مروان صباح
الحوار المتمدن-العدد: 8469 - 2025 / 9 / 18 - 13:05
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
/ تُظهر التحولات الأخيرة في الخطاب الإعلامي الغربي بشأن الحرب على غزة حدود قدرة المؤسسات الإعلامية على الإستمرار في التعتيم على الإنتهاكات ، خاصة مع بروز دور الإعلام البديل والحراك الشعبي العالمي الذي كسر الرواية الرسمية وهيمنتها (Chomsky, 2011) ، هذا التغيير يعكس أنّ الرأي العام العالمي بات أكثر انخراطاً في مساءلة السياسات الإسرائيلية والإعلام الغربي على حد سواء ، من أبرز المواقف اللافتة موقف الممثلة العالمية أنجلينا جولي ، التىّ عبّرت علناً عن تضامنها مع الشعب الفلسطيني 🇵🇸 واعتراضها على ما يتعرض له من إبادة جماعية ، وقد واجهت جولي حملة واسعة من التنمّر والانتقادات التىّ استهدفت حياتها الشخصية وصحتها وقراراتها العائلية ، وهو ما يكشف عن طبيعة الخطاب الإسرائيلي الذي غالباً ما يوظّف الهجوم الشخصي في إسكات الأصوات المعارضة (The Guardian, 2024) ، ويعكس هذا السلوك طبيعة البنية الإجتماعية الإسرائيلية المتأثرة بمشروع استيطانيّ استعماريّ طويل الأمد ، أدى إلى تآكل الأسس الأخلاقية وإرتفاع معدلات الإضطرابات النفسية داخل المجتمع (Pappe, 2006) ، يبقى السؤال الجوهري هنا 👈 : هل يمكن للعالم أن يواصل تجاهل ما يحدث في غزة من إبادة جماعية وتجويع ممنهج؟، والذي تؤكّد تقارير دولية بقتل 3 ألاف فلسطيني أثناء حصولهم على المساعدات ، إن الإجابة الأخلاقية برزت من خلال مواقف بعض الشخصيات العامة ، مثل الممثلة الأمريكية اليهودية هانا أينبندر، التىّ استثمرت منصة حفل توزيع جوائز “إيمي” لعام 2025 لتطلق شعار “فلسطين حرة 🗽” في لحظة رمزية ذات أثر عالمي (Variety, 2025).
إلى جانب هذه الأصوات ، برزت مواقف سياسية مهمة مثل موقف رئيس الوزراء الإسباني 🇪🇸 بيدرو سانشيز ، الذي أتخذ مواقف جريئة دفاعاً عن الحق الفلسطيني ، مما أعاد إلى الأذهان خطابات ومواقف قادة ثوريين كجيفارا وكاسترو وتشافيز (El País, 2024) ، كما أنضمّ إلى هذه الجبهة التضامنية عدد من الفنانين والمثقفين العالميين ، مثل الممثل الإسباني خافيير بارديم ، والممثلة الأمريكية سوزان ساراندون ، وميغان ستالتر ، والمخرجة لوسيا أنيلو ، والممثلة إيمي لو وود ، هؤلاء جميعاً وغيرهم وظّفوا منصاتهم الفنية والشخصية للتحذير من خطورة ما يحدث في غزة ، ورفضوا الصمت أو الحياد ، مقدمين نموذجاً للمقاومة الثقافية والفنية في مواجهة السياسات الحكومية الغربية (Al Jazeera, 2025) ، وإن هذا التلاقي بين الإعلام البديل ، والحراك الشعبي ، والأصوات الفنية والسياسية البارزة ، يؤكد أن الخطاب العالمي حول فلسطين يشهد تحوّلاً نوعياً ، كما يثبت أن مقاومة الإبادة لا تتجلى فقط في الميدان ، بل أيضاً في معركة السرديات والرموز الثقافية …
في كل مجالٍ من مجالات الحياة نجد المبدعين ، كما نجد المزيفين ، والسياسة ليست استثناءً ؛ إذ يختبئ وراء واجهتها مجرمون تلطّخ سياساتهم وجه الشمس ، لكنهم أضعف من أن يواجهوها مباشرة ، واليوم ، لم يبقَ مع إستمرار العدوان سوى حكومة نتنياهو وإدارة البيت الأبيض تدافعان عنه ، فيما أدرك العالم أجمع أن هدف إسرائيل 🇮🇱 لا يتمثل في مواجهة المقاومة ، بل في قتل الأبرياء ، وخصوصاً الأطفال (منظمة العفو الدولية، 2025 - 2023) ، ورغم هذا الواقع ، ما يزال الرئيس الأمريكي ترمب 🇺🇸 ، ومن قبله الإدارات الأمريكية ، منشغلين حصراً بقضية الأسرى الإسرائيليين ، في حين يتم التغاضي عن آلاف الفلسطينيين الذين يُختطفون ويُسجنون في ظروف مأساوية داخل المعتقلات الإسرائيلية ، حيث يواجهون التعذيب والإهانات والتجويع (هيومن رايتس ووتش، 2022) ، أما الضحايا الفلسطينيون الذين قتلتهم الآلة العسكرية الإسرائيلية على مدار عقود واليوم ، والدمار المستمر في غزة ، والإستيطان المتصاعد في الضفة الغربية والقدس ، فكل ذلك لا يعدو كونه بالنسبة لواشنطن “جزءاً من التفاهمات الاستراتيجية” (الأمم المتحدة، 2021).
