أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - قضايا ثقافية - محمد بسام العمري - الشعر والزمن في فكر العقاد: تعميق اللحظات وإغناء التجربة الإنسانية















المزيد.....

الشعر والزمن في فكر العقاد: تعميق اللحظات وإغناء التجربة الإنسانية


محمد بسام العمري

الحوار المتمدن-العدد: 8452 - 2025 / 9 / 1 - 07:11
المحور: قضايا ثقافية
    


عباس محمود العقاد، الأديب والفيلسوف المصري، كان ينظر إلى الشعر كوسيلة لتحويل اللحظات العابرة إلى تجارب ذات معانٍ عميقة تتجاوز حدود الزمن. من خلال إبداعه الأدبي وأفكاره الفلسفية، رأى العقاد أن الشعر يمتلك القدرة على تعميق التجربة الإنسانية وجعل كل لحظة عابرة تحمل قيمة دائمة. في هذا المقال، نتناول رؤية العقاد لعلاقة الشعر بالزمن، وكيف استطاع من خلال كلماته وأفكاره أن يُغني حياتنا بالمعاني والتجارب الإنسانية، مع الاستشهاد بمقاربات من الشعر والفلسفة العالمية التي تتقاطع مع رؤيته.
عباس محمود العقاد، الأديب والفيلسوف المصري، الذي ترك بصمات لا تُنسى في الأدب والفكر العربي، كان يحمل نظرة فريدة ومتميزة للحياة. من خلال كلماته وأقواله، عبر عن رؤى فلسفية عميقة تنم عن تفكير متأمل وتجربة حياتية غنية. في هذا المقال، نتناول ثلاثة من أقواله الشهيرة، ونحلل معانيها ونتناولها من زاوية أدبية وفلسفية مع مقارنة بشواهد من الأدب والفلسفة العالمية.
في الحياة التي نعيشها بأشكالها وألوانها، بخيرها وشرها، بجمالها وقبحها، تفرض علينا علاقتنا بالآخرين رؤية مزدوجة تجمع بين حسن الظن بهم والاعتماد على النفس. يقول العقاد: "أحسن الظن بالناس كأنهم كلهم خير واعتمد على نفسك كأنه لا خير في الناس." هذه الكلمات تلخص فلسفة العقاد في الحياة، التي تجمع بين التفاؤل الواقعي والاستقلالية الذاتية. يدعونا العقاد إلى رؤية الخير في الناس، والتعامل معهم بإيجابية، ولكن دون أن نتخلى عن الاعتماد على الذات.
هذه النظرة الثاقبة تجد صداها في فلسفة الرواقية، كما عبّر عنها ماركوس أوريليوس، الذي أكد على أهمية الاعتماد على القوة الداخلية وعدم السماح لسلوك الآخرين بالتأثير على سلامنا الداخلي. يقول أوريليوس في كتابه "تأملات": "لا تدع سلوك الآخرين يزعج سلامك الداخلي." هنا، يتلاقى فكر العقاد مع فكر أوريليوس في دعوة الإنسان إلى الاتزان الداخلي والاعتماد على الذات، مع المحافظة على نظرة إيجابية نحو الآخرين. كذلك، يتفق العقاد مع الفلاسفة الشرقيين مثل لاوتسي، الذي أشار في كتابه "التاو تي تشينغ" إلى أهمية التوازن بين التفاعل مع الآخرين والاعتماد على النفس، قائلاً: "من يعرف الآخرين حكيم، ومن يعرف نفسه مستنير." هذا يدعم فلسفة العقاد في الجمع بين رؤية الخير في الناس والحفاظ على الاستقلالية الذاتية.
الأديب المصري نجيب محفوظ في روايته "الحرافيش" يعكس نفس المفهوم عندما يصور شخصياته الرئيسية، التي رغم تفاعلها اليومي مع المجتمع المحيط، تعتمد على قوتها الداخلية لتجاوز التحديات: "المشكلة ليست في الشر الموجود في الخارج، بل في الخير الذي يجب أن نبنيه في الداخل."
في مقولة أخرى، يعبر العقاد عن حبه للشعر وتأثيره العميق في تجربة الإنسان الحياتية: "الشعر يعمق الحياة فيجعل الساعة من العمر ساعات." يرى العقاد أن الشعر يملأ اللحظات القصيرة بمعانٍ وتجارب تفوق حدود الزمن، فهو يضفي على الحياة بعداً إضافياً يجعل من اللحظة العادية لحظة مليئة بالمعاني والمشاعر.
