أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - كريم الوائلي - الحداثة واللاحداثة بين التبعية والقطيعة















المزيد.....

الحداثة واللاحداثة بين التبعية والقطيعة


كريم الوائلي
كاتب وناقد ادبي وتربوي .

(Karim Alwaili)


الحوار المتمدن-العدد: 8433 - 2025 / 8 / 13 - 20:51
المحور: الادب والفن
    


د كريم الوائلي

يُعدّ مصطلح الحداثة من أكثر المفاهيم إثارة للجدل والتأويل في الفكر العربي المعاصر، لما ينطوي عليه من أبعاد معرفية وثقافية وحضارية متشابكة، فهو ليس مجرد توصيف لمرحلة زمنية أو شكل من أشكال الإبداع الأدبي والفني، بل هو بنية فكرية شاملة ترتبط بجملة من التحولات في أنماط التفكير، ومناهج المعرفة، ومفاهيم الإنسان والمجتمع. وعلى النقيض منها تقف اللاحداثة، بوصفها موقفًا مقاومًا للتغيير أو محافظًا على تراث سابق، لكنها في كثير من الأحيان لا تُمثّل موقفًا سكونيًّا فحسب، بل تحمل رؤيتها الخاصة للعالم، وقيمها النابعة من سياقات مختلفة عن سياقات الحداثة الغربية التي وُلدت في بيئات اجتماعية واقتصادية وسياسية مخصوصة .
وإذا كان الفكر الغربي قد أنتج حداثته عبر تراكمٍ تاريخي وصراعٍ طويل مع أنماط السلطة والمعرفة التقليدية، فإن الفكر العربي غالبًا ما تلقى الحداثة بوصفها نموذجًا جاهزًا وافدًا، تراوحت مواقفه منه بين الرفض المطلق والتبني غير النقدي، وبين محاولات تلفيقية للمزاوجة بين "الحداثة" و"التراث". من هنا، تبرز إشكالية الحداثة واللاحداثة في الفكر العربي لا بوصفها مجرد جدل فكري، بل بوصفها مرآة لصراعات أعمق تتصل بالهوية، والسلطة، والمعرفة، والموقع الحضاري في عالم تسوده ثقافة الغالب وتُهمّش فيه الثقافات الأخرى.
وفي هذا السياق، يصبح من الضروري فحص طبيعة الحداثة العربية وموقع اللاحداثة، من خلال تأمل السياقات التاريخية والاجتماعية التي نشأت فيها هذه المفاهيم، وتفكيك الخطابات التي بُنيت حولها، سواء في بعدها السياسي أو الفني أو المعرفي.

