أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - كريم الوائلي - الملامح التدميرية في معلقة امريء القيس















المزيد.....

الملامح التدميرية في معلقة امريء القيس


كريم الوائلي
كاتب وناقد ادبي وتربوي .

(Karim Alwaili)


الحوار المتمدن-العدد: 7482 - 2023 / 1 / 4 - 13:21
المحور: الادب والفن
    


تتواشع العلاقة بين العالم الداخلي للشاعر والواقع بطريقة فريدة ، وتبدو الصورة أكثر جلاء حين يقترن بهما ومعهما الزمان والمكان معا، فالإحساس بالزمن يمثل بعداً ذاتياً فردياً لدى الشاعر ، ولا يمكن تمثله بدون المكان لأنَّ المكان « هو الاطار الذي تقع فيه الأحداث » ، وتتبدى الملامح التدميرية في المعلقة في المواطن الآتية :
1 ــ الطلل .2 ــ الليل .3 ــ الذئب .4 ــ السيل .
وليست هذه الموطن مستقلة عن بعضها في وجودها التكويني عن بنية المعلقة ونسيجها الشعري ، بل إنَّها تمثل وحدات تتكون منها الوحدة العضوية للمعلقة كلها ، وتتحكم فيها ثنائية الحاضر /الانفصام ، والماضي / التواصل .
الطلل :
يقول امرؤ القيس :
قِفا نَبكِ من ذكرى حَبيبٍ وَمنـزلِ بسقِطِ اللِّوَى بين الدَّخولِ فَحوملِ
فتُوضِحَ فالمِقراةِ لم يَعفُ رَسمُها لما نَسَجتـها مـن جَنـوبٍ وَشَمأَلِ
تَرَى بَعَرَ الأرآمِ في عَـَـرصاتِها وَقيــعانـِـها كأَنــّــهُ حَـبُّ فُـلْـفُـلِ
كأَني غَداةَ البَينِ يومَ تَحَمّلـوا لــدى سَمُـراتِ الحيّ ناقفُ حَنظَلِ

