أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمد بسام العمري - الأدب الأفريقي: ذاكرة تتكلّم بلسان الأسطورة وصوت الأرض














المزيد.....

الأدب الأفريقي: ذاكرة تتكلّم بلسان الأسطورة وصوت الأرض


محمد بسام العمري

الحوار المتمدن-العدد: 8456 - 2025 / 9 / 5 - 08:44
المحور: الادب والفن
    


في قلب القارة السمراء، حيث تتشابك أشجار الباوباب العتيقة مع أغاني الصيادين وأهازيج الحقول، يولد الأدب كما تولد الشمس كل صباح. إنه ليس أدبًا يقتصر على الحروف، بل هو ذاكرة حيّة تنبض بالأسطورة، وتتنفّس بالأسى والرجاء. من ليل الحكايات الشفوية إلى نهارات الرواية الحديثة، من أصوات الحكّائين تحت ظل الأشجار إلى أقلام المنفيين على مقاعد جامعات الغرب، ظل الأدب الأفريقي ينحت هوية قارة تبحث عن نفسها في مرايا التاريخ.
فالأدب الأفريقي ليس مجرد حروف على ورق، ولا أصوات تتردّد في فضاء القبيلة، بل هو نبض قارة بأكملها، تحمل في عروقها أنهار الكونغو، وفي ذاكرتها أهازيج الغابة، وفي روحها رماد الاستعمار ونيران التحرر. هو أدب يولد من فم الحكّاء تحت شجرة «الباوباب»، ثم يعبر إلى صفحات الكتب، ليغدو صوتًا عالميًا يروي للعالم كيف قاومت أفريقيا النسيان.

في البدء، كان الصوت. كان الغريوت (Griot) يجلس بين الأطفال والشيوخ، ليحفظ الأنساب والملاحم كما تحفظ الأم أنفاس رضيعها. هناك، في الحلقات الليلية، وُلدت أولى القصائد، لا بالحبر بل بالدمع والطبول.
• ملحمة سونجاتا كيتا لم تكن رواية بطولية فحسب، بل كانت عقدًا اجتماعياً يُعيد للناس معنى القوة والعدالة.
• أسطورة "أنانسي العنكبوت" لم تكن مجرد خرافة، بل حكمة ملفوفة بخيوط الحيلة والدهاء.
ثم جاءت الكتابة، لا بوصفها نعمة خالصة، بل كقيدٍ حمله الاستعمار. على أكتاف اللغات الأوروبية وُلدت نصوص جديدة، تحمل جرحًا مزدوجًا: جرح الطمس وجرح الولادة.
حين اجتاح الاستعمار القارة، لم يستسلم الأدب، بل تحوّل إلى مرآة للمأساة وصوتٍ للمواجهة.
• كتب تشينوا أتشيبي روايته الشهيرة الأشياء تتداعى، وفيها صور انهيار عالم الإيبو أمام زحف التبشير والقوة البريطانية، كأنما يقول: "ها نحن نرى كيف تسقط الشجرة حين تُقتلع من جذورها".
• أما آي كوي أرماه، فقد رأى في روايته لم يولد الأجمل بعد أن الاستقلال قد لا يكون خلاصًا، بل ربما امتدادًا لجرح قديم بثياب جديدة.
كان الأدب في تلك الحقبة صرخة في وجه النسيان، يواجه السيف بالكلمة، ويعيد للإنسان الأفريقي صوته المسلوب.
مع موجات التحرر في خمسينيات وستينيات القرن الماضي، صار الأدب منبرًا لبناء الهوية القومية. رفرف صوت ليوبولد سيدار سنغور، شاعر "الزنوجة"، معلنًا أن أفريقيا ليست هامشًا للتاريخ، بل مركزًا نابضًا للحياة. وفي قصائده كانت الغابة قيثارة، والقرية نجمًا، والإنسان الأسود قلبًا كونيًا.
أما الكيني نغوجي واثيونغو، فقد آمن أن الكتابة بالإنجليزية قيدٌ آخر، فاختار العودة إلى لغة أمه "الكيكويو"، مؤكدًا أن الحرية تبدأ حين يكتب المرء بلغته، لا بلغة سيده القديم.
اليوم، لم يعد الأدب الأفريقي حبيس القارة، بل صار أدب الهجرة والشتات. في أصوات المهاجرين نسمع حنين الأرض وفجيعة المنفى.
• في نصف شمس صفراء، جسّدت تشيماماندا نغوزي أديتشي حرب بيافرا، ليس كحدث تاريخي فحسب، بل كجرح إنساني يذكّر العالم بأن الشمس قد تُشرق ناقصة الضوء.
• وفي أمريكاناه، تحدّثت عن هوية ممزقة بين نيجيريا وأمريكا، بين لون البشرة ونظرة الآخر، بين الانتماء والاغتراب.
هكذا، يغدو الأدب الأفريقي جسرًا بين القارة والعالم، يروي مأساته ويحتفي بأحلامه.
الأدب الأفريقي لم يقف عند حدود الرواية، بل أبدع في كل جنس أدبي:
• الشعر: حيث غنّى سنغور للغابة كما لو كانت أمًّا، وكتب وول سوينكا (الحائز على نوبل 1986) قصائده ومسرحياته بروح من يقاوم العدم.
• المسرح: حيث مزج نغوجي الطقوس الشعبية بالحكاية السياسية، وجعل المسرح ساحة حوار بين الشعب والسلطة.
• الرواية: من موسم الهجرة إلى الشمال للطيب صالح، حيث يلتقي السودان بلندن في حوار دموي مع الآخر، إلى الأشياء تتداعى حيث تتجسد مأساة الاستعمار.