هذه النظرة تتلاقى مع رؤية الشاعر الإنجليزي وليم ووردزورث، الذي كان يعتبر الشعر "فيضًا تلقائيًا من المشاعر القوية." في قصيدته "السحب"، يعبر ووردزورث عن قدرة الشعر على تمديد اللحظات البسيطة وجعلها تحمل عمقًا إنسانيًا أكبر، حيث يكتب: "آه! كم هو عزيز الوقت الحاضر، وقد صار عمره ساعات في لحظات." ونجد هذه الفكرة متجسدة أيضًا في أعمال الشاعر العربي الكبير محمود درويش، الذي قال في قصيدته "على هذه الأرض ما يستحق الحياة": "على هذه الأرض ما يستحق الحياة: نهاية أيلول، سيدة تترك الأربعين بكامل مشمشها، ساعة الشمس في السجن، غيم يقلد سِربًا من الكائنات..." درويش، مثل العقاد، يرى في الشعر وسيلة لتعميق وتوسيع اللحظات، لتمتلئ بالحياة والمعاني. كذلك، يمكن الاستشهاد بالشاعر الألماني غوته، الذي أكد على دور الشعر في تحسين تجربة الحياة. في قصيدته "فاوست"، يعبر غوته عن قدرة الشعر على تخليد اللحظات وإعطائها معاني تفوق الحاضر المادي، حيث يقول: "كل لحظة عابرة يمكن أن تصبح أبدية إذا شُربت بروح شاعرية." وهذا يتماشى مع رؤية العقاد حول دور الشعر في توسيع أفق الحياة وتجربة الإنسان.
عندما سئل العقاد عن سبب عدم زواجه، أجاب ببساطة: "لأنني إنسان مشغول!" هنا يعكس العقاد رؤية عميقة حول قيمة الوقت والانشغال بالإبداع والعمل الفكري. يرى العقاد أن الزواج يتطلب وقتًا وتفانيًا ربما لا يتناسبان مع انشغالاته الفكرية والأدبية، وهذا يعكس مدى تفانيه في عمله وإبداعه. يمكن مقارنة هذا الرأي بما قاله الفيلسوف الألماني فريدريك نيتشه، الذي اعتبر الزواج مؤسسة تتعارض مع حياة الفيلسوف. في كتابه "هكذا تكلم زرادشت"، يعبر نيتشه عن اعتقاده بأن الزواج يتطلب تنازلات ربما لا يستطيع الفيلسوف تقديمها بسبب انشغالاته الفكرية، قائلاً: "إن لم تتزوج، فلن تكون مستعبدًا لعواطف الآخرين." مثل العقاد، يرى نيتشه أن الالتزام بالعمل الفكري والإبداعي قد يتطلب تضحية بالالتزامات الشخصية الأخرى. ويتلاقى هذا الموقف مع أفكار الفيلسوف الوجودي سورين كيركغارد، الذي أشار في كتابه "الخوف والرعدة" إلى أن الانغماس في العمل الفكري يشكل بديلاً عن الالتزامات الاجتماعية، مشيراً إلى أن التركيز على تحقيق الذات يتطلب أحياناً تضحية بالعلاقات الشخصية.
تكشف أقوال عباس محمود العقاد عن رؤى فلسفية وأدبية عميقة تجمع بين التفاؤل الواقعي، والاستقلالية الذاتية، وقيمة الشعر في تعميق تجربة الحياة، والتفاني في الإبداع الفكري. من خلال مقارنته بفلاسفة وشعراء عالميين، نرى أن فكر العقاد يتلاقى مع أفكارهم، مما يعزز من قيمة إرثه الأدبي والفكري. كما يمكن الإشارة إلى الدراسات التي تناولت فكر العقاد، مثل دراسة الدكتور إبراهيم عبد العزيز "العقاد فيلسوف الأدباء وأديب الفلاسفة"، حيث يركز على تأثير الفلسفات الغربية في تشكيل فكره الأدبي والفلسفي، مؤكداً على تأثره بالفلسفة الرواقية والرومانسية، مما يثري النقاش حول رؤيته المتفائلة والواقعية في آن واحد.
تجسد كلماته حكمة عميقة يمكن أن تكون مصدر إلهام لنا في حياتنا اليومية، مشيرة إلى أهمية الاتزان الداخلي، والاعتماد على الذات، والتفاني في العمل والإبداع.