إنَّ الطلل بوصفه مثيراً مكانياً يقترن بدلالات عاطفية ووجودية ، وإذا كان للمكان وجهان كما يذهب أدونيس وجه يجذب ، ووجه يخيف فإنَّ الطلل لدى امرئ القيس يدل على الوجه المرعب المخيف ، لأنه يوحي برحلة الانسان الى الموت ، وكأنَّ موت الطلل موت الانسان ، ويمثل الطلل مكاناً مجدباً مقفراً لا حياة فيه ، وكأننا إزاء زمانين ،زمن الشاعر الذي يبعث على الألم والبكاء ، وزمن المحبوبة المفعم بالتواصل ، فالطلل انعكاس لحالة الانفصام المستقرة في أعماق الشاعر ، وكأنها المعادل الموضوعي ـــ بحسب ت . س . إليوت ــ للعالم الداخلي للشاعر ، ولذلك يحاول الشاعر كسر الانفصام ومحاولة التعويض النفسي وذلك بالانتقال الى زمن المحبوبة الذي يعبر فيه عن تواصله معها ، وذلك بسرد حكاياته العاطفية المتنوعة .إنَّ التعويض النفسي يدل على هروب الشاعر من وطأة الزمن على الانسان ، لأنَّ الشاعر يعيش حالة من الخوف والفزع ، ولذلك اعتمد الحكاية أداة لكسر وطأة الحاضر عليه . إنَّ التباين الزمني قد اضفى على المكان ملامح تدميرية ، إذ أصبح خاوياً ، ولا أحسب أنَّ الشاعر يصف ـــ هنا ـــ مكاناً خارجياً ، إنما يعبر عن عالمة الداخلي الذي يسقطه على الطلل ، وهذا يعني أنَّ التدمير ليس بفعل الزمن بقدر ما هو تدمير ذاتي في أعماق الشاعر .
الليل :
واذا كان الطلل مثيراً مكانياً ، وقد عبر فيه الشاعر عن معاناته وتدميره الذاتي الذي انعكس على العالم الخارجي ، فإنَّ الليل يمثل مثيراً زمانياً يعيشه الشاعر منفرداً ، يقول :
وَليلٍ كَموجِ البحــرِ أَرخَى سدولَهُ عليَّ بأَنــواعِ الـهـمـــومِ لِيَبتلي
فقلتُ له لمَّــا تَمَطَّــى بصُلبِهِ وَأَردفَ أَعجــازاً ونــاءَ بكَـلكَلِ
أَلا أَيُها الليلُ الطويلُ أَلا انجلي بِصُبحٍ وما الإصبــاحُ منكَ بأَمثلِ
فيا لـكَ من ليــلٍ كأَنَّ نجــومَهُ بأَمراسِ كتّانِ إلى صُمِّ جَندلِ
وتتراكم فيه الهموم بشكل تدريجي ، حتى تصل الذروة في تحطيم الشاعر تحت وطأته ، إذ رسم الشاعر عدة لوحات ، ففي اللوحة الأولى : يبعث (الليل / موج البحر) على الرهبة والخوف على الرغم من استقلالية الليل ، غير انَّ تكرار أمواج البحر توحي بتتابع عتمة الليل وتكاثفها ، وما يرافق ذلك من مؤثرات صوتية متتابعة ، تؤكد هذا التراكم والتكاثف الذي يحيط بالشاعر، وفي اللوحة ( الليل/ الخيمة ) يُحيط الليلُ بالشاعر مثل الخيمة بحيث ترخي سدولها عليه ، بمعنى ان الشاعر يوحد بين الهموم في الداخل والسدول المظلمة في الخارج ، اما في لوحة ( الليل/الجمل) يتحول الليل الى جمل يتمطى بصلبه ، ويخني على الشاعر ، ويشعر الشاعر بالاختناق والسحق والتدمير، الأمر الذي يدفعه الى صرخة الموت مستخدما تلوينات صوتية ، تتجلى بكثرة المدود في قوله :
أَلا أَيُها الليلُ الطويلُ أَلا انجلي بِصُبحٍ وما الإصبــاحُ منكَ بأَمثلِ
وأصبح الشاعر سلبياً يائساً مستسلماً ، (وما الإصبــاحُ منكَ بأَمثلِ ) وانه يعيش تجربته مع الليل منفرداً ، تماما كما عاشها مع الطلل ، وان خاطب رفيقيه .
الذئب :
لم يكن امرؤ القيس يعنى بما يعنى به فتيان القبيلة ، فلقد كان يقضي وقته بالصيد وشرب الخمر ، " ومعه اخلاط من شذاذ العرب " كما يقول الاصفهاني ، ولذلك فهو خارج بناء القبيلة التي تعلوها طبقة الصرحاء ، وتقع في قاعها طبقة العبيد ، وهذا يعني أنه مطرود من البناء الاجتماعي ، بسبب خروجه على ما ألفه الناس في الحياة ، فهو قد خرج عن الانموذج الأخلاقي بفجوره وتعهره في شعره ، بمعنى انه عاش منفرداً متوحداً في طلل مجدب وليل اناخ عليه كجمل ، ومن ثم رحلته في واد مقفر يشبه جوف الحمار الوحشي ، وتماثله مع الذئب يؤكد غربته في الحياة ، يقول :
وَوَادٍ كَجَوْفِ العَيرِ قَفْرٍ قَطَعْتُــهُ بِهِ الذئبُ يَعْوي كالـخـلـيع المُعيَّلِ
فَقُلْتُ لَهُ لَمَّا عَوَي : إنَّ شَأَننــا قَليلُ الـغِـنـى إنْ كُنتَ لمَّـا تَمَّـولِ
كِلانَا إذا مَا نَالَ شَـيـئـاً أَفاتَهُ وَمَنْ يَحتـرِثْ حَـرثي وحـرثَكَ يهزِلِ
ويتوحد الشاعر مع الذئب في صفات وخصائص مشتركة ، (إنَّ شَأَننــا ) و(كِلانَا إذا مَا نَالَ شَـيـئـاً أَفاتَهُ ) و (وَمَنْ يَحتـرِثْ حَـرثي وحـرثَكَ يهزِلِ ) .
إنَّ الشاعر والذئب يتماثلان في خصائص مشتركة، فكل منهما منفرد وحده في وادٍ مقفرٍ، وهما ـ هنا ـ يفتقران إلى التواصل مع الآخر، كما انَّ كليهما قد خُلِعَ من جماعته، وإذا كان الذئب يعوي فإنَّ الشاعر يماثله بصراخ يشكو فيه من غربته في هذه الحياة.
إنَّ زمن الشاعر هو زمن الحاضر الذي تتبدى فيه حالات التدمير الذاتي التي تنعكس على الواقع الخارجي ، إذ ليس هناك ذئب بالمعنى الحقيقي ، وإنما يخلع الشاعر بعض معاناته على الواقع الخارجي ليتماثل مع الذئب في كثير من الصفات المشتركة .
وإذا كان الشاعر يبكي في الطلل لفقد حبيبته ، ويصرخ بالاستسلام في وصف الليل حين اناخ عليه الجمل وحطم كيانه بكلكله ، فإنَّ الشاعر هنا ـــ هنا ـــ يعوي كالذئب منفرداً في وادٍ لا حياة فيه .ومن أجل التعويض النفسي يسعى امرؤ القيس الى كسر زمان الحاضر الى زمن الماضي وذلك بالتحدث عن فروسيته ، ومن ثم يعبر عن أحد أبرز ادواتها ( الفرس ) الذي اسهب الشاعر في وصفه ،مع التأكيد ان الفارس والفرس يشتقان من جذر واحد .