هذا التبرير يتناقض مع أصوات إنسانية بارزة حول العالم ، مثل الممثلة هانا ، التىّ تؤكد أن اليهودية ليست مرادفاً لإسرائيل ، وأن كثيراً من اليهود لا يؤمنون بالصهيونية ، وما يجري في فلسطين اليوم ليس سوى إنعكاس لنهج قائم على العنف كخيار اجتماعيّ وسياسي داخل الدولة العبرية (إدوارد سعيد، قضية فلسطين، 1979) ، من هنا 👈 يصبح إسقاط الضحايا أمراً مبرراً في نظر الجناة ، طالما يُنظر إليهم على أنهم لا يستحقون الحياة ، وهكذا يستمر القتل في غزة ، حيث يُعامل الأبرياء كأنهم غير موجودين حتى لو بلغ عددهم الملايين ، بينما تُعامل قضية الأسرى الإسرائيليين ، مهما كان عددهم محدوداً ، كأولوية قصوى ، وفي البداية ، حاولت إسرائيل إخفاء جرائمها بعد عملية “طوفان الأقصى” عبر التذرع بسردية “الشرعية”، لكن سرعان ما أنكشف الأمر ، خصوصاً لدى الرأي العام الغربي ، بأن ما يجري في غزة ليس سوى جريمة منظمة مرتبطة بالسياقات التاريخية والسياسية للمشروع الصهيوني (تشومسكي، غزة في أزمة، 2010) …
تُظهر السياسات الأمريكية تجاه القضية الفلسطينية انحيازاً واضحاً لصالح إسرائيل ، حيث يُختَزل الخطاب السياسي والدبلوماسي للبيت الأبيض في قضية الأسرى الإسرائيليين ، وكأنهم يشكّلون محور الإهتمام العالمي ، ولا يقتصر هذا الموقف على الخطاب الرسمي الصادر من واشنطن ، بل يمتد ليأخذ بُعداً رمزياً في زيارات المسؤولين الأمريكيين لحائط البراق (المبكى) ، وهو ما يعكس توافقاً ضمنياً مع المشروع الاستيطاني والسياسات التوسعية الإسرائيلية (Pappé, 2006) ، هذا الإنحياز يجد تفسيره في العلاقة البنيوية بين الإدارات الأمريكية المتعاقبة والحركة الصهيونية ، حيث تتجاهل الولايات المتحدة 🇺🇸 بصورة ممنهجة الجرائم الموصوفة دولياً باعتبارها تطهيراً عرقياً وجرائم حرب (United Nations, 2023) ، وفي الوقت الذي تُظهر فيه بعض الشخصيات العامة ، مثل الممثلة الأمريكية هانا أينبندر، مواقف نقدية تفصل بين الدين اليهودي وسياسات الدولة الإسرائيلية (Hollywood Reporter, 2024)، فإن الموقف الرسمي الأمريكي يظل ثابتاً في دعمه لإسرائيل ، بغض النظر عن حجم الإنتهاكات الإنسانية .