تثير الحداثة معضلات ماهيتها وتاريخيتها على السواء، فهي ليست مصطلحًا خاصًّا بالنقد والأدب، ولكنها تشير إلى صيغ عديدة دالة على الحضارة والتقدم، فهي ابتداء تدل على التغاير مع الأنماط السابقة، وتتمرد على خصائصها وسماتها ،وبتعبير آخر إنَّ الحداثة كما يرى " جون بودريان " ليست " مفهومًا سوسيولوجيًّا أو مفهومًا سياسيًّا، أو مفهومًا تاريخيًّا يحصر المعنى، وإنما هي صيغة مميزة للحضارة تعارض صيغة التقليد، أي أنها تعارض جميع الثقافات الأخرى السابقة أو التقليدية" ، وإذا كانت الحداثة اليوم تدل في أول ما تدل عليه هو ارتباطها بالحضارة الغربية أو انحدارها عنها، وبما تشتمل عليه من خصائص وسمات هي نتاج سياقات تاريخية واجتماعية معينة، فإن الحديث عن حداثة عربية هي قرين صورة مطابقة لحداثة غربية للتواصل لكائن بين الحداثتين، والحق أنه ليس تواصلًا بمعنى فاعلية الأخذ والعطاء ،وإنما بمعنى آخر فاعلية طرف ــ الغرب ـــ وتلقي أو بتعبير أدق سلبية طرف آخر ـــ الحداثة العربية .
إنَّ الحداثة المعاصرة مادية وذهنية نشأت في سياقات تاريخية واجتماعية غربية، ثم انتقلت إلى مجتمعات أخرى بطرائق مختلفة، ومنها الوطن العربي، وكانت دهشة الانبهار إزاء مظاهر الحداثة المادية كبيرة، وتجاور ذلك مع إيمان آخر بحداثة الآخر الذهنية، وتشبث بعض الحداثيين بشمولية الحداثة " ماديا وذهنيا " وطفق يبشر بمفاهيمها وتصوراتها، ويدافع عن إبداعاتها وإنجازاتها، دون أن يشعر بالفوارق الكبيرة بين طبيعة السياقات الاجتماعية والتاريخية المختلفة للحداثة في موطنها وفي واقعنا وتاريخنا، ويعارض هؤلاء نمطا آخر يأخذ من المظاهر المادية للحداثة، لسبب وغيره، ولا يرى في ذلك من تعارض إطلاقًا مع مقولاته السلفية التراثية، ولكنه يرفض مقولات الحداثة وتصوراتها ومفاهيمها، ويلتقي الدارس بنمط تلفيقي يحاول المجاورة بين ما يطلق عليه الأصالة والمعاصرة، أو التراث والحداثة، ومن ثم يجاور بين المتعارضات والمتناقضات، تمامًا كما يفعل بعض الدارسين حين ينظر إلى التراث بوصفه كتلة مصمتة، فيأخذ من العقلي والنقلي على السواء .
إنَّ الحداثة في التراث لم تنشأ معلقة في فراغ، وإنما كانت جزءاً من تطور حاصل في الواقع، فهي تتأسس" على الصراع بين النظام القائم على السلفية والرغبة العاملة للتغيير في هذا النظام " . ويحدد "أدونيس" للحداثة تيارين سياسي/ فكري، وفني، ويتمثل الأول: في الحركات المناهضة للسلطة ـــ الخوارج وثورة الزنج والقرامطة ـــ وبالتصورات الاعتزالية والعقلانية الإلحادية والتصوف، وتهدف هذه جميعًا إلى " الوحدة بين الحاكم والمحكوم في نظام يساوي بين الناس اقتصاديًّا وسياسيًّا، ولا يفرق بين الواحد والآخر على أساس من جنس ولون ، أمَّا التيار الفني: فلقد أبطل القديم وتحول فيه الإبداع على خاصية إنسانية؛ بحيث أصبح الإنسان " يمارس هو نفسه عملية خلق العالم" .
ومن الجدير بالملاحظة أنَّ هذين التيارين لهما وجود حقيقي في الواقع الاجتماعي؛ إذ يمثل ملامح حقيقية لمعارضة قوية في زمن سلطة قمعية، لها ثقافتها المضادة المعززة بقوة السيف، ولا يخفى وجود الخوارج والشيعة والقرامطة وغيرهم، أي أنَّ هناك شرائح اجتماعية واسعة في المجتمع العربي تؤدي دورها الفاعل في الحياة وفي الخروج على السلطة وثقافتها، وقد استخدمت القوة : ثورة أو عصيانًا، أو الرفض السلبي، بمعنى أنَّ الفكر الحداثي له قاعدة اجتماعية شعبية واسعة تؤمن به وتدافع عنه لحد استخدام القوة والعنف .
