائنا.
إنها مفارقة مريرة: أن تملك ثروة لا يعرف الجوع معناها، ثم ترى أبناءك يتزاحمون على رغيف مدعوم ؛ أن تملك أنهارًا عظيمة، ثم تقتات على استجداء قطرة ماء من جوارٍ لا يعرفون الرحمة؛ أن تملك ذاكرة حضارات، ثم تعجز عن بناء مدرسة أو مستشفى تليق بإنسان اليوم.
إن عباءة الذهب هذه ليست سوى ظاهر مزيف يخفي جسدًا انهكه الانقسام، الفساد، والغياب شبه التام للقرار السيادي. العراق بلد يلمع من بعيد، لكنه يفتقد القدرة على اتخاذ قراراته حتى في أبسط حاجاته، كالتيار الكهربائي، بينما موارد الأرض تنهال تحت أقدامه دون أن يُستثمر فيها شيء يضمن مستقبلًا مستدامًا.
من أوصل العراق لهذه الرخاوة؟ نحن أولًا، حين قبلنا أن يكون الوطن ساحة خلافات لا مشروعًا، وغنيمة لا مرفأ للأجيال القادمة. نحن الذين جعلنا أبناءنا أسرى خيارين لا ثالث لهما: وظيفة حكومية تثقل كاهل الدولة، أو حرب تُعيد إنتاج الموت بين الإخوة.
أيها الوطن، الجسد الهزيل يمكن أن يستعيد عافيته إن تخلى عن وهم العباءة الذهبية واتكأ على قوته الداخلية.،فإما أن نخلع هذه العباءة الكاذبة ونعيد للجسد عافيته، أو سنظل مسرحًا لعباءات تتلألأ من بعيد فيما الجسد يتفسّخ من الداخل. وحينها لن يبقى العراق وطنًا، بل أطلالا تروي للعالم حكاية شعب امتلك الذهب وضيّع نفسه، امتلك التاريخ وخان المستقبل، امتلك الثروة ورضي أن يكون خادمًا عند غيره.
#سهام_يوسف_علي (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