السيل :
ويظل الزمن الحاضر سلبياً يبعث الهزال والسحق والتدمير في الشاعر ، سواء أكان في الطلل أم الليل ام الذئب والوادي المقفر ، وكذا الامر في السيل ، وعلى الرغم من انَّ المطر يدل على الخصب والنماء فإنه يتجاوز ابعاده الطبيعية الى أبعاد اسطورية ، فهو يكتسح كل ما يلاقيه ، حيث يقطع الأشجار الكبيرة وينزل الوعول من قمم الجبال الوعرة ، ويهدم البيوت ويقتل السباع الضارية ، يقول :
أحارِ تـرى بــرقاً كأَنَّ وَميـضَـهُ كلـمعِ اليـَـدينِ في حَبــيٍّ مُـكَـــلَّلِ
وَأَضحى يَســحُّ الماءَ عـن كل فيقة يكبُّ على الأَذقانِ دوحَ الكنـهبـلِ
وَتيماءَ لم يتركْ بها جِــذعَ نخلةٍ وَلا أُطُمـاً إلا مشيــداً بـجَـنـــدلِ
كأَنَّ طميـةَ المجيـمــرِ غـُـــدوةً من السيلِ وَالغُثّاءِ فَلـكةُ مِغــزَلِ
يدمر السيل ــ هنا ــ كل شيء يقع امامه ، فهو المثير الأخير في المعلقة ، ويبدو جلياً أنَّ التدمير الذي نراه في الواقع إنما هنا تدمير ذاتي أساسا ، وانعكست اثاره على الطبيعة بأسرها ، وبهذا يتناغم التدميران الداخلي والخارجي ليعبرا عن حالة الانهيار التام للشاعر ، فلقد مرت المعلقة بزمان الشاعر الحاضر ، طللاً وليلاً وذئباً وسيلاً ، وكلها تشتمل على الحالة التدميرية التي تتخلق في أعماق الشاعر وتتبدى آثارها في الطبيعة بمختلف تجلياتها .



#كريم_الوائلي (هاشتاغ)       Karim_Alwaili#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الدراسات النقدية الحديثة في مجلة المجمع العلمي العراقي
- توظيف الشخصية التراثية عند مظفر النواب
- فناء في سجون الغربة قراءة نقدية في قصيدة للشاعر جودت القزوين ...
- إعداد المعلم بين تحديث المناهج وقصور التدريب
- بيان الثقافة العراقية
- مآزق هيكلية الاشراف التربوي الاشراف التربوي في العراق في الع ...
- الاشراف التربوي في العهد الملكي على ضوء لجنة العشر سنوات
- مكانة المشرف التربوي في العراق على ضوء تقرير لجنة الكشف الته ...
- مهام وواجبات المشرف التربوي في العراق في العهد الملكي
- الاشراف التربوي في العراق في العهد الملكي مرحلة تأسيس الحكوم ...
- دور همفري بومان في تحديد مهام الاشراف التربوي في العراق من 1 ...
- الاشراف التربوي في العراق ابان الاحتلال البريطاني
- خصائص ومزايا منهج الدراسة الابتدائية في العراق عام 1919 .
- منهج الدراسة الابتدائية في العراق عام 1919 .
- دور همفري بومان في التعليم الابتدائي ومناهجه في العراق من 19 ...
- التعليم الابتدائي ومناهجه في العراق منذ احتلال بغداد 1917م ح ...
- التعليم في العراق ابان الاحتلال البريطاني للبصرة 1914م
- دور التبشير والارساليات التبشيرية في التعليم في العراق ، مدر ...
- منهج الدراسة الابتدائية في العراق أواخر الدولة العثمانية
- الموالي والتباين الطبقي حتى نهاية العصر الأموي


المزيد.....




- منارة العلم العالمية.. افتتاح جامع قصبة بجاية -الأعظم- بالجز ...
- فنانون روس يسجلون ألبوما من أغاني مسلم موغامايف تخليدا لضحاي ...
- سمية الخشاب تقاضي رامز جلال (فيديو)
- وزير الثقافة الإيراني: نشر أعمال لمفكرين مسيحيين عن أهل البي ...
- -كائناتٌ مسكينة-: فيلم نسوي أم عمل خاضع لـ-النظرة الذكورية-؟ ...
- ألف ليلة وليلة: الجذور التاريخية للكتاب الأكثر سحرا في الشرق ...
- رواية -سيرة الرماد- لخديجة مروازي ضمن القائمة القصيرة لجائزة ...
- الغاوون .قصيدة (إرسم صورتك)الشاعرة روض صدقى.مصر
- صورة الممثل الأميركي ويل سميث في المغرب.. ما حقيقتها؟
- بوتين: من يتحدث عن إلغاء الثقافة الروسية هم فقط عديمو الذكاء ...


المزيد.....

- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو
- الهجرة إلى الجحيم. رواية / محمود شاهين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - كريم الوائلي - الملامح التدميرية في معلقة امريء القيس