وحين نتأمل الحداثة العربية المعاصرة فإنَّ هناك تساؤلات ملحة تفرض نفسها: هل الحداثة المعاصرة حركة تطورت تطورًا طبيعيًّا في سياقات تاريخية واجتماعية معينة ؟ أم انها حركة صفوة من المثقفين ؟ أي هل تعبر الحداثة عن واقع اجتماعي فعلاً، وإنْ لم تعبر فهل هي تؤثر فيه ؟ وإذا كانت الحداثة في التراث تعبر عن طموحات تيارات اجتماعية كبيرة، فإن الحداثة المعاصرة لا تتجاوز الآلاف، ويرتبط قسم كبير من أنصارها ودعاتها بأكثر الأنظمة القمعية، يخدمون تطلعاتها السياسية ويدافعون عن رموز أشخاصها، ومما يؤيد أنَّ الحداثة حداثة مثقفين مقولة محمد عابد الجابري " هناك في واقعنا المريض قطاع كبير من الذين يملكون السلطة العلمية أو الفكرية على الجماهير، أو سمها سلطة الجاه أو المشيخة إذا شئت، ومن ثم فهناك قطاعات واسعة من الجماهير العربية تابعة لهؤلاء، وليس نحن المثقفين أو الإنتلجنسيا بالمفهوم الغربي فلا سلطان لنا عليهم، وينبغي علينا نحن المثقفين أنْ نعترف بأننا فئة قليلة جدًا، وغير مؤثرة التأثير الكافي في واقعنا الثقافي، إنَّ الكتاب الذي يصدر بيننا ويؤلفه واحد منا نتداوله فيما بيننا نحن فقط، ولا يوزع منه إلا حوالي ستة آلاف نسخة فقط، فما القيمة التي تمثلها ستة آلاف نسخة في شعب يزيد على مائة وخمسين مليونًا "
ومما يؤكد ذلك أنَّ "أدونيس" هو الآخر يؤكد قضية بالغة الأهمية في وجود حداثة في الشعر، ولا وجود لحداثة في العلم وتغيير المجتمع، أنَّ الحداثة العربية المعاصرة حداثة تكاد تكون غريبة تمامًا، وهي جزء مما نتلقاه ونتداوله، إنَّ أدونيس وهو من أبرز الشخصيات الحداثية شعًرًا وفكرًا يؤكد أنَّ الغرب اليوم يقيم بعمق أعماقنا في جميع ما نتداوله اليوم فكريًّا وحياتيًّا، يجيئنا من هذا الغرب، أما فيما يتصل بالناحية الحياتية فليس عندنا ما تحسم به حياتنا إلا ما نأخذه من الغرب، وكما أننا نعيش بوسائل ابتكرها الغرب، فإننا نفكر بلغة الغرب نظريات ومفهومات، ومناهج تفكيري، ومذاهب أدبية وغيرها من المذاهب التي ابتكرها أيضًا الغرب، وكذلك الرأسمالية، الاشتراكية، الديمقراطية، الجمهورية، الليبرالية، الحرية، الماركسية، الشيوعية، القومية، ـــ والمنطق، الديالكتيك، العقلانية – الواقعية، الرومانطيقية، الرمزية، السريالية ... إلخ. هذا من دون أن ندخل في ميدان العلوم، وخصوصا في العلوم البحتة .
وقبل الشروع في التعرض للحداثة أود الإشارة إلى تمييز دقيق بين التجديد والحداثة، أشارت إليه خالدة سعيد، إذ ترى انَّ " الحداثة أكثر من التجديد، وإذا كان التجديد مظهرًا من مظاهر الحداثة؛ لأنَّ التجديد هو إنتاج المختلف المتغير الذي لا يخضع للمعايير السابقة، أولا يخضع لها تماما، بل يسهم في توليد معايير جديدة، الجديد نجده في عصور مختلفة، لكنه لا يشير إلى الحداثة دائمًا، ولا يكون الجديد حديثًا بالمعنى الذي استقر للحداثة؛ إلا إذا كان يطرح القضايا الأساسية للحداثة، ويتمحور حول المفصل الصراع الفكري للحداثة .
