أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - التربية والتعليم والبحث العلمي - كريم الوائلي - التنوير في مواجهة البطش، المثقف العراقي وتجربة المناهج التعليمية














المزيد.....

التنوير في مواجهة البطش، المثقف العراقي وتجربة المناهج التعليمية


كريم الوائلي
كاتب وناقد ادبي وتربوي .

(Karim Alwaili)


الحوار المتمدن-العدد: 8467 - 2025 / 9 / 16 - 00:15
المحور: التربية والتعليم والبحث العلمي
    


يختلف منزعًا المثقف والسياسي من حيث طبيعة عمليهما ووظائف تفكيرهما، بين من يمارس الفعل في الواقـع " السياسي " وبين من يتعالى عليه " المثقف "، وهذا يعني أن السياســي تحكمه حركة الآني وما هو كائــن، في حين يتجاوز المثقف ذلك إلى الآتي، وما ينبغي أن يكون، وتتحكم في سلوكية السياسي نزعة برغماتية تجنح في كثير من الأحيان نحو ميكانيكية تبريرية، في حين يميل المثقف إلى نزعة ترقى إلى المثالية التي تهدف إلى صياغة الواقع على وفق معطيات معرفية جديدة، بمعنى الانتقال من الثابت الذي يصر السيــاسي على وجوده، إلى المتغير الذي ينشـــده المثقف؛ لأن الثابت " المعروف " يبقي السياسي الحاكم في سلطتـــه، أما المتغيــر " المجهول " فإنه يحدث خلخلة في الواقع، وتغيُرًا يخشاه السياسي ويفر منه .
ويبلغ التعارض الضدي أقصى مدياته بين المثقف والسياسي في أحد أبرز المتون الثقافية "ألف ليلة وليلة"؛ إذ يتجلى بوضوح بين شهرزاد المثقفة العارفة المطلعة على الكتب والمصنفات والتي حفظت الأخبار، واطلعت على الفنون، فضلًا عن امتلاكها القدرة على التأثير في القص والأداء، ويقابلها السياسي / الحاكم شهريار الذي جعل الشك وسوء الظن وتعميم الأحكام غايته ووسيلته على السواء، واستخدم البطش ببشاعة فائقة، وليس من قبيل المصادفة أن يكون التعارض قائمًا بين السياسي والمثقف، بل إنه اشتمل على تعارض ضدي آخر يقوم على أساس الجنس بين الرجل والمرأة، وكأنه يشير ضمنًا إلى تعارض ثقافي ذكوري وأنثوي .
وإذا كانت شهرزاد قد تمكنت من ترويض الحاكم وشفته من عقده المرضية النفسية المركبة، وتمكنت من إعادته إلى حالته الطبيعية، فإن عبداللّه بن المقفع قدم حياته ثمنًا لنصائحه الرمزية للحاكم في كتابه " كليــلة ودمنة "، ويتبدى التعارض بين الحاكم والفيلسوف " بيدبا ودبشليــم "؛ إذ يمثل الأول كما يقول أستاذنا الدكتور جابر عصفور تمثيلًا رمزيًّا لنموذج الحكيم العاقل ويمثل الثاني الحاكم الباطش، وتبدو كليلة ودمنة أقنعة للمرامي على مستوى التعارض الرمزي بين السيف والقلم، في تلك العلاقة المتوترة التي دفعت عبداللّه بن المقفع إلى القول صراحة " إن الملوك أحوج إلى الكتُاب من الكتُاب إلى الملوك " وكما قال ابن المقفع : "إن الحكماء أغنياء عن الملوك بالعلم، وليس الملوك أغنياء عن الحكماء بالمال! "

إن المنهج ليس تأليف كتاب، إنما هو يشبه عمل الرسالة والنبوة مع فارق المثل، طريقة وآليات وتدريب وأدوات. إن الدولة لا تتدخل ما دام السطح الذي تطالعه لا يتعارض مع التوجهات العامة؛ لكنها مهما بلغت تبقى تجهل البنى العميقة التي ارتكزت عليها طبيعة النصوص.
في تعاملي مع تأليف كتب المطالعة من الصف الأول المتوسط إلى السادس الثانوي، كنت أدرك جيدًا النصوص التي يتم اختيارها من الماضي أو من الآخر، لها سياقاتها التاريخية والاجتماعية والمعرفية، ولذلك فإن الجزء الحقيقي هو الذي يختفي تحت الماء من جبل الثلج، وما تراه هو الجانب المرئي!
وليس من المبالغة اذا قلنا إن لكل نص ظاهرًا وباطنًا، الدولة لا ترى إلا الظاهر وربما السطحي، أما المؤلف المثقف صاحب الرؤية يمتلك أنساقًا عميقة لبنيات تحتية وثيرة؛ إنها المسكوت عنه. ولو عدنا إلى التراث لأدركنا أن هناك الكثير ممن كتبوا، وجعلوا المسكوت عنه يبحر بين السطور وإلا، لو أدرك الآخرون طبيعة المسكوت عنه لنحروا من قاله نحرا!
اشترك معي ـــ أساسًا ـــ في التأليف شخصان انتقلا إلى رحمة الله ـــ زاهد في حياته بروح الصوفـي الدمث –" تركي الراوي" وآخر مثقف مستقبلي قتلته أياد خبيثة بعد أن اختطفته، " علي عبد الحسين مخيف " تمامًا مثل الحلاج والسهروردي .
كنا نضع نصب أعيننا أن تكون كتب المطالعة تشكل رؤية التلميذ؛ بحيث يكون قادرًا على تذوق النصوص وتأملها، وأن تفتح أمامه آفاقًا معرفية عديدة، كان لابد أن يطلع على جوانب ثرية من التراث، وبخاصة في الجوانب التنويرية، هذا فضلا ً عن نصوص قرآنية وأحاديث نبوية .
ففي تعاملنا مع النصوص القرآنية الكريمة والأحاديث النبوية الشريفة اعتمدنا منهجًا يقوم على شرح هذه النصوص، وتفسيرها وتحليلها، في الصفوف الأولى والثانية والثالثة المتوسطة، ولكننا في الصفوف الرابعة والخامسة والسادسة الإعدادية اعتمدنا طريقة أخرى؛ بحيث نزود الطالب بتأملات التراثيين للقرآن الكريم، ولذلك اخترنا الرماني والباقلاني والشريف المرتضى يتعاملون مع النصوص القرآنية، وهم من مدارس فكرية مختلفة .
وكان جل اهتمامنا أن يطلع التلميذ على جرعات مختلفة ومتنوعة من الأدب والفكر والثقافة، وجعلنا الأولوية للأدب والفكر والثقافة العراقية، ثم تليها الثقافة العربية والعالمية ولقد زودنا التلميذ بنصوص عربية مختلفة ونصوص أجنبية من الأدب الإنكليزي والروسي والفرنسي وحتى الصيني!
وتنوعت النصوص بين شعرية ونثرية ومعرفية يمتح جزءًا منها من التراث، وكلها يهدف إلى الارتقاء بالذائقة الأدبية والمعرفية، واستجلاء جوانب جديدة ذات طوابع تنويرية.
وكنت أدرك تمامًا أن الثقافة العراقية المعاصرة تتميز بالتنوع والتعدد والتباين، وكنت أدرك أيضًا أن هذه الثقافة ليست كتلة مصمتة ومعلقة في الفراغ، وإنما هي عجينة لدنة قابلة للتشكيل والتحوير والتغيير، فهي تماما ً كالواقع لا تعرف الثبات والاستقرار، بل هي في صيرورة دائمة .



