أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - قضايا ثقافية - محمد بسام العمري - كيف تؤثر التحولات الاجتماعية على مفهوم الزواج؟-















المزيد.....

كيف تؤثر التحولات الاجتماعية على مفهوم الزواج؟-


محمد بسام العمري

الحوار المتمدن-العدد: 8447 - 2025 / 8 / 27 - 08:20
المحور: قضايا ثقافية
    


في ظل التحولات الاجتماعية المتسارعة التي يشهدها العالم اليوم، بات مفهوم الزواج يخضع لتغييرات جذرية تتجاوز الأدوار التقليدية للزوجين. لم يعد الزواج يُنظر إليه كالتزام اجتماعي حتمي أو كمعيار لنجاح الفرد في الحياة، بل أصبح خيارًا يخضع لمتغيرات عديدة تشمل التحديات الاقتصادية، تطور القيم الثقافية، وتأثير الحركات الاجتماعية مثل النسوية. هذه التحولات أثرت بشكل كبير على ديناميكيات العلاقات الزوجية، ما جعل الكثير من الشباب يعيدون التفكير في جدوى الزواج وأدوارهم ضمنه. في هذا المقال، نستعرض كيف ساهمت هذه التحولات في إعادة صياغة مفهوم الزواج، من خلال تحليل فلسفي ودراسات علمية تسلط الضوء على العوامل المؤثرة في هذه الظاهرة المعقدة.
جاءني رجل محبط يشتكي من زوجته، معبرًا عن الصعوبات التي يواجهها في التعامل مع توقعاتها المتغيرة. هذه الشكوى تبرز التحديات الحديثة في العلاقات الزوجية، حيث لم تعد الأدوار التقليدية كافية لتحقيق السعادة الزوجية.
يوضح إريك فروم في كتابه "فن الحب" أن الحب الناضج يتطلب التوازن بين الاستقلالية والتواصل العاطفي، حيث يجب أن يشعر كل طرف بأنه حر ومسؤول عن نفسه، في حين يظل ملتزمًا بدعم الآخر. هذا يتوافق مع الحاجة المتزايدة اليوم إلى تعزيز التفاهم المتبادل بين الشريكين للتعامل مع الضغوطات المختلفة، من خلال تقاسم الأدوار والمسؤوليات العائلية.
أظهرت دراسة نشرتها "Journal of Marriage and Family" أن الأزواج الذين يتمتعون بتواصل فعال وتفاهم واضح حول تقسيم الأدوار والمسؤوليات داخل الأسرة يكونون أكثر قدرة على تجاوز الأزمات، فيما تزداد النزاعات عندما تكون الأدوار غير واضحة أو عندما يُشعر أحد الطرفين بأن التضحيات غير متوازنة.
مع ظهور الحركة النسوية وانتشارها عبر وسائل التواصل الاجتماعي، تغيرت ديناميكيات العلاقات الزوجية، حيث باتت النسويات يطالبن بالمساواة في الحقوق والأدوار، مما أثر على تصورات الشركاء التقليدية.
ناقشت سيمون دي بوفوار في كتابها "الجنس الآخر" فكرة تحرير المرأة من الأدوار الاجتماعية التقليدية، وأن تحقيق المساواة يتطلب إعادة تعريف هذه الأدوار. في هذا السياق، نجد أن النسوية لا تهدف فقط لتحرير المرأة، بل أيضًا إلى تحرير الرجل من الأدوار التقليدية التي تلزمه بتقديم الدعم المادي وحده. هذا التغير قد يفسر شعور الشباب بالضياع أو العزوف عن الزواج عندما تتعارض توقعاتهم مع المتطلبات الحديثة.
أظهرت دراسة من جامعة "روتجرز" أن الحركة النسوية أسهمت بشكل غير مباشر في تزايد العزوف عن الزواج، حيث أوضحت الدراسة أن زيادة وعي النساء بحقوقهن ودعم الاستقلالية الذاتية دفع بالكثير منهن لتأجيل الزواج لتحقيق أهداف مهنية وشخصية. هذا بدوره أثّر على توقعات الشباب، حيث لم تعد الأدوار التقليدية مقبولة كما كانت في الماضي.
