أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - كريم الوائلي - هل للمتصوفة اليوم مكان في هذا العالم؟














المزيد.....

هل للمتصوفة اليوم مكان في هذا العالم؟


كريم الوائلي
كاتب وناقد ادبي وتربوي .

(Karim Alwaili)


الحوار المتمدن-العدد: 8447 - 2025 / 8 / 27 - 00:14
المحور: الادب والفن
    


سألني الصديق ( نعيم عبد مهلهل ) الاديب والصحفي المعروف :
هل للمتصوفة اليوم مكان في هذا العالم؟ خذنا إليهم في قرين الحياة الحالية؛ عالم الإنترنت وفوضى الربيع العربي والفضائيات، والبحث عن فسحة لسماع السياب أو مشاهدة هاملت ؟

د كريم الوائلي

لا أحسب أنَّ التصوف مجرد طقوس يؤديها أفراد في عزلة عن الواقع، بل إنها تجليات مجتمع ينزع نحو الاتصال بالمطلق، إمّا بنزول اللاهوت إلى الناسوت وإمّا باتحاد الناسوت باللاهوت والحلول به ومعه.
إن فهمًا خاطئًا يجعل التصوف مجرد ظاهرة عابرة في التراث العربي الإسلامي وعلى يد مجموعة من المتصوفة، كالحلاج المصلوب والسهروردي المقتول، وأضرابهما، وليس الأمر كذلك، فالتصوف ليس حكرًا على حضارة أو دين أو مذهب، بل تنتشر أنساقه في العالم كله فإنَّ التصوف ضرورة في المجتمع وتجلياته، تمتد عمقًا في حفريات المعرفة فهى تمتد من بكائيات العراقيات على عودة تموز من العالم السفلي إلى الحياة كي تدب الحياة من جديد ومرورًا ببكائيات معاصرة تمتد جذورها إلى قرون في انتظار المنقذ والمخلص.
إننا دون شك نلتقي بنزوعات صوفية نجدها في حضارات أخرى، وديانات متعددة، ونأخذ هذه النزوعات ملامح تأدية الطقوس الجمعية؛ بمعنى أنها ليست مجرد طقوس فردية، في ازمنة معروفة ،زيارة ضريح الامام الحسين عليه السلام ، في اربعينيته ، وغيرها من الطقوس المصاحبة .

لاحظ معي طقوس التعميد على ضفاف الأنهار، فهي ترمز لحركة صوفية تمتد في جذورها إلى أعماق التاريخ، وكذلك السير على الأقدام ضمن طوفان بشري لزيارة أضرحة الأئمة، وهي شكل من أشكال اتحاد الجموع للتوحد بالمنقذ والمخلص كما أشرت. وكل هذا يتدفق ويتلفع بروح إنسانية مشبعة بوجع الخلق وتمتد آثاره نحو الآتي .
جماعات تريد الانفلات من أسر العجز إلى حرية المعجز، تتوحد بالمطلق عبر فك أسر القيد الذي تصنعه معيقات الحياة، والتماهي مع الذات المطلقة.
إن الديانات السماوية كلها تمتح من روح التصوف بطرائق مختلفة، وتعبر عنها بطقوس حسية ظاهرة ليست هي المقصودة، وإنما المقصود هو الباطن العميق، خذ مثلا ً طقوس التعميد تبدو في الظاهر طقوسًا شكلية، ولكنها ذات أبعاد باطنية ورمزية عميقة، ومن الغريب أنَّ المتصوف يحاول أن يعبر عن اللاهوت بأدوات الناسوت، وهذا مشكل .. ومن المؤكد أن يعجز؛ لأن اللغة محدودة لا تستطيع حمل عبء التعبير عن المطلق، وبذلك فإن المتصوف أمام أحد أمرين : إما الصمت وهو الغالب، ومن ثم يحافظ على حياته، وإما الشطح؛ بمعنى " الفعل " الذي يقوده إلى النبذ أو التكفير؛ أو القتل!
وإني لأعجب كيف لا يكون السياب متصوفًا من الطراز الأول من حيث حياته المحزنة وعذاباته المتكررة وانعتاقه عبر الموت نحو آفاق المطلق. وبذلك كان السياب والصوفـي يمتحان من معين واحد لا ينضب من الأعماق، ويحفران معًا تذوقًا في حد الموت، السياب " يشعر " كما " يشعر " الصوفـي، ويتحول شعورهما وجدًا عبر الكلمة العاجزة، فيستعين الصوفـي بالشطحات وبتعالي الناسوت نحو اللاهوت، ويستعين السياب هو والبياتي و أدونيس بالتقنع للتعويض عن شطحات الصوفـي.
الصوفـي يتوحد مع اللاهوت، والسياب وأدونيس والبياتي يتوحدون عبر التقنع مع المطلق عبر فتح من أعماق الداخل، وكذلك كانت اللغة عاجزة عن الإبانة عن هذه الأعماق لديهم جميعًا، بوصفهم متصوفة كبار .
إن حركة الجموع على ضفاف الأنهار للتعميد، أو المشي على الأقدام نحو أضرحة الأولياء تشبه تمامًا أنساق وجدان أدونيس .. توحد الجموع مع الآتي؛ الكائن في رحم الماضي ، وتوحد أدونيس مع " علي " في ديوانه مفرد بصيغة الجمع الآتي من عمق التاريخ "علي" هو الإمام ـــ الولي ـــ الفرد بصيغة الجمع، يتماهى مع الشاعر أدونيس، واسمه "علي "، فكأن "علي الإمام " الماضي / المستقبل، هو علي / أدونيس المستقبل المضمخ بعبق الماضي، وقد جمع أدونيس بين الصوفية والسريالية؛ إذ إن كليهما يتوجه نحو الخلاص دينيًّا عن الصوفية وتجاوز الإبحار عند السريالية، فالجذور واحدة وإن كانت الوسائل والنتائج متباينة .