ومن أجل فهم أفضل لطبيعة الحداثة العربية تحدد خالدة سعيد أمورًا منها ما يتصل بارتباط الحداثة، بالانزياح المتسارع في المعارف وأنماط الإنتاج والعلاقات على نحو يستتبع صراعًا مع المعتقدات .. ومع القيم التي تفرزها أنماط الإنتاج والعلاقات السائدة ، وبقدر ما يشير هذا الى العلاقة الحميمة بين الحداثة والتغيير والتطور، يشير على هذا التغيير بأنماط إنتاجها وعلاقاتها؛ بحيث يؤكد العلاقة الجدلية بين المعرفة والبنية التحتية في ضوء تجلياتها الماركسية المعروفة، ومن ثم تحدد الناقدة الحداثة بوصفها ثورة فكرية، وليست مجرد مسألة تتصل بالوزن والقافية، أو بقصيدة النثر، أو نظام السرد، أو البطل ... لتؤكد أخيرا أنَّ الحداثة وضعية فكرية لا تنفصل عن ظهور الأفكار والنزوعات التاريخية التطويرية، وتقدم المناهج التحليلية التجريبية، وهي تتبلور في اتجاه تعريف جديد للإنسان عبر تحديد جديد لعلاقته بالكون، إنها إعادة نظر شاملة في منظومة المعلومات والنظام المعرفي، أو ما يكون صورة العالم في وعي الإنسان، ومن ثم يمكن أن يقال أنها إعادة نظر في المراجع والأدوات والقيم والمعايير .
إنَّ الحداثة لا توجد فجأة، بل هي نتيجة تراكم معرفي، تنطلق من مرحلة لأخرى؛ إذ ترى خالدة سعيد أنَّ الحداثة بوصفها حركة فكرية شاملة انطلقت مع الرواد، مثل جبران خليل جبران وطه حسين، فقد مثّل فكر الرواد الأوائل قطيعة مع المرجعية الدينية والتراثية، كمعيار ومصدر وحيد للحقيقة، واقام مرجعين بديلين : العقل والواقع التاريخي، وكلاهما إنساني، ومن ثم تطوري، فالحقيقة عند رائد كجبران وطه حسين لا تلتمس بالنقل، بل تلتمس بالتأمل والاستبصار عند جبران، وبالبحث المنهجي العقلاني عند طه حسين.
ومن المفارقات التي ينبغي تأكيدها أنَّ محمد مصطفى بدوي يؤكد أمرين رأيت ضرورة التوقف عندهما، أولهما : أنه " ليس هناك اجماع مطلق على تحديد قاطع للحداثة، ومع ذلك هناك شبه إجماع على ما يمكن وصفه بالفن الحديث" وثانيهما: أنَّ الكلام عن الحداثة في الأدب الأوربي إنما هو لاحق أو مصاحب لهذه الظاهرة، وليس سابقًا لها على الإطلاق، كما هي الحال لدى كتّابنا وشعرائنا .
إنَّ ما فعله نقادنا هو نقل الدلالات والمفاهيم التي تحدد مصطلح الحداثة، على الرغم من عدم تحددها لدى الغربيين، ومن ثم عمدوا إلى تحديد معايير الحداثة، ومحاولة السير في ركابها، وهذا يعني أنَّ هناك تفاوتا بين من يصف ويحلل ويحدد طبيعة الحداثة، كما فعل الأوربيون. وبين من يحدد المعايير ثم يدعو أو يبدع نصًّا حداثيا، لا ريب أنَّ هناك فرقاً.
إن الحداثة في الغرب ـــ كما يحدد "براديبري" و"مكفارلين" ـــ كانت تعبيرًا عن انهيار العقل والحضارة الغربية، ولما أصاب المدينة أثناء الحرب العالمية الأولى، وهي فن الرأسمالية والتصنيع المتزايد في السرعة وفن اللامعقول وأدب التكنولوجيا، ويتساءل "محمد مصطفى بدوي" بقوله : "فأين نحن العرب من هذه الأشياء؟ متى كانت الواقعية والعقلانية والتصنيع الشامل والتكنولوجيا الحديثة هي السمات الغالبة في مجتمعاتنا في يوم من الأيام" .
ترى هل بدأت الحداثة في الأربعينيات وتطورت في الخمسينيات، وما تلاها، سواء لدى رواد الشعر الحر في العراق، أم حركة شعر في لبنان، وإن كانت هذه هي الحداثة تاريخيًّا، فلا ريب أنَّ هناك فجوة بين الواقع العربي والحداثة العربية، بمعنى أنَّ الحداثة ليست تعبيرًا عن واقع معاش، فهي سابقة للواقع ومتقدمة عليه عند من يحسنون الظن، أو إنها صورة للحداثة الغربية ونسخ لها عند من يسيئون الظن، ويعم التصور الأخير ما يذهب إليه محمد عابد الجابري في أثناء تعرضه للخطاب العربي الحديث، من أنَّ المفاهيم الموظفة فيه مستقاة كلها إمّا من الماضي العربي الإسلامي، وإما من الحاضر الأوربي؛ إذ تدل تلك المفاهيم في كلتا الحالتين على واقع هو ليس الواقع العربي الراهن، بل هو واقع معتم غير محدد، ومستنسخ، إما من صورة الماضي وإما من صورة الغرب ـــ المستقبل، المأمول .