فقد خلّفت السياسات الإسرائيلية ، ولا سيما خلال السنوات الأخيرة ، كوارث إنسانية كبرى شملت سقوط عشرات الآلاف من الشهداء وإصابة مئات الآلاف ، معظمهم من الأطفال ، إضافة إلى أوضاع مأساوية من مجاعة ونزوح جماعي (OCHA, 2024) ، ومع ذلك ، تبقى الإدارات الأمريكية غير مكترثة بهذه المآسي ، مركّزةً بدلاً من ذلك على قضايا الأسرى الإسرائيليين بإعتبارها أولوية سياسية وإنسانية ، إن إستمرار هذا الموقف يعكس تواطؤاً ضمنياً مع سياسة الإبادة الجماعية التىّ ينتهجها الإحتلال الإسرائيلي ، وهو ما يجعل المجتمع الدولي أمام إشكالية أخلاقية وسياسية عميقة ، ويُرجَّح أن هذا التواطؤ لم يكن ليستمر لولا غياب موقف فاعل من الدول العربية والإسلامية ، الأمر الذي يمنح كلّاً من واشنطن وتل أبيب هامشاً أوسع للمضي في سياسات التهجير والقتل الجماعي (Finkelstein, 2018) …
تُشير الدراسات إلى أنّ الحركة الصهيونية وظّفت المحرقة (الهولوكوست) كأداةٍ سياسية للحصول على شرعية دولية لسياساتها التوسعية والحروب والإحتلال ، وصولاً إلى ممارسات التهجير والتجويع والإبادة بحق الشعب الفلسطيني (Pappe, 2006) ، وقد استُخدم خطاب “معاداة السامية” بشكل متكرر لتبرير إمتلاك إسرائيل للتفوق العسكري والتكنولوجي ، وتوظيفه في إخضاع الفلسطينيين والمنطقة ، في حين تحوّل إحياء ذكرى المحرقة🔥إلى طقسٍ سياسي ملزم للزائرين الرسميين لإسرائيل ، بما في ذلك الوقوف في متحف ضحايا الهولوكوست ، وزيارة حائط البراق ، في إطار تعزيز سرديةٍ محددة تسعى إلى شرعنة الدولة العبرية (Finkelstein, 2000) ، وتذهب بعض التحليلات إلى أنّ ممارسات الحكومة الإسرائيلية وجيشها في تجميع الفلسطينيين وحصرهم في مناطق ضيقة ، ولا سيما في جنوب غزة ، توازي من حيث الجوهر سياسات “الحل النهائي” التىّ أنتهجها النازيون ضد اليهود والأقليات ، من خلال محاولات الإبادة الجماعية والإقصاء الجغرافي (Human Rights Watch, 2021) ، ويُلاحظ أنّ الموقف الأمريكي ، عبر إنكاره الممنهج للانتهاكات الإسرائيلية ، أسهم في مضاعفة معاناة الفلسطينيين ، بل وفي فرض سرديةٍ مضادة تقلّل من شأن الجرائم والانتهاكات التىّ يتعرضون لها (-2025Chomsky, 2015) .
كما عكست الزيارات الرسمية الأمريكية لإسرائيل ، مثل زيارة وزير الخارجية الأخيرة للقدس وحائط البراق ، ما يمكن وصفه بمحاولة “تبييض” صورة الإحتلال وتبرئة مرتكبي جرائم الإبادة ، وهو ما يُثير إشكالات أخلاقية عميقة تتعلق بإستخدام التاريخ ، وخاصة المحرقة وخطاب معاداة السامية ، لتغطية ممارسات تنتهك القانون الدولي (Said, 1979) ؟ ، ويكشف هذا التوظيف السياسي للتاريخ عن أزمة أخلاقية مستمرة لدى المجتمع الدولي ، الذي لم يتمكن حتى الآن من الوفاء بالتزامه المعلن بعدم تكرار جرائم الإبادة الجماعية (United Nations, 2022) …
تُظهر كلمات هانا الفارق الكبير بين دينها وثقافتها وبين دولة الإحتلال ، وتكشف تناقضاً صارخاً مع مواقف القوى اليمينية في أوروبا وأمريكا ، التىّ تتسامح كثيراً مع سياسات حكومة نتنياهو ، دون إكتراث حقيقي بالسامية أو بضحايا المحرقة التاريخية ، بينما تركز على توسع المشاريع الاستيطانية (Human Rights Watch, 2023 Amnesty International, 2023).
في الوقت نفسه ، تواجه ناشطات مثل هانا وأنجلينا وغيرهما تحريضاً مستمراً من قبل السلطات الإسرائيلية ، لأنهن يكشفن السياسات العنصرية والإجرامية ويرفضن تكرار المحرقة بأي شكل ، سواء عبر الصواريخ والقنابل أو غيرها من وسائل العنف (Pappe, 2017 Bar-Tal, 2013) ، كما أن دعمهن الواضح لحقوق الشعب الفلسطيني يعكس التزاماً حقيقياً بالقيم الإنسانية والعدالة الدولية (United Nations, 2022 Klein, 2018) … والسلام 🙋♂ ✍
#مروان_صباح (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