#كريم_الوائلي (هاشتاغ)       Karim_Alwaili#          


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الحداثة واللاحداثة بين التبعية والقطيعة
- من الطاعة إلى الحرية: مساءلة العقل التابع
- البلاغة الفارغة من التهويم الخطابي الى التغير الاجتماعي
- كراهية الآخر الغربي
- اللفظ والمعنى في صحيفة بشر بن المعتمر
- قراءة في تحديث المناهج التعليمية في العراق
- الملامح التدميرية في معلقة امريء القيس
- الدراسات النقدية الحديثة في مجلة المجمع العلمي العراقي
- توظيف الشخصية التراثية عند مظفر النواب
- فناء في سجون الغربة قراءة نقدية في قصيدة للشاعر جودت القزوين ...
- إعداد المعلم بين تحديث المناهج وقصور التدريب
- بيان الثقافة العراقية
- مآزق هيكلية الاشراف التربوي الاشراف التربوي في العراق في الع ...
- الاشراف التربوي في العهد الملكي على ضوء لجنة العشر سنوات
- مكانة المشرف التربوي في العراق على ضوء تقرير لجنة الكشف الته ...
- مهام وواجبات المشرف التربوي في العراق في العهد الملكي
- الاشراف التربوي في العراق في العهد الملكي مرحلة تأسيس الحكوم ...
- دور همفري بومان في تحديد مهام الاشراف التربوي في العراق من 1 ...
- الاشراف التربوي في العراق ابان الاحتلال البريطاني
- خصائص ومزايا منهج الدراسة الابتدائية في العراق عام 1919 .


المزيد.....




- أفضل فيلم رعب لعام 2025.. -أسلحة- يكشف وجها جديدا للخوف
- رحيل الفنانة سليمة خضير.. وداع أيقونة الدراما العراقية
- كريستيان سنوك هورغرونيه.. المستشرق الذي دخل مكة متخفيا تحت ا ...
- الموت يغيب الفنانة العراقية سليمة خضير
- ألفريد هوبير مع القرآن.. رحلة مستشرق ألماني بين الأكاديميا و ...
- بعد رفضه سفير الاحتلال الجديد.. -إسرائيل- تخفض التمثيل الدبل ...
- بعد رفضه سفير الاحتلال الجديد.. -إسرائيل- تخفض التمثيل الدبل ...
- صفحة قائد الثورة باللغة العبرية: الكيان الصهيوني هو الكيان ا ...
- أول ظهور للفنانة أنغام بعد رحلة العلاج
- في احتفال بقاعة صاحب حداد الإعلان عن نتائج منافسة الأفلام ال ...


المزيد.....

- حوار السيد حافظ مع الذكاء الاصطناعي. الجزء الأول / السيد حافظ
- يوميات رجل غير مهزوم. عما يشبه الشعر / السيد حافظ
- نقوش على الجدار الحزين / مأمون أحمد مصطفى زيدان
- مسرحة التراث في التجارب المسرحية العربية - قراءة في مسرح الس ... / ريمة بن عيسى
- يوميات رجل مهزوم - عما يشبه الشعر - رواية شعرية مكثفة - ج1-ط ... / السيد حافظ
- . السيد حافظيوميات رجل مهزوم عما يشبه الشعر رواية شعرية مك ... / السيد حافظ
- ملامح أدب الحداثة في ديوان - أكون لك سنونوة- / ريتا عودة
- رواية الخروبة في ندوة اليوم السابع / رشيد عبد الرحمن النجاب
- الصمت كفضاء وجودي: دراسة ذرائعية في البنية النفسية والجمالية ... / عبير خالد يحيي
- قراءة تفكيكية لرواية -أرض النفاق- للكاتب بشير الحامدي. / رياض الشرايطي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - كريم الوائلي - هل للمتصوفة اليوم مكان في هذا العالم؟