إذن هناك طريقان للتحدث عن الحداثة، أولهما : معياري يحدد للحداثة طبيعتها ووظيفتها وملامحها، من منظور نظري بحت، ويستقى مكوناتها من التراث نادرًا، ومن الآخر غالبًا، بمعنى أن أصحاب النظرية المعيارية لا يأخذون المصطلح " الحداثة " من الآخر، بأن يتبنون دلالاته، على الرغم من أننا لم ننتج المصطلح ولم نحدد ماهيته، وكأن الحداثة هنا مفهوم مطلق تصدق معياريته على كل حداثة عربية أو غيرها، آنية أو قديمة أو آتية، وهي على كل حال ترجع إلى مركزية أوربية، أي مركزية مفهوم الحداثة وهو مفهوم نتاج واقع اجتماعي وفكري وسياسي وإيديولوجي محدد، ومن الجدير بالذكر إنَّ مفهوم الحداثة عند الآخر ليس وليد تصورات معيارية مسبقة، كما نفعل نحن، وإنما هو وليد عملية جدلية بين الواقع والحداثة، ومن ثم فإن مفهوم الحداثة يتجدد على الرغم من تعددية دلالاته في ضوء استقراء منتجات مادية وذهنية على السواء.
وثانيهما : وصفي، وهو أقل ظهورًا، أي أنه يحدد للحداثة مفهومًا في ضوء استقراء النصوص الحداثية، ومحاولة الكشف عن خصائصها وسماتها، غير أنَّ معضلًا يعترض هذه المحاولة يكمن في تحديد النصوص الحداثية، وكأن التحديد الوصفي لا بدَّ له من أسس معيارية، وإذا كانت المشكلة محسومة لدى أصحاب التيار الأول؛ لأنهم يستقون المفاهيم والتصورات بوصفها موجودات ثابتة أو متغيرة من حضارة أخرى، فإن أصحاب التيار الثاني يعانون من مشكلتين، أولاهما : لها طابع معياري يسهم في تحديد طبيعة النصوص الأدبية الحداثية، ومن ثم وصفها والكشف عن خصائصها، فهم يقومون بعملية مزدوجة تتردد بين المعيارية والوصفية.
وكلا التيارين يصدر في تحديده لمفهوم الحداثة في ضوء موقفه من اللاحداثة وبمقدار تحدد الأخيرة ـــ اللاحداثة ــــ يمكن فهم الحداثة والولوج إلى عوالمهما المختلفة وإن دراستهما غير مستقلة عن سياقات عديدة تراثية من ناحية، واجتماعية وتاريخية من ناحية أخري، إنَّ تأكيدي على التراث له ما يبرره؛ لأننا نعيش تراثنا بكيفيات متعددة تتفاوت في طبيعتها ووظيفتها، أي من التلقي السلبي للتراث إلى رفضه المطلق، أو نظرة تلفيقية بين النظرتين السلبية والرافضة، إنَّ وعي التراث يسهم في تحديد الجانب الأكبر من هويتنا المعاصرة، ويحدد أيضا موقفنا من الآخر.
ويبدو أنَّ مصطلحي الحداثة واللاحداثة يختلطان بمصطلحات ومفاهيم أخرى؛ إذ يعلي دارس من اللاحداثة ويعدها أصالة، ولا بد من التشبث بها، لأنَّ وجودنا الحضاري الآني مقترن بها، وأن هويتنا الثقافية لا وجود لها إلا بها، في حين تبدو اللاحداثة عند آخرين أمرًا مرفوضًا وممجوجًا على صعد مختلفة، أيديولوجية وفكرية واجتماعية وإبداعية، إنَّ اللاحداثة عند النمط الأول تتميز بثباتها واستقرارها وديمومتها وإطلاقها في كل زمان ومكان، بينما هي لدى النمط الآخر متخلفة ورجعية، إنها تعبر عن واقع اجتماعي مندثر، وإن إعادتها إلى الحياة أو محاولة فرضها كمن يحاول إيقاظ ميت، وحين يخفق في ذلك يحاول حمل هيكله العظمي معبّرًا عن حضوره أو تجدده.



