أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - قضايا ثقافية - كريم الوائلي - من الطاعة إلى الحرية: مساءلة العقل التابع














المزيد.....

من الطاعة إلى الحرية: مساءلة العقل التابع


كريم الوائلي
كاتب وناقد ادبي وتربوي .

(Karim Alwaili)


الحوار المتمدن-العدد: 8429 - 2025 / 8 / 9 - 22:20
المحور: قضايا ثقافية
    


د كريم الوائلي

لا يختلف مفهوم الطاعة عن دلالته اللغوية كثيرا، فهو يعني التسليم والانقياد، وتقترن الطاعة بالعبادة، ولكن الطاعة أعم وأشمل، والعبادة أخص، وقد تكون الطاعة سلوكا فرديا يؤديه الإنسان لله، أو طاعة لأبويه، أو من لهم مكانة محبة في نفسه، ولكن الطاعة منظومة ثقافية تأصلت على أساس من تراكماته المعرفية والسلوكية التي تمتد الى عمق التاريخ، وقد ترسخت في بنيات الوعي الجمعي، ومن ثم أصبحت إحدى العلامات الدالة على القيمة الاخلاقية التي يتحلى بها فرد أو مجموعة أو حزب أو كيان، ولكن الطاعة اصبحت عبئا ثقافيا يحد من فاعلية الانسان ويسلبه حريته ويعطل إمكاناته الفكرية والابداعية.
وقد لا نختلف كثيرا إذا أكدنا أنَّ الطاعة لها حضورها القوي في الفقه الإسلامي، وفي مجمل الخطابات الدينية، ولم يقتصر ذلك على الدين فحسب، بل اصبحت الخطابات السياسية دافعة الى التقيد بها والاخذ بأسبابها، بمعنى أنَّ الطاعة ليست سلوكا فطريا، وليست اداء بريئا، ولكنها طريق ممنهج الى ترسيخ التسليم والاستكانة لصياغة الإنسان، كي يتماهى مع السلطة ويعيد انتاج افكارها وتصوراتها، واكثر من هذا يدعو اليها وينفذ تطبيقاتها على أجيال لاحقة.
ويتميز العقل العربي بنفوره من تحمل المسؤولية الفردية، ويميل كثيرا الى الاندماج الكلي بالجماعة والوعي الجمعي، إذ تتشكل أفكار الإنسان وسلوكياته عبر هذا المحيط الجارف، على الرغم من انه لا يؤمن بما تمليه الجماعة أو الوعي الجمعي عليه، ويجنح ـــ غالباـــ الى ما يمكن تسميته " بالاتكالية على الاخر" : فقيها، أو حاكما ،أو أبا، أو شيخا، أو نصا، الامر الذي يقود بالنتيجة الى التماهي بين سلطة الاخر الفقيه والأب من ناحية وسلطة النص من ناحية أخرى .
ولما النص يمثل مركزية مهمة في الوعي العربي الإسلامي، لان ثقافتنا ثقافة نص أساسا، فلذلك يتم هذا التلاحم مع التأويلات الدينية ـــ واغلبها سلفية ــــ وتصبح الطاعة جزءا من البنية الثقافية والسلوكية للإنسان الفرد، والجماعة، والطائفة، والحزب، ونحو ذلك .
ولما كان ثقافتنا ثقافة نص ـــ كما أشرنا ـــ فأنها في الوقت نفسه ثقافة تابعة تقدس الماضي ورجالاته وسلوكياتهم ونصوصهم، ولان كثيرا مما يفرضه الاخر الحاكم والفقيه والأب، اصبحت له قدسيته، لذا وجب التقيد بالتابعية لهم في كل شاردة وواردة، ومن هنا جاءت فكرة " السمع والطاعة للحاكم وان جلد ظهرك وسلب مالك" وان تجاهد تحت امرته وان ارتكب الموبقات، وهذه الثقافة ترسخت في الوجدان العربي ولا يمكن التراجع عنها، وإنْ لم تصبح الطاعة خيارا فرديا فإنها تصبح فرضا تمليه السلطات الدينية والسياسية ، والاجتماعية.
إنَّ الاجيال تتناسل وتتوالد وكأنها تحمل في جيناتها ذات الافكار السالفة، وتصر على تطبيقها، على الرغم من التغيرات الخارجية التي توهم بالانفصال عن الماضي، ولكنها في العمق تبقي كل شيء على ما هو عليه دون تغيير.
ويتحول الإنسان العربي الى مجرد متلق سلبي مطيع، ويقابله ويتحكم فيه: الفقيه العالم، والشيخ العارف، والاب المستبد، ويندمج المتلقون السلبيون ( المطيعون ) ضمن كتلة واحدة ( تُؤمِّن) ـــ تقول آمين ـــ على ما يقوله الفقيه والشيخ والأب، ولذلك تجلت في مجتمعاتنا صوره الحاكم الفرد الراعي، ويقابله الرعية: الشعب ( المطيع ) القطيع .
وليس من قبيل المصادفة ان تتواطئ المؤسسة السياسية العسكرية أو شبه العسكرية غالبا مع المؤسسة الدينية، ويقود هذا الى استبداد مطلق، يغلق كل المنافذ امام محاولات الإنسان للخروج من شرنقة الانصياع والتسليم والطاعة المطلقة، واذا كان هناك في احد طرفي المعادلة استبداد السلطتين السياسية والدينية، فان هناك في المقابل خضوع بقناعة للقطيع .
ولن اكون مبالغا اذا قلت : إنَّ نزعة الاتكالية في العقل العربي اسهمت بشكل فاعل في تراجع التقدم الإنساني، وعطلت فاعلية الإنسان والمجتمع، وقدمت نماذج وهمية للخلاص، وهي نماذج خرافية في كثير من الأحيان، وبهذا فان الخروج من هذا المأزق يقتضي تحرير مفهوم الطاعة من كونه موضوعة ـــ ثيمة ـــ تعني الانقياد والاستسلام، ومن كونها عامة وجامعة، الى فردية وخاصة، وقبل هذا كله لابد من انتزاعها من قدسيتها الى افاق رحبة جديدة، تقود الى المساءلة والحوار، وليس التسليم والانغلاق .



#كريم_الوائلي (هاشتاغ)       Karim_Alwaili#          


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- البلاغة الفارغة من التهويم الخطابي الى التغير الاجتماعي
- كراهية الآخر الغربي
- اللفظ والمعنى في صحيفة بشر بن المعتمر
- قراءة في تحديث المناهج التعليمية في العراق
- الملامح التدميرية في معلقة امريء القيس
- الدراسات النقدية الحديثة في مجلة المجمع العلمي العراقي
- توظيف الشخصية التراثية عند مظفر النواب
- فناء في سجون الغربة قراءة نقدية في قصيدة للشاعر جودت القزوين ...
- إعداد المعلم بين تحديث المناهج وقصور التدريب
- بيان الثقافة العراقية
- مآزق هيكلية الاشراف التربوي الاشراف التربوي في العراق في الع ...
- الاشراف التربوي في العهد الملكي على ضوء لجنة العشر سنوات
- مكانة المشرف التربوي في العراق على ضوء تقرير لجنة الكشف الته ...
- مهام وواجبات المشرف التربوي في العراق في العهد الملكي
- الاشراف التربوي في العراق في العهد الملكي مرحلة تأسيس الحكوم ...
- دور همفري بومان في تحديد مهام الاشراف التربوي في العراق من 1 ...
- الاشراف التربوي في العراق ابان الاحتلال البريطاني
- خصائص ومزايا منهج الدراسة الابتدائية في العراق عام 1919 .
- منهج الدراسة الابتدائية في العراق عام 1919 .
- دور همفري بومان في التعليم الابتدائي ومناهجه في العراق من 19 ...


المزيد.....




- تحليل لـCNN.. لماذا يشير لقاء ترامب وبوتين بألاسكا إلى هزيمة ...
- الرئاسة الفلسطينية تندد بخطة إسرائيل للسيطرة على غزة.. وتدعو ...
- عشرات الموقوفين في لندن خلال تظاهرة مؤيدة لـ-فلسطين أكشن- رغ ...
- نزع سلاح حزب الله.. لبنان يندد بـ-تدخل إيران- في شؤونه الداخ ...
- دراسة جينية جديدة تكشف عن أربعة أنواع فرعية من التوحد
- أمهات أسرى إسرائيليين بغزة يهددن بملاحقة نتنياهو
- بوليتيكو: دلالات خطيرة للاختراق السيبراني للنظام القضائي الأ ...
- محمد رمضان يكشف عن زيارته لعائلة الرئيس الأميركي دونالد ترام ...
- طبيب أميركي: غزة تتعرض لإبادة واسعة والولايات المتحدة لا تري ...
- كيف علّق الإيرانيون على اتفاق السلام بين أذربيجان وأرمينيا؟ ...


المزيد.....

- أسئلة الديمقراطية في الوطن العربي في عصر العولمة(الفصل الساد ... / منذر خدام
- أسئلة الديمقراطية في الوطن العربي في عصر العولمة(الفصل الثال ... / منذر خدام
- أسئلة الديمقراطية في الوطن العربي في عصر العولمة(الفصل الأول ... / منذر خدام
- ازمة البحث العلمي بين الثقافة و البيئة / مضر خليل عمر
- العرب والعولمة( الفصل الرابع) / منذر خدام
- العرب والعولمة( الفصل الثالث) / منذر خدام
- العرب والعولمة( الفصل الأول) / منذر خدام
- مقالات في الثقافة والاقتصاد / د.جاسم الفارس
- مقالات في الثقافة والاقتصاد / د.جاسم الفارس
- قواعد اللغة الإنكليزية للأولمبياد مصمم للطلاب السوريين / محمد عبد الكريم يوسف


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - قضايا ثقافية - كريم الوائلي - من الطاعة إلى الحرية: مساءلة العقل التابع