#كريم_الوائلي (هاشتاغ)       Karim_Alwaili#          


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- البنية العميقة لقصيدة المدح عند البحتري : الفرار من الطلل إل ...
- هل للمتصوفة اليوم مكان في هذا العالم؟
- الحداثة واللاحداثة بين التبعية والقطيعة
- من الطاعة إلى الحرية: مساءلة العقل التابع
- البلاغة الفارغة من التهويم الخطابي الى التغير الاجتماعي
- كراهية الآخر الغربي
- اللفظ والمعنى في صحيفة بشر بن المعتمر
- قراءة في تحديث المناهج التعليمية في العراق
- الملامح التدميرية في معلقة امريء القيس
- الدراسات النقدية الحديثة في مجلة المجمع العلمي العراقي
- توظيف الشخصية التراثية عند مظفر النواب
- فناء في سجون الغربة قراءة نقدية في قصيدة للشاعر جودت القزوين ...
- إعداد المعلم بين تحديث المناهج وقصور التدريب
- بيان الثقافة العراقية
- مآزق هيكلية الاشراف التربوي الاشراف التربوي في العراق في الع ...
- الاشراف التربوي في العهد الملكي على ضوء لجنة العشر سنوات
- مكانة المشرف التربوي في العراق على ضوء تقرير لجنة الكشف الته ...
- مهام وواجبات المشرف التربوي في العراق في العهد الملكي
- الاشراف التربوي في العراق في العهد الملكي مرحلة تأسيس الحكوم ...
- دور همفري بومان في تحديد مهام الاشراف التربوي في العراق من 1 ...


المزيد.....




- ما رد -حماس- على تحذير ترامب من -استخدام الرهائن كدروع بشرية ...
- إبحار سفن أسطول غزة من تونس: كوماندوز إسرائيلي يتجهز لاعتراض ...
- ما حقيقة المفاوضات الإسرائيلية الأمريكية لـ-نقل قادة حماس- إ ...
- المفوضية الأوروبية: الوضع في ليبيا حرج والانخراط السياسي ضرو ...
- خبيرة أممية تؤكد أن حرب غزة تشهد أكبر حصيلة قتلى للصحفيين بت ...
- -لا تتحدثوا العبرية-.. كيف تحول الإسرائيليون إلى منبوذين في ...
- نموذج -ثلاثي الأبعاد- لحفظ حقوق الضحايا في سوريا
- ترامب يعلن توجية ضربة جديدة إلى قارب يقل -تجار مخدرات- فنزوي ...
- ماذا يفعل وفد أميركي في تونس؟ وماذا يريد من قيس سعيد؟
- قتيل و13 جريحا في غارات إسرائيلية على جنوب لبنان


المزيد.....

- اللغة والطبقة والانتماء الاجتماعي: رؤية نقديَّة في طروحات با ... / علي أسعد وطفة
- خطوات البحث العلمى / د/ سامح سعيد عبد العزيز
- إصلاح وتطوير وزارة التربية خطوة للارتقاء بمستوى التعليم في ا ... / سوسن شاكر مجيد
- بصدد مسألة مراحل النمو الذهني للطفل / مالك ابوعليا
- التوثيق فى البحث العلمى / د/ سامح سعيد عبد العزيز
- الصعوبات النمطية التعليمية في استيعاب المواد التاريخية والمو ... / مالك ابوعليا
- وسائل دراسة وتشكيل العلاقات الشخصية بين الطلاب / مالك ابوعليا
- مفهوم النشاط التعليمي لأطفال المدارس / مالك ابوعليا
- خصائص المنهجية التقليدية في تشكيل مفهوم الطفل حول العدد / مالك ابوعليا
- مدخل إلى الديدكتيك / محمد الفهري


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - التربية والتعليم والبحث العلمي - كريم الوائلي - التنوير في مواجهة البطش، المثقف العراقي وتجربة المناهج التعليمية