#كريم_الوائلي (هاشتاغ)       Karim_Alwaili#          


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- من الطاعة إلى الحرية: مساءلة العقل التابع
- البلاغة الفارغة من التهويم الخطابي الى التغير الاجتماعي
- كراهية الآخر الغربي
- اللفظ والمعنى في صحيفة بشر بن المعتمر
- قراءة في تحديث المناهج التعليمية في العراق
- الملامح التدميرية في معلقة امريء القيس
- الدراسات النقدية الحديثة في مجلة المجمع العلمي العراقي
- توظيف الشخصية التراثية عند مظفر النواب
- فناء في سجون الغربة قراءة نقدية في قصيدة للشاعر جودت القزوين ...
- إعداد المعلم بين تحديث المناهج وقصور التدريب
- بيان الثقافة العراقية
- مآزق هيكلية الاشراف التربوي الاشراف التربوي في العراق في الع ...
- الاشراف التربوي في العهد الملكي على ضوء لجنة العشر سنوات
- مكانة المشرف التربوي في العراق على ضوء تقرير لجنة الكشف الته ...
- مهام وواجبات المشرف التربوي في العراق في العهد الملكي
- الاشراف التربوي في العراق في العهد الملكي مرحلة تأسيس الحكوم ...
- دور همفري بومان في تحديد مهام الاشراف التربوي في العراق من 1 ...
- الاشراف التربوي في العراق ابان الاحتلال البريطاني
- خصائص ومزايا منهج الدراسة الابتدائية في العراق عام 1919 .
- منهج الدراسة الابتدائية في العراق عام 1919 .


المزيد.....




- مركز جينوفيت يحتفل بتخريج دورة اللغة العبرية – المصطلحات الط ...
- -وقائع سنوات الجمر- الذي وثّق كفاح الجزائريين من أجل الحرية ...
- مصر.. وفاة الأديب صنع الله إبراهيم عن عمر يناهز 88 عاما
- -وداعًا مؤرخ اللحظة الإنسانية-.. وفاة الأديب المصري صنع الله ...
- الحنين والهوية.. لماذا يعود الفيلم السعودي إلى الماضي؟
- -المتمرد- يطوي آخر صفحاته.. رحيل الكاتب صنع الله إبراهيم
- وفاة الكاتب المصري صنع الله إبراهيم عن 88 عاما
- وفاة الكاتب المصري صنع الله إبراهيم عن عمر 88 عاما
- وزارة الثقافة المصرية تعلن وفاة -أحد أعمدة السرد العربي المع ...
- وفاة الكاتب المصري صنع الله إبراهيم عن 88 عاما


المزيد.....

- نقوش على الجدار الحزين / مأمون أحمد مصطفى زيدان
- مسرحة التراث في التجارب المسرحية العربية - قراءة في مسرح الس ... / ريمة بن عيسى
- يوميات رجل مهزوم - عما يشبه الشعر - رواية شعرية مكثفة - ج1-ط ... / السيد حافظ
- . السيد حافظيوميات رجل مهزوم عما يشبه الشعر رواية شعرية مك ... / السيد حافظ
- ملامح أدب الحداثة في ديوان - أكون لك سنونوة- / ريتا عودة
- رواية الخروبة في ندوة اليوم السابع / رشيد عبد الرحمن النجاب
- الصمت كفضاء وجودي: دراسة ذرائعية في البنية النفسية والجمالية ... / عبير خالد يحيي
- قراءة تفكيكية لرواية -أرض النفاق- للكاتب بشير الحامدي. / رياض الشرايطي
- خرائط التشظي في رواية الحرب السورية دراسة ذرائعية في رواية ( ... / عبير خالد يحيي
- البنية الديناميكية والتمثّلات الوجودية في ديوان ( الموت أنيق ... / عبير خالد يحيي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - كريم الوائلي - الحداثة واللاحداثة بين التبعية والقطيعة