الأدب الأفريقي ليس نصًا عابرًا، بل وثيقة حياة. إنه ذاكرة شعب قاوم المحو، وأسطورة قارة تتكلم بلسان الشجر والحجر، وتصرّ أن تُسمع للعالم صوتها. إنه أدب يجمع بين الطبل والكتاب، بين الأمثال والحبر، بين الحاضر والماضي.
وإذا كان الاستعمار قد حاول أن يصادر لغته، فإن الأدب الأفريقي أثبت أن الكلمة أعتى من السيف، وأن ذاكرة الأرض لا تُمحى ما دامت تروى بالقصائد والروايات.
مراجع للاستزادة
• تشينوا أتشيبي، الأشياء تتداعى، 1958.
• الطيب صالح، موسم الهجرة إلى الشمال، 1966.
• آي كوي أرماه، لم يولد الأجمل بعد، 1968.
• ليوبولد سيدار سنغور، قصائد مختارة.
• نغوجي واثيونغو، تفكيك ذهن المستعمر، 1986.
• تشيماماندا نغوزي أديتشي، نصف شمس صفراء، 2006.
• وول سوينكا، موت الفارس الملكي، 1975.
• فرانز فانون، معذبو الأرض، 1961.



#محمد_بسام_العمري (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الحاج مراد: أسير التوقعات بين أنين الروح وشهقات الزمن
- -فضول الإنسان: بين الحاجة المعرفية وانتهاك الحريات-
- من خدش بسيط إلى عدوى خطيرة: أمراض قد تنقلها القطط للبشر
- الخطوة الأخيرة: حين ابتلعني ظلّي
- الشعر الحر: ثورة إبداعية في مواجهة التفعيلة التقليدية-
- الإنسان بين غموض الذات وأسرار الكون
- الشعر والزمن في فكر العقاد: تعميق اللحظات وإغناء التجربة الإ ...
- النجمة التي لا يراها سوانا
- - فلسفة المناعة العاطفية في عالم لا يعرف الحنان-
- حكاية الفصول
- صراع الفكر الحر مع سلطة الدين عبر التاريخ-
- -التحرش سببه ملابس المرأة أم أخلاق الرجل؟-
- الأكسجين والغباء في منظور إنساني وفلسفي
- الوطن بين الفلسفة والسياسة والاقتصاد والنفس: رؤية شاملة
- فلسفة الحب والتفرد في كلمات نزار قباني
- جمال التوافق الأدبي والفكري بين الزوجين
- إلى أجمل امرأة في الدنيا
- كيف تؤثر التحولات الاجتماعية على مفهوم الزواج؟-
- -الوطن وحقوق المواطن: نحو مجتمع يقوم على الكرامة والحرية-
- -ظلّ رجل على الهامش-


المزيد.....




- فيديو.. 24 دقيقة تصفيق لفيلم -صوت هند رجب- في مهرجان فينيسيا ...
- فيلم -صوت هند رجب- يهز مهرجان فينيسيا
- بطل فيلم -صوت هند رجب- يحكي ردود الفعل الغربية
- وزير الثقافة الفلسطيني السابق أنور أبو عيشة: لا حل غير الاعت ...
- خدعوك فقالوا: الهوس بالعمل طريقك الوحيد للنجاح
- بـ24 دقيقة من التصفيق الحار.. -صوت هند رجب- لمخرجة تونسية يه ...
- تصفيق حار استمر لـ 14 دقيقة بعد انتهاء عرض فيلم -صوت هند رجب ...
- -ينعاد عليكم- فيلم عن الكذب في مجتمع تبدو فيه الحقيقة وجهة ن ...
- رشحته تونس للأوسكار.. فيلم -صوت هند رجب- يخطف القلوب في مهرج ...
- تصفيق 22 دقيقة لفيلم يجسد مأساة غزة.. -صوت هند رجب- يهزّ فين ...


المزيد.....

- الثريا في ليالينا نائمة / د. خالد زغريت
- حوار السيد حافظ مع الذكاء الاصطناعي. الجزء الأول / السيد حافظ
- يوميات رجل غير مهزوم. عما يشبه الشعر / السيد حافظ
- نقوش على الجدار الحزين / مأمون أحمد مصطفى زيدان
- مسرحة التراث في التجارب المسرحية العربية - قراءة في مسرح الس ... / ريمة بن عيسى
- يوميات رجل مهزوم - عما يشبه الشعر - رواية شعرية مكثفة - ج1-ط ... / السيد حافظ
- . السيد حافظيوميات رجل مهزوم عما يشبه الشعر رواية شعرية مك ... / السيد حافظ
- ملامح أدب الحداثة في ديوان - أكون لك سنونوة- / ريتا عودة
- رواية الخروبة في ندوة اليوم السابع / رشيد عبد الرحمن النجاب
- الصمت كفضاء وجودي: دراسة ذرائعية في البنية النفسية والجمالية ... / عبير خالد يحيي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمد بسام العمري - الأدب الأفريقي: ذاكرة تتكلّم بلسان الأسطورة وصوت الأرض