من بين العقبات التي تواجه الشباب اليوم، تأتي التحديات الاقتصادية في المقدمة. الزواج في العصر الحديث يتطلب موارد مالية كبيرة، مما يجعل الالتزام بالعلاقة الزوجية تحديًا.
يرى كارل ماركس في تحليلاته الاجتماعية أن التغيرات الاقتصادية تؤثر بشكل جوهري على العلاقات الإنسانية. فحين يتغير البُنى الاقتصادية، تتغير طبيعة العلاقات الاجتماعية بما فيها الزواج، حيث يصبح الزواج أقل جاذبية عندما تكون الضغوط المالية متزايدة، ويتعين على الأزواج تقاسم المسؤوليات بشكل متساوٍ.
وفقًا لدراسة نشرتها "مجلة علم النفس الاجتماعي"، تبيّن أن الأعباء المالية تُعتبر من أهم الأسباب التي تدفع الشباب للعزوف عن الزواج. الدراسة أوضحت أن الشروط المالية المتزايدة، بما في ذلك التكاليف المرتبطة بتكوين أسرة، قد تجعل الزواج التزامًا صعب التحقيق، خصوصًا في ظل عدم الاستقرار المالي. وتزداد هذه التحديات مع ارتفاع توقعات النساء للمساواة في الأعباء الاقتصادية داخل الأسرة.
وسائل التواصل الاجتماعي، وخاصة الفيسبوك، أسهمت في تعزيز الوعي النسوي ونشر قضايا المرأة. النقاشات النسوية التي تُثار عبر هذه المنصات أسهمت في تغيير المفاهيم المتعلقة بالعلاقات الزوجية والأدوار التقليدية.
يشير الفيلسوف المعاصر مانويل كاستلز إلى أن الثورة الرقمية غيّرت من طبيعة العلاقات الإنسانية بشكل جذري، حيث أصبحت المواقف والمفاهيم تنتشر بسرعة، وتؤثر على البُنى الاجتماعية التقليدية. هذا ينطبق على الحركة النسوية، التي استفادت من وسائل التواصل الاجتماعي لإعادة تشكيل الأدوار والحقوق بين الرجل والمرأة.
دراسة أجرتها "جامعة كاليفورنيا" حول تأثير وسائل التواصل الاجتماعي على القيم الاجتماعية بينت أن الفيسبوك والمنصات الأخرى لعبت دورًا في نشر الأفكار النسوية وإعادة تشكيل تصورات الشباب حول الزواج. فالنساء اللواتي يطالبن بالمساواة والدفاع عن حقوقهن على هذه المنصات يسهمن في تغيير مواقف الرجال أيضًا، ما يؤدي إلى إعادة النظر في مفهوم الزواج التقليدي.
في ظل التحديات الاجتماعية والاقتصادية والتحولات في الأدوار، يجب إعادة النظر في القيم الجوهرية التي تبني العلاقات الزوجية، وأهمها الرحمة.
أشار الفيلسوف أبو حامد الغزالي إلى أن الرحمة هي جوهر التعايش الإنساني، وأنها تتضمن التسامح والتفاهم المتبادل. فبدون الرحمة، تصبح العلاقات الزوجية محكومة بالمصالح والمتطلبات المادية، مما يفقدها عمقها الروحي والإنساني.
أظهرت دراسة أجرتها جامعة "هارفارد" أن الأزواج الذين يعبرون عن مشاعر الرحمة والتعاطف تجاه بعضهم البعض يكونون أكثر قدرة على مواجهة التحديات العائلية. أكدت الدراسة أن العلاقات التي تقوم على الرحمة تفوق العلاقات التي تعتمد فقط على الحب العاطفي، حيث تمنح الرحمة مساحة أكبر للتفاهم المتبادل والتضحية المشتركة.
تكشف هذه الشواهد والدراسات أن التحولات الاجتماعية والاقتصادية، إضافة إلى تأثير الحركة النسوية، أسهمت في إعادة تشكيل مفهوم الزواج، مما أدى إلى زيادة العزوف عنه. بالرغم من هذه التغيرات، تظل القيم الجوهرية مثل الرحمة والتفاهم والتواصل الفعال أساسيات لبناء علاقة زوجية ناجحة ومتكاملة، حيث يمكن لهذه القيم أن تكون ركيزة للتكيف مع التحولات المعاصرة.



#محمد_بسام_العمري (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- -الوطن وحقوق المواطن: نحو مجتمع يقوم على الكرامة والحرية-
- -ظلّ رجل على الهامش-
- أهمية تدريس الرياضيات في رياض الأطفال
- -صمت العطاء وصخب الوهم -
- -في عمق الأرض يكمن السر-
- وصيّة الجرح وردُّ النور
- -إلى فراشتي... حيث يزهر اللقاء في الأبدية-
- عناصر تقييم النص: بين الكاتب والمصحح اللغوي
- ذاكرةٌ قلقة
- مذكّرات كاتب فقد صوته
- -الصراع بين القلب والعقل: تحليل أدبي وفلسفي لنص الأخطل الصغي ...
- الألعاب التربوية وأهميتها في رياض الأطفال: شواهد دراسية
- غيمة مرهقة
- أدب الطفل ومكانته في الأدب العربي
- سحر الإيقاع في الشعر العربي: بين التوتر النفسي ومرونة البنية ...
- حكاية فراشة بين النار وأزهار الصبار
- أوركسترا الخلاص: سيمفونية النجاة
- -بين رغيف السلطان وجوع الروح-
- الصفصاف الهرم


المزيد.....




- أخطر حريق في تاريخ هونغ كونغ الحديث يدمر 7 أبراج سكنية.. شاه ...
- حريق كارثي في هونغ كونغ.. النيران تلتهم 8 أبراج مخلفةً 13 قت ...
- هل تشير الضغوط الأميركية على أوكرانيا إلى اقتراب نفاد صبر تر ...
- صحة غزة تتسلم جثامين 15 شهيدا عبر الصليب الأحمر
- توثيق آلاف الخروقات الإسرائيلية البرية والجوية في لبنان
- فرنسا.. محكمة النقض تؤيد الحكم بسجن ساركوزي
- عالِم عربي يعيد تعريف المواد عبر الكيمياء الشبكية ومرسيدس تق ...
- هل يصمد انقلاب غينيا بيساو أمام الضغوط الإقليمية والدولية؟
- صحافة عالمية: غزة تواجه الشتاء الأقسى منذ عقود
- مقتل 5 عمال جراء انفجار مستودع ذخيرة في ريف إدلب


المزيد.....

- قصة الإنسان العراقي.. محاولة لفهم الشخصية العراقية في ضوء مف ... / محمد اسماعيل السراي
- الثقافة العربية الصفراء / د. خالد زغريت
- الأنساق الثقافية للأسطورة في القصة النسوية / د. خالد زغريت
- الثقافة العربية الصفراء / د. خالد زغريت
- الفاكهة الرجيمة في شعر أدونيس / د. خالد زغريت
- المفاعلة الجزمية لتحرير العقل العربي المعاق / اسم المبادرتين ... / أمين أحمد ثابت
- في مدى نظريات علم الجمال دراسات تطبيقية في الأدب العربي / د. خالد زغريت
- الحفر على أمواج العاصي / د. خالد زغريت
- التجربة الجمالية / د. خالد زغريت
- الكتابة بالياسمين الشامي دراسات في شعر غادة السمان / د. خالد زغريت


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - قضايا ثقافية - محمد بسام العمري - كيف تؤثر التحولات الاجتماعية على مفهوم الزواج؟-