#محمد_بسام_العمري (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- النجمة التي لا يراها سوانا
- - فلسفة المناعة العاطفية في عالم لا يعرف الحنان-
- حكاية الفصول
- صراع الفكر الحر مع سلطة الدين عبر التاريخ-
- -التحرش سببه ملابس المرأة أم أخلاق الرجل؟-
- الأكسجين والغباء في منظور إنساني وفلسفي
- الوطن بين الفلسفة والسياسة والاقتصاد والنفس: رؤية شاملة
- فلسفة الحب والتفرد في كلمات نزار قباني
- جمال التوافق الأدبي والفكري بين الزوجين
- إلى أجمل امرأة في الدنيا
- كيف تؤثر التحولات الاجتماعية على مفهوم الزواج؟-
- -الوطن وحقوق المواطن: نحو مجتمع يقوم على الكرامة والحرية-
- -ظلّ رجل على الهامش-
- أهمية تدريس الرياضيات في رياض الأطفال
- -صمت العطاء وصخب الوهم -
- -في عمق الأرض يكمن السر-
- وصيّة الجرح وردُّ النور
- -إلى فراشتي... حيث يزهر اللقاء في الأبدية-
- عناصر تقييم النص: بين الكاتب والمصحح اللغوي
- ذاكرةٌ قلقة


المزيد.....




- قمة منظمة شنغهاي: الرئيس الصيني يدين -عقلية الحرب الباردة- و ...
- بريطانيا تغلق سفارتها في القاهرة -مؤقتاً- بعد إزالة السلطات ...
- إدانات لقصف استهدف مستشفى شهداء الأقصى، وانطلاق أسطول كسر ال ...
- مؤسسة هند رجب تكشف تسلسل المجزرة الإسرائيلية بمستشفى ناصر
- الكابينيت الإسرائيلي يضع -غزة أولاً-.. ولا صفقة جزئية للأسرى ...
- بولتون يقرع ناقوس الخطر.. لبنان رهينة حزب الله والوقت ينفد
- تقرير: زلزال أفغانستان يقتل 250 شخصا على الأقل
- قمة الصين الأمنية: هل تشهد ولادة تحالف جديد ضد النفوذ الأمري ...
- خارجية بريطانيا تتحدث عن إغلاق مؤقت لمبنى سفارتها في مصر
- في الضفة.. كيف -تعاقب- إسرائيل الدول التي ستعترف بفلسطين؟


المزيد.....

- أسئلة الديمقراطية في الوطن العربي في عصر العولمة(الفصل الساد ... / منذر خدام
- أسئلة الديمقراطية في الوطن العربي في عصر العولمة(الفصل الثال ... / منذر خدام
- أسئلة الديمقراطية في الوطن العربي في عصر العولمة(الفصل الأول ... / منذر خدام
- ازمة البحث العلمي بين الثقافة و البيئة / مضر خليل عمر
- العرب والعولمة( الفصل الرابع) / منذر خدام
- العرب والعولمة( الفصل الثالث) / منذر خدام
- العرب والعولمة( الفصل الأول) / منذر خدام
- مقالات في الثقافة والاقتصاد / د.جاسم الفارس
- مقالات في الثقافة والاقتصاد / د.جاسم الفارس
- قواعد اللغة الإنكليزية للأولمبياد مصمم للطلاب السوريين / محمد عبد الكريم يوسف


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - قضايا ثقافية - محمد بسام العمري - الشعر والزمن في فكر العقاد: تعميق اللحظات وإغناء التجربة الإنسانية