محمد بسام العمري
الحوار المتمدن-العدد: 8461 - 2025 / 9 / 10 - 04:47
المحور:
الادب والفن
الفصول ليست مجرّد تبدّلٍ في الطقس، بل هي لغة الأرض في مخاطبة أرواحنا.
إنها دورة كونية توازي دورة العمر: من الميلاد الطري إلى الاشتعال، ومن الذبول الهادئ إلى السكون العميق.
في كل فصل نقرأ ملامحنا، نرى انعكاس قلوبنا، ونصغي إلى أسرارنا كما لو كانت مكتوبة في دفتر الطبيعة.
ميلاد الروح
الربيع هو الطفولة الدائمة للكون، حين ينفجر الأمل من بين الصخور، وتضحك الأرض بأزهارها كما لو أنّها تستيقظ من حلم طويل.
في هذا الفصل، تصير النفس خفيفة، عابقة بالدهشة، متعطّشة للحياة، وكأن كل شيء يبدأ من جديد.
تانكا:
ندى الفجر يرق،
أحلام صغيرة تنمو،
ضحكة عصفور،
كل ما مضى يعود،
في حضن ورد جديد.
اشتعال الرغبة
الصيف هو اكتمال العمر، ذروة النبض، حيث تنفجر الرغبات وتشتعل الحواس بحرارة الشمس.
إنه فصل الجسد والروح معًا، حيث يصبح العطش إلى الحب، وإلى المغامرة، عطشًا أبديًا لا يُروى.
تانكا:
على الشاطئ،
تكتب الريح أسرارًا،
في الرمل الذهبي،
قلب عاشق يذوب،
ثم يعود عطشانًا.
ا حكمة الفقد
الخريف كتاب الحكمة، أوراقه الصفراء رسائل صامتة عن الرحيل.
فيه تهدأ النفس بعد صخبها، وتتأمل المسافة التي قطعتها، مثل مسافر يجلس تحت شجرةٍ يتأمل أوراقها المتساقطة ويبتسم بحزنٍ شفيف.
تانكا:
ظلّ الغروب،
يمتد فوق الطريق،
صمتٌ ثقيل،
كأن العمر يمضي،
مع آخر ارتجاف.
صمت التأمل
الشتاء هو زمن الانكماش إلى الداخل، حيث يغطي الصمت الأبيض الأرض، فيدعو الإنسان إلى أن يصغي إلى صوته الداخلي.
إنه فصل التأمل، وبذرة التجدد، حيث في أعماق البرد تنام بذور ربيع قادم، تنتظر ساعة الميلاد.
تانكا:
ثلجٌ يهمس،
في ليلٍ بلا نهاية،
قلب يشتعل،
يخبئ في صقيعه،
بذور ربيع قادم.
ما الفصول إلا مَجاز لأعمارنا، وما الطبيعة إلا معلمٌ يهمس بأسرار البقاء والفناء.
في الربيع نولد من رحم الغيب، في الصيف نشتعل بالوجود، في الخريف نتعرّى من زينتنا لنكتشف حقيقتنا، وفي الشتاء نصمت كأننا نتهيأ للغياب.
لكن في العمق، ليس ثمة موت حقيقي؛ فكل نهاية هي بداية، وكل سقوط ورقة هو وعدٌ ببرعم جديد.
هكذا يُعلّمنا دوران الأرض أن الإنسان ليس سوى مسافر في دائرة، يخرج من النور ويعود إليه، كما تعود النُقطة إلى أصلها.
وفي الروح، وراء الفصول الأربعة، هناك فصل خامس لا يراه إلا العاشقون:
فصل الأبدية، حيث لا ربيع ولا شتاء، بل حضرة دائمة من النور،
حضرةٌ ينحلّ فيها الزمن، ويذوب القلب في نهر المحبة،
فلا يبقى "أنا" ولا "أنت"، بل يُصبح الكلّ واحدًا،
كما تُصبح الوردة والندى، الغيمة والشمس، البحر والريح… قصيدة واحدة
#محمد_بسام